صلاة مريض يقرّ بذنبه

 

صلاة مريض يقرّ بذنبه

مزمور 38

1- نصلّي فنستسلم ؟

أحبّائي، أسبوع بعد أسبوع نقرأ المزامير، نتأمّل فيها. المطلوب لا أن نقرأها كلّها دفعة وحدة، المطلوب أن نقرأ كلّ يوم بضع أيات، نتأمّل فيها، نحفظها غيبًا، نجعلها في حياتنا. هي لا تعطي جوابًا مؤقّتًا على حاجة مؤقّتة. هناك أشخاص يعتبرون أنّهم يجدون فيها الدواء كما يجدون الصحّة لأجسادهم من دواء يأخذونه لدى الطبيب أو لدى الصيدليّ.

المزامير هي زاد حياتنا، يأتي في الوقت المناسب. فالربّ لا يعمل معنا أعمال السحر، نفتح المزمور، نقرأه فنجد الجواب. كلاّ هذا عمل سحريّ.

الربّ يكلّمنا من خلال كلامه، هذا ما لا شكّ فيه. يكلّمنا من أعماق قلوبنا. ولكن هل يعطينا الجواب خالصًا مخلّصًا؟ كلاّ بل يعطينا العناصر لكي نكتشف نحن الجواب. هو يحسبنا كبارًا، بالغين، لا أطفالاً بعقولنا وقاصرين. كلاّ ثمّ كلاّ. لهذا السبب عندما نتأمّل المزامير، لا نبحث عن الجواب على حاجة ملحّة. الربّ يعرف يكف يلبّي حاجاتنا، الربّ ليس في خدمتنا، بل نحن في خدمته. نحن لا نفرض أمورنا على الله. هو يفرض ذاته، مشيئته، لا لأنّه إله مستبدّ وله أن يفعل ما يشاء. كلاّ. بل لأنّه إله محبّ ويوجّه أبناءه وبناته تدريجيٌّا ،ينمّيهم شيئًا فشيئًا يعطيهم ما يحتاجون إليه لا ما يرغبون به من عاطفة خارجيّة لا تذهب إلى البعيد.

إن طلبوا حيّة لا يعطيهم حيّة، بل يعطيهم سمكة، إن طلبوا حجرًا لا يعطيهم حجرًا بل يعطيهم خبزًا.

2 - نصلّي فنغتذي

ونحن عندما نقرأ المزامير نتغذّى منها، نأخذ القوّة منها. وحين تاتي التجربة، حين تأتي الصعوبة، حين يأتي المرض حين يأتي الموت، يكون عندنا من القوّة الكافية التي تساعدنا على مجابهة الصعاب، على محافظة  على الأمانة ؟، على التعلّق الدائم بالرب، سواء رأينا أم لم نر. فما نرى هو لزمان، وما لا نراه فهو إلى الأبد.

ومرّات عديدة لا نرى، فنحتاج إلى كلام الله لكي ينير عيوننا، يفتح عيوننا، يعطينا عيونًا جديدة لكي نرى ما لا يرى.

والمزمور 38 الذي نقرأه الآن يرينا هذا المريض الذي لا يرى ويعاتب الله. وفي النهاية سوف يرى بعد أن يمرّ في الإيمان مع الله.

هذه هي صلاة المزامير. هي نور لنا هي غذاء لنا يقوّينا. نحن أحبّائي بحاجة إلى مقوّيات كما نقول هي عالم الطبّ. وفي عالم الحياة الروحيّة نحن نحتاج إلى مقوّيات. الصلاة تقوّينا، المشاركة في القدّاس الإلهي تقويّنا، حياة المحبّة تقوّينا. وخصوصًا كلام الله يقوّينا، يعطينا غذاء. غذاء الطريق مهما كان طويلاً.

والجميل في هذه المزامير أنّ كلّ مزمور يقدّم لنا عاطفة من العواطف التي بها نتقرّب إلى الربّ.

في المزمور 37؛ رأينا المؤمن يتشكّك يرتاب في عدالة الله، يرتاب في حضور الله. أترى الله حاضرًا؟ أتراه يفعل؟ إن كان حاضرًا، فكيف يسمح أن تكون الأمور هكذا؟ وإن كان عادلاً فكيف يسمح أن ينجح الأشرار ويبقى الأبرار في الفقر والصعوبات والضيقات؟ ولكن المؤمن سوف يفهم في النهاية أنّ عليه أن يحتمي في الربّ، أن يتحصَّن في الربّ، والربّ يعرف كيف يفعل ومتى يفعل وماذا يفعل.

3 - بين المرض والخطيئة

أمّا المزمور 38 فهو صلاة المريض الذي يحسّ بنفسه خاطئًا. نتذكّر أحبّائي قبل أن نقرأ المزمور أنّ المؤمن في العهد القديم ربط بين الخطيئة وبين المرض، بين الخطيئة وبين المصيبة التي يمكن أن تحلّ بنا. لماذا؟ لأنّه لم يكن يعرف الحياة في الآخرة، لأنّه لم يكن يعرف يسوع المسيح الذي حوّل المرض إلى صحّة، والخطيئة إلى نعمة، وصليب العار إلى صليب المجد، والموت إلى قيامة.

لكن المؤمن في العهد الجديد، ما زال يربط بين الخطيئة وبين المرض. إن هو مرض، إن أحسّ بالمرض، اعتبر أنّه خاطئ، اعتبر أنّ الربّ يعاقبه، وأنّه يغضب عليه كما يغضب السيّد على عبده. كلاّ. ليست الأمور كذلك. والربّ ما أراد أن يتعامل معنا بالعنف لكي يُفهمنا هذا. كلاّ مشى معنا على مهل حتّى نفهم شيئًا فشيئًا، أنّ المرض ليس عقابًا، ليس خطيئة. المرض جزء من حياتنا. وفهمنا خصوصًا مع يسوع المسيح، أنّنا لا نحمل أبدًا صليبنا وحدنا. فكتف يسوع التي اعتادت على حمل الصليب حين صعد إلى الجلجلة، كتف يسوع حاضرة قرب كلّ كتف تحمل صليبنا معنا. بل بعض المرّات تحمل الصليب كلّه وترافقنا، فنحسّ ببعض الراحة. فهو نيره طيّب وحمله خفيف. لا يسمح لنا أن نقع. وإن وقعنا لا يسمح لنا أن نبقى تحت الصليب، أن نبقى ملتصقين بالأرض.

4 - نجادل الله

هذا أحبّائي هي عاطفة المريض الذي يصلّي وعاطفة كلّ واحد منّا عندما يعيش المرض وبعض الأمراض القاسية في أيّامنا. لا شكّ سوف يناقش الله، يجادل الله. بعض المرّات يتّهم الله أنّه هو السبب الأخير لهذا المرض. لا شكّ أنّ حياتنا في يد الربّ، صحّتنا في يده، مرضنا في يده حياتنا في يده، موتنا في يده، ولكن كلّ هذا عوارض. المهمّ سواء متنا أو حيينا فنحن للربّ. سواء مرضنا أو كنّا في صحّة طيّبة نحن للربّ. سواء رافقَنا الفشل أو رافقَنا النجاح فنحن مع الربّ. وفي النهاية ننتصر. ويسوع قال لنا لا تخافوا أنا غلبت العالم. إذًا لا أحد يغلبكم. في النهاية النصر الأخير هو المطلوب. الغلبة الأخيرة هي الغلبة الحقيقيّة.

المسيح نفسه سقط أكثر من مرّة تحت الصليب، ولكنّه وصل إلى الجلجلة وبعد الجلجلة إلى القيامة. ونحن يمكن أن نسقط، يمكن بعض المرّات أن نتأفّف من الربّ، أن نجادل الربّ كما فعل أيّوب، ولكن هذا الربّ يعاملنا بأناته، ويقوّينا بقوّته فيكون لنا النصر في النهاية، كما ينتهي المزمور: فبِكَ أنت خلاصي.

بعد هذه المقدّمة الطويلة نقرأ أحبّائي المزمور 38. عنوانه: صلاة مريض وخاطئ، مزمور لداود. مزمور للتذكير. من آ 2: لا تغضب... حتّى آ 23: أنت خلاصي.

إذًا أحبّائي قرأنا المزمور 38: صلاة المريض صلاة الخاطئ. ونبدأ بالعنوان الذي ليس من صلب المزمور. مزمور لداود يعني هو مزمور. إمّا كتبه داود، إمّا صلاّه داود، أو ارتبط بجماعة تنتمي إلى داود.

وفي النهاية كلّ ما يتعلّق بموضوع العبادة والهيكل، إنّما يعود لداود. ثمّ يقول للتذكير، للتذكير بماذا؟ باحتفال يوم السبت. أو بتقدمة البخور.

5 - لا تغضب، لا تحتدّ

يقول لا تغضب يا ربّ في معاتبتي ولا تحتدّ إذا أدّبتني.

نلاحظ هنا ماذا يطلب المؤمن من الربّ: يعاتبه، يسأله، يلومه، ينبّهه، يقول: يا ربّ أنا لا أنزعج إن أنت عاتبتني، إن نبّهتني، إن حذّرتني، إن لُمتني. لا أنزعج أبدًا. لكن يا ربّ ما أريد، هو أن لا تغضب، والغضب يعني العقاب، ويعني في النهاية الموت.

لا شكّ يقول المزمور في موضعٍ آخر. غضب الله لحظة ورحمته إلى الأبد. ولكن المؤمن لا يزال خائفًا، لأن في قلبه بعض أفكار وثنيّة من ذلك الإله الذي يغضب، الذي يعاقب، الذي إن هو زار شعبه فلكيّ يعاقبه. هناك فكرة ليست بخاطئة، وهو أن الإنسان خاطئ. لا شكّ كلّنا عندنا خطأ. كما يقول المزمور: ليس بارّ ولا واحد. فإذا أراد الربّ حقٌّا أن يبحث عن الخطيئة عندنا، فهو يجد عند كلّ واحد منّا، ويستطيع بالتالي أن يغضب أن يعاقب.

ولكن الربّ ليس في النهاية إله الغضب. وهذه الفكرة الوثنيّة التي ما زالت في حياتنا حتّىاليوم، يجب أن ننزعها شيئًا فشيئًا.

عندما يمرض إبننا أو نكون في ضيقة تصرخ الأمّ أو الأخت أو الوالد: ماذا فعلت بالربّ حتّى أصابني ما أصابني؟ هذه أحبّائي فكرة وثنيّة يجب أن ننزعها من قلوبنا.

والجميل في كلّ مزمور، هو أنّه لا يرتفع إلى السماء، إلى السحاب، فلا نستطيع أن نصل إلى ما يريد أن يقوله، إلى العواطف التي يعبر عنها، ولو كانت هذه العواطف لا تليق بالنهاية بالربّ بيسوع المسيح. هذا المزمور يعبّر عن عواطفنا. عندما تكون أيّة صعوبة، نعتبر أنّ الربّ غاضب علينا ويريد أن يعاقبنا. كأنّ الربّ يحمل العصا ويضربنا على أصغر ذلّةٍ يمكن أن تصدر عنّا. لا، يقول هوشع بفم الربّ: أنا لست إنسان أنا إله أعرف الرحمة.

والمؤمن يقول: لا تغضب في معاتبتي. ويوجّه كلامه إلى الربّ يا ليتنا نعرف من هو هذا الربّ الذي يرحم إلى ألف جيل، يرحم رحمة واسعة لا حدود لها.

إذًا المؤمن يقول: يا ربّ إن عاتبتني فلا تغضب. لا تغضب يا ربّ في معاتبتي، ولا تحتدّ إذا أدّبتني.

6 - حين تؤدّبنا

يرضى المؤمن أن يؤدَّب. وتقول لنا الرسالة إلى العبرانيّين: من الذي يؤدّبه الله؟ إبن الزنى لا يؤدّبه. هو ليس إبنه. هو يؤدّب إبنه الحقيقيّ. يقول لنا الكتاب: إذا كنتم أبناء حقٌّا لا أبناء زنى، فافرحوا لأنّ الله يؤدّبكم، وإذا كان الله لا يؤدّبكم لا سمح الله، كنتم أبناء زنى، ما كنتم أبناء شرعيّين، ما كنتم إخوة الابن الوحيد يسوع المسيح.

كلّ ما يحصل لنا في الحياة إنّما هو لتأديبنا، لتنبيهنا، لتحذيرنا، حتّى ننمو في القامة والحكمة والنعمة. نحن ننمو من خلال الفشل ومن خلال النجاح، ننمو من خلال المرض ومن خلال الصحّة، النموّ متواصل شرط أن نربط حياتنا بحياة يسوع.

ويتابع المؤمن في آية 3 فيقول سهامك نشبت بي، ويدك ثُقلت عليّ. كان بالإمكان أن يقول: سهام المرض ويد المرض وصعوبة المرض. كلاّ ترك الأسباب الثانية. نقول نحن: أصابتني الحمى فمرضتُ أو جاءتني عدوى فمرضت، ضعفت. كلاّ. وصل المؤمن حالاً إلى الربّ الذي هو أساس حياتنا، أساس صحّتنا، أساس مرضنا.

سهامك أنت نشبت بي، كأنّ الربّ أخذ قوسه وأطلق سهامه على هذا المؤمن. عليّ أنا. لا بشكل عامّ، أنا حبيبك تقيّك الذي أحاول أن أحفظ وصاياك، سهامُك نشبتّ بي.

ويتابع: يدك ثقلت عليّ.

نلاحظ ضمير المخاطب: سهامك أنت. وضمير المتكلّم: بي أنتَ، ثمّ يدك، أنت عليّ أنا. كأنّ المؤمن يحسّ أنّ الله هو عدوّ له، لهذا يكلّمه بمثل هذا الكلام. نتذكّر هنا كلام ايّوب الذي أصابته المصائب الكثيرة. إعتبر أنَّ الله يلاحقه، لا يتركه يبلع ريقه، لا يتركه يأخذ نفس. كلاّ. وهذا المؤمن أحسّ بثقل المرض، فاعتبر أنّ هذا الثقل ليس فقط ثقل المرض بل ثقل يد الربّ. تخيّلوا والدًا يضع يده على رأس ابنه حتّى يسحقه أو أمٌّا تضع يدها على رأس ابنتها لتسحقها.غير معقول.

ومع ذلك هذا المؤمن، هذا المرتّل يعاتب الربّ، قال له: لا تعاتبني. ولكنّه في الواقع هو الذي يعاتب الربّ، ويقول له: أنت أطلقت سهامك عليّ، أنت جعلت يدك ثقيلة عليّ، وكأنّك تريد أن تسحقني بشدّة الألم. الإنسان يمكن أن يقول الكثير عن الله، ولكن الله يسمع، ولكن الله يرضى أن نعاتبه مهما كان عتابنا قاسيًا. فهو أب حنون وهو أب محبّ. وما أجملنا عندما نتألّم، أن نرفع عيوننا إلى الربّ، ولو أردنا أن نعاتبه، لا أن ندير وجهنا إلى الحائط وكأنّنا لا نريد أن نسمع أحدًا ولا أن نرى أحدًا.

أعطنا يا ربّ هذه النعمة: عندما يشتدّ المرض في حياتنا، أن نتطلّع إليك، أن نحدّثك، والحديث معك ينتهي في النهاية إلى الراحة، لأنّك أنت قلت: نيري طيب وحملي خفيف. آمين.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM