صلاة إنسان قريب من الموت

 

صلاة إنسان قريب من الموت

1 - قراءة المزمور28

أحبّائي، هذا المزمور يبدأ: إليك يا ربّ أصلّي.

الإنسان لا يصرخ إلاّ ليُسمع صوتَه. الإنسان لا يصرخ إلاّ إذا كان في ألم، في ضيق، في وجع. وهذا المؤمن يصرخ لأنّه أحسّ أنّ حياته صارت إلى النهاية، أنّه اقترب من الموت. ولهذا كان صراخه بشكل صلاة إلى الربّ لكيّ يخلّصه من الموت، لكي يخلّصه من بعض أعدائه.

هذا هو المزمور 28 الذي نتأمّل فيه الآن.

إليك يا ربّ أصرخ، يا خالقي لا تسكت عنّي، إن أنت تحاشيتني أصير كالهابطين إلى القبر. استمع إلى تضرّعي حين أستغيث رافعًا يديّ إلى محرابك المقدّس.

لا تجمعني مع الأشرار، مع الذين يفعلون الإثم. يكلّمون أصحابهم بالسلام وفي قلوبهم يكمن الشرّ. جازهم شرٌّا على أفعالهم، على ما يعملون من السيّئات، جازهم على ما صنعت أيديهم وعاملهم بما يستحقّون. هم لا يفهمون أعمالك يا ربّ، ولا ما أبدعت يداك، لذلك تهرسهم هرسًا يا ربّ ولا تقيم لهم قائمة.

تبارك الربّ لأنّه يستمع إلى صوت تضرّعي، الربّ عزّتي وترسي وعليه توكّل قلبي. نصرَني فابتهج قلبي وبنشيدي أحمده. الربّ عزّة لشعبه، وحصن خلاصٍ للملك الذي مسحه. خلّص شعبك، بارك ميراثك، وارعهم وارفعهم إلى الأبد.

2 - خلِّصني من بغض أعدائي

إذًا، قرأنا المزمور 28. هو مزمور توسّل ينشده المرتّل طالبًا من الربّ أن يخلّصه من بغض أعدائه القاتل. هو متأكّد أنّ الله سيستجيب له. الربّ عزّتي عليه اتّكل قلبي. إنّه يصرخ، وهو آتٍ إلى الهيكل ليجد فيه ملجأ، بعد أن اتّهموه ظلمًا. ومثل هذا الاتّهام، يمكن أن يقود إلى الموت.

ولكن أترى الربّ لا يسمع، أترى الربّ يُصمّ أذنيه عن صراخ المساكين، عن صراخ المظلومين؟ كلاّ. هو سوف يتدخّل، فلا يبقى على المؤمن إلاّ أن يُنشد للربّ نشيد الشكر، نشيد الفرح، فيقول: تبارك الربّ.

نلاحظ، أحبّائي، في هذا المزمور أنّ المؤمن وقف على مدخل الهيكل، تطلّع إلى المحراب المقدّس، إلى ما يمكن أن نسمّيه قدس الأقداس. إلى هناك تصل عيناه حيث حضور الربّ الخفيّ. تتوجّه عيناه إلى المحراب المقدّس ويداه ترتفعان وتنفتحان، ترتفعان وكأنّهما تريدان أن تتمسّكا بالله، وتنفتحان لتقبلا النعم الآتية من المكان المقدّس.

العينان تتوجّهان إلى المحراب، واليدان ترتفعان وتنفتحان. والفم يصلّي ويصرخ عاليًا، لكي يصل صوته إلى عمق الهيكل فلا يبقى الله صامٌّا أذنيه عنه. لا شكّ في أنّ الربّ لا يصمّ أذنه عنّا، ولكن صرختنا تدلّ على عمق ألمنا، على عمق وجعنا. وماذا أمام هذا المرتّل؟ هناك الأشرار العديدون.

نلاحظ على مستوى العهد القديم، الكتاب لا يميّز بين الشرّ والأشرار، هو يريد أن يزول الأشرار، لماذا؟ ليزول شرّهم معهم. فحين يُقتل الشرّير يُقتل معه الشرّ.

ولكن مع العهد الجديد، هناك تمييز. الربّ يرفض الخطيئة ولكنّه يستقبل الخاطئ أحسن استقبال، الربّ يطلب منّا أن نصلّي من أجل أعدائنا، من أجل الذي يضطهدوننا. الاضطهاد شيء بشع، العداوة شنيعة. لا يمكن إلاَّ أن تهدم البيوت وأن تترك الشرّ وراءها، ولكنّ الربّ هو الذي يعرف أن يميّز. وفي أيّ حال إن مات هؤلاء الأشرار، إن اقتُلع هؤلاء الأشرار، فسيَنبت أشرارٌ آخرون معهم.

3 - فأنا آتٍ إلى هيكلك

هنا نتذكّر الشبكة التي فيها من كلّ جنس. ونحن حين يموت الأشرار، حين يُقتل الخطأة، لا نحسب يومًا واحدًا أنّ الشرّ اختفى وأنّ الخطيئة امَّحت. كلاّ ثمّ كلاّ ثمّ كلاّ. هو سيبقى. فماذا يبقى على المؤمن أن يفعل؟ يأتي فيستجير بالربّ، يأتي إلى هيكل الربّ. ولكنّ الربّ لا يستقبل أيٌّا كان. أليس هو الإله الرحيم؟ نعم. أليس هو الحنون؟ نعم.

ومع ذلك هو ليس بالإله الضعيف الذي يقبل أيٌّا كان. فله شروطه. وهنا نتذكّر مثل وليمة العرس: هذا الذي لم يكن عليه لباس العرس طُرد خارجًا. والربّ يضع شروطه: من يعيش بحسب وصاياه، من يكون قلبه مستقيمًا فلا يميل إلى اليمين، إلى اليسار. هذا يستقبله الربّ. من يداه طاهرتان، وقلبه نقيّ، وعينه سليمة، وقلبه حارّ في محبّة الله، يستقبله الله أيَّ استقبال.

بعد كلّ هذا نعود إلى قراءة المزمور 28، نقرأه آية آية ونفهم أنّه صرخة إنسان، أنّه صلاة إنسان قريب من الموت. يقول: إليك يا ربّ أصرخ، يا خالقي لا تسكت عنّي، لا تسكت عنّي يعني حامِ عنّي، دافع عنّي، تكلّم حتّى يظهر حقّي ولا يتّهمني الآخرون باطلاً.

إليك يا ربّ أصرخ يا خالقي لا تسكت عنّي.

إن أنت تحاشيتني أصير كالهابطين في القبر. نلاحظ هو لم يصل إلى القبر. إن أنت تحاشيتني أي: عملت نفسك وكأنّك لا تراني. قرّرت ولم تلتفت إليّ. يعني لم تفعل شيئًا بالنسبة إليّ، هذا يعني أنّك تخلّيت عنّي. وحين يتخلّى الله عنّا نصبح كالأموات. لا يعود لنا من وجود. يقول هنا: كالهابطين إلى القبر. إن أنت تحاشيتني أفضل عليّ أن أمضي إلى القبر. ولكنّها فكرة عابرة.

4 - استمع إلى تضرُّعي

لهذا في آية 2 يهتف المرتّل: استمع إلى تضرّعي حين أستغيث رافعًا يديّ إلى محرابك المقدّس. المؤمن ما زال يتضرّع، ما زال يتوسّل إلى الله، لأنّ رجاءَه في الله وحده. استمعْ إلى تضرّعي. الربّ هو من يستمع، يبقى علينا أن نصرخ ونعيد الصراخ مثل ذلك الأعمى في الإنجيل. يا ابن داود ارحمني. أرادوا أن يسكتوه، فصرخ بصوت أعلى. ونحن مرّات عديدة سيقال لنا: لماذا الصراخ؟ ماذا تستفيد من صراخك؟

ونتذكّر امرأة أيّوب التي قالت لزوجها: ما الذي استفدته في اتّقائك للربّ، من حياتك بحسب الربّ؟

أشخاص عديدون يريدون أن يُسكتونا، فلا يصل صوتنا إلى الربّ. أمّا أنا يا ربّ فإنّي أصرخ، إنّي أتضرّع، فإنّي أتوسّل، لأنّي متأكّد أنّك تستمع إليّ. تستمع إليّ حين أستغيث، حين أطلب النجدة، حين أطلب العون، أطلب المساعدة. ولا أكتفي بالصلاة بفمي وصراخي، بل أرفع يديّ إليك، أرفع يديّ إلى محرابك المقدّس. صلاة الشفاه ورفع اليدين. نحن أمام الصلاة العميقة، الصلاة المتألّمة، الصلاة الواثقة.

5 - لا تجمعني مع الأشرار

ويتابع، لا تجمعني مع الأشرار، مع الذين يفعلون الأثم. إن أنت يا ربّ تركتني، إن تحاشيتني يا ربّ، جعلتَني مع الأشرار، حعلتَني مع فاعلي الإثم، يعني الذاهبين إلى الموت، لأنّ الخطيئة هي التي تولّد الموت.

أيّ نوع من الأشرار، أيّ نوع من الأثمة هم؟ في الخارج شيء وفي الداخل شيء آخر: يكلّمون أصحابهم بالسلام وفي قلوبهم يكمن الشرّ. لهم وجهان: وجه مسالم في الخارج، على مستوى اللسان، على مستوى الشفتين، على مستوى الفم. مثل هذا لا يمضي بعيدًا، وفي قلوبهم يكمن الشرّ. يعني يهيّئون الشرّ لي مع أنّهم يقدّمون لي الكلام المعسول، الكلام الحلو. عندئذٍ يطلب المرتّل فيقول: جازِهم على ما صنعت أيديهم، وعاملْهم بما يستحقّون.

هم صنعوا الشرّ فلتكن مجازاتهم الشرّ، هم عاملوني بالسوء،إذًا يستحقّون السوء. في أيّ حال الربّ لا ينتظرنا، ليعرف كيف يعمل؟ كيف يجازي الناس؟ كيف يعاملهم؟ كيف يكافئهم، يعاقبهم؟ الربّ لا ينتظر منّا أن نعلّمه. في الحقيقة ما هو إنسان ليطلب الانتقام، بل هو الله. ولكنّ المؤمن حين يطلب ما يطلب، فهو يريد أن يبتعد عنه هؤلاء، يريد أن يكفّوا شرّهم عنه.

آ 5: هم لا يفهمون أعمالك يا ربّ ولا ما أبدعت يداك، لذلك تهرسهم هرسًا يا ربّ ولا تقيم لهم قائمة.

6 - فأنا فهمتُ أعمالك

هناك المؤمن الذي يفهم، وهناك الشرّير الذي لا يفهم. الأبرار يفهمون أعمال الربّ، يفهمون أعمال يديه، لهذا السبب تكون لهم المكافأة الصالحة. أمَّا الأشرار، فلا يفهمون. لهذا السبب يقول النصّ: تهرسهم هرسًا يا ربّ. أو: اهرسهم هرسًا يا ربّ، ولا تقم لهم قائمة. يعني أعطهم العقاب الأكبر، العقاب القاسي، العقاب الذي يستحقّون.

ويرى المرتّل أنّه وصل إلى ما يريد أن يصل إليه. زال الأشرار من الأرض أو بالأحرى ابتعد الشرّ عنه، نجا من الموت القريب، فهتف في آية 6: تبارك الربّ لأنّه يستمع إلى صوت تضرّعي. أو تبارك الربّ لأنّه استمع إلى صوت تضرّعي. أنا تضرّعتُ إليه وهو استمع، وهو استجاب. الربّ عزّتي وترسي وعليه توكّل قلبي، نصرني فابتهج قلبي وبنشيدي أحمده.

الآية 6 و7 هما صلاة المؤمن من أجل الخلاص الذي منحه الله لحبيبه. أجل هذا المؤمن ما أراد أن يكون مع الأشرار، مع الذين يعملون السيّئات. هو شخص كرّس حياته للربّ. ومع ذلك اتُّهم وكاد الاتّهام يصل به إلى الموت، ولكنّ الربّ خلّصه. لهذا أنشد: تبارك الربّ. استمعَ إلى صوت تضرّعي، نصَرني. لماذا؟ لأنّه هو عزّتي، هو قوّتي، هو ترسي، هو حمايتي. فلا يبقى على المؤمن إلاّ أن يبتهج، أن ينشده، أن ينشد نشيد الحمد، بعد أن نال ما نال من خلاص.

وفي آية 8 يقدّم لنا العبرة: الربّ عزّة لشعبه وحصن خلاص للملك مسيحه. أنا اختبرت هذا وحدي، والشعب كلّه يمكن أن يختبر. أنا قلت الربّ هو عزّتي (آية 7)، فاعلموا أيّها الشعب أنّ الربّ عزّة لكم. أنا قلت الربّ ترسي، فاعلموا أيّها الشعب، واعلم أيّها الملك، أنّ الربّ حصن خلاص.

وتنتهي الصلاة بمباركة الكهنة للمؤمنين: خلِّص شعبك، بارك ميراثك وارعَهم وارفعهم إلى الأبد.

هذه الآية الأخيرة (الآية 9) تنهي صلاتنا نحن اليوم في الكنيسة. مرّات عديدة يقول لنا الكاهن في نهاية الاحتفال: خلّص شعبك، بارك ميراثك وارعَهم وارفعهم إلى الأبد. أنت الخلاص يا ربّ، أنت الميراث، أنت الراعي، أنت من يرفع قلوبنا وعقولنا، بل يرفعنا فوق كلّ شرّ وفوق كلّ خطيئة، لذلك نبتهج بك، ننشد لك، نحمدك يا عزّتنا وترسنا، يا من عليك توكّل قلبنا. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM