الربّ ملك الكون

 

الربّ ملك الكون

المزمور السابع والأربعون

أحبّائي، قراءتنا للمزامير تتواصل. وهناك أوقات خاصّة، أوقات مميّزة، نقرأ فيها المزامير. نتلوها، نتأمّل فيها، ننشدها. أوقات الصوم هي أوقات خاصّة لكي نقرأ المزامير. أسبوع الآلام الذي فيه تُتلى المزامير التي انطلق منها الإنجيليّون حتّى يتكلّموا عن آلام المسيح، مهمّ أن نتلوها في زمن أسبوع الآلام مثلاً: مزمور 22 إلهي إلهي لماذا تركتني؟ أو 32 أو 69 أو غيرها من المزامير

1 - الله الخالق والسيّد

واليوم المزمور الذي نقرأه هو المزمور 47. يحدّثنا عن الربّ الذي هو ملك الكون، الذي هو سيّد الكون. الربّ هو الخالق. والصفحة الأولى من الكتاب المقدّس تحدّثنا عن الله الذي خلق السماوات والأرض. خلق كلّ شيء، إذًا، هو ملك على كلّ شيء لأنّه يمتلك كلّ شيء، وهو سيّد الكون، ما في السماء وما على الأرض. هو ملك في قلب كلّ إنسان منّا. هو ملك في كلّ أرض من أراضينا، في كلّ بلد من بلداننا، وهو ملك في الكون كلّه.

وهذا الملك نجده بشكل خاصّ مع يسوع المسيح الذي قال فيه القدّيس بولس في الرسالة إلى كولوسّي: هو يملك على كلّ شيء، ما هو في السماء وما على الأرض، وما تحت الأرض. هو السيّد، سيّد الكلّ، هو سيّد الحياة وسيّد الموت. ونضيف بشكل خاصّ أنّ الملك الحقيقيّ لدى شعب الربّ ليس داود ولا سليمان، ولا آخاب، ولا حزقيّا، ولا أيّ ملك من ملوك الأرض. الملك الحقيقيّ عند الشعب العبرانيّ هو الله. أمّا الملك الذي نراه بعيوننا وعلى رأسه التاج وبيده الصولجان، فهو يقوم مقام الله. هذا يعني أنّه لا يمكن أن يرتفع فوق كلمة الله، لا يمكن أن يحسب نفسه مساويًا لله، يقرّر ما هو خير وما هو شرّ. كلاّ ثمّ كلاّ. وداود أفصح مثل على هذا الأمر: اعتبر أنّه يستطيع أن يأخذ امرأة أوريّا الحثّيّ، هذا القائد الذي كان ربّما من أصل وثنيّ. لكنّ الربّ لم يسمح له بذلك. اعتبر الملك أنّه يستطيع أن يرسل أوريّا إلى الحرب وإلى الموت، لكي تكون له امرأته، هذا لا يكون. من أجل هذا جاء النبيّ الذي يحمل كلام الله، الذي يمثّل كلام الله، جاء النبيّ ينبّهه إلى خطيئته. ولمّا قال الملك: هذا الرجل الذي زنى وقتل وسرق يستحقّ الموت، أجابه ناثان النبيّ: أنت هو هذا الرجل الذي يستحقّ الموت. يعني: هذا الرجل هو خاطئ وعليه أن يقدّم الحساب للربّ الإله، عليه أن يجازى أمام الديّان سواء فعل الخير أم فعل الشرّ. لا شكّ. الضعفاء على الأرض يدينهم قضاة الأرض وحكّامها. أمّا الملك فالله هو الذي يدينه.

ونتذكّر هنا القدّيس بولس الذي يقول: ديّان واحد للسيّد وللعبد، للكبير والصغير، للرجل والمرأة، للشيخ والطفل. الديّان هو واحد.

أجل، الربّ ملك الكون كما نقرأ في المزمور 47.

آية 2: صفّقوا لله... حتّى آية 10: وهو متعالٍ جدٌّا.

2 - الله الحاضر

وهكذا قرأنا المزمور 47 الربّ ملك الكون الربّ سيّد الكون. ونلاحظ بشكل عامّ، أحبّائي: هو الكلام عن أورشليم دون أن يُذكر اسمُها، ولكن نلاحظ هنا الذين يزورونها، ونلاحظ خصوصًا أنّ الربّ ليس فقط سيّدًا على أرضه، بل هو سيّد على الشعوب كلّها، سيّد على الأمم كلّهم، يخضعون له، وما نلاحظه هو أنّ الله حاضر بواسطة تابوت العهد.

يقول المزمور في آ 6: يصعد اله بهتاف، يصعد الربّ بصوت بوق. لمّا صعد تابوتُ العهد للمرّة الأولى أصعده داود، أخذ يرقص أمامه، والشعب كان يصفّق، هو الملك الحقيقيّ، وتابوت العهد يرمز إلى حضور الربّ وسط شعبه. إذًا هو انتقال الربّ: كان بعيدًا عن أورشليم، وكان اسمها يبوس، فصار يُقيم في أورشليم وجُعل في خيمة كما كان في زمن البرّيّة مع موسى. والعظمة في هذا المزمور بشكل خاصّ، هو التكرار بأنّ الربّ هو أيضًا ملك الأمم، مرّتين يقول لنا الشيء عينه في آية 4، أخضع الشعوب والأمم. وآية 9، الله يملك على الأمم. وكما يذكر الشعوب مرّة أولى في آية 4، يذكرها في آية 10 ويقول: عظماء الشعوب تجمّعوا.

لكن كيف يعرفون الطريق إلى الربّ؟ كيف يَصلون إلى الله؟ هم يحتاجون إلى شعب الله الذي يحمل كلمة الله. ونتذكّر في العهد الجديد المجوس في إنجيل متّى الفصل 2. تطلّعوا إلى الكواكب، إلى الخليقة، إلى السماء والأرض، فاكتشفوا حضور الله وولادة يسوع المخلّص. ولكنّهم ضاعوا، ضلّوا الطريق، تاهوا، من يسألون؟ سألوا عظماء الأرض، سألوا الملك هيرودس الكبير، فلم يكن ليعرف. أمّا هو فسأل عظماء الكهنة الذين يعرفون الكتب المقدّسة. سألهم أين يولد المسيح؟ قالوا له: في بيت لحم، بعد أن قال النبيّ ميخا: وأنت يا بيت لحم لست الصغيرة في أرض يهوذا، فمنك يخرج رئيس يكون سيّدًا على شعبي. صارت بيت لحم كبيرة، لأنّ المسيح ولد فيها.

3 - السير خلف الربّ

ولكن من المؤسف أنّ هؤلاء الذين دلّوا المجوس على الطريق إلى الطفل يسوع، لم يأخذوا هذه الطريق. وسنعرف من خلال الإنجيل أنّهم سيرفضون الطريق التي يرسمها يسوع، يرفضون من هو الطريق يسوع المسيح. أمّا في هذا المزمور، فيرينا المرتّل كيف أنّ الشعب العبرانيّ، شعب إله إبراهيم، سيرافق سائر الشعوب. وهذه الشعوب لا تسمع فقط كلمة الله ولكن سترى كيف أنّ شعب إله إبراهيم هو يمشي وهم يمشون معه.

يقول في آية 10: عظماء الشعوب تجمّعوا. إلى أين يذهبون؟ كيف يتوجّهون؟ هنيئًا لهم! مشوا مع شعب إله إبراهيم، راحوا كلّهم معًا، العالم اليهوديّ والعالم الوثنيّ. كانوا معًا. ونتذكّر العهد الجديد في بداية المسيحيّة، وهذا الصراع بين اليهود الذين صاروا مسيحيّين والأمم الوثنيّة الذين صاروا مسيحيّين. ما كانوا يستطيعون أن يسلّم بعضهم على الآخر، أن يأكل الواحد مع الآخر، مع أنّهم كلّهم اعتمدوا في يسوع المسيح. قيل لهم: لا يهوديّ ولا يونانيّ، لا رجل ولا امرأة، لا سيّد ولا عبد، ومع ذلك كان هنالك الحاجز.

أمّا في هذا المزمور في آية 10، فلا حاجز. كلّهم يذهبون إلى الربّ. كلّهم يذهبون إلى أرض الربّ. يقول لنا المزمور: في وسعها، فهذه الأرض واسعة جدٌّا وسيقول لنا سفر الرؤيا إنّ المدينة، مدينة أورشليم السماويّة، لا يكون لها أبواب، لا تحتاج إلى أبواب وإلى حرسٍ يحرسونها، فالربّ هو الذي يحرسها، يحفظها. عظماء الشعوب تجمّعوا، وكلّهم ساروا مع شعب إله إبراهيم، إلى ارض الربّ الواسعة.

4 - التهليل للربّ

هذا هو الجمال! أنّ لا شعب يمضي وحده إلى الربّ. كلّنا معًا، فنحن كنيسة، نحن جماعة أبناء الله، نحن جماعة الذين هم صورة الله ومثاله على الأرض. ويقول مطلع المزمور: لكبير المغنّين، مزمور لبني قورح. إذًا، رئيس الجوقة هو هنا. وقد عاد المزمور إلى إحدى الجماعات الكهنوتيّة. بني قورح. هم يدعون الشعب: صفّقوا بالأكفّ يا كلّ الشعوب، اهتفوا لله بصوت الترنيم. صفّقوا، فالتصفيق علامة الفرح، أنشدوا، فالأناشيد علامة الابتهاج، علامة النصر. وقد اعتاد المؤمنون في احتفالات الزواج والكهنوت أن يصفّقوا، وهي عادة جميلة جدٌّا، لكن بشرط أن لا يكون هناك إفراط في التصفيق. صفّقوا بالأكفّ، عبِّروا عن فرحكم بالتصفيق، عبّروا عن فرحكم بالهتاف والترنيم. اهتفوا لله بصوت الترنيم. لماذا؟ كلّ مرّة هناك هتاف، هناك ترنيم، نحن نصفّق. لماذا؟ لأنّ الربّ عليً رهيب.

حين سقطت أورشليم سنة 587 قبل المسيح، اعتبر الناس أنّ الله سقط، أنّ الله قُهر. ومن قهره؟ إله بابل مردوك. مردوك إله بابل هو الذي غلبهم فصار إله الأرض. هكذا قالوا. أمّا هنا، فنحن أمام فعل إيمان: الربّ علي عالٍ، رفيع، لا يمكن أن يصل إليه أحد. لكن هنا نقول في آية 10: وهو متعالٍ جدٌّا، لا تصل إليه أيّ يدٍ. هو أراد أن يتجسّد ويكون واحدًا منّا ويكون بقربنا. هذا يتعلّق بتنازله، بمحبّته، برحمته. هكذا أحبّ الله العالم حتّى إنّه أرسل ابنه الوحيد. ما كان لأحد أن يجبر الله أن يرسل ابنه. محبّته هي التي دفعته لأن يرسل ابنه. الربّ عليً رهيب. يخافه الجميع، الملوك والعظماء، الكبار والصغار، كلّهم يخافونه. هو ملك عظيم لا على أورشليم فقط، بل على شعوب الأرض كلّها. حاصروه في أورشليم، حاصروه في الهيكل، حاصروه في فلسطين. الإله الحقيقيّ لا يمكن أن يُحصَر، فما هو ملك في قطعة صغيرة من الأرض، ليست أجمل القطع. هو ملك عظيم على كلّ الأرض. اتّسع سلطان الربّ إلى ما لا حدود، شرط أن يكون هناك شعب الربّ، أن يكون هناك مؤمنون حقيقيّون في كلّ أصقاع الأرض.

2 - الله يحبّ الجميع

آية 4: نرى هنا الفكرة الضيّقة التي تجعلنا نضيع في هذه النظرة الشاملة. أخضع الشعوب والأمم. جملة رائعة! لكن أخضعها تحت أقدامنا. كلاّ نحن لا نَخضع تحت أقدام أحد. نحن لا نركع لأحد. نحن نركع فقط ؟ الآب وحده. وتابع المزمور: واختار أرضها ميراثًا لنا. لا ميراث لأحد. فالأرض ميراث الله وحده، وهو يريد لجميع البشر أن يكون لهم بيتٌ على هذه الأرض.

إذًا، هذه الآية (مع آ 5) هي في الواقع آية ضيّقة تجعل عمل الربّ يسيطر، تجعل شعب الربّ يسيطر على الآخرين وهذا خطأ كبير. ونحن نرى في بداية العهد الجديد، كيف أنّ اليهود لم يكن لهم المقام الأخير. لا شكّ. بدأ الإنجيل في إطار يهوديّ، ولكنّ الأمم صاروا الأكثريّة. في هذا الإطار صاروا الأقوياء في جماعة رومة وفي جماعات أخرى، لأنّ كلّ هذا ينتهي. قيل: يتباهى يعقوب الذي أحبّه. إذا كان يعقوب يتباهى في عاطفة خاصّة، في عاطفة من الأنانيّة، فهو تباهٍ لا يرضى به الله ولكن إن تباهى يعقوب واعتبر أنّ هذه المحبّة التي بها أحبّه االله هي الباكورة لمحبّة الله لجميع الشعوب والأمم، نكون عندئذٍ في خطّ كلام الله.

كلّ إنسان يستطيع أن يتباهى حين يكتشف محبّة الله، وحين يكتشف الرسالة التي تدعو جميعَ الناس إلى أن يتعلّقوا بمحبّة الله. الله هو الملك وهذا أجمل شيء. وكيف يظهر هذا المُلك؟ من خلال تابوت العهد الذي يُنقَل من مكان بعيد إلى أرض أورشليم. ويدعو الناس كلّهم للمشاركة في هذا العيد، للمشاركة في هذا الانتقال.

3 - الله ملك الأرض كلّها

آية 6: يصعد الله بهتاف، يصعد الربّ بصوت بوق.

نعم حين يمرّ الملك، يقول الناس: يحيا الملك. ويمرّ الله نقول الشيء عينه. وصوت البوق هو الذي ينبّه الناس إلى واجبهم تجاه الله

آية 7 - 8: رتّلوا لله رتّلوا، رتّلوا لملكنا، رتّلوا لله ملك الأرض كلّها، رتّلوا له بنشيد.

إذًا، ليس الشعب العبرانيّ وحده من يرتّل، من يهتف، من يصفّق. كلّ الشعوب، كلّ الأمم تأتي هنا وترتّل، وتهتف مع شعب لله. رتّلوا لله، رتّلوا، رتّلوا لملكنا، رتّلوا، الله ملك الأرض كلّها.

نلاحظ، أحبّائي، هذا الفعل الإيمانيّ الكبير. يوم سقطت أورشليم، بدا الشعب ضعيفًا وبدا الله ضعيفًا. ولكن ها هو المزمور يقول: لا تخافوا. الله لا يرتبط بمدينة. وإن أُخذت أُخذ الربّ معها، فالله يملك على الأرض كلّها. إذًا، أرض البابليّين وأرض الأشوريّين وأرض المصريّين هي ملك لله

هو يملك على الأمم ويجلس على عرشه المقدّس.

والفكرة الهامّة هي أنّ هذا العرش المقدّس قد يكون الكروبيم. لكن من المهمّ جدٌّا أنّ هذا العرش هو مقدّس لأنّه يحمل القداسة إلى شعبه وإلى جميع شعوب الأرض.

نعم يا ربّ، نحن شعوب الأرض كلّها أتينا إليك، لنهتف لك، لنرتّل لك: أنت ملك الكون. مهما حاول الإنسان أن يفعل، تبقى أنت الملك. فلا تملك فقط على الكون وعلى بلادنا وعلى رعايانا وأديارنا وتجمّعاتنا، بل املك على كلّ واحد منّا. ويزداد فرحنا حين نرى جميع الأمم وجميع الشعوب تستظلّ ملكك، تستعين بك، تهتف لك، وترفع الصلوات إليك. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM