Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}
في حياة المسيح وفي حياة الكنيسة
1 - طرق القراءة
أحبّائي، عندما نقرأ المزامير، يمكن أن نقرأها بأربع طرق. الطريقة الأولى نردّدها، نكرّرها، نحفظها غيبًا، وتبقى خارجة عنّا. الطريقة الثانية، نفسّرها كما فسّرها الذين قبلنا. نقول: قال فلان عن هذا المزمور، قال القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، قال القدّيس أوغسطين. هي طريقة مهمّة جدٌّا، تجعلنا في تقليد الكنيسة، في تقليد الذين سبقونا، لأنّ المزمور نفسه لم يتألّف دفعة واحدة. قاله مؤمن أوّل، وجاء بعده من أضاف عليه، من صلاّه وعمّق مفهومه، وجاءت الجماعة واستلمته، ثمّ دوّنه من دوّنه.
والطريقة الثالثة: نقرأ المزمور وكأنّه نصّ قديم، نصّ علميّ، فنتوقّف عند الكلمات ونقابل اللغة العبريّة باللغة الفينيقيّة والأوغاريتيّة والعربيّة والآراميّة. أو نقابل العواطف في هذا المزمور بعواطف نجدها في صلوات عند الشعوب، في فلسطين أو في خارج فلسطين، خصوصًا في مصر، وفي بلاد الرافدين. فتكون هذه الطريقة الثالثة، طريقة علميّة تفرض على المؤمن أن يكون درسَ اللغات القديمة وإلاّ لا يستطيع أن يفهم كلام الله.
لا شكّ، نحن نحترم ما يفعله العلماء لأنّهم يمهّدون الطريق. ولكن إن انحصر كلام الله مع بعض العلماء، فهو لا يذهب بعيدًا في حياتنا كمؤمن. هو يمرّ فوقنا دون أن يلامس حياتنا. والطريقة الأخيرة التي يجب أن تكون نهاية كلّ طريقة في دراسة الكتاب المقدّس وخصوصًا في دراسة المزامير، هي أن نعرف كيف يرتبط مثلاً هذا المزمور بيسوع المسيح وكيف توسّع فيه الآباء؟ وكيف توسّعت فيه الكنيسة؟ لهذا يكون عنوان كلامنا اليوم: المزمور 38 في حياة المسيح وفي حياة الكنيسة.
في المرّات السابقة قرأنا المزمور ووصلنا إلى الآية 13 - 14 في شرحنا. أعيد قراءة المزمور 38: 13 وما يلي:
طالِبو حياتي، نصبوا لي فخٌّا... فبكَ أنت خلاصي.
2 - مراحل المرض
هذا المزمور تحدّثنا عنه في المرّة الماضية بلسان مؤمن يمرّ في ثلاث مراحل. هي في الواقع مراحل كلّ إنسان. مرحلة أولى يتطلّع المؤمن إلى عمل ا؟ فيه. وهو عمل غضبه وعقابه لأنّ المؤمن خاطئ.
في المرحلة الثانية يبسط أمامه حالته: انظر، أنا مريض، فيصبح الله ذاك الطبيب الذي نعرض عليه مرضنا، ومع مرضنا نعرض عليه خطيئتنا. ولا نكتفي بعرض كلاميّ، بعرض الشفاه، بعرض الفم، بل نبكي، ننوح، كما ينوح الابن لدى أبيه والبنت لدى أمّها. ويقول له: أنا سأفقد نور عينيّ. أنا ذاهب إلى الموت. في مكان آخر يقول له: إن أنا متّ فمن يمدحك بعدي. الأموات لا يمكن أن يمدحوك. الأحياء وحدهم يسبّحونك.
وفي مرحلة ثالثة يحسّ المؤمن أنّه ضعيف، أنّه لا يقدر أن يفعل شيئًا وأن لا عون له إلاّ من عند الربّ. وتبقى المرحلة الرابعة والأخيرة، حيث يصرخ الخاطئ ويرتمي بين يدي الله عندئذ ينال الغفران، ومع الغفران ينال الصحّة، صحّة الجسد ربّما، صحّة النفس، أكيدًا.
3 - مزمور هو صلاة يسوع
هذا المزمور الذي يمكن أن يصلّيه كلّ إنسان، قد صلاّه المسيح. صلّته الكنيسة. المسيح هو ذلك العبد الأمين. يحدّثنا أشعيا في أربعة أناشيد عن عبد الله، عن عابده. وهذا الكلام طبّقناه على يسوع. هو العبد، العابد الذي يخضع. هو العبد الذي يصنع مشيئة الآب، الذي يتعبّد للآب. لا في كلامه وفي صلاته فحسب، بل بكلّ حياته، بل في صلبه وموته وقيامته. يسوع هو ذلك العبد. يقول لنا مار بولس في الرسالة إلى فيلبّي: هو الذي كان في صورة الله، صار عبدًا، طائعًا حتّى الموت. هذا المسيح، أحبّاؤه ابتعدوا عنه، كما يقول المزمور: أحبّائي وأصحابي تنحّوا عن نكبتي. أقاربي وقفوا بعيدًا عنّي.
نتذكّر الأناجيل. إذا قرأنا خبر الآلام، نرى التلاميذ يقفون عن بعد كأنّهم لا يريدون أن يدلّوا أنّهم يعرفونه. علىكلّ حال، بطرس، سألته جارية، سأله البوّاب: ماذا تعرف عن يسوع المسيح؟ لا سمعت عنه ولا سمعتُه يتكلّم ولا أعرفه. هؤلاء هم أصحابه، هؤلاء هم أحبّاؤه. أمّا أعداؤه فلا نقول شيئًا عنهم وهم معروفون.
طالبو حياتي نصبوا فخٌّا. يمكن أن نقرأ الإنجيل كلّه على ضوء هذه الكلمات. كيف أنّ الفرّيسيّين والكتبة والصدّوقيّين والهيرودوسيّين، كلّهم نصبوا ليسوع ليس فخٌّا واحدًا بل الفخّ بعد الفخّ. الصدّوقيّون حدّثوه عن قيامة الموتى. امرأة تزوّجت سبعة رجال، وفي النهاية، في ملكوت السماء لمن تكون؟ وكان جواب يسوع: هناك لا يزوّجون ولا يتزوّجون. أو، ما هي أعظم الوصايا في الناموس؟ وهكذا يُحرجون موقفه، إمّا بالنسبة إلى الشعب، وإمّا بالنسبة إلى السلطة الرومانيّة: هل ندفع الجزية إلى قيصر؟
مرّات عديدة نُصبت الفخاخ أمام يسوع. غفر للمخلّع، من يستطيع أن يغفر الخطايا؟ غفر للخاطئة، تذمّر الحاضرون. أكل تلاميذه بعض السنابل، بعض الحبّ في السنابل. لماذا يفعل تلاميذه ما لا يحقّ لهم أن يفعلوا؟ هذا الرجل لا يحترم السبت. وكثرت الشكاوى ووُضعت الفخاخ.
طالبو حياتي نصبوا لي فخٌّا (آ 13). والساعون إلى أذيّتي يتحدّثون بسقوطي ويلهجون بالمكايد نهارًا وليلاً. وعن هذا المسيح قال إشعيا: أخذ عاهاتنا، حمل أوجاعنا. ويتابع: سار كحمل صامت أمام الذين يجزّونه.
هذا ما نقرأ، أحبّائي، في آ 14 من المزمور 38. وأنا كأصمّ لا أسمع. قالوا له: انزل عن الصليب ونحن نؤمن بك. أو قال له اللصّان: خلّصْ نفسك وخلّصنا. كأصمّ لا يسمع وكأخرس لا يفتح فمه. ويخبرنا القدّيس مرقس في إنجيله: وكان يسوع صامتًا.
4 - الذي سخر به
ويعيد آ 15: كأنّي إنسان لا سمعَ له ولا في فمه عتاب. عتاب بالنسبة إلى الناس الذين سار بينهم وهو يعمل الخير، وبالنسبة إلى الله. إلهي، إلهي لماذا تركتني؟ وما أردتَ أن تسمع صراخي، أن تسمع أنيني. أنا أصرخ في النهار، أصرخ في الليل.
ما في فم يسوع عتاب، بل يعلن في آ 16: رجائي أنت يا ربّ، فاستجب لي يا إلهي. لا تدَعْهم يشمتون بي ويبتهجون بأن مالت قدماي. الشماتة وُجدت حين مات يسوع على الصليب. شمتوا به. يا هادم الهيكل وبانيه في 3 أيّام، خلّصْ نفسك. أو قالوا: خلّصَ الآخرين ولا يستطيع أن يخلّص نفسه. لا شكّ في أنّ أعداءه شمتوا به على الصليب. اعتبروا أنّهم انتصروا عليه. هذا المجدّف قال. انتهى تجديفه لمّا مات على الصليب.
5 - وهو الذي حمل خطايانا
لا ثمّ ألف لا. هم لا يستطيعون أن يشمتوا بي. وهو جاء لكي يموت على الصليب: هكذا أحبّ الله العالم، حتّى إنّه بذل ابنه الوحيد حتّى لا يهلك أحد بل يخلُص الجميع. وقال يسوع: أنا أعطي حياتي. ما من أحد يقدر أن يأخذها منّي. أبدًا. أنا أعطيها في الموت وأنا استردّها في القيامة. وفي حالة الضعف، وفي بستان الزيتون، سيقول يسوع: أنا قريب من السقوط وكآبتي معي كلّ حين. آثامي أنا أُخبر بها. وخطيئتي هي التي تقلقني.
ويطرح السؤال آباءُ الكنيسة: إن كان هذا المزمور يستطيع يسوع أن يصلّيه فكيف يقول آثامي. فكيف يقول خطيئتي؟ فهو من لا غشّ فيه، فهو من تحدّى اليهود وقال لهم: من منكم يقدر أن يبكِّتني على الخطيئة. وقال القدّيس بولس: هذا الذي لم يعرف الخطيئة، صار ذبيحة عن الخطيئة، هذا الذي لا غشّ في فمه، قال مع ذلك: آثامي (آ 19)، خطيئتي. كيف يمكن أن يقول هذا.
لا شكّ، أحبّائي، أنّ ما قاله يسوع عن نفسه كما يقول القدّيس أوغسطين غير ممكن، ويجب أن يقوله أحد سواه. ولكن، إن عرفنا أنّ يسوع هو والكنيسة واحد. أنّ الكنيسة هي جسده كما يقول القدّيس بولس في الرسالة إلى أفسس، إذا عرفنا أنّ يسوع هو الرأس والكنيسة هي جسمه. نفهم عند ذاك أنّ آثام الكنيسة، أنّ خطيئة أبناء الكنيسة، خطيئتي، خطيئتكَ، خطيئتكِ، خطيئة كلّ واحد منّا، إنّما هي خطيئة الكنيسة تحملها إلى يسوع.
وإذ يتّحد يسوع بكنيسته، كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيّين، لم يستحِ أن يدعوهم إخوته. نعم رغم خطايانا، رغم ضعفنا، رغم آثامنا، هو لا يستحي أن يدعونا إخوته. أخذ أوجاعنا، حمل عاهاتنا، لا الأمراض وحسب، فقد شفاها، أخذ خطايانا، أخذ ضعفنا، أخذ كلّ ما لنا، والحمد ؟ أنّه أعطانا كلّ ما له. أخذ موتنا وأعطانا حياته. يا لعظمة النعمة التي حلّت بنا، التي جاءت ترافقنا.
6 - لأنّه واحد مع الكنيسة
كآبتي معي كلّ حين. هي كآبة الكنيسة. آثامي، أن أخبر بها. هي الكنيسة تُخبر بخطيئتها والربّ يحمل هذه الخطيئة. هي الكنيسة تعلن خطيئتها التي تألّمَ منها يسوع في بستان الزيتون. تألّم منها وقال: يا ربّ، لا تكن مشيئتي بل مشيئتك. هذا الألم أحسّ به يسوع وكان وحده.
قال في آ 22: يا ربّ لا تتركني وحيدًا. في الواقع كان وحيدًا على مستوى البشر، ولكن على مستوى اللاهوت لم يكن وحيدًا. قال أنا وأبي واحد. أبي معي كلّ حين. لا يمكن للآب أن يترك ابنه. وهذا مهمّ جدٌّا. والأيقونات العديدة تخبرنا كيف أنّ وراء صليب يسوع هناك الله الآب. كان يسوع وحيدًا بالنسبة إلى البشر. ولكنّه لم يكن وحيدًا بالنسبة إلى الله الآب.
ومع ذلك صلّى كما تصلّي الكنيسة. صلّى كما يصلّي كلّ مؤمن. صلاته هي صلاتنا. ألمه هو ألمنا. أو بالأحرى صلاتنا تأتي في امتداد صلاته، وألمنا يأتي في امتداد ألمه، ونظرتنا إلى الله هي في امتداد نظرته إلى الآب تعالى.
ويتذكّر ما عمله من أجلهم، فيقول في آ 21: يجازونني عن الخير بالشرّ. هذا الذي شفى المرضى، أقام الموتى، ساعد الخطأة. كان بقرب الضعفاء، قالوا كلّهم: اصلبه، اصلبه، عاملوه بالشرّ. طلبوا له الموت. وأجمل ما في الإنجيل بعد شفاء المخلّع من مرض النفس، قال له مغفورة لك خطاياك. ومن مرض الجسد، احمل سريرك وامش. بعد هذا الشفاء الذي أدهش الناس جميعًا، مجّدوه كلّهم لمثل هذا العمل العظيم. ولكن كان الكتبة مستعدّين لأن يقتلوه.
وفي إنجيل يوحنّا، ذاك الذي حمل إليهم الحياة حين أقام لعازر من القبر، هم يستعدّون ليحملوا إليه الموت، وكأنّهم لا يريدون الخير، لا يريدون الحياة. يقول هنا: يجازونني على الخير بالشرّ، ويقاومونني لأنّي أتبع الخير. إذًا، فهم يسوع أو بالأحرى أراد أن يفهمنا أنّنا لا نستطيع أن نستند إلى البشر. لا نستطيع أبدًا. ما هو الموقف الذي يجب أن نقفَه؟ هو الصلاة كما في آ 22 - 23.
يا ربّ لا تتركني وحيدًا. وهو يقول في مكان آخر: إن تركني أبي وأمّي، فالربّ لن يتركني. يا ربّ لا تتركني وحيدًا، يا إلهي أنا، أنت إلهي. هناك علاقة بيني وبينك كما الأمّ وأولادها. يا إلهي لا تتباعد عنّي. في الحقيقة ا؟ لا يتباعد، ولكن نحن في مرضنا، في شدّتنا، نصبح بعيدين عنه. لا تتركني، لا تتباعد عنّي. هي صورة سلبيّة. في أيّ حال، الربّ لا يتركنا، الربّ لا يبتعد عنّا.
والصورة الإيجابيّة في آ 23: أسرعْ إلى نجدتي يا ربّ، أسرع. في أيّ حال، الربّ لا يحتاج لأن نقول له: أسرع. هو يُسرع، هو يسبقنا، كما الأب في مثل الابن الضالّ. استقبل ابنه أجمل استقبال. فيك أنت خلاصي. والآب السماويّ استقبل ابنه الوحيد يسوع المسيح، أجمل استقبال. قال له هذا الابن: في يديك استودع روحي. استقبله الآب. وكانت القيامة أجمل جواب.
في الموت كانت الكآبة، في القيامة كان الفرج. في الموت كانت الشماتة، شماتة الأعداء، ابتهاج الأعداء. أمّا في القيامة فهو الخلاص التامّ، فهو الفرح، لا للمسيح وحده بل للكنيسة ولنا جميعًا. في وقت الشدّة نعرف أنّ مجيء الربّ قريب، نمرّ في النفق، وفي نهاية النفق نرى النور، نور الربّ، ينير حياتنا، ينير ماضينا، ويجعل مستقبلنا في النور حين نصرخ إلى الربّ. فمنه وحده خلاصنا. آمين.