تقديم

سلسلةبين عهدوعهد

12

معونتناباسم الرَب

الخوري بولس الفغالي

2009

 

تقديم

حين يحسّ الإنسان بالمرض ويعرف ما ينتج عن هذه الحالة، لا يمكن إلاّ أن يهتف: معونتنا باسم الربّ. يقرّ بذنبه وهو عارف أنّالله رحيم غفور. إن عاقب، عاقب إلى أمد قصير. وإن بارك، بارك إلى ألف جيل.

والمرض يفتح الباب على الموت. فحين تتكلّم المزامير عن المرض، فهي لا تعني أمراضنا البسيطة التي نعرفها، بشكل خاصّ، في فصل الشتاء. فالمؤمن يتوقّف عند المرض الخطير الذي يؤدّي إلى الموت. والموت يعني الدخول في عالم السكوت، والامتناع عن تسبيح الله والتهليل له. فإن مات أحدُ أصفياء الربّ، يكون الربّ خسر مؤقّتًا من يُنشده ويخبر بأعماله.

وحين يحسّ الإنسان بقوى الشرّ تحيط به من كلّ جانب، ولاسيّما المفترين، الكاذبين، الذين يريدون سوءًا بمن جعل ثقته بالربّ، لا يستطيع المؤمن أن يصرخ إلاّ: معونتنا باسم الربّ.

في هذا الإطار، نتعرّف إلى شاهد الزور، الذي يجعل الظلام نورًا والنور ظلامًا، الذي يجعل الحلو مرٌّا والمرَّ حلوًا. ونتعرّف إلى القضاة الذين يعتبرون نفوسهم آلهة، يعرفون الخير والشرّ، ويأمرون بالموت والحياة. فأين الله لا يدافع عن مؤمنيه، لا يرافع عن قضيّتهم فيرسل إليهم كما أرسل في الماضي دانيال الفتى، فنجّى سوسنّة من براثن شيخين يُفتَرض فيهما أن يقضيا في الناس، لا أن يقضيا على امرأة عفيفة تعيش مع زوجها بأمان.

وحين يحسّ الإنسان بأنّه اقتُلع من جذوره، فما عاد له موطنٌ في الأرض، ولا جيران تعرّف عليهم في صباه، ولا موضع صلاة اعتادَ أن يأتي إليه مع الجماعة في الأعياد والمواقيت المحدّدة، حينئذ يهتف من أعماقه: معونتنا باسم الربّ.

فصلوات المزامير قيلت فيما قيلت، حين الشعب كان في المنفى. يعملون كالعبيد في بابل، كما سبق لهم وعملوا في مصر. يتألّمون من بُعد الشقّة بين موضع سبيهم ومقام الربّ في مدينته وهيكله. حين كانوا في مصر، طلبوا من الفرعون أن يمضوا إلى البرّيّة، مسيرة ثلاثة أيّام ليعبدوا ربّهم، فلم يسمح لهم. أمّا في بابل، فالمسافة بعيدة، والصحراء واسعة، شاسعة. كيف العمل. فوعدهم الربّ. مواضع الجفاف تكون غدران ماء. الأشجار تقف على الصفّين وتصفّق للعائدين إلى أرض الربّ، وعلى رأسهم القائد الداوديّ والكاهن الصادوقيّ، كما كان في الماضي موسى الرئيس وهرون الكاهن.

هو التاريخ يعيد نفسه في أحداثه الخارجيّة. أمّا الله الحاضر وسط شعبه، فهو يقدّم في كلّ حقبة خلاصًا جديدًا. ما من عمل حاضر يسبق ذاك الذي تمّ في الماضي. ممّا يرفع المؤمنين إلى المديح والإنشاد ومهما كانت الظروف صعبة والضيقات متعدّدة. وفي كلّ هذه الأحوال، يهتفون ونحن نهتف معهم في تأمّلنا هذه المزامير: «معونتنا باسم الربّ صانع السماوات والأرض».

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM