الخاتمة

 

الخاتمة

عالم شرقيّ يزخر بالغنى. دخلنا فيه وفرحنا بلا شك بما حمل إلينا الآباء والجدود من سحيق التاريخ، ولاسيّما في اللغة السريانية التي امتدت في سورية ولبنان والعراق وصولاً إلى الخليج وبشكل خاص مع قطر حيث عرفنا داديشو قطرايا أو داد يشوع القطري الذي عاش في نهاية القرن السابع، كما عرفنا اسحق النينوي ابن القرن السابع الذي وُلد في مقاطعة بيت قطرايي، أو قطر.

عالم ينطلق من القسطنطينية وأنطاكية والاسكندرية ليصل إلى الرها ونصيبين ودارا حتى البصرة وتكريت وغيرها من المدن العراقية، بل إلى المدن الايرانية مثل مرو وأورمية وأماكن أخرى.

تراث غنيّ حوى من المخطوطات ما لا تحتويه أيّة لغة قديمة، وما زالت مخطوطاته تُنسَخ حتى اليوم، ولاسيّما كتب الأناجيل والرسائل. فنحن في خط العالم اليهودي الذي لا يقرأ الكتاب المقدس في المجامع، إلاّ في مخطوطات دُوّنت على رقّ الغزال أو غيره من الحيوان. مخطوطات توزّعت في الشرق والغرب، في لبنان وسورية وتركيا وإيران، وفي برلين ولندن وأوكسفورد وباريس والفاتيكان وسان بترسبورغ. وها هي الآن تعرَف بواسطة الامكانات الحديثة في التصوير والنشر.

تراث غني قدّمنا منه نصّين قديمين يربطان العالم السرياني بعالم ايران وبالكتاب المقدس. فالفلسفة حاضرة في كلام عن الحرية والقدر، والكتاب المقدس مع التراثات الدينية التي خلّفها الفكر الواصل إلى شرقي الاردن وأبعد من ذلك لدى ما يُدعَى التيار اليهومسيحي وما يتفرّع منه من انجيل العبرانيين وفرق الناصريين.

وذكرنا خمسة وجوه. وبقيت وجوه عديدة، سوف نعود إليها بإذن الله. ومن هذه الوجوه، أشرنا إلى بعض ما كتبوا، ولكن ما لم نذكره أكثر بكثير. ماذا ذكرنا مثلاً من ابن العبري، بعد أن نظّمنا له مؤتمراً في الجامعة اللبنانية، بمناسبة المئويّة السابعة لوفاته؟ ذاك الذي قيل فيه إنه كان »جمّاعًا«، جمع في الواقع كل التراث السرياني على جميع الصعد، فحفظ لنا الكثير قبل وصول المغول والتتر الذين تركوا وراءهم الدمار والحريق وكأنهم طلبوا أن يعيدوا الانسان إلى العصر الحجريّ. وسويريوس بطريرك أنطاكية ترك لنا مدة ست سنوات إرثًا كبيرًا حفظته لنا اللغة السريانية، ولنا عودة إليه في أكثر من مناسبة، لأنه يضاهي سائر بطاركة أنطاكية إن لم يتفوّق عليهم. رسائله وحدها تاريخ يعطينا صورة عن الكنيسة في القرن 5-6. وما نفرح له هو أن اللغة السريانيّة انفتحت باكراً على تراث الآباء اليونان، فنقلت آثار أثناز الاسكندراني وكيرلس خلفه، وآثار الكبادوكيين باسيل وغريغوار النازينزي وغيرهما. واحتفظت بما كتبه جرجس أسقف العرب، ونسطور بطريرك القسطنطينية. ولولا السرياني لضاع هذان المؤلفان مع كتاب إبيفان، أسقف سلامين في قبرص، حول الهرطقات.

آفاق حاولنا أن نفتحها، ونوّد توسيعها، كما نودّ أن نرى العديدين يخرجون من آفاق الطائفة الضيقة وصولاً إلى شرق ينفتح على الغرب فيعطيه أفضل ما عنده ويأخذ منه غناه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM