الفصل الحادي عشر: نسطور وكتاب هرقليد الدمشقيّ

 

الفصل الحادي عشر

نسطور وكتاب هرقليد الدمشقيّ

سنة 431، التأم مجمع مسكونيّ في أفسس، وعلى أثره أُعلنت مريم العذراء والدة الإله. وكان نسطور الذي حُكم عليه هو من حثّ الإمبراطور ثيودوز على إرسال الدعوة إلى أساقفة الشرق والغرب من أجل هذا الاجتماع اللاهوتيّ، الذي كاد يقسم الإمبراطوريّة، ويضع الخلاف في قلب البلاط. غير أنّ ظروف انعقاد المجمع جاءت بطريقة غير عاديّة. وصل كيرلّس من الإسكندريّة مع أساقفته. وإذ تأخّر أساقفة الشرق بقيادة أنطاكية، وموفدا البابا من رومة، انتظر كيرلّس مترئّس ذلك المجمع قرابة أسبوعين على الموعد المحدّد، أي 7 حزيران، عيد العنصرة. وفي 22 حزيران بدأت الأعمال بقراءة قانون إيمان نيقية. ثمّ تليت رسالة كيرلّس الثانية إلى نسطور. إعتبرها الآباء موافقة لإيمان نيقية. ولمّا قرأوا رسالة نسطور إلى كيرلّس، وجدوها معارضة. وانتهى كلّ شيء في يوم واحد(1) مع الحكم التالي: »إنّ الربّ يسوع المسيح، الذي جدّف عليه نسطور، رسم، بهذا المجمع المقدّس، أنّ ذاك المذكور حُطَّ، من الآن وصاعدًا، من كرامته الأسقفيّة، وفُصل من الجسم الكهنوتيّ كلّه«(2). عُزل بطريرك القسطنطينيّة وما حُقّ له الدفاع عن نفسه لأنّ يد السلطة المدنيّة تعاضد السلطة الكنسيّة، فكتب مذكّراته وأنهاها قرب ساعة موته، سنة 451. فكان لنا كتاب هرقليد الدمشقيّ.

1- اسم الكتاب وهدفه

روى جناديوس ابن القرن الخامس، في كتابه »الرجال العظام« أنّ نسطور »ألّف عددًا كبيرًا من الكتابات حول مسائل مختلفة«(3). وأكّدت لائحة عبد يشوع(4) في ف 20، هذا الكلام ولكنّ ثيودوز الثاني أمر سنة 435 بتدمير كلِّ ما كتبه نسطور بالنار. فانتقلت الكتابات إلى العالم النسطوريّ، وهناك أيضًا ضاع معظمها. فما سلم سوى بضع عظات ورسائل، وخصوصًا هذا الكتاب الذي لا نقرأه إلاّ في السريانيّة.

أ- اسم الكتاب

حين كُشف هذا الكتاب في القرن التاسع عشر، في مكتبة المرسلين الأميركان، في أورمية، قرأوا العنوان السريانيّ: ت ا ج و ر ت ا: تجارة. فقال أوّل كاشف للكتاب: بازار هرقليد(5). لماذا هذا العنوان؟ لأنّ المترجم السريانيّ قرأ اللفظ اليونانيّ(6) الذي يعني تجارة كما يعني المقال والكتاب.

الكتاب مخطوط نُسخ في بلاد فارس، في أورمية، سنة 1558. وكان محفوظًا لدى بطريرك النساطرة، في الكردستان التركيّ. شوّه بشكل خاصّ سنة 1843 حين قتل الأمير الكرديّ بدرخان باي العدد الكبير من الكلدان بحيث هرب الباقون إلى بلاد فارس. من هذا المخطوط الفريد، انطلق أشعيا سنة 1889 وقدّم نسخة لمكتبة المرسلين الأميركان. ومن هذه الأخيرة، كانت نسختان، واحدة لجامعة كمبريدج في إنكلترا، وأخرى لجامعة ستراسبورغ في فرنسا. وكان في يد الأب بول بيجان(7) اللعازريّ، نسخةٌ انطلقت من الأولى وتمّت في فان الأرمنيّة.

هذا الكتاب الذي دوّنه نسطور وأنهاه في سنة موته، سنة 451، على ما يبدو، نُقل إلى السريانيّة في أيّام البطريرك بولس (539-540)(8) حوالي سنة 535. بعد سنة 540، درس الراهب النسطوريّ برعدتو (ابن البيعة) الكتاب وحفظه غيبًا. قال: »فرض عليّ مار إبراهام أن أتلو أسفار الكتاب غيبًا. فتلوتُ بعد بضع سنوات العهدين، كما تُتلى المزامير. ثمّ تلوت كتب أبّا أشعيا، أبّا مرقس، مار أوغريس. وأخيرًا، كتاب نسطور الذي هو لهرقليدس، الذي تُرجم مؤخّرًا، في أيّامي، من اليونانيّة إلى السريانيّة«(9).

في منتصف القرن السادس، قرأ المؤرّخ أوغريس كتابًا أوّل هو المأساة (تراجيديا). ثمّ تحدّث عن كتاب هرقليد فرآه مسهبًا مكثارًا، وفي شكل حوار بين نسطور وصفرونيوس الذي يبدو رجلاً مصريٌّا. فنسطوريوس يقيم في الواحة(10)، في مصر.

إليك ما كتب أوغريس الحمويّ(11) عن هذا الكتاب:

»كيف أبعد نسطور، وما الذي حصل له بعد ذلك؟ كيف ترك هذه الحياة، وأيّ عقاب ناله بسبب تجاديفه؟ هذا ما لم يعرفه كاتبو التاريخ. هي أمور منسيّة دمّرها لزمن، فما عاد أحدٌ يسمع بها. غير أنّي وقعتُ على كتاب نسطور الذي يُورد خبر هذه الأحداث(12). إذن، نسطور أبو التجاديف هذا، الذي ما بني بيته على أساس موضوع (لو 6: 48) بل على الرمل. لهذا قُلب هذا البيت حالاً، كما قال الربّ. هو كتب ضدّ الذين اتّهموه بأنّه أدخل جديدًا لا يليق (بالإيمان)، وبأنّه طلب انعقاد مجمع، فأخطأ.

»دافع عن تجديفه الخاصّ قال: اقتادته الضرورة بعد أن انقسمت الكنسيةُ المقدّسة قسمين. قال قسم: يجب أن ندعو مريم »أمَّ الإنسان« والآخر: »أمّ الله«. خاف أن يخطأ هذا وذاك، فتُمزج الإلهيّات (بالناسوت) أو تُترك الإنسانيّات (جانبًا). وخاف أن يأخذ برأي حزب فيحكم على الآخر. حينئذٍ تخيّل لفظ »والدة المسيح«(13).

»وأضاف أيضًا أنّ تيودوز لم يوافق في البدء على عزله، كرامة له، ولكن حين أُرسل بعضُ الأساقفة من الحزبين إلى تيودوز، في أفسس، سُمِح له، بناء على طلبه، بأن يعود إلى ديره الواقع عند أبواب أنطاكية. ما أعطى نسطور اسم (هذا الدير). ولكن قيل لنا فيما بعد أنّه يُدعى اليوم »الجميل، اللائق«(14). ونخن نعرف حقٌّا أنّه قرب المدينة، ولا يبعد عنها سوى فرسخين. وقال نسطور نفسه إنّه أقام فيه معزَّزًا، مكرَّمًا، إلى أن أبعده إلى »الواحة« قرارٌ جديد أصدره تيودوز(15).

وأورد أوغريس الرسالة التي بها أعلم نسطور، حاكمَ المدينة، بأنّ البربر أطلقوه مع سائر الأسرى، فمضى إلى بانوبليس (مدينة بان إله الرعاة، أخميم الحاليّة) لئلاّ يُتّهم بالهرب (من مصر) أو بشيء آخر.

هنا يروي الخبر النسطوريّ ما صنعه نسطور من معجزة، بها نجا من الأسر لدى البربر، هو والذين كانوا معه.

»حين كان في تلك الأمكنة، أتى البربر(16) مع ملكهم، فأسروا كلَّ هذه المنطقة مع الطوباويّ. وإذ عادوا، وهم يقتادونهم، وجدوا نفوسهم في صحراء تفصلهم عن أرضهم، لا مطر فيها ولا أنهار. فكانوا فريسة العطش وكادوا يموتون. فاقترب بعض الأسرى الذي يعرفون الطوباويّ، إلى الملك وقالوا له: هنا بين أسراك رجلٌ ينعم بحظوة كبيرة لدى الله. فإن صلّى استجيبت صلاتُه حالاً، وهكذا لا تهلكُ أنتَ مع جيشك. فأتى به الملك إليه وقال له: سمعتُ أنّك تستطيع بصلاتك أن تنجّينا من الموت. فإلهك مليء الرحمة ولا يريد موت الإنسان. فصلِّ إليه الآن ليمارس رحمته تجاهنا، فنُحفظ في الحياة.

أجابه (نسطور): »كن أنتَ رحيمًا تجاه الأسرى الذين أسرتَ«. قال الملك: »جميع الأسرى هم بين يديك«.

»حينئذٍ دعا الطوباويّ إلى الصلاة، وصلّى هو أيضًا إلى الله ليُرسل، في رحمته، ماء يُطفئ عطش البربر، فيعرف قدرته ويُظهرها، ويعيد الحرّيّة إلى الأسرى. وفي الحال، تفجّر فجأة نهرٌ كبير. وهكذا أمّن الطوباويّ نسطور، شرابًا لأسرى عديدين، وافتداهم، وعاد إلى بيته«(17).

ونعود أخيرًا إلى اسم الكتاب. في السريانيّة: تجارة هرقليد(18) الذي من دمشق. وضعه مار نسطور(19). وقد يكون الأصل اليونانيّ: كتاب هيرقليد الدمشقيّ(20). هناك أكثر من أسقف اتّخذ هذا الاسم(21). من مصر، ثلاثة أساقفة رافقوا كيرلّس إلى أفسس: تحوميس أو بطليمايس، هيراقلايا العليا، غيائيس أو دمياطة. وهناك هرقليد آخر. كان راهبًا من الإسقيط المصريّ. رسمه الذهبيّ الفم. ولكن اضطهده تيوفيل الإسكندرانيّ. حكموا عليه حكمًا غيابيٌّا في مجمع السنديانة، سنة 401. سجنوه أربع سنوات في نيقوميدية (تركيا). رأى نسطور في هرقليد هذا صورة عنه. أخيرًا، هرقليد هو تلميذ بولس وأوّل أسقف في قبرص، على مدينة تاماسوس(22).

ولماذا ارتبط هرقليد هذا بدمشق؟ لأنّ عددًا من الكهنة العبرانيّين، اضطُهدوا فراحوا يختبئون في دمشق. أمّا مترجم كتاب نسطور، فقال مادحًا »معلّمه«: »هو رجل فضيلة وعلم. يقيم بجوار دمشق. عُرف بصراحته وصدق أقواله«. وواصل كلامه: »لماذا أَخذ نسطور هذا الاسم«؟ والجواب: »لأنّه خاف أن لا يقرأه أحد بعد أن كثر المعادون«(23).

ب- هدف الكتاب ومضمونه

»التجارة« كتاب جدال فلسفيّ، لاهوتيّ، فيه يلعب التاريخ دورًا ثانويٌّا. بعد أن تقبّل نسطور أعمال مجمع أفسس، راضيًا أو مكرهًا، سعى إلى تفسيرها. إنطلق من وجهته الخاصّة، فردّ على الاتّهامات، وأبرز الأخطاء في الإجراءات التي اتّخذت في الحكم عليه. وحدّد موضوع الخلاف بالنسبة إلى كيرلّس، أسقف الإسكندريّة.

وبدا الطرح كما يلي: »من الضروريّ أن يكون اتّحاد بين الطبيعتين. ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك. من أجل هذا، ولأسباب أخرى كان تجسّد ابن الله بالحقيقة: إله حقيقيّ بالطبيعة. إنسانٌ حقيقيّ بالطبيعة. لو وُضعت جانبًا طبيعةٌ واحدة من هاتين الطبيعتين، لكان نقص شيء. فإن لم يكن الله تجسّد، وإن لم يكن تجسّد في إنسان ينتمي إلى الطبيعة البشريّة، لكان التجسّد وهمًا. وهكذا تكون أقوال إبليس صحيحة: رذل المسيحُ من صورته خليقته (أي طبيعته البشريّة) لأنّها محتقرة. وبالتالي لن يكون لنا درس في التواضع والطاعة والتنازل«(24).

إذن، الطرح الأساسيّ، هو على مستوى الجسد، وعلاقة الطبيعتين البشريّة والإلهيّة بالأقنوم الواحد، فما الذي يقوله نسطور؟

انطلق كيرلّس من قانون إيمان نيقية وشرع يفسّره، لأنّه اعتبر أنّ الخلاف يُحلّ على الأساس الذي أعلنه الآباء باحتفال، في المجمع المسكونيّ الأوّل. وها نحن نورد رسالة كيرلّس الإسكندرانيّ الثانية التي أرسلها إلى نسطور:

»فنحن لا نقول إنّ طبيعة الكلمة صارت جسدًا بعد تحوّل، ولا هي تحوّلت إلى إنسان كامل، مؤلَّف من نفس وجسد، بل الحريّ هذا: إنّ الكلمة باتّحاده بحسب الأقنوم بجسد تحييه نفسٌ عاقلة، صار إنسانًا على وجه لا يُوصَف ولا يُدرَك، وسُمِّي ابن البشر، لا بمجرّد الإرادة والمشيئة، ولا لكونه اتّخذ فقط شكله. ونقول إنّ الطبيعتين المجموعتين في وحدة حقيقيّة هما مختلفتان، ومن الاثنتين نتج مسيحٌ واحد، وابن واحد، لا لأنّ اختلاف الطبيعتين أزيل بالاتّحاد، بل بالحريّ لأنّ اللاهوت والناسوت كوَّنا لنا الربّ الوحيد المسيح الابن، بائتلافهما في وحدة لا توصَف ولعُجِز البيان.

»فليس هو إنسانًا عاديٌّا وُلد أوّلاً من العذراء القدّيسة، ثمّ نزل عليه الكلمة من بعد، ولكن يُقال عنه إنّه كان متّحدًا بناسوته منذ (الحبل به في) البطن، وتقبُّل الولادة الجسديّة، إذ اتّخذ ولادة جسده الخاصّ... وهكذا تجرّأوا (الآباء القدّيسون) على تسمية العذراء القدّيسة أمّ الله، لا لأنّ طبيعة الكلمة أو لاهوته نالا وجودهما من مريم العذراء، بل لأنّه منها وُلد جسدُه المقدّس تحييه نفس عاقلة. هذا الجسد الذي اتّحد به الكلمة بحسب الأقنوم. ولهذا يُقال: وُلد بحسب الجسد«(52).

نقرأ في هذا الكلام النابع من العهد الجديد ومن إيمان نيقية، تعبيرًا جديدًا في لغة ترتبط بالمضمون. ما قاله يوحنّا الإنجيليّ ونيقية، يُفهم بهذه الطريقة في لغة حضاريّة يونانيّة: لا يتحوّل الكلمة إلى بشر ولا إلى إنسان. بل يتحدّث الكلمة »بحسب الأقنوم« أي على مستوى فعله الملموس بأن يقوم أو يُوجَد، في بشريّة كاملة. تمّت وحدةُ المسيح في أقنوم الكلمة، بحيث يكون هناك شخص واحد، لا اثنان. والكلمة يأخذ على عاتقه شكلاً جديدًا من القيام والوجود، شكلاً بشريٌّا. فالبشريّة ليست شيئًا يمتلكها، بل يكوّنها. وعلاقة أقنومه بطبيعته البشريّة، في نظام علاقته بطبيعته الإلهيّة.

رفض كيرلّس وحدة بحسب الرضى أو المشيئة. كما رفض وحدة في الشخص، الشخصيّة، التشخّص الذي يميّز الواحد من غيره بصفات خاصّة(26). هكذا اعتبر أنّه يجب أن يقرأ نصّ نسطور. مثل هذه الوحدة غير كافية لتدلّ على وحدة المسيح. وبيّن أيضًا أنّ هذه الوحدة تراعي اختلاف الطبيعتين(27).

وأخذ نسطور بأسلوب كيرلّس، فعاد إلى نصّ نيقية وربطه بالنشيد الكرستولوجيّ في فل 2: 6-11: ذاك الذي هو في صورة الله، صار في صورة الإنسان، صورة عبد طائعٍ حتّى الموت على الصليب.

»في كلّ موضع من الكتاب الإلهيّ، عندما يتكلّم على تدبير الربّ، لا يقدّم الآلام والولادة كأنّها للاّهوت، وإنّما لناسوت المسيح، بحيث إنّ العذراء القدّيسة يجب أن تُدعى بتسمية أدقّ أمّ المسيح، لا أمّ الله«(28).

نعود هنا إلى مقدّمة المترجم السريانيّ، الذي بدا متحمّسًا لنسطور قال: »واجهتَ (يا نسطور) أتعابَ سفر طويل من الشرق إلى الغرب، لكي تنير النفوس الغارقة في ظلمات الضلالة المصريّة(29)، والضائعة في دخان تجاديف أبولينار. ولكنّ الناس فضّلوا الظلمة على النور، لأنّ عيون فهمهم أظلمتها نظرات شخصيّة... رفضوا أن يُطيعوا فكُشِف ضلالُهم«.

وتهيّب المترجم أمام المهمّة الصعبة. ولكنّه تابع كلامه: »باتّكال تامّ على قوّة صلاتك، استعدَّتْ حقارتي لترجمة الكتاب من اليونانيّة إلى السريانيّة، وإذ أرجو عون الله الحيّ على لساني وفي أفكاري، أبدأ بكتابة ثمانية فصول، لتعرِّف بروح الكتاب«.

وتوقّف عند الهدف. »إليك الهدف الذي رمى إليه صاحبُ الكتاب: انجذب كثيرون بالناس وحبّ الغنى، فسقطوا في هوّة الاتّهامات والبغض. تعلّقوا بالأشخاص، فاستحقّوا ما قال النبيّ: »ويل للذين يدعون الشرّ خيرًا« (أش 5: 20). توخّى نسطور أن يدوِّن هذا الكتاب ليكون دواء يشفي النفوس المكتئبة من هذه الشكوك، والغارقة في أعماق الشرّ. في الحقيقة، كبيرًا كان الانشقاق الذي أدخله إبليس في الجسم المسيحيّ للكنيسة المقدّسة، بحيث أضلّ المختارين لو استطاع (مت 24: 24). إذن، كان هذا الدواء ضروريٌّا جدٌّا، ليُصلح أمراض العقل ويشفيها. ذاك هو هدف الكتاب«.

هناك أناس يتبعون كيرلّس لأغراض شخصيّة. ويفضّلون الظلمة على النور. نسطور هو النور. هذا ما يقوله أو يشير إليه منذ بداية أسقفيّته. حين انتقل من أنطاكية إلى القسطنطينيّة، وكان شارحًا للكتاب المقدّس في ديره، نوى أن ينير أهل العاصمة، ويبدّل في حياتهم وفي سلوكهم. فيوم رُسم أسقفًا في 10 نيسان 428، وصعد المنبر للمرّة الأولى، وجّه إلى الإمبراطور هذه الكلمات: »أعطني، سيّدي، مملكتك منقّاة من الهراطقة، فأعطيك ملكوت السماوات. أعطني السلطان على الهراطقة، وأنا أُخضع لك الفرس الذين يحاربونك«(30). وأتبع القول بالعمل: أحرق كنائس الأريوسيّين، ومعها عددًا من البيوت المجاورة، وذلك بعد رسامته بخمسة أيّام. وافتخر بأنّه صبر على الهراطقة وأطال أنّاته(31).

وما اكتفى بالعمل على مستوى العقيدة ووحدة الكنيسة، بل راح أبعد من ذلك: »ألغى الملاعب والمسارح، ومنع الصراخ والغناء والرقص والتسليات التي أحبّها الرومان وتعلّقوا بها. لهذا أبغضته المدينة، بانتظار أن تعاديه بولخيريا، شقيقة الإمبراطور تيودوز الثاني. وهي أثارت عليه أخاها، كما ساندت كيرلّس الإسكندرانيّ(32).

في مثل هذا الجوّ حُكم على نسطور، ولم يمضِ على أسقفيّته ثلاث سنوات. وما سُمح له أن يدافع عن نفسه، فجاء الحكم قاطعًا. وكان الأعداء تزايدوا عليه، بعد أن دُفع الإمبراطور فأصدر، في 30 أيّار 428، قرارًا بإبعاد الأريوسيّين والماقيدونيّين والأبوليناريّين والأونوميّين... أمّا المانويّون، فأُسلموا إلى العذاب. والرهبان عادوه أيضًا لأنّه منعهم من زيارة البيوت والوقوف في الساحات العامّة. والنساء منعهنّ من الذهاب إلى صلاة الليل مع الرجال(33).

وتحدّث المترجم عن فائدة الكتاب. »أظنّ، بادئ ذي بدء، أنّ الهدف من هذا الكتاب، تقديم الفائدة الروحيّة للقارئ. فتجاه الحكم الذي يعلنه الذين يضايقون البار ويحكمون عليه، ويبرِّئون المذنب (أش 5: 23)، هو ينير عيوننا حول التجسّد الذي هو النظريّة(34) الرئيسيّة الحقّة حول اللاهوت. هكذا نبتعد عن تجاديف على الطبيعة الإلهيّة والتدبير(35). وهكذا ننقاد إلى المعرفة بفضل مراحمه الكثيرة. ولئلاّ نطيل خطابنا حول المنافع الكبرى التي نقتطفها من هذا الكتاب، يكفي أن نقول بإيجاز: إنّه يقتلع الشوك ويُنمي الزرع (لو 8: 7)(36).

وقبل أن نتعرّف إلى الألفاظ التي استعملها نسطور، وندرس فكره مع رأينا الخاصّ فيه، نقدّم الفصل الأوّل حول »الهرطقات والانشقاقات« مع توطئة في البداية:

»أرى أنّه ينبغي على من يريد البحث عن الحقيقة بنشاط، أن لا يركِّب خطبته بأفكار مسبقة، بل أن يضع نصبَ عينيه كلّ ما يعارض الحقيقة ويناقش. فالعارفون بالذهب يقابلون هذا بذاك، فيرون الفرق بين الذهب الصالح والأقلّ صلاحًا..(37). كثيرون يختارون الشرّ بدل الخير، والكذب بدل الحقّ، لأنّ الأمرين متساويان في نظرهما. وهكذا يفضّلون القتال مع الآخرين على إثبات الحقيقة. بما أنّ كثيرين يختلفون حول المسيح ولا يتّفقون على اسمه، وآخرين يجادلون حتّى في اسمه، استحسنّا أن نعرض أوّلاً رأي كلٍّ من الهرطقات حول المسيح، لكي يُعرَف الإيمانُ الحقيقيّ حين نقابله بالهرطقات، بحيث لا نعثر في هرطقة، ونسقط في أخرى، مثل أناس لا يرون«(38).

وترد لائحة بالهرطقات بشكل سؤال وجواب:

أ- لماذا لا يقول الوثنيّون إنّ المسيح هو الله؟ بسبب العذابات الجسديّة والصلب والموت. ويقولون: المعجزات مضلِّلة. هم شيع عديدة، ولكنّهم وثنيّون.

ب- لماذا لا يعترف به اليهود أنّه المسيح؟ بسبب الصلب والموت. وهم ينتظرون مسيحًا سوف يستقبلونه في مجد عظيم وفي القدرة.

ج- لماذا لا يقول المانويّون إنّ المسيح هو إنسان أيضًا بطبعه، بل فقط إله؟ بسبب المعجزات. أمّا البشريّ فيه فهو في الظاهر، في المخيّلة، لا في الطبيعة.

د- لماذا يعلن البولينيوّن(39) والفوتينيوّن(40) إنّ ربّنا المسيح هو فقط إنسان، لا إله أيضًا؟ بسبب ولادته وموته. ونسبوا إليه معجزات كما لواحدٍ من القدّيسين.

هـ- لماذا لا يُقرّ الأريوسيّون بأنّ المسيح إله كامل، مستقلّ، (ولا يقرّون) بأنّه إنسان، بل نصف إله ونصف إنسان؟ بعضهم يرى فيه نصف إله ونصف إنسان مع جسد لا نفس فيه وألوهيّة مخلوقة، ويجعلونه أدنى من الإنسان لأنّ لا نفس له. ويجعلونه أدنى من الإله حين لا يقولون: إنّه لا مخلوق ومستقلّ. أمّا في ما يخصّ التجسّد والولادة من امرأة، والموت، ما يخصّ الأمور البشريّة، فيظنّون إنّه صار إلهًا، يمزجون الصفات الإلهيّة والصفات الإنسانيّة، ويجعلون تجسّده لا في سلطانه، بل في أمر ملزِم. فيقولون: الاتّحاد بالبشريّ وصل إلى طبعه«(41).

2- مضمون الكتاب ولاهوته

أ- من التيوتوكس إلى تبادل الصفات

حين صار نسطور أسقف القسطنطينيّة، سنة 428، اكتشف الجدال حول لقب »تيوتوكس« والدة الإله(42). فما هو الذي حرّك المسألة، بل الجدال قاده لكي يكون الحكم. ونوى أن يكون على مسافة واحدة بين الأفرقاء. هناك ضلال، سواء قيل إنّ مريم هي أمّ الإنسان، أو أمّ الإله. وبما أنّه ذاك المضطهد المندفع(43) على الهرطقة من كلّ نوع، دخل في حرب لم يمتلك من أجلها الوسائل اللاهوتيّة الكافية(44). تضمّنت هذه الحرب ردًا على هرطقات حقيقيّة أو مفترضة. فكأنّي به يرى الهرطقة في كلّ مكان ويريد أن يقتلها كما الزؤان في الحقل. كما تضمّنت دفاعًا عمّا يُقال ضدّ شخصه من نميمة وافتراء(45). في هذا الإطار، أراد أن يقدّم تعليمه الذي لبث هو هو ولم يتغيّر(46). قال هو بنفسه إنّه لم يتبدّل، وذلك أكثر من مرّة(47).

وجّه نسطور ملاحظاته إلى الأريوسيّين الرافضين لاهوت الابن، والأبوليناريّين(48) القائلين بأنّ اللوغس (الكلمة) حلّ محلّ النفس العاقلة في التجسّد. وجعل مع الفئة الثانية كيرلّس أسقف الإسكندريّة. لاحظ نسطور، وكان على حقّ في ذلك، أنّ الأريوسيّين والأبوليناريّين الذين يُلغون النفس في المسيح، يعطون مدلولاً خاصًا للقب »تيوتوكس«. ففي الكرستولوجيا التي يقدّمون، يدخل اللوغس في اتّحاد فيزيكيّ وطبيعيّ مع البشريّ، ويلتزم بكلّ ما يحصل للجسد، مثل الولادة والعذاب والموت. سعى الأريوسيّون إلى نشر لقب »والدة الإله« لتكون لهم المناسبة بأن يهاجموا لاهوت المسيح(49). أمّا المخرج الوحيد الذي وجده نسطور، فهو إلغاء هذا اللقب. ولكنّه حين فعل ذلك، دخل في صراع مع الحقيقة التاريخيّة والكرستولوجيّا الأرثوذكسيّة.

هنا نورد بعض ما جاء في كتاب هرقليد مع عبارة أساسيّة: »تشخّص (أو شخصُ) اللاهوت هو الناسوت. وتشخّصُ الناسوت (هو) اللاهوت«(50). ثمّ توسَّع نسطور: »كان الاتّحاد للتشخّص (أو الشخص) هو للاثنين معًا، من أجل تشخّص اتّخذ جسدًا، شبه (د م و ) عبد، وبه تكلّم، علّم، عمل، اشتغل. أعطى شبهَه شبهَ عبد، وعن هذا الشبه تكلّم كما عن شخصه ولاهوته...

»ما كانت وحدة الطبيعتين من دون إرادة وعقل، كما قال آريوس وأبولينار، بل (وصلت) إلى الشخص وإلى تدبير (التجسّد لأجلنا)، وإلى وحدة صورته وشبهه، كما في وحدة طبيعتنا التي من نفس وجسد. لم ينقصه سوى الخطيئة. هو ما سلَكَ من أجل اللاهوت، بل ليجعله اللاهوت يقاوم الخطيئة ويُتمّ كلّ فرائض الشريعة(51) والممارسات الرئيسيّة ليبدو بلا ذنب في اختيار الواجب والعمل به. هو الذي بلا خطيئة، سُلّم للموت من أجلنا، البارُّ بين الأشرار (1 بط 3: 18). فما هو هذا النصر؟ وما هذا التساوي في المجازاة لأعمال الله والإنسان؟ فالموجِّه يتّحد بالأقنوم بحيث يشارك في الحياة وفي الأعمال، ويُدركه الموت. فالأعمال والموت والقيامة هي من الموجِّه ومن الموجَّه. أو أنّ الله يبقى في طبيعته، كما كان في الطبيعة بلا خطيئة، أو أنّ أعمال المسيح تتمّ في الغشّ، لأنّ الله الكلمة تصرّف مثل إنسان«.

بدأ نسطور فاعتبر تعليم كيرلّس وتلاميذه، تعليمَ الأبوليناريّة. ثمّ هاجم التعليم التقليديّ حول »تبادل الصفات«(52) الذي عبّرت الكنيسة بشكل خاصّ، في لقب »والدة الله« وفي عبارة »الإله المتألّم«. لا يُلام نسطور لأنّه فسَّر عبارة كيرلّس تفسيرًا أبوليناريٌّا: طبيعة واحدة للكلمة المتأنّس(53). فنحن نعرف أنّ كيرلّس أخذ هذه العبارة القاطعة من »حيل الأبوليناريّين«(54). فهمَ كيرلّس هذه العبارة فهمًا أرثوذكسيٌّا. ولكنّ هذا الفهم لم يحمها من تفسير هرطوقيّ. وكانت عبارات أخرى لدى كيرلّس قد تُفهَم بصعوبة. هذا ما نقرأه في رسالة أرسلها نسطور إلى تيودوريه(55):

»فماذا يقول كيرلّس؟ إن لم يُفهم تميّزُ الطبيعتين اللتين منهما (كما نقول) تتمّ وحدة لا توصَف، فالعبارة »اللتين منهما« تبدو وكأنّه يتكلّم عن طبيعتي الربّ، في هذه الحالة وتلك، وكأنّهما جزءان انضمّا فصارا جزءًا واحدًا. إذن، ما وجب عليه أن يقول »اللتين منهما«، بل »تتمّ« وحدة لا توصَف. فهذه الوحدة التي لا تُوصَف، لا تتمّ انطلاقًا من طبيعتين، بل هي وحدة طبيعتين، وحدة لا توصف«(56).

رَذل مجمعُ خليقيدونية عبارة »اللتين منهما« وأخذ حلاٌّ مشابهًا لما قال نسطور.

ولكن هذا يجب أن لا ينسينا أنّ نسطور الذي رفض لغة الإسكندريّة، رفض في الوقت عينه العبارة التقليديّة، تبادلَ الصفات. لهذا اصطدم بلقب »تيوتوكس« و»الإله المتألّم«. هذا يعني أنّه جعل نفسه معارضًا للكرستولوجيّا الأرثوذكسيّة.

سبق وذكرنا ما قال نسطور عن إيمان نيقية في ردّه على كيرلّس. فإعلان الإيمان هذا لا يمكن أن يتمّ بدون تبادل الصفات. هو ينسب إلى شخص واحد وحيد، هو الربّ الأزليّ والابن، صدورًا أزليٌّا من الآب، وولادة زمنيّة في التجسّد. وبالتالي، الولادة، الألم، القيامة، ومسيرة يسوع كلّها على الأرض. فهذا »الوحيد« هو الابن، بقدر ما يقوم في اللاهوت.

يشدّد قانون الإيمان النيقاويّ على العلاقة بين الآب والابن في الألوهيّة. وبعد ذلك، كان كلام عن »النزول« في التجسّد. وهكذا فإنّ »اللوغس« هو الشخص الواحد في سلسلتين من الأقوال تضمّ عنصرين اثنين: العنصر الإلهيّ والعنصر البشريّ. فأحداث التجسّد الزمنيّة تُنسَب أيضًا إلى الابن الأزليّ.

ما فهم نسطور تبادل الصفات، فاعتبر أنّ هذا المدلول يتضمّن أمورًا خاطئة بسبب معترضاته. لهذا تحاشى الكلام عن »لوغس« وفضّل أن يقول »المسيح«، أو »الابن« أو »الربّ«. هذه الألقاب، في نظره، تقدّم شخصًا يتضمّن الصفات الإلهيّة والصفات الإنسانيّة.

»بدأت في عرضك بخالق الطبيعتين لا بتشخّص (ف ر ص و ف ا) الوحدة. ليس اللوغس صار اثنين. بل يسوع المسيح الربّ الواحد الوحيد هو اثنان في طبيعتيه. ففيه جميع تميّزات الله الكلمة، الذي يمتلك طبيعة أزليّة لا تخضع للألم والموت، وجميع تميّزات الوحدة والتميّز«(57).

وأعلن نسطور بصريح العبارة ما يتعلّق بإيمان نيقية: »لاحظْ أنهم حين يجعلون (الآباء) »المسيح ليدلّوا على الطبيعتين، فهم لا يقولون أبدًا أولاً: ''نؤمن بالإله اللوغس الوحيد''، بل يختارون اسمًا يصوّر (الطبيعتين) الاثنتين«(58).

ب- الألفاظ الأساسيّة

كان اهتمام نسطور الأكبر أن يؤمّن التمييز الواضح بين الطبيعتين تجاه الميول المهرطقة في أيّامه، سواء كانت حقيقيّة أو مفترضة. فكتب: »تذكّروا، في كلّ النقاط، الألفاظَ العديدة التي فيها ميّزتُ بين طبيعتي الربّ يسوع«(59). ولكنّ التمييز بين الطبيعتين يبقى سهلاً في المسألة الكرستولوجيّة. والصعب هو تفسير الوحدة التي أراد نسطور أن يحافظ عليها: مسيح واحد. ابن واحد،، ربّ واحد. افترض نسطور هذه الوحدة، وما شكّ فيها لحظة واحدة. لكنّه طلب أساسًا لهذه الوحدة.

هنا نرفض القائلين بأنّ نسطور يريد »القسمة« مهما كانت الظروف. فقد اقترب، دون أن يدري، من تبادل الصفات. قال: »أقول هذا لأبيّن لكم الرباط الوثيق بين اللاهوت وبشريّة الربّ المنظورة في الطفل. (فالشخص) عينه هو في الوقت نفسه، الطفل وربّ الطفل«(60).

قبل أن نتابع موضوعنا في التعرّف إلى نسطور، لا في ما نقل عنه معادوه، بل في ما قاله هو، في »تجارة هرقليد« أو في الرسائل والعظات، نورد الكلمات التي كانت موضوع جدال.

»الجوهر« (ܐܘܣܝܐ). يقابل اليونانيّة Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin-top:0in; mso-para-margin-right:0in; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0in; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} ουσια يرتبط بفعل ؟؟؟؟ على مستوى الجذر. الجوهر، الذات، الماهيّة، الكينونة. نقدّم هنا عبارة وردت في كتاب نسطور (252): »يبقى جوهرُ (؟؟؟؟؟) شبه (؟؟؟؟؟) الله، وجوهر شبه العبد في أقنوميهما«.

»الأقنوم« هو في السريانيّة :؟؟؟؟؟ الأقنوم، الأصل، الشخص، الذات، الماهيّة. قال مثلاً أفراهاط: »الشمس التي رأيت، ما ماهيّتها، ما حقيقتها. قد يرتبط ؟؟؟؟؟ بالعربيّة: قام. وقف على قدميه، أو السريانيّة :؟؟ شيّد، ثبّت، كوّن، ساند. هو يقابل upostasiV الأساس، القاعدة، الجوهر. حرفيّا: ما يقف تحت. ما يُسند. نلاحظ هنا أنّ الكلمة السريانيّة لا توافق معنى اللفظ العبريّ. ؟؟؟؟؟ يدلّ على الشخص. أقنوم الابن. أمّا اللفظ اليونانيّ فيرتبط بالجوهر ويلتقى مع :؟؟؟؟؟ الجوهر والعنصر والذات والطبيعة. ومن هنا جاء الفعل :؟؟؟؟؟؟ أخذ طبيعة. وتَرافق مع ؟؟؟؟؟ فرادفه.

ويبقى لفظ ؟؟؟؟، الكيان، الطبيعة، الذات، الجوهر. في اليونانيّة jusiV. نقول طبيعة الصخر، طبيعة النبات، طبيعة الإنسان. يعود ؟؟؟؟ إلى فعل :؟؟؟ كان. وفي التعدّي: كوّن، صوّر، هيّأ، سوّى. يُقال: كيان المخلوقات. أو كلّ الكيانات.

ونقـرأ بعـض ما تركـه نسـطور: »ما صنع بلا شخـص ولا أقنـوم الطبيـعةَ (؟؟؟؟ الإنسانيّة، ولا الإلهيّة« (302). اثنان »؟؟؟؟؟ « الذي لبس والذي لُبس (304). صار »الشخص، المشخَّص« يقابل الطبيعة. وهكذا لم يكن تميزٌ بين upostasiV وبين prosorpwn وأيضًا: لا طبيعة (؟؟؟؟) بدون شخص (؟؟؟؟؟؟) . وأيضًا: لا شخص بدون جوهر« (؟؟؟؟؟) (425).

في هذا الإطار، قال نسطور في »تجارة« (252): »فالوحدة هي للشـخص، لا للطبيعة. لا نقول وحدة الشـخص (؟؟؟؟؟؟)، بل (وحدة) الطبيعتين. ففي الوحدة، ليس سوى شخص. ولكن، في الطبيعتين آخر وآخر. وهذا يسري الشخص على الكلّ. فمن أجل شخصه اتّخذ جسدًا، شبهَ العبد. وعن هذا الشبه تكلّم كما عن شخصه وعن اللاهوت. الشخص (؟؟؟؟؟؟) مشترك، واحد، وهو هو. وشبه العبد يخصّ اللاهوت. وشبه اللاهوت يخصّ الناسوت. الشخص واحد، وهو هو، لا الجوهر. فجوهرُ شبه الله وجوهرُ شبه العبد يبقيان في أقنوميهما«(61).

ويتابع نسطور (302): »ما الغريب الذي تسمعونه في أقوالي لكي تحكموا عليّ؟ لقد أوردتموها. فذاك يستعمل اسم ابن، وهذا مخلّص، وأثناز ربّ أتى من مريم(62). فكيف تجرّأ الذين يُدعَون مسيحيّين أن يقسموا، إذا كان هذا الربّ الذي وُلد من مريم هو ابن الله الآب بالجوهر (؟؟؟؟؟) والطبيعة (؟؟؟؟) ولكن وُلد في البشريّة (؟؟؟؟) ، من نسل داود؟ فالبشريّ هو من العذراء مريم. وأنت تعرف أنّها طبيعة إنسانيّة تلك التي من العذراء مريم. بالطبيعة وبالجوهر هو ابن الله، في طبيعة الله الآب وفي جوهره. ولكن في البشريّ، طبيعة مريم الإنسانيّة«.

وكتب نسطور إلى أصدقائه يقول لهم: »أسألكم وأتوسّل إليكم أن تسهروا في كلّ مكان وتهتمّوا بأن لا يتّهمني (كيرلّس) بأنّي أجعل قسمين. بأنّي أقسم اللاهوت عن الناسوت، على مثال ما ينفصل شيء عن آخر بالمكان. فالذي يلبس ثوبًا كيف ينفصل عنه؟ والخفيّ كيف ينفصل عن المنظور«؟(63)

ما نستنتج من هذه النصوص هو محاولات نسطور للحفاظ على الوحدة مهما كان الثمن. وفي الوقت عينه، هو يهتمّ بأن لا يمزج الطبيعتين الإنسانيّة والإلهيّة. فلو ذابت مثلاً الطبيعة الإنسانيّة في الطبيعة الإلهيّة. لوصل إلى المونوفيسيّة. اقترب كما قلنا من »تبادل الصفات«، ولكنّ هذا المدلول بقيَ غامضًا بعض الشيء بالنسبة إليه. لهذا حاول التهرّب من عبارة »والدة الله«، لأنّ الله لا أمّ له ولا أب. وتحدّث عن والدة المسيح الذي هو الإنسان الذي حمل الخلاص إلى البشريّة في سرّ الفداء. لا شكّ في أنّ المسيح هو الإله والإنسان، كما قال بطرس في اعتراف إيمانه(64)، ولكن إن شكّكت عبارة »والدة الله البعض، فعبارة »والدة الإنسان« شكّكت البعض الآخر. فلا بدّ من حَكَمٍ يفصل بين الاثنين ويحافظ على وحدة الكنيسة.

أراد نسطور أن يكون هذا الحَكَم، وبطريقة العنف والقوّة، فتهرّب من »تيوتوكس« و»أنتروبوتوكس«، وتطلّع إلى قاسم مشترك »خرستوتوكس«، والدة المسيح. غير أنّ هذه الوحدة في التفكير، أماءت إلى التعبير اللاهوتيّ. وهكذا توسّع الخلاف بحيث طلب نسطور نفسُه بأن ينعقد مجمع بسلطان الإمبراطور(65). وكان متأكّدًا أنّه على حقّ، فقال مرّة إنّ الأكثريّة معه. في الواقع، لم يكن معه سوى عشرين أسقفًا. وإذ فتح عينيه ورأى مئتي أسقف في الجهة المقابلة، رفض الحضور إلى أفسس، مع أنّهم طلبوا منه ثلاث مرّات. واعتبر المجمعَ لا مسكونيٌّا، وقابل نفسه مع أوستات الأنطاكيّ وكيرلّس الإسكندرانيّ ويوحنّا الذهبيّ الفم(66).

ج- المسيح عند نسطور

نبدأ فنورد نصًا من النسطوريّات، يجعلنا جدّ قريبين من خلقيدونية »واحد، وهو هو«(67). هو في الطبيعة اللامخلوقة، وفي الطبيعة المخلوقة. لذلك فالذي عُرف على أنّه مسيح واحد في طبيعتين، الإلهيّة والإنسانيّة، المنظورة واللامنظورة، يُشرف على الدينونة الأخيرة... فوحدة الابن لا يمسّها تميّز الطبيعتين. وكما أنّ الجسد الفاني هو شيء، والنفس الخالدة شيء آخر، مع أنّ الاثنين يكوّنان إنسانًا واحدًا، كذلك (هو واحد) من مائت ولا مائت، من فانٍ ولا فانٍ، فما هو خاضعٌ لبدايةٍ ولطبيعة لا بداية لها. هذا يعني أنّي أعترف بالله لوغس شخص (؟؟؟؟؟؟) الابن الواحد(68).

لاحظنا هذه المقابلة المعروفة بين النفس والجسد في الإنسان، وهي تلك التي انطلق منها أريوس وأبولينار للكلام عن المسيح. فنقطة الانطلاق عند نسطور تعليم تقليديّ، سوف نقرأه أيضًا في كتاب هرقليد:

»ليس التجسّد بالنسبة إلينا شيئًا ناقصًا، بحيث ننسب البشريّ إلى الله، كما يقول الأريوسيّون: تألّمَ آلامنا في الطبيعة: في طبيعته (؟؟؟؟) وفي شخصه (؟؟؟؟؟؟). وما أفاده البشريّ في شيء. ولكن بما أنّ الناسوت يُعتبَر كلّيٌّا مثل طبيعة الإنسان، فه يمتلك كلّ الامتلاك (ملكات) الإنسان الفاعلة والمنفعلة، كما اعتادت الطبيعة البشريّة أن تمتلكها« (302-303)

ويواصل كلامه في ص 425 متوجّها إلى كيرلّس: »لماذا تقول: طبيعة الله الكلمة، لا طبيعتان متّحدتان؟ لماذا لا تجرؤ أيضًا أن تقول إنّ منهما ينتج الله الكلمة كما قلتَ، إنّه ينتج ابنٌ واحد؟ لنقل كما تقول إنّنا نقبل في عقلنا فكرة طبيعتين نعتبرهما متّحدتين، فقُل الشيء عينه عن الله الكلمة: بيدِ (الطبيعتين) الإله الواحد الكلمة هو اثنان. أمّا أنا فأقول في خطّ الكتب والتعاليم الإلهيّة: طبيعتان متّحدتان. الإله الكلمة يدلّ على الطبيعة (؟؟؟؟) والابن على الشخص (؟؟؟؟؟؟). ولكنّه إله واحد وكلمة. هكذا يدلّ »الله« على الطبيعة ويدلّ »الآب والابن والروح القدس« على الشخص (؟؟؟؟؟؟). لهذا فاللاهوت واحد، والأشخاص ثلاثة، أي الله الآب، الله الابن، الله الروح القدس. فالشخص (؟؟؟؟؟؟) ليس بدون الجوهر (؟؟؟؟؟) . وكذلك في المسيح طبيعتنان. واحدة من الله الكلمة. والثانية من الناسوت. وشخص ابن يستخدمه الناسوت أيضًا وشخص إنسان يستخدمه اللاهوت أيضًا«.

أترى هناك شخصان، شخص الناسوت وشخص اللاهوت؟ ونستطيع أن نقول في لغة اليونان: هل هناك أقنومان اثنان في المسيح الكلمة، بحيث تنفصل الطبيعة البشريّة عن الطبيعة الإلهيّة فيقال حينئذٍ إنّ مريم هي أمّ يسوع، أم المسيح، لا أمّ الإله؟ لم يكن »الشخص« (؟؟؟؟؟؟) محدّدًا كلّ التحديد تحاه »الأقنوم« (؟؟؟؟؟)

هنا ترك نسطور الخطّ التقليديّ، واتّخذ طريقًا خاصّة به، حين حاول أن يقدّم شرحًا إيجابيٌّا لوحدة الإله والإنسان في المسيح. فمن هو »مسيح نسطور«؟ اتّخذ المقاربة الأنطاكيّة التي تشدّد على الطبيعتين وحاول أن يمحّصها ويهذّبها. ولكن برزت الصعوبة: لم يكن أمام طبيعتين مجرّدتين، طبيعتين ترتبطان بالواقع الملموس، بل أمام طبيعة بشريّة فرديّة، ملموسة، وأمام لاهوت قائم في اللوغس. فاللاهوت والناسوت في المسيح واقعان ملموسان. وإذ أراد أن يصوّرهما استعمل ألفاظ »جوهر« (؟؟؟؟؟) »طبيعة« jusiV) »أقنوم« ؟؟؟؟؟؟؟ upostasiV).

كيف يتمّ الاتّحاد في الطبيعتين؟ في عمل »ضمّ«(69) في وحدة الشخص. في هذا الإطار، هنّأ نسطور كيرلّس لأنّه توصّل إلى »تمييز الطبيعتين في الإلهيّ والإنسانيّ، وإلى ضمّهما في شخص (؟؟؟؟؟؟) واحد«(70). لماذا تهرّب قدر الإمكان من »اتّحاد، وحدة« enwsiV المرتبطة بالرقم واحد، لأنّه أراد أن يتهرّب من عبارة أبولينار: طبيعة واحدة.

إن استعمل نسطور لفظًا آخر، هل يكون هرطوقيٌّا؟ هذا ما قاله بعضهم(71)، وإنّ اعتبر أنّ التفسير الأرثوذكسيّ معقول جدٌّا. فنحن نجد لفظ sunajeia عند عدد من الآباء المستقيمي الإيمان. وما اتّهمهم أحد، ولكنّ الاتّهام وقع على من حكم عليه مجمع أفسس. أراد أن يجمع موقفين متعارضين، فلا كان مع هذا ولا مع ذلك، فاتّخذ طريقًا لم يتبعه فيها أحد. ولكن يبقى أن تعليم نسطور يذكر »شخصين« متميّزين (؟؟؟؟؟؟) في المسيح(72).

يبقى أنّ sunajeia لم يجد بعدُ تحديده الفلسفيّ عند نسطور، لكي نكتشف إن كنّا أمام وحدة عارضة في المسيح، أم وحدة عميقة، جوهريّة. من أجل هذا، حاول، بإضافات مختلفة، أن يبيّن نوعيّة هذه الوحدة. وأفضلها تلك التي أوردناها حول وحدة الشخص prosopwn، حول وحدة المشخِّص.

ماذا يعني prosopwn قبل خلقيدونية؟ لا يدلّ على الأقنوم، بل على ظاهر الإنسان غير المنقسم، على ما يُرى منه(73). كلّ طبيعة (jusiV) لها مشخِّصها الخاصّ prosopwn، لها سماتها الخاصّة، لها ظاهرها الخاصّ بحيث تتميّز في فرديّتها. المشخِّص هو النقطة الأخيرة في تحليل طبيعة ملموسة. هو يتوقّف عند السمات الفرديّة وينسب إليها دورًا خاصٌّا في تفسير وحدة المسيح(74).

ارتبط مفهوم prosopwn عند نسطور بالكتاب المقدّس وبالمقاربة بين jusiV و upostasiV عند الكبادوكيّين. عاد إلى الرسالة إلى فيلبّي (2: 5-8) مع كلام عن »شكل الله« و»شكل العبد«، فيُضع نسطور كلامًا في فم المسيح »الابن الوحيد« (لا اللوغس): »إذ كنتُ في شكل الله، لبستُ شكل العبد. ومع أنّي الإله الكلمة، فأنا منظور في اللحم (؟؟؟؟، الوجه البشريّ). ومع أنّ لي سلطانًا على كلّ شيء، آخذُ على عاتقي مشخِّص prosopwn المسكين، من أجلكم. مع أنّي أجوع بشكل منظور، فأنا أطعم جميعَ الجائعين«(75).

ونعود إلى كتاب هرقليد (ص 84، 85) مع عبارة أساسيّة في خطّ فل 2: 9: »أسماء الشخص (؟؟؟؟؟؟) الطبيعيّ (؟؟؟؟؟) مشتركة هي«. وطرح نسطور المسألة: في الطبيعة البشريّة نال اسمًا فوق كلّ الأسماء. وأجاب: تلك هي العظمة الرئيسيّة في الطبيعة البشريّة: بقي في الطبيعة البشريّة فنال اسمًا فوق كلّ الأسماء لا على أثر تطوّر الأعمال، ولا على أثر المعرفة والإيمان، ولكن كان هذا بتدبير خير ليكون شكله (morjh ؟؟؟؟؟ شبه) وشخصه (؟؟؟؟؟؟)، بحيث يكون شكله شكل هذا. هو أيضًا إله. وهو أيضًا إنسان. شكلُ الله في التنازل والانحدار والمظهر، وشكلُ البشر كإنسان. والإنسان هو، في الارتفاع، كما هو الله، بواسطة الاسم الذي هو فوق كلّ الأسماء. لهذا، تواضع في انحداره الإراديّ حتّى الموت والموت على الصليب مستعملاً الشخص ؟؟؟؟؟؟ ذاك الذي مات وصُلب باستعماله شخصه الخاصّ... إذا دُعيَ المسيحَ بسبب البشريّة التي مسحت، فإنّ هناك شخصًا ؟؟؟؟؟؟ واحدًا للطبيعتين لأنّ هناك اسمًا واحدًا فوق كلّ الأسماء«.

وطُرح تدبير التجسّد في الطبيعتين في سؤال رقم 62 (ص 89)، فكانت العبارة الأساسيّة: »من الشخص الإنسانيّ (؟؟؟؟؟) يُعرف الإنسان (؟؟؟؟؟ ، أي من ظاهر (؟؟؟؟؟) الجسد ومن شبه (؟؟؟؟؟ ، شكل). فالله من اسم أفضل من كلّ الأسماء، ومن السجود من قِبَل كلّ الخليقة (؟؟؟؟؟) ومن الاعتراف أنّه الله«. أجل، أخذ شبه العبد، وأعطى شبهه الخاصّ لشبه العبد لكي يتساوى مع الله. وإذا بحثنا عن الوحدة نجدها في المسيح لا في الله الكلمة الذي هو أزليّ، لأنّ المسيح هو شخص ؟؟؟؟؟؟ الوحدة (ص 212).

هذا ما يشرحه نسطور في النسطوريّات (280: 5-16): »المسيح غير منقسم (واحد) بما أنّه المسيح. وهو اثنان بما أنّه إله وإنسان. في واحد في حاله كابنٍ، ولكنّه اثنان في ما أخذ وفيما أُخِذ. في شخص prosopwn الابن هو فرد، ولكن في وضع العينين، ينفصل بحسب الطبيعتين، الناسوت واللاهوت. فنحن لا نعرف مسيحَين، ولا ابنَين وحيدَين ولا ربّين، (ونحن لا نعرف) ابنًا وحيدًا جديدًا، ولا مسيحًا أوّل ومسيحًا ثانيًا، بل (مسيحًا) واحدًا هو هو، وقد رؤي بحسب الطبيعتين، المخلوقة واللامخلوقة«.

الخاتمة

ونختم كلامنا بهذا التوضيح الإيمانيّ حول المسيح الواحد في طبيعتين اثنتين. مثلُ هذا الإيمان سوف يُعلَن في مجمع خلقيدونية الذي انقعد سنة 451. إذا تركنا جانبًا معنى الألفاظ، وإذا فهمنا الهدف من تدخّل نسطور في الجدال اللاهوتيّ الذي عرفته القسطنطينيّة حين وصل إليها، وإذا تذكّرنا شخصيّته وطريقة تصرّفه في مدّة قصيرة قضاها في البطريركيّة، لا نستطيع القول إنّه كان ذاك الضالّ الذي استحقّ حرمًا قاطعًا، سوف يتجدّد في أكثر من مناسبة. في اكتشاف كتاب هرقليد الدمشقيّ، اكتفى الباحثون بنصوص أوردها خصوم نسطور وردّوا عليها. ولكن مع هذا الكتاب، يجب أن تتبدّل النظرة، وهذا ما حدث بالفعل في اجتماعات القرن العشرين بين الكنيسة الكاثوليكيّة والكنيسة التي دُعيت »نسطوريّة«. لا شكّ في أنّنا لا نستطيع أن نعتبر نسطور ذلك اللاهوتيّ الكبير بجانب باسيل أو غريغوار النازينزيّ وغيرهما. ولكنّه كان قبل كلّ شيء ذاك الراعي الذي يريد أن يجمع القطيع حول أسقفه وبالتالي حول إمبراطوره في خطّ ما قاله تيودوز الثاني وهو يدعو إلى مجمع أفسس: »خير المملكة يرتبط بالدين، والعلاقة وثيقة بين الاثنين. هما يتداخلان وينميان معًا«. فيا ليت ذلك الراعي عرف تواضع المسيح وامّحاءه، كما قرأ عنه في الرسالة إلى فيلبّي! تصرّفه أبعده عن الأرثوذكسيّة، كما قالوا. وبالعودة إلى المسيح تعيده الكنيسة اليوم إلى الإيمان المستقيم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM