سلسلةبين عهدوعهد
10
صلوات الثقة والإتّكال
الخوري بولس الفغالي
2007
تقديم
ونبقى في كتاب الطوبى، كتاب الهناء والسعادة. لأنّنا نسير في طرق الربّ ولا نحيد عنها. لا شكّ في أنّ من يأخذ طريقًا أخرى، يكون مصيره الهلاك. لا في نهاية حياته فحسب، بل منذ الآن، يُحسّ بجهنّم تدخل في حياته وفي قلبه، في عائلته ومجتمعه.
ولكنّ المؤمن، مهما كانت نواياه طيّبة، إلاّ أنّه يُحسّ بضعفه، بتراخيه، بتراجعه. وعد الربّ وها هو يعود عن وعده. هل يترك اليأس يسيطر على قلبه؟ كلاّ. بل هو يتطلّع إلى الربّ ويطلب منه العون.
وماذا يكتشف؟ كان الناس يقولون: الله هو البعيد، فهتف المؤمن: لا تتباعد يا ربّ. ولكنّه فهم أنّه هو البعيد عن ، ساعة الله مقيم في هيكله، في مركز حضوره، وهو يستعدّ أن يستقبله في أيّة ساعة. فعادت الثقة إلى قلبه.
وماذا يكتشف؟ كانوا يقولون: الإنسان الخاطئ يتركه الله. فهل تترك الأمّ مريضها لتهتمّ بمن هو في صحّة جيّدة. بل اهتمام الربّ يتضاعف تجاه الخطأة. ونحن المسيحيّين نعرفه بشكل خاصّ حين سمعنا ربّنا يقول: ما جئت لأدعو الأبرار، بل الخطأة، فدعوهم لكي يعودوا إليّ. وما أحلاهم حين يعودون. ترك الابن البيت الوالديّ، ولكنّ الأب لم يترك ابنه. استقبله عائدًا كما هو. ما سأله سؤالاً، ولا عاتبه عتابًا. أنت ابني وتبقى ابني. فعادت الثقة إلى قلبه. وتعود إلى قلوبنا. ولن نجسر بعد اليوم أن ننشد، إلهي، إلهي لماذا تركتني، إلاّ إذا فهمنا الخلاص الآتي إلينا، شرط أن نتعلّق الله، أن نتعبّد له.
وماذا يكتشف المؤمن؟ كانوا يقولون: لا يحقّ للإنسان أن يتكلّم، ولا أن يجادل. يقبل قدَره كما هو، ويُلصق رأسه في التراب والرماد. فا؟ هو ذاك القاسي، الظالم، الذي يعاتب من يقف في وجهه. هذا ما قاله أصدقاء أيّوب: اعترفْ بخطيئتك، وادخل إلى قلبك لكي تقتلعها. فهي عميقة، متجذّرة فيك. وجمّدوا الإنسان في ماضيه. هل يرضى المؤمن بذلك؟ كلاّ. ولا نحن نرضى.
لهذا اكتشف المؤمن أنّه يقدر أن يرفع شكواه إلى ربّه. من الأعداء الذين يحيطون به، ويسأل الله ماذا ينتفع إن مات صفيّه؟ ومن سوف يُنشد ؟ عظائمه؟ وفي النهاية، يشتكي من الله إلى الله. يعاتب الله: أنت القدير، فأين قدرتك. أنت الحنون، فأين حنانك. أنت أبٌ يهتمّ بأبنائه، فأين هو اهتمامك، لا تنسَ فيه شعرة من رؤوسنا. وتقول لنا: لا تخف أيّها القطيع الصغير.
اكتشفَ المؤمن أنّه يقدر أن يكلّم الربّ بدالّة الأبناء الأحبّاء. كاد يفقد ثقته أمام الصعوبات، فإذا ثقته تتضاعف بربّه. قبل أن يكون كالطفل السائر في الليل. كان بالإمكان أن يقاتل أمّه: لماذا السير في العتمة؟ وأن يتركها ويسير وحده مهما كانت الأخطار. ولكنّه تعلّق بها، وتعلّق. وهكذا بدا المؤمن. لا حاجة للاتّكال على البشر. فمن يستند إلى قصبة مرضوضة؟ من يستند إلى جدار ينهار؟
بل حين نستند إلى الله، لا نتزعزع. نصبح مثل قلعة حصينة تقف علىصخر عالٍ. فمن يصل إلينا؟ وحين نختبر، نقتنع يومًا بعد يوم أنّ الاتّكال على الله خير من الاتّكال على البشر، أنّ الاتّكال على الله خير من الاتّكال على العظماء.