المزمور الثامن عشر إنتصار الملك بقدرة الله؟

 

المزمور الثامن عشر

إنتصار الملك بقدرة الله؟

1 - مستويات قراءة الكتاب

أحبّائي، الربّ يكون معنا، ويرافقنا خصوصاً في قراءة المزامير. والمزمور 18 (17 في كتب الصلوات) يعلن انتصار الملك بقدرة ا؟.

وعندما يكون الانتصار، يَصعد فعلُ الشكر للربّ بعدما عمل ما عمل.

أحبّائي، عندما نقرأ المزامير أو نقرأ أيّ مقطع من الكتاب المقدّس، يجب أن نتوقّف عند ثلاثة مستويات.

المستوى الأوّل، هو المستوى الذي كُتب فيه أوّل ما كُتب، مع التفاصيل اللازمة.

المستوى الثاني، هو ساعة لم يعد يرتبط المزمور بحالة معيّنة، بزمن معيّن، بشخص معيّن، بل يصبح صلاة الجماعة، بانتظار أن يصبح صلاة الكنيسة.

المستوى الثالث، هو عندما يصبح المزمور مزموري أنا، عندما أصلّيه أنا. قلنا، عنوان هذا المزمور: انتصار الملك بقدرة ا؟.

يجب أن نقول: انتصاري أنا فلان، بقدرة ا؟. والانتصار لا يكون فقط على الأعداء، على الجيوش. هناك انتصار على الذات، على الخطيئة. وبالنسبة إلى المسيح، هناك انتصار على الشرّ، على الخطيئة على الموت، يوم جعل كلّ أعدائه تحت قدميه، وآخر عدوّ جعله تحت قدميه كان الموت.

هكذا يجب أن نقرأ المزامير ونقرأ الكتب المقدّسة. من هنا نقول كلمتين: أوّلَ، يعني فسَّر، اكتشف بُعد المزمور، غنى المزمور، كما كان في العهد القديم، في كتب التوراة. ولكنْ هناك فعل ثانٍ أوّن. يعني قرأ المزمور الآن. أنا اليوم أستطيع أن أقرأ المزمور كأنّه كُتب إليّ، أو كأنّي أنا كتبتهُ وقدّمته للجماعة لكي تصلّيَه.

2 - هو كلام ا؟

فإن ظلّ المزمور من عالم الماضي، لا ينفعني في شيء، بل يمكن أن أرفضه إن كان ذاك الذي يصلّيه ليس من رأيي وليس من تفكيري وليس من نظرتي إلى الأمور. ولكن، عندما أجعل نفسي مع مصلّيه الأوّل ومع مصلّين جاؤوا بعده، عندئذٍ يصبح المزمور كلامي، صلاتي، ارتفاعَ قلبي إلى الربّ.

فأقوال الكتاب المقدّس سواء كانت من العهد القديم أو من العهد الجديد، ليست فقط كلمات بشريّة. لا شكّ في أنّ البشر كتبوها في وقت محدّد، في لغة محدّدة، في زمن محدّد، في طريقة محدّدة. لكن يبقى الكاتب الأوّل والأخير لكلّ الكتاب المقدّس، من سفر التكوين إلى سفر الرؤية، يبقى الروح القدس.

وهذه الكلمة التي دوّنت بعد أن كانت شفهيّة، خلال سنوات وربّما أجيال. هذه الكلمة التي دُوّنت، لم تعد مرتبطة بمكان من الأمكنة، بزمان من الأزمنة، بشعب من الشعوب، بفئة من الفئات، بشخص من الأشخاص. كلا، تحرّرت، فيمكن أن تصبح كلمتي إذا فتحتُ قلبي لاستماعها والعمل بها والعيش بحسبها.

وهنا نودّ أن نقرأ المزمور 18 الذي ينطلق من داود الذي لاحقه، يضطهده الملكُ شاول. ولكنّه نجا بقدرة ا؟. ولكنّ الربّ خلّصه فأنشده. ولكن ما لي ولداود الذي عاش ألف سنة قبل المسيح؟ وما لي ولشاول الذي يلاحق داود والذي كان قبله على عرش العبرانيّين؟ المهمّ أنّني أقدر أن أكون داود ذلك الملاحَق، ذاك المضطهَد، الذي يطلب من الربّ أن يخلّصه، أن ينجّيه من هذا العدوّ أو من ذاك.

ولكن ويا للأسف، يمكن أن أكون شاول، ذاك الذي يلاحق داود، أو يلاحق من يحسبه عدوّه من أجل خير أو مصلحة أو انتقام أو غيرها من الأمور.

أنا داود أطلب من الربّ أن يخلّصني. وأنا شاول أتعلّم أنّ الربّ يُلاحق، أنّ الربّ يدين الظالمين، أنّ الربّ لا يسمح بأن يتمادى الشرّ في العالم. ولاسيّما على الذين اختارهم كما اختار داود ليقود شعبه إلى الربّ. ونقرأ إذًا مزمور 18 (17 كما في كتب الصلاة).

3 - يأتي في صُوَر من الحياة

مزمور مؤلّف من 51 آية، مزمور طويل، غنيّ جدٌّا، ينطلق من صوَر، يجب أن نروحنها، أن نعطيها المعنى الروحيّ، ولا نتوقّف عند المعنى الحرفيّ. لا شكّ، في الأساس، هناك المعنى الحرفيّ، ولكنّنا نصل إلى المعنى الروحيّ وإلاّ ضاع المعنى الكامل للكتاب المقدّس الذي يوجّه إليّ كلمة ا؟ اليوم، لا تلك الكلمة القديمة. عندئذ لا فرق بين نصوص من مصر وأشور ونصوص من الكتاب المقدّس. كلمة ا؟ هي حاضرة، لا شكّ أنّها قيلت في الماضي، دُوّنت في الماضي، ولكنّها حاضرة وكأنّها تدوّن حتّى اليوم. لذلك نبدأ فنقرأ بعض هذا المزمور، ونتابع في حلقات لاحقة.

أحبّك يا ربّ يا قوّتي (آية 2). الربّ صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي وبه أحتمي، وترسي وحصن خلاصي وملجإي.

نلاحظ صُور الحرب، صور القتال، وهي عديدة في هذا المزمور. ولكن، لن نتوقّف عند هذه الصور وكأنّها نهائيّة. فاليوم لا حاجة إلى الحصن ولا حاجة إلى الترس. بعد هذه الحروب التي وصلت بنا لا إلى المدافع والطائرات بل إلى القنبلة الذريّة والهيدروجانيّة. كلّ هذه هي صُوَر، تدلّ على ما يمكن أن يفعله الربّ من أجل أحبّائه، من أجل الذين يطلبون عونه. وأوّل كلمة هي كلمة الحبّ: أحبّك يا ربّ.

4 - أحبّك يا ربّ

بدأ المؤمن أن يكون ملكًا كما هو في المزمور. أو واحدًا من البشر. يبدأ فيعلن محبّته للربّ، وهو يعرف أنّ محبّته لا يمكن أن تكون الأولى. محبّته في النهاية هي جواب على محبّة ا؟. إن كان المؤمن يستطيع أن يقول منذ البداية: أحبّك يا ربّ، فلأنّه علِم أنّ الربّ سبق وأحبّه. هو سيقول لماذا يحبّ الربّ. ماذا اكتشف عنده من أعمال تجاهه على مستوى الحرب، على مستوى الطبيعة، على مستوى الحياة اليوميّة؟

ولكنّ هذا الإعلان الأوّل يعطي قوّة للمزمور كلّه. أحبّك يا ربّ. وهذا الكلام، كلّ واحد منّا يمكن أن يقوله اليوم للربّ. وإذ يعلن محبّته للربّ، يعلن ما اكتشفه من محبّة الربّ له. ماذا اكتشف المؤمن؟! اكتشف أنّ الربّ هو قوّته: يا قوّتي، أنا أضعف من أن أقاوم. الربّ هو قوّتي لأنّي أدرى من أن أقول: أحبّك يا ربّ، يا من قوّاني، قوّاني اليوم وغدًا وبعد غد وبعد ذلك.

عندما يقول يا قوّتي، يعني أنت من تقوّيني في كلّ يوم. أنت القوّة التي بها أتقوّى. يا قوّتي. ويعطي الصور: صخرتي. نعرف في الماضي أنّ المدن كانت تبنى على الصخرة، هناك مثلاً في دولة الأردن اليوم سلع أو البتراء هي الصخرة، مدينة كلّها مبنيّة في الصخرة. ولا يستطيع أحد أن يأخذها. وإذا كانت الصخرة عالية، فلا يمكن لأحد أن يتسلّقها. الربّ صخرتي، الربّ حصني.

5 - الربّ حصني

في الماضي كانت الحصون تُبنى وتحمي الناس من المهاجمين، من المحاربين. صخرتي العالية، حصني فوق صخرتي، صرت أقوى، صرت بعيدًا عن كلّ خطر. وأخيرًا منقذي مخلّصي. عندما جعلني على صخرة عالية وحصن رفيع، نلتُ النجاة، الخلاص. صار الربّ محصّني.

وعاد فقال: إلهي صخرتي وبه أحتمي. يمكن أن أطبّق هذا الكلام اليوم في الحرب، عندما يختبئ المحارب وراء صخرة لا تخرقها رصاصات الحرب. إلهي صخرتي وبه أحتمي. عندما يهاجمني الأعداء أحتمي به. ويتابع: ترسي. والترس هو للدفاع. يمكن أن يرسل عليّ الأعداء السهام. يمكن أن يمتشق العدوّ السيف، الترس هو الذي يحمي. الترس البشريّ محدود، هو ليس بكبير: أمّا الترس الذي يقدّمه الربّ فهو يحمي المؤمن من كلّ أنواع الضربات، من كلّ أنواع الألم. ترسي وحصن خلاصي وملجإي، الحصن الذي تحدّثنا عنه في بداية الآية، الحصن الذي يحمل لي الخلاص. والفكرة الأخيرة: وملجإي. ا؟ هو الملجأ. ألجأ إليه من الأخطار.

آية 4: دعوت إلى الربّ. وتوقّف الدعاء. الشكر له، الحمد له، مخلّصي من أعدائي. نلاحظ أنّ الكلمات هنا منتقاة، خلاصي، خلّصني. وتأتي صور الموت الذي كان يمكن أن تحارب هذا المؤمن. كم مرّة سيذكر الموت، حبائل الموت، حبائل عالم الموت، أشراك الموت.

أحبّائي، نتوقّف عند هذا القدر من المزمور. وفي حلقة تالية نتابع قراءته ونتأمّل به ونجعل كلماته بعض حياتنا. فهو يوجّه صلاتنا يوجّه اهتمامنا، يوجّه مسيرتنا. إذا كان الربّ هو من يحامي عنّا فمن يقدر علينا. لا الموت ولا الحياة، لا هذه الدنيا ولا الآخرة، ولا علوّ ولا عمق يقدر أن يقصينا عن الربّ يسوع المسيح. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM