المزمور الرابع :الربّ يدفع عن صفيِّه ألسنة السوء

 

المزمور الرابع

الربّ يدفع عن صفيِّه ألسنة السوء

أحبّائي، نتابع قراءة المزامير. قرأنا ثلاثة مزامير حتّى الآن. وكلّ مزمور يحمل صلاة، يحمل عاطفة جديدة. المزمور الأوّل مزمور تعليم يفتح طريق الربّ. المزمور الثاني مزمور يتعلّق بالملك المسيح وفي النهاية بيسوع المسيح الراعي الصالح الذي يريدنا في رعيّته. المزمور الثالث هو مزمور الثقة، ثقة الإنسان بالربّ مهما كان الأعداء كثيرين حوله. ونصل إلى المزمور الرابع: الربّ يدفع عن صفيِّه ألسنة السوء. ويمكن أن نسمّيه أيضًا صلاة المساء.

مزمور 4: لكبير المغنّين على القيثارة، مزمور لداود:

حين أدعوك أجبني يا إلهي، يا حافظ حقّي... لأنّك وحدك يا ربّ تجعل مسكني آمنًا.

1 - مزمور لداود

قبل أن نشرح المزمور، نتوقّف عند العنوان الذي هو خارج النصّ الملهم. لكبير المغنّين على القيثارة، مزمور لداود. ما معنى هذا الكلام؟ كبير المغنّين أو إمام الغناء؟ إذا شئنا هو رئيس الجوقة، الذي يمكن أن يكون جمعَ هذا المزمور، وجعله مع سائر المزامير وربطه باسم داود. لهذا يُقال مزمور لداود كبير المغنّين على القيثارة. هي القيثارة ترافق المؤمنين حين ينشدون هذا المزمور.

مزمور لداود. هذا لا يعني أنّ داود ألّف هذا المزمور. يمكن أن يكون هو من ألّف هذا المزمور أو غيره. لكن المزامير في الأساس هي صلاة المؤمنين، هي صلاة الأتقياء في شعب ا؟، وقد جُمعت شيئًا فشيئًا، وزال منها كلّ تفصيل يرتبط بهذا الشخص أو ذاك فأصبحت صلاة المؤمنين، في شعب ا؟ وفي كلّ الشعوب، لأنّ جميع الشعوب هي شعب ا؟.

هذا المزمور قلنا هو صلاة المساء. هو مزمور توسّل يعبّر فيه المرتّل عن ثقته الكاملة با؟ رغم الصعوبات التي تحدق به. صعوبات عديدة من حوله، ومع ذلك يحافظ على الثقة. لا شكّ، سيقول ليتنا نرى الخير. فالضيق هو في البلاد: ربّما المجاعة، ربّما الرعب، ربّما آفة من الآفات، الجراد، الوباء، لست أدري. ولكن مع ذلك هو واثق كلّ الثقة بالربّ رغم المضايق، رغم الشدائد التي تحيط به.

وسيقول ما قاله في المزمور السابق آية 6: في سلام أستلقي وأنام، وإذا أردنا من صورة تساعدنا على فهم هذا المزمور، نتذكّر الرسل لمّا كانوا في السفينة والبحر هائج ويسوع نائم في مؤخّرة السفينة. كادت السفينة تغرق، تبتلعها المياه. وكأنّي بيسوع يريد أن يمتحن إيمان هؤلاء الرسل. يريد أن يسمع صرختهم ليفهموا أنّه ليس بقدرتهم ولا بذراعهم يستطيعون أن يفعلوا. قالوا: يا ربّ أما يهمّك؟ نحن هلكنا. صرخوا إلى الربّ يسوع.

2 - نحن نصرخ مثله

مثل هذه الصرخة نقرأها في هذا المزمور الذي يصلّيه المؤمن عند المساء. فالربّ يعطي الحماية لأحبّائه. والربّ يبارك الذين يفتحون قلوبهم له. يملأهم بكلّ خير من عنده. »حين أدعوك أجبني يا إلهي، يا حافظ حقّي في الضيق، وسّعتَ لي فتحنّن واسمع صلاتي«. يأتي المرتّل، يأتي صاحب المزمور، يأتي المؤمن بعد أن يحصل على نعمة، بعد أن يحصل على الخلاص. ولكنّه يطلب المزيد: حين أدعوك أجبني.

فالربّ هو الذي يجيب دائمًا، ولكنّنا نحن نتأخّر فلا ندعوه. نحسب أنّنا بقوانا نخلّص نفوسنا، أنّنا بقدرتنا نفعل. ومرّات عديدة في المرض، في الشدّة، في الضيق، ربّما في المجاعة، نفهم إمكانيّاتنا الضعيفة. نفهم أنّنا سريعو العطب، لا نستطيع أن نفعل الكثير. الربّ هو الذي يجيب، يكفي أن ندعوه وأن ندعوه بإيمان. يا إلهي، يا حافظ حقّي، في الضيق وسّعت، في الماضي حملت إليّ الخلاص، فتحنّن واسمع صلاتي. أنا أحتاج دومًا إلى حنانك، إلى رحمتك، أحتاج أن أرفع صلاتي إليك، وأنا متأكّد أنّك تسمع لي.

وهنا وضعي هو وضع كلّ مؤمن، وخصوصًا حين يكلّم هذا المرتّل الأعداء، الخصوم: افعلوا ما تريدون، لن تستطيعوا شيئًا. يقول: إلى متى تجرحون كرامتي أنتم يا بني البشر؟ إلى متى تحبّون الباطل وتسعون وراء الكذب؟ نستطيع هنا أن نتذكّر يسوع المسيح في المحاكمة أمام عظماء الكهنة ثمّ أمام بيلاطس. تجرحون كرامتي، تحبّون الباطل، تسعون وراء الكذب. نتذكّر أنّهم جاؤوا بشهود زور، فما استطاعوا أن يفعلوا شيئًا لأنّ شهاداتهم جاءت متضاربة.

هذا في المعنى الأخير، المعنىالمسيحيّ لهذا المزمور، ولكن هنا معنًى أوّل. ما معنى هذا المعنى الأوّل؟ يقول المرتّل: أنا أستند إلى ا؟ وأنتم تستندون إلى الأصنام، إلى الأوثان، يسمّيها الباطل، الكذب. الباطل والكذب هي الأصنام. تتعلّقون بالباطل وتسعون وراء الكذب، ولا تريدونني أن أعبد الإله الواحد. اعلموا أنّ الربّ اختارني لأنّي أنا تقيّ، أنا أعيش في مخافة الربّ. الربّ اختارني لأنّي أنا تقيّ. أحاول أن أكون تقيٌّا.

3 - إلى الربّ، لا إلى الأصنام

الربّ يستمع لي إذا صرخت إليه. أنتم يمكنكم أن تصرخوا إلى أصنامكم، أن تهتفوا لها، ولكن تأكّدوا أنّكم لن تستفيدوا شيئًا. تسعون وراء الكذب، تسعون وراء تمثال يحمله الناس، ولا يستطيع أن يمشي، أن يتحرّك. تحبّون شيئًا لا نفع منه. لكن إلهي هو الذي يستمع لي إذا صرخت إليه. نستطيع أن نضع أمامنا إيليّا على جبل الكرمل تجاه كهنة البعل. جمع الشعب: من هو الإله الحقيقيّ فامشوا وراءه. إذا كان الربّ هو الإله الحقيقيّ فامشوا وراءه، وإذا كان البعل فاتبعوه.

فيرينا النصّ كيف أنّ كهنة البعل نادوا إلههم، ولكن إلههم لا يجيبهم. أمّا إيليّا فاكتفى بالقول: استجبني يا ربّ! استجبني يا ربّ! وليعلم هذا الشعب. هنا اعلموا أنّ الربّ، وليعلم هذا الشعب. وفي الواقع علم هذا الشعب لمّا رأى النار تنزل على محرقة إيليّا رغم المياه الكثيرة التي بها أحاط المذبح وما حول المذبح. الربّ يستمع لي إذا صرخت إليه، استجبني يا ربّ، فاستجاب الربّ لإيليّا. وهو يستجيب لكلّ واحد منّا. ماذا تكون الأمثولة: اتركوا الأصنام، اتركوا الترَّهات، اتركوا اتّكالكم على الباطل وعلى الكذب، اتركوا اتّكالكم على البشر، فهم أضعف من أن يخلّصوا نفوسهم فكيف يخلّصونكم. واتّقوا الربّ وهو يستمع لكم. وبعد أن يتوجّه المرتّل إلى الأعداء يعود إلى المؤمنين.

4 - نداء الربّ في الليل

آية 5: »ارتجفوا خوفًا ولا تخطأوا، تكلّموا في أعماق قلوبكم وأنتم على مضاجعكم صامتون«. يعني على المؤمن أن يعيش مخافة ا؟ وأن يبتعد عن الخطيئة. وإن هو تكلّم ففي أعماق قلبه، هو كلام الصمت. هنا نتذكّر إيليّا عندما أراد أن يرى الربّ على جبل حوريب، أراد أن يراه بعد العاصفة، بعد الريح، بعد النار. ولكن لمّا حلّ الصمت كان الربّ حاضرًا.

هذا الصمت هو الوقت الأهمّ الذي فيه يتكلّم الربّ. صمت الليل. وأنتم على مضاجعكم صامتون، صمت الليل هو الوقت الذي يسمع فيه الربّ لأحبّائه، هو الوقت الذي فيه يكلّمهم. أما دعا صموئيل في ذلك الوقت، دعاه، أكثر من مرّة، الأولى والثانية والثالثة: صموئيل، صموئيل. وكان صموئيل نائمًا قرب تابوت الربّ. »تكلّموا في أعماق قلوبكم. أنتم على مضاجعكم صامتون«. صلّوا صلاة القلب، واتركوا الربّ يحمل إليكم الجواب.

قرّبوا ذبائحكم كما أريد وعلى الربّ توكّلوا. الذبيحة هي عمل خارجيّ يدلّ على ما في القلب من نيّة طيّبة. الذبيحة تدلّ على الاتّكال على الربّ. عندما نذبح شاة من الغنم أو عجلاً من البقر، فنحن خاسرون على المستوى المادّيّ. ولكنّنا في النهاية رابحون. التوكّل على الربّ يحوّل الأمور، يحوّل الفقر إلى غنًى، والقلّة إلى كثرة. قرّبوا ذبائحكم كما يليق، فكأنّي بالناس خافوا أن يقدّموا الذبائح. اعتبروا أنّ الجوع يحيط بالأرض. لهذا السبب قال لهم: قرّبوا ذبائحكم، لا تخافوا أن تقرّبوا.

آية 7: ما أكثر الذين يقولون: ليتنا نرى الخير. لا شكّ في أنّ البلاد تعيش في ضيق وفي ضيق كبير، ولهذا السبب طلب المرتّل قائلاً: ليتنا نرى الخير. هناك مجاعة، هناك وباء، لا يقول الكاتب ما هو نوع الضيق. إن نسينا حضور الربّ، نكون من الخاسرين. في مثل هذا الوقت تبقى الصلاة وحدها وسيلة لنا. لا ينفع شيء، البكاء والتشكّي والتجديف وغيره من الأمور. المرتّل يقول: »فيا ربّ، يا إلهنا ارفع علينا نور وجهك«. فالنور هو النعمة، النور هو البركة. وعندما ننظر إلى الربّ على أنّه نور، تستنير قلوبنا، تمضي الظلمة بعيدة عنّا. ارفع علينا نور وجهك.

5 - إلهنا إله الفرح

»بعثتَ فرحًا في قلبي أين منه فرح الأغنياء لكثرة حنطتهم والخمر. قابل المرتّل نفسه مع الأغنياء. هم يملكون الكثير من الحنطة والخمر. والمؤمن لا يملك إلاّ القليل. ومع ذلك فرحه أعظم من فرح الأغنياء. فرحه آتٍ من عند الربّ وهو فرح ثابت لا تبدّله الظروفُ والصعوبات. أمّا فرح الأغنياء فهو متقلّب. فإن ذهبَ غناهم، ذهب الفرح مع غناهم.

نتذكّر نشيد مريم العذراء: تعظّم نفسي الربّ. حطّ الأعزّاء عن الكراسي ورفع المتواضعين، أشبع الجياع خيرًا، والأغنياء أرسلهم فارغين. هي صلاة مريم العذراء، هي صلاة كلّ واحد منّا. عندما نرى أين هو الفرح الحقيقيّ، أين هي البركة الحقيقيّة، أين هو الحضور الحقيقيّ، حضور الباطل والكذب، حضور الأصنام. من يستند إلى الغنى، إلى العظمة، إلى البشر. في النهاية، كلّ هذا يزول وما يستند إليه يصبح كقصبة مرضوضة لا يمكنها أن تسنده أبدًا. الفرح الحقيقيّ يتجاوز الغنى، يتجاوز كلّ هذا، ويربطنا مباشرة بالربّ »بعثت فرحًا في قلبي، أين منه فرح الأغنياء بكثرة حنطتهم والخمر!«.

إلهنا هو إله الفرح، ونتذكّر بولس في سجنه حين كتب إلى أهل فيلبّي: هو في السجن، هو في الضيق. خصوصًا لا يستطيع أن يحمل الرسالة. الجميع يعملون في الرسالة، وهو مقيّد. ومع ذلك ماذا كتب في رسالته؟ »افرحوا دائمًا في الربّ، وأقول لكم أيضًا افرحوا«. وسيقول بولس مهما كانت الظروف فالرسالة تسير مسيرتها، وأنا أفرح في أيّ حال. »بعثت فرحًا في قلبي أين منه فرح الأغنياء لكثرة حنطتهم والخمر«. ولماذا هذا الفرح؟ لأنّ المؤمن يعيش في سلام.

آية 9: في سلام أستلقي وأنام. الغنيّ لا يمكن أن يستلقي وينام بسلام. هو يخاف على ماله، يخاف على ممتلكاته، يخاف على نفسه. نتذكّر ذاك الغنيّ صاحب الخيرات العديدة. أراد أن يوسّع أهراءه. ليس في راحة. هو لا يكتفي. ومهما زاد ماله، ازدادت شهوته إلى أن يكثر ذاك المال. أمّا المتّكل على الربّ، فيستلقي وينام في سريره، لا همّ عنده كما يقول الإنجيل أبدًا. في سلام أستلقي وأنام. لماذا؟ لأنّك وحدك يا ربّ تجعل مسكني آمنًا. إذا كنت أرى السلام، فلأنّك أنت إله السلام. وإذا كان مسكني آمنًا فلأنّك أنت هو الأمان الحقيقيّ.

هذا، أحبّائي، هو معنى المزمور الرابع الذي هو صلاة المساء. الربّ هو الحاضر: ندعوه فيجيبنا، نصرخ إليه فيستمع لنا. مهما كان حولنا الأغنياء، مهما كانت حنطتهم كثيرة وخمرهم أكثر، فالفرح في قلب المؤمن يتعدّى كلّ فرح. إنّه في سلام في حضن الربّ، وبيته بيت الأمان لأنّ الربّ وحده هو من يعطي السلام والأمان. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM