الخاتمة

 

الخاتمة

التيارات الدينيّة في الشرق القديم

بستان أطايب دخلنا فيه. عالم من الفكر المتنوّع تمشينا فيه. أناس أرادوا أن يفتحوا آفاقًا دينيّة جديدة منطلقين من تاريخ عريق يعود إلى مئات الأجيال، فشابهوا الهندوس الذين يضمّون إلى آلهتهم كلَّ إله جديد، فيرسمونه على واجهات معابدهم. ذاك ما نقوله عن التيارات الدينية في الشرق القديم.

هناك من بحث عن معرفة في إطار العالم الغنوصي فراح وراء ولنطين ورفاقه باحثًا عن البليروما »والملء« الذي تحدّث عنه الرسول بالنسبة إلى يسوع، فصار لدى الولنطينيين فكرةً تَبني العالم من جديد في إطار اصدارات سوف تعرفها الفلسفة الاسلامية. ومنهم من طلب حياة مشقّة يتحرّر فيها الانسان من ميوله وغرائزه، فيمنع عن نفسه ملذات هذه الدنيا، على مستوى الطعام كما على مستوى الحياة الزوجيّة. وراحت فئة ثالثة تشدّد على الصلاة ولا تشدّد سوى على الصلاة، ونسيَت ممارسات الكنيسة وتقاليدها. ذاك ما ندعوه »هرطقة« لأنها تختار شيئًا في الايمان وتترك شيئًا آخر، فيضيع التوازن في حياة الفرد كما في حياة الجماعة.

تيارات يمكن أن تكون »أرثوذكسية« أي مستقيمة الرأي لو عرفت أن تأخذ من الفكر البيبلي ما يجب أن تأخذ وتركت كل ما يتعارض مع الايمان. ولكن سيطرت عندها، لا تيارات فلسفيّة فقط، بل أمور ميتولوجيّة ترتبط بتوالد الآلهة وعلاقتها بعضها ببعض. تحدّثنا في ما سبق عن الغنوصيّة، وأشرنا إلى غنوصيّة مسيحيّة يمكن أن تكون في امتداد الانجيل الرابع: يعرفونك أنت الاله الحي، ويعرفون يسوع المسيح الذي أرسلته. تقبّلَ الفكرُ المسيحي مثل هذه التنظيرات إلى حدّ ما، ثم لاحقها فهربت في غياهب الصحراء كما كان الأمر بالنسبة إلى المانوية التي وُجدت كتبها في طورفان من أعمال الصين، أو إلى الغنوصية التي كُشفت آثارها في رمال مصر.

وكان الصراع الطويل بين الفكر الفلسفيّ والفكر الديني. من الذي ينتصر؟ فالذي انتصر للفلسفة حُسب من الزنادقة وكُفِّر وأحرقت كتبه. والذي انتصر للدين وللكتب المقدسة، اعتبره الفلاسفة متحجرًا في مكانه لا يجسُر أن يعطي العقل مكانته.

ذاك كان كتابنا في بعض التيارات الدينيّة في الشرق القديم. وسيتبعه بإذن الله كتب حول المرقيونية والمانوية والابيونية. كل هذا تراثنا. نعرفه بعض المرات لأنه لم يصل دومًا إلينا إلاّ عبر مراجع لامباشرة. ولكن نحاول معرفته، لأن شعبًا بلا تراث غير جدير بالحياة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM