الخاتمة

 

الخاتمة

مؤلَّف يجمع التاريخ إلى اللاهوت، والعالم الوثنيّ إلى العالم اليهوديّ والمسيحيّ. بدأ تدوينه قبل المسيحيَّة وامتدَّ حتّى القرن السابع. وُضعت أمور أولى ثمَّ أضيف إليها أمور أخرى. نصٌّ وثنيّ صار يهوديٌّا، ونصٌّ يهوديٌّ صار مسيحيٌّا. فاليهوديّ أراد أن يبيِّن أنَّ العالم الوثنيّ انتظر المخلِّص الذي يحمل السلام على الأرض. والمسيحيّ تطلَّع إلى هذا الطفل الذي يُولَد، إلى يسوع المسيح.

مؤلَّف دُوِّن في اليونانيَّة ووصلَتْ بعض أجزائه إلى هذه اللغة أو تلك. أورَدْنا النصَّ العربيَّ الذي وصل إلى اللغة الحبشيَّة، وربَّما يأتي وقت نورد النصَّ السريانيّ. هذا عدا اللاتينيَّة واللغات الأوروبِّيَّة، ما عدا امتداد السيبلاّت في القرون الوسطى وما بعد من خلال الشعر والفنّ.

مؤلَّف جعل نفسه »مكان« الله، فقرأ الأحداث كما يقرأها الله، لا كما يقرأها الإنسان. فأمام الله كلُّ شيء حاضر من البداية إلى النهاية، وهو سيِّد الأحداث في التاريخ. أمّا الإنسان فينتظر النهاية لكي يعرف تسلسل الأحداث. ولكنَّ الأقوال السيبلِّيَّة عادت إلى الماضي، بل جعلت نفسها قبل الأحداث ودوَّنتها في صيغة المضارع وكأنَّها سوف تحصل فيما بعد. أما هكذا قرأ آباء الكنيسة والكتّاب المسيحيّون النبوءات في العهد القديم؟ هو الله أعدَّ كلَّ شيء من أجل ابنه والخلاص الذي يحمل، بحيث يصبح كلُّ خبر وكلُّ حدث صورة سابقة لما سوف يكون. بل إنَّ العهد القديم ثمَّن النبيّ الصادق بما يتحقَّق من كلام قاله.

وهذا ما نقول عن الأقوال السيبلّيَّة: ما »قالت« في القديم تحقَّق في الآتي من الأيّام. فالوثنيّون أنفسهم أنبأوا بهذه الأمور، وها هي حصلت، ممّا يعني أنَّ الديانة اليهوديَّة صحيحة، وأنّ الديانة المسيحيَّة هي تلك التي انتظرها العالم.

قدَّمنا ستَّة أقوال سيبلِّيَّة (3-8) وتركنا جانبًا ستَّة أخرى اعتبرناها أقلَّ أهمِّيَّة. ولضيق الوقت تركناها جانبًا. ربَّما نعود إليها فيكون لنا النصُّ الكامل الذي تعدَّى الأربعة آلاف بيت من الشعر. مع هذا المؤلَّف نتعلَّم أن لا نقرأ ما يحصل في العالم من الوجهة السياسيَّة والعسكريَّة والاجتماعيَّة فحسب، بل من الوجهة الدينيَّة. أما هكذا فعلَ الكاتبُ الملهم حين ذكر »تاريخ مملكتي يهوذا وإسرائيل؟«. لماذا دُمِّرت السامرة؟ لأنَّ شعبها خاطئ. وهكذا يرتبط النجاح والفشل بتصرُّف الإنسان والجماعة تجاه الله. وآباء الكنيسة فعلوا الشيء عينه حين كتبوا التاريخ. فأوسابيوس القيصريّ شرح أسبابًا عديدة راجعًا إلى نظرة لاهوتيَّة، وتاركًا الأمور البشريَّة وكأنَّها لا تعنيه.

تلك كانت فكرة الذين دوَّنوا الأقوال السيبلِّيَّة: الربُّ وحده سيِّدُ التاريخ. فلماذا يخاف المؤمنون؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM