الفصل السابع عشر: الختوم الستة

الختوم الستة
6: 1-17

في ف 4-5 وفي قلب ليتورجيّا سماوية عظيمة، أُعلن الحمل "مستحقاً" بأن يأخذ الكتاب ويفضّ ختومه (5: 9). إن انتصاره يتيح له أن يوصل مقاصد الله إلى تمامها. في ف 6-7 (حتى مع 8: 1: ولما فضّ الحمل الختم السابع، ساد السماء سكوت) سنشهد فتح الختوم الستة. في ف 6، يبدو تدرّج "الضربات" منتظماً حتى الخاتمة في 6: 17: "جاء يوم غضبهما (الله والحمل) العظيم، فمن يقوى على الثبات"؟ للوهلة الأولى يبدو ف 7 وكأنه معترضة كبيرة، لأن الختم السابع لن يُفتح إلا في 8: 1. في الواقع، إنه جواب على السؤال الذي طرح في 6: 17 (من يقوى على الثبات). يقوى على الثبات البقيةُ الباقية من إسرائيل الجديد، أولئك الذين ختموا على الأرض بوسم الإله الحيّ (7: 1-8). إنهم شعبْ لا يُعدّ ولا يُحصى: يقفون في السماء أمام عرش الله والحمل، بعد أن اجتازوا المحنة الكبرى (7: 9-17). نحن في ف 6 و 7 أمام درفتين تتعارضان: العالم يهتز وقد تزعزعت طمأنيناته. إكتشف أنه انقطع عن الله، فخاف وطلب أن يختفي من وجه الله مثل قايين (تك 4). هذا في الفصل السادس. وفي الفصل السابع، طُبع المختارون بالختم الإلهي فأقاموا قرب الله في اتحاد لا يقطعه شيء. صورة مظلمة، صورة مضيئة. هكذا تتعاقب الصور في رؤ. وندرس هنا ف 6 ونترك دراسة ف 7 إلى ما بعد.

1- الختوم السبعة
أ- نظرة إجمالية
يبدأ التعليم الجلياني (جلا، أي كشف) بحصر المعنى في ف 6. ففي هذا الوقت بدأ ينكشف "ما سيكون عن قريب" (1: 1) حسب مقاصد الله الأزلية.
كزر العالم الجلياني اللابيبلي أن نهاية الأزمنة والدينونة العامة يسبقهما سلسلة من النكبات. وهكذا رأوا في نمطية سفر الخروج (خر 7: 14- 12: 30: ضربات مصر، تحرّر وخروج) رسمة أولى للتصوير الجلياني. و"رؤيا الإزائيين" وبالأخص نسخة لوقا (17: 20- 18: 8؛ 21: 5- 36) تعطي صورة عن أحداث مريعة تسبق نهاية الأزمنة. إن رؤ يوحنا تقدّم مثل لوقا لائحة بسبع نكبات ترد في ترتيب مختلف.


لو 21: 10-12، 25-26 رؤ 6: 1-14
1- حروب 1- حروب (آ 6)
2- زلازل 2- مجاعة (آ 6)
3- وباء 3- وباء (آ 8)
4- مجاعات 4- إضطهادات (آ 9- 11)
5- أحداث مخيفة في السماء 5- زلزال
6- إضطهادت 6- ظواهر كونية
7- ظواهر كونية، مخاوف 7- خوف البشر (آ 12- 14)
إن ترتيب النكبات المختلفة التي يصوّرها رؤ لا يُفهم في معنى تسلسل تاريخي. بل يجب أن نرى في هذا التعداد أسلوباً اختاره الكاتب عمداً لكي يصل إلى الذروة. نحن على ما يبدو أمام أحداث متوازية، حصلت في الوقت عينه، ولكنها وردت الواحد بعد الآخر لكي تعطي للنصّ انشداداً دراماتيكياً.
معنى التعداد واضح: سيحتمل المسيحيون محنة قاسية تجعل حياتهم صعبة، بل مستحيلة. وبدل كلام تعزية ووعد بتدخّل الله القريب، تطلّ في الأفق الآلام والإضطهادات المريعة.
ما هو عدد النكبات التي توردها رؤ؟ إن 15: 1 يتحدّث عن "سبع نكبات يتمّ بها غضب الله". وقد سبقتها نكبات أخرى، جاءت في مجموعة سباعية. ولكن إذا كانت رؤية الآيات (12: 1- 14: 20) قد شكّلت من الوجهة الأدبية وحدة متماسكة جمعت فيها عناصر قديمة وأحداث الزمن الذي فيه دوّن رؤ، فمجموعة النصوص التي تصوّرها قد وُضعت في سلسلة النكبات.
والسلسلات الثلاث من النكبات ترتبط بعضها ببعض. فالنكبة الأخيرة في كل سلسلة تقابل النكبة الأولى من السلسلة التالية (مع مقطع "إستراحة": 8: 2- 6؛ 11: 19؛ 15: 1- 16: 11). السلسلة الأولى: 6: 1- 8: 1. الثانية: 8: 7- 11: 18. الثالثة: 16: 2- 17.
ب- بنية النصّ (6: 1-8: 1)
إن خبر فتح الختوم السبعة يتضمّن عناصر مختلفة. فتصوير فتح الختوم الأربعة الأولى متشابه وموجز. أما خبر فتح الختمين الخامس والسادس فيبدو مختلفاً. نجد فيه صوراً ورموزاً جديدة. والمخاوف المذكورة بمناسبة فتح الختم السادس تشبه ما نقرأه في "رؤيا الإزائيين". والإنتظار الذي يسبق فتح الختم السابع يتقوّى بدخول نصّ ليتورجي (7: 1-17). كان الإنتظار قوياً، فلم يضعف حين فُتح الختم السابع. بل وصل التصوير إلى قوة جديدة: صمت يسمح للقارىء بأن يسمع حفيف البردي. "ولما فضّ الحمل الختم السابع، ساد السماء سكوت نحو نصف ساعة". لم يحدث شيء في ذلك الوقت. عيل صبر الحاضرين فوصل القلق والإضطراب إلى الذروة.
نشير هنا إلى أن الدرج لا يقرأ إلاّ إذا فضّت الختوم السبعة. ولكننا أمام فنّ أدبي يجعل الإنتظار يقوى شيئاً فشيئاً حتى الوصول إلى النهاية.

2- الفرسان الأربعة (6: 1- 8)
يصوّر فتحُ الختوم الأربعة الأولى بشكل مماثل. كل مرة يفتح الحملُ أحدَ الختوم، يهتف أحد الأحياء: "هلمّ". ويهجم حصان يركبه فارس. وينال الفارس سلطة (ومهمة) يرمز إليها القوس أو الإكليل أو السيف أو الميزان.
يلفظ "هلمّ" أربع مرّات فنفهمه في معنيين. إمّا بشكل أمر (تعال). يدعو الأحصنة الأربعة التي نظهر على التوالي. وإمّا بشكل صلاة تتوجّه إلى المسيح. ففعل "جاء" يدلّ مراراً في رؤ على مجيء المسيح. "ها أنا آت عاجلاً": هي عبارة تتكرّر 7 مرات (2: 5؛ 3: 11؛ 16: 5؛ 22: 7، 12، 20؛ رج 1: 4؛ 4، 8). وتتجاوب مع هذا الوعد آخر كلمات رؤ، صلاة الروح والعروس: "تعال" (22: 17-20). في هذا المقطع الذي ندرس، يمثل الخليقة الأحياءُ الأربعة فيعبّرون عن نفاد صبرهم بصوت كالرعد (6: 1؛ رج 8: 19).
وما يثبت هذه الفرضية، السياق السابق. بدأت الليتورجيا السماوية (ف 4- 5) بعبادة الخالق وانتهت بالإحتفال بالإنتصار الفصحي للحمل الذي يتمّ كتاب العهد القديم. بعد هذا، تدوّي صلاة تجذّرت في الجماعات الأولى: تعال، ماراناتا (1 كور 16: 22).
قد يقول قائل إن هذا الفصل لا يتكلّم عن مجيء المسيح! بل هو لا يتكلّم إلا عن هذا المجيء. هنا نقابل ف 6 مع الأناجيل الإزائية (مر 13؛ متى 24؛ لو 21). المرمى في الأناجيل وفي رؤ هو هو: إستعمال لغة تقليدية لإعلان العلامات السابقة لمجيء المسيح. وهكذا نفهم ف 6 على أنه جواب في اللغة التقليدية على صلاة من أجل مجيء المسيح. والنكبات التي حرّكها فتح الختوم تدلّ على أن دينونة الله أتت. فلا حاجة للبحث عن تلميح إلى أحداث حصلت في ذلك الوقت أو سوف تحصل في المستقبل.
ظهرت أربعة أحصنة أو بالأحرى أربعة أحصنة مع فرسانها. يُذكر الفارس بعد الفرس لكي يتسلّم الرموز التي تميّز كل ظهور. إن النموذج الذي يستلهمه يوحنا لا يتحدث إلاّ عن الأفراس. ففي رؤيتَيْ زكريا (1: 8- 15؛ 6: 1- 8) هناك أربعة أحصنة، أو أربع مجموعات من الأحصنة تختلف ألوانها: هي مرسلة من قِبَل الله لكي تجسّ الأرض. وصورة الفرس تشير إلى جري سريع وشارد، إلى جري يرتبط بالحرب. هي تجول في كل الأرض، نحو الجهات الأربع. الأفراس هي هنا وهناك. لا نتوقعها. هي لا تتعب، وسرعتها مذهلة، ولا نستطيع أن ندرك منطق جريها. ربطها زك 6: 5 برياح السماء الأربع (رج رؤ 7: 1). إذن، ليست الأفراس أعداء الله وإن كان عملها مدمّراً. قد تكون مرسلة من عند الله. هذا ما تدلّ عليه صيغة الفعل في المجهول حيث يختفي الله. "أعطي لها". أي: أعطاها الله (6: 2، 4، 8: إكليل، سيف، سلطان). كما يدلّ عليه شبه الصوت وسط الأحياء الأربعة (6: 6). لا يقول زكريا شيئاً محدّداً عن نتيجة رؤية الأفراس الأربع، بل يكتفي بملاحظتها. وهكذا انطلق يوحنا من إطار فارغ يستطيع أن يملأه حسب الرؤية التي حصل عليها.
أ- حصان أبيض (آ 1- 2)
أهم سؤال يطرح في هذا المقطع يدور حول الحصان الأبيض والفارس الأبيض. إنقسم الشرّاح فئتين لا تتوافقان. قالت فئة أولى: تشكل الأفراس الأربع مجموعة متناسقة لا تنفصل. إن مثّلت الثلاث الأخيرة ثلاث نكبات، فهذا يعني بالضرورة أن الأول يجسّد أيضاً نكبة. ولكن أية نكبة؟ تلك التي ستقرّر مع الفرس الثانية حرباً خارجية وحرباً داخلية مع تصفية الحسابات. وقال بعضهم: هذا الحصان الأبيض هو الأنتيكرست، المناوىء للمسيح.
وقالت فئة ثانية: ورث يوحنا إطاراً فارغاً من زكريا، فكان حراً. وإن رأينا في الأفراس الثلاث الأخيرة نكبات، ففي الفرس الأولى نجد قوّة خيّرة. إنها تتميّز عن الأفراس الأخرى: فاللون الأبيض يدلّ دوماً في رؤ على الإنتماء إلى "حزب" الله.
فالوعد بالإكليل والنصر هو للقديسين والمؤمنين ورفاق الحمل. وفعل "غلب" لا ينطبق إلا مرتين على القوى المعادية، وإن انطبق فبشكل موقّت (11: 7؛ 13: 7). في هذه الظروف نرى في الحصان الأبيض الكرازة الإنجيلية، بل المسيح نفسه. ولكن أما ننزعج حين نجعل على المستوى نفسه يسوع المسيح ثم الحرب والجوع والوباء؟
وكان حلّ ثالث يساعدنا على تجاوز الخيار دون أن ننسى تناسق مجموعة الأفراس الأربع وفرادة الفرس الأولى. ننطلق من القوس التي في يد الفارس. هناك في العهد القديم قوس الله وسهامه، أي أحكام الله وعقوباته (تث 32: 41- 42؛ حب 3: 8- 9؛ مر 21: 4). وهناك نصّ حز 5: 16-17 الذي يلقي ضوءاً خاصاً على الآية التي ندرس: "أرسل عليهم سهام الجوع القاتلة، سهام التدمير، وأزيدهم جوعاً على جوع وأحرمهم مؤونة الخبز. وأرسل عليهم الجوع والوحوش الضارية فتقتل بنيك وأنزل فيك الوباء والدم وأجلب عليك الحرب". من جهة، تجتمع سهام الرب مع الجوع والوباء والسيف والوحوش الضارية، ومن جهة أخرى، لا تشكّل هذه السهام نكبة خاصة بل هي قاسم مشترك للنكبات الأخرى: سهم الجوع، سهم التدمير والإفناء. نجد في رؤ 6: 1-8 الرمز عينه عن القوس (السهام) المرتبطة بالنكبات عينها: الحرب، الجوع، الوباء، الوحوش الضارية دون أن تشكّل السهام مجموعة عديدة مع هذه النكبات.
وهكذا يكون الفارس الأول رمزاً للدينونة الأخيرة، دينونة الله الاسكاتولوجية (في نهاية الأزمنة) التي تحرّك هذه النكبات. وهذه الدينونة ترتبط بشخص يسوع وموته: هنا نفهم لماذا يتحلّى هذا الفارس بسمات سماوية، ولماذا "يعدونه" بالغلبة الدائمة، وهي غلبة قد سبق وحاز عليها: "خرج غالباً"، خرج يحمل الغلبة (5: 5). ومع ذلك فهي غلبة يجب أن نتمّها ونجعلها ساطعة. "إنطلق لكي يغلب". وهكذا نفهم أيضاً التشابه الذي أراده الكاتب (وإن تكن بعض الإختلافات) بين الفارس الأبيض في 6: 2 والفارس الأبيض في 19: 11- 16 الذي هو ملك الملوك وربّ الأرباب، الذي يحوز الغلبة الأخيرة: إن الفارس في 6: 2 يستبق الغلبة الأخيرة.
إذن، أعاد يوحنا في ف 6 تفسير تقاليد يهودية تعلن نهاية الأزمنة. فالنكبات التي اعتبرها العالم اليهودي معلنةً لنهاية مقبلة، ستتّخذ طابعها الحقيقي على ضوء الفصح. فالنهاية هي هنا منذ الآن. والمسيح قد سبق له وانتصر بذبحه على الصليب. فالنكبات ليست فقط علامات تسبق التدمير المقبل، بل ترافق تسلّط المسيح على مسيرة التاريخ، وتعبّر عن هذا التسلّط. وهي تأخذ كامل معناها على ضوء الصليب.
لهذا تستطيع الخليقة أن تقول: هلمّ، تعال. وهي تعرف أنها تجد في كل ما يحصل، المسيح الذي يعمل فيدلّ ملء الدلالة على الغلبة التي سبق له وحازها.
ب- حصان بلون النار (آ 3- 4)
هو أحمر، هو أصهب، هو أشقر. قد لا يكون اللون رمزياً (نار الحرب). وقد يعود إلى أفراس زك 1: 8؛ 6: 2 (حمر، دهم، شقر، بيض). ولكن هذه الرؤية الثانية تجسّم الحرب ونتائجها: القتل، الخلافات. لا ننظر هنا إلى ظاهرة الحرب كثابتة في التاريخ البشري. بل نحن أمام صراعات تنبىء بالحقبة المسيحانية (رج مر 13؛ 8، 12: أمة على أمة، مملكة على مملكة... يسلّم الأخ أخاه).
أعطي الفارس "الأحمر" سيفاً. دلّ السيف في العهد القديم على تدخّل الله من أجل شعبه في نهاية الأزمنة (تث 32: 41- 42؛ أش 27: 1؛ 34: 5 ي). ونجد صدى لهذا في مت 10: 34: "لا تظنوا أني جئت لألقي على الأرض السلام. لا، ما جئت لألقي السلام بل السيف". لقد انطلق عمل المسيح المنتصر، فتتحرّك. تجاهه أمواج المياه المعادية التي سبق لها فقُهرت فخسرت كل قوّة لها. هذا ما يجعل نكبات هذه الأرض نسبية: إنها علامة عن شيء آخر.
ج- حصان أسود (آ 5- 6)
لن نبحث عن رمزية في هذا اللون (أسود، أدهم) الذي يعود إلى زك 6: 2، 6. فالميزان الذي يمسكه الفارس في يده يرمز إلى التقنين (حز 4: 16)، بل إلى المجاعة. هي نكبة تلي الحرب دائماً. الكيل يساوي تقريباً "ليتراً". وهذا ما يوازي حصّة العامل في اليوم الواحد. والدينار هو (متوسّط) أجرة العامل اليومي (مت 20: 2). قال شيشرون الخطيب الروماني: ندفع ديناراً واحداً لقاء 12 كيلاً من القمح و24 كيلاً من الشعير. تزايدت الأسعار بسرعة جنونية، وسيطر التضخّم. نحن في أزمنة صعبة. جداً.
ما هو هذا الصوت الذي يعلن الأسعار؟ يدلّ عليه النصّ بشكل غامض. هو يأتي من وسط الأحياء. هل يدلّ على احتجاج الخلائق على نقص في الطعام؟ بل هو بالأحرى صوت الله الذي رحم البشر فلم يسمح بأن ترتفع أسعار الزيت والخمر.
لماذا لم يرتفع ثمن الزيت والخمر؟ قال بعضهم إن الحرب لا تصيب إلا الغلاّت السنوية التي لم نتمكّن من زرعها، ولا تمسّ الأشجار المثمرة. وعاد آخرون إلى يوء2: 10- 11 الذي يعلن نقصاً في القمح والخمر والزيت والشعير، بعد مرور الجراد. ولكن بما أن رؤ يعلن أحداثاً في بدايتها وذات طابع جزئي، ولا يعلن بعد التدمير النهائي، فهو يخفّف من قساوة النكبة التي صوّرها يوئيل ويتحدّث فقط عن ربع الأرض (رؤ 6: 8). وستتعاقب النكبات فتزيد ثقل المحنة. وهكذا يكون سلطان الفارس الأسود محدوداً. ونجد تفسيراً ثالثاً: يرمز الزيت والخمر إلى الخيرات الإسكاتولوجية التي تجد صورة عنها في المعمودية (زيت المسحة) والافخارستيا (الخمر).
د- حصان شاحب
الصعوبة الأولى: معنى الصفة: أخضر (خلوروس في اليونانية). ولكننا لا نجد هذا اللون عند أفراس زكريا. ولكن "خلوروس" هو لون المرض والخوف، لون شخص شاحب الوجه. غير أننا لا نجد هذا المعنى في أي نصّ بيبلي آخر. نجده فقط عند الشعراء والأطبّاء: أخضر، أخضر أصفر، أصفر أخضر، ضارب إلى الخضرة، أخضر باهت اللون. أو: ممتقع، مصفرّ.
الصعوبة الثانية: الفارس فارسان. هو الموت وتتبعه الججيم (مثوى الأموات). في الواقع نترجم لا "الموت"، بل "الطاعون". فالترجمة اليونانية للعهد القديم لا تفصل بين الإثنين. فبعد الحرب والجوع تأتي الأوبئة. فالكلمات المتوالية، سيف/ جوع/ طاعون تحيلنا إلى حز 5: 16- 17؛ 14: 21: "أرسلت عقوباتي الأربع الشديدة على أورشليم: السيف، الجوع، الوحوش الضارية، الطاعون (أو الوباء، الموت). ونحن نجد اللائحة ذاتها في نهاية آ 8 التي تحمل عمل الفرسان: السيف، الجوع، الموت تعود إلى الفرسان الثاني والثالث والرابع. والجحيم تحلّ محلّ الوحوش الضارية (رج 2 مل 17: 25-26).
هنا نستشفّ لماذا صار الفارس الرابع فارسين. فالكاتب يستلهم زك 6 الذي يقدّم له إطار الفرسان الأربعة. ولكن بما أنه يقرأ النصّ قراءة مسيحية، فهو يعزل الفارس الأولى. فإذا أراد أن يحافظ على التطابق بين أفراس زكريا ونكبات حزقيال الأربع، فُرض عليه أن يذكر مرتين إحدى الأفراس الباقية. وهذا ما فعل. فالفارس الرابع الذي اسمه "الموت" يؤلّف زوجاً تقليدياً مع الجحيم (1: 18؛ 20: 13- 14).
ونلاحظ في نهاية آ 8 تحديداً يسري على الفرسان الثلاثة الآخرين (أعطي لهم، سمح لهم). هم لا "يضربون" إلا ربع الأرض. ما زال هنا في بداية العقوبات. والحياة تسير مسيرتها ولو كان البشر مدعوّين لكي يميّزوا علامات الأزمنة.
قد نكون عند فتح الختم الأول وتهديدات الحرب، أمام تلميح إلى حدث حصل قبل ذلك الوقت ببضع سنوات، وهو انتصار الفراتيين (62 ب. م.) الذين اشتهروا بحروبهم علي ظهور الخيل. وفي الختم الثالث، قد يشير النصّ إلى مجاعة هائلة حلّت بآسية الصغرى (موضع الرسائل) سنة 92 أو 93 ب. م.، أي قبل التدوين النهائي لسفر الرؤيا بوقت قليل. مع الختم الخامس نكون في ليتورجية العهد القديم في الهيكل مع تذكّر شهداء إضطهاد نيرون. فَتحْتَ المذبح تقيم نفوس الشهداء. وكما كان دم الذبائح يسيل عند مذبح المحرقات، كذلك نجد نفوس الشهداء عند المذبح. وصرخة انتقام الشهداء هي في خطّ العهد القديم (اعتبرت الحروب نكبة وعقاباً من قِبَل الرب): هم لا يفهمون لماذا يتأخّر الله، لماذا لا يتدخل.

3- الختم الخامس (6: 9- 11)
يختلف مشهد الختم الخامس عن مشهد الختوم السابقة، ولكن لا نجد انقطاعاً في الخبر. نحن لا نزال أمام سلسلة العلامات التي تسبق النهاية والتي تتواصل مع اضطهاد المؤمنين (مر 13: 9؛ لو 21: 12).
أ- رأيت تحت المذبح (آ 9)
ترد اللفظة مع أل التعريف. فوجود هذا المذبح واضح مع أنه لم يُذكر من قبل. إن العهد القديم يفترضه في أش 6: 6 حين يحمل أحد السرافيم عنه جمرة ليطهّر شفتي أشعيا، أو في خر 25: 9، 40 الذي يؤكّد أن الهيكل الأرضي صُنع على مثال الهيكل السماوي.
"تحت المذبح النفوس". ما معنى هذا الكلام؟ ولكن أي مذبح نعني؟ هيكل المحرقات الواقع خارج المعبد أو مذبح البخور (العطور) الواقع في الداخل وأمام حجاب قدس الأقداس؟ في المعنى الأول، نكون أمام تلميح مباشر إلى طقوس الذبائح عند اليهود. كان دم الذبائح يرشّ عند مذبح المحرقات (لا 4: 7: يصت الدم عند أساس مذبح المحرقة). والدم هو النفس (والحياة) (لا 17: 11: نفس الجسد هي في الدم). إن موت هؤلاء الناس يُعتبر ذبيحة تكفير. هذا ما يقوله العالم اليهودي عن شهدائه منذ زمن المكابيين.
في المعنى الثاني نكون أمام مذبح العطور أي المذبح السماوي الوحيد المذكور في رؤ. وهذا يعني أن موت هؤلاء الناس هو ذبيحة مرضية لله. مهما كان المعنى الذي نأخذ به، فنحن أمام الشهداء الذي ضحّوا بحياتهم على مثال الحمل (18: 24). هذا ما يدلّ عليه الفعل "ذبح" (المذبوحين) الذي يشير إلى موت المسيح كذبيحة فصحية (5: 6؛ 9: 12؛ 13: 8) يحاول أن يتشبّه بها الوحش (13: 3) هزءاً واحتقاراً.
إنّ صورة الشهداء تحت المذبح. تدلّ على قرب خاص من الله. لقد منحهم الله امتيازاً بأن يكونوا بقربه بعد موتهم. هنا نقرأ نصوص بعض المعلّمين في هذا المجال. "جُعلت نفوس الصديقين تحت عرش الله". أو رابي عقيبة: "من دُفن في أرض إسرائيل، كان وكأنه دُفن تحت المذبح. ومن دُفن تحت المذبح كان وكأنه دُفن تحت عرش المجد".
من هم هؤلاء الشهداء؟ قبل أن نجيب، نذكر أسباب موتهم: "كلمة الله... والشهادة التي أدّوها" (أو: حملوها). هناك من له شهادة يسوع. ومن يشهد ليسوع. في 12: 17؛ 19: 10 نحن أمام أناس لهم شهادة يسوع. ويوضح 19: 10: "شهادة يسوع هي روح النبوءة" (رج 1 كور 12: 3: "لا يستطيع أحد أن يقول: يسوع رب، إلاّ في الروح القدس"). من كانت له شهادة يسوع امتلك في ذاته الشهادة التي يؤدّيها الروح القدس ليسوع (يو 15: 26: روح الحق يشهد لي وأنتم تشهدون لي). هذا يدلّ على ائتلافنا (نحن مدوزنون) مع كلمة الله، وعلى جدارتنا بأن نعبّر عنها تعبيراً كاملاً (مت 10: 20: لستم أنتم المتكلّمين، بل روح أبيكم). شهادة يسوع ليست عملاً نقوم به، بل حالة ثابتة يعرفها المسيحيون الذين يخضعون للروح فيجعلهم جديرين بأن يشهدوا الشهادة العلنية ساعة تأتي المناسبة (12: 17؛ يو 15: 27). وهذا الوضع قد يقودهم إلى الشهادة، كما حصل ليوحنا (1: 9). أو إلى الموت كما حصل للمسيحيين (12: 11؛ 4:20).
لا يقول النصّ إن 6: 9 يعني شهادة يسوع. فاستنتج بعض الشرّاح أننا أمام شهداء العهد القديم، هؤلاء الناس الذين لم يعرفوا المسيح، ولكنهم كانوا من الحقّ فضحّوا بحياتهم ليدافعوا عنه. إنهم "جمع كبير من الشهود" (عب 12: 1). إنهم "دم الصديقين الذي سُفك على الأرض منذ هابيل الصديق إلى زكريا بن برخيا الذي قُتل بين الهيكل والمذبح" (مت 23: 34-35). نلاحظ أنهم يصرخون إلى الله ويسمّونه السيد (أدوناي في الأرامية) كما يفعل اليهود الأتقياء. ونداء الإنتقام الذي يطلقونه يجعلنا في مناخ العهد القديم.
إذن، نحن أمام شهداء العهد القديم. ولكن قد نجد تلميحاً إلى أولئك الذين قتلوا في أيام نيرون (64- 67 ب. م.). وهكذا تعني العبارة جميع الشهداء "المذبوحين" حتى ساعة كتابة رؤ. لقد صارت الكنيسة شعب الله الجديد، فضمّت في جوانبها جميع الشهداء إلى الشهيد الأمين الذي هو يسوع المسيح، بعد أن صار موتهم امتداداً لموته.
ب- صلاة الشهداء (آ 10)
لقد تميّز الشهداء بالمصير الذي أعطي لهم. ومع ذلك فهم يرفعون إلى الله صلاة عنيفة. يرفعونها بصوت عالٍ: إلى متى؟ هي صلاة شخص ظُلم وهو يطالب. نجدها في مز 13: 2-3؛ 79: 15- 10، حيث يعتبر المرتّل أن الله لم يكن أميناً لالتزامه وعهده. وهنا، يضع الشهداء على المحك قداسة الله وحقيقته.
"ينادون بالإنتقام من سكّان الأرض". أي من جميع البشر الذين ليسوا خدّام الله. هي صلاة بعيدة عن المسيحية. هناك طلب الإنصاف ثم الإنتقام. ولكن نلاحظ أنهم لا ينتقمون، بل يسلّمون، شأنهم شأن صاحب المزامير، الإنتقام إلى يد الله. بل هم يودّون أن يعجّل الرب في الدينونة الأخيرة فيدلّ أمام العالم على القيم الحقّة والمنتصرين الحقيقيين. إذا عجّل الله في الإنتقام، هذا يعني أن نهاية العالم قد أتت، وهذه هي رغبة المؤمنين العميقة.
ج- جواب الله (آ 11)
هناك جوابان. الأول: أعطي الشهداء ثوباً أبيض بانتظار أن يتحقّق مخطّط الله تحقّقاً كلياً. نالوا عربون الملكوت. وهذا صار ممكناً منذ موت المسيح. هم لم يخسروا كل شيء، ولم يسفك دمهم عبثاً، إنهم باكورة الخلاص الشامل.
الثاني: طلب منهم أن يصبروا، أن "يرتاحوا" إلى أن يصل عدد إخوتهم إلى ملئه. إن فكرة عدد المختارين كما حدّده الرب، نجدها في كتب الجليان اليهودي (1 أخنوخ 47؛ 4 عزرا 4: 35- 36). يقول الصدّيقون: إلى متى؟ فيصلهم الجواب: إلى أن يتمّ عدد الذين هم مثلكم. فالله لا يترك التاريخ يسير نحو الإنزلاق. بل جعل له حداً. وبانتظار ذلك الوقت، ستكون اضطهادات.
حين نضع جانباً اللباس الجليانى للفكرة، نجد وراء الختم الخامس قلق المسيحيين الأولين تجاه تأخّر عودة المسيح: وُعدنا بالمجد والغلبة، وها نحن نجد الإضطهادات والإستشهاد. هي كارثة من الوجهة البشرية. أجاب الله بأن على المسيحيين أن يمرّوا في الآلام (الحاش كما نقول في السريانية) على مثال المسيح. بأن الله ينتظر ساعته ليدلّ على معنى هذا الفشل الحاضر. هنا نتذكّر مر 13: 10: "يجب أولاً أن يُعلن الإنجيل في كل الأمم". وهذا ما سيتوسّع فيه يوحنا في رؤ 10.
لقد نال المختارون ثوب السعادة الأبدية. ولكن لا بدّ لهم من النضوج في النعمة. فالسماء ليست "شيئاً" نمتلكه. هي دينامية مستمرّة. ولهذا على المختارين، رغم ثوبهم الأبيض، أن يتحلّوا بالصبر. من جهة، لا يتدخّل الله بكل قدرته إلاّ في نهاية التاريخ. ومن جهة ثانية، سيموت عدد كبير من المسيحيين شهداء. وهكذا يدخل "المختارون". شيئاً فشيئاً في مخططات العناية الإلهية التي تنكشف لهم. هذه المخططات تشير إلى سرّ العدد الكامل (رج روم 11: 25) الذي صار كبيراً في نظر الشهداء، ولكنه لم يصل إلى ما حدّده الله في قصده الأزلي؟ جمهور كبير لا يُحصى.

4- الختم السادس (6: 12- 17)
لا نجد كثيراً من النصوص الجليانية قد دوّنت بشكل ملموس ودراماتيكي كما دوّن هذا الخبر للكوارث التي تسبق يوم غضب الله (6: 17). فهو يعود إلى صور مأخوذة من العهد القديم (أش 13: 9- 10؛ 34: 4؛ حز 32: 7-8؛ يوء2: 10؛ 3: 4؛ عا 8: 9) ومن العهد الجديد (مر 13: 24-27؛ مت 24: 29 ي). فالبشريّة كلها غارقة في فوضى قاتلة ومأخوذة في رعب وهلع. محا القلق والإضطراب الإختلاف بين البشر، فبدا عظماء الأرض كالعبيد، والملوك كصغار القوم. كلهم لجأوا إلى المغاور وطلبوا الموت لنفوسهم.
أ- تفسير النصّ
فُتح الختم السادس فجرّ وراءه سلسلة من الإنقلابات الكونية هزت العالم القديم. نحن هنا أيضاً أمام عالم جلياني تقليدي (مر 13: 28، 24- 25). وكل عنصر من هذه الصور يرتبط بنموذج من العهد القديم: لغة إصطلاحية حول نهاية الأزمنة. لغة تحاول أن تؤثر فينا، لا أن تقدّم لنا معرفة علمية.
"زلزال". يذكر بين المظاهر الإسكاتولوجية (عا 8: 8؛ 9: 5). نقرأ في يوء2: 10: "أمامهم ترتجف الأرض وترتعش السماوات. تسودّ الشمس والقمر، وتمنع الكواكب ضياءها ساعة يجهر الرب بصوته أمام جيشه". ونجد كلاماً عن الشمس السوداء في أش 50: 3، وعن القمر المدمّى في يوء3: 4 (تنقلب الشمس ظلاماً، والقمر دماً).
"وكواكب الفضاء تتساقط" (آ 13). نقرأ في أش 34: 4: "ويفنى كل جند السماء والسماوات تُطوى كورق البرديّ ويسقط جندها جميعاً سقوط أوراق الكرم والتين" (رج مر 13: 25). تبدو السماء كخيمة منصوبة فوق العالم. ثم تُطوى مثل ورق البرديّ لتُوضع في مكانها. وقبل ذلك سقطت الكواكب (النجوم) كالثمار الخضراء. وتنقلب الجبال التي هي عواميد السماء. وتنقلب الجزر التي هي عالم ثابت في قلب الأوقيانوس الوسيع. وهكذا يعود الكون إلى الخلاء والخواء، إلى الفوضى الأولى (إر 4: 23-26؛ نا 1: 5).
"وملوك الأرض" (آ 15). وتصوّر ردّات فعل البشر. يتضمّن التعداد سبع مفردات (ملوك، عظماء، أقوياء، أغنياء، زعماء، عبيد، أحرار) فيدلّ على البشرية كلها (عدد الكمال). أولاً: الطبقات العليا التي تخيف الآخرين: ملوك الأرض الذين هم في رؤ أعداء الله الألدّاء (16: 14؛ 17: 2، 18؛ 18: 3، 9). ثم العظماء والأقوياء (قوّاد الجيوش). ثم أصحاب المال والزعامة. وفي النهاية، آخر السلّم: الأحرار والعبيد. والهرب إلى المغاور هو جزء من الصور الجليانيّة. رج أش 2: 10، 19 (دخلوا في الصخر واختبأوا في التراب من هيبة الرب... يدخل البشر مغاور الصخور ويختبئون في حفائر التراب".
"يقولون للجبال: أسقطي علينا". نجد النموذج في هو 10: 8: "يقولون للجبال: غطّينا. وللتلال: أسقطي علينا" (رج لو 23: 30). يختبىء البشر ويبتعدون قدر المستطاع من وجه الجالس على العرش، كما فعل آدم وحوّاء (تك 3: 8).

ب- إعتبارات
هذا الكلام يدعونا إلى اعتبارات حول الكوارث التي تصوّر أمامنا. إنها علامات ملتبسة وتتحمّل مدلولات عديدة. ليست فقط عقوبات. إنها أيضاً أسلحة وسهام بها يحارب الله أعداءه (رج 6: 2 والقوس). وهي بشكل خاص علامات تسبق ظهور الله وتدلّ على اضطراب الخلائق حين يقترب منها الله القدّوس. فكل إنسان على الأرض يكتشف عجزه العميق (عدم ثباته) أمام التسامي الكامل للذي هو. كل المعالم تزول. ولا يقف إلاّ الشهداء الذين يدلّون على العالم الجديد، الذين هم أناس المستقبل. وتتنامى النكبات فتدلّ على اقتراب الله شيئاً فشيئاً.
ولكن الله ليس وحده في ظهوره، في تيوفانيته. لم نعُد فقط أمام يوم الرب كما أعلنه يوئيل (2: 11؛ 3: 4) وصفنيا (1: 14). لم نعد أمام يوم غضبه (صف 1: 15-18؛ 2: 2-3؛ نا 1: 6؛ مز 110: 5؛ روم 2: 5). بل نحن أمام قراءة كرستولوجية جذرية تطبّق كل هذا على المسيح. نحن أمام غضب الحمل وغضب الله. والنصّ يبرز في آ 17 الإتحاد الوثيق بين الله والحمل فيقول: "جاء يوم غضبهما" (رج 5: 13). نحن هنا أمام تأكيد عميق جداً: فدينونة الله وتدخّله النهائي والمنتقم هما يسوع المسيح، صليب يسوع المسيح (يو 5: 22: الآب لا يدين أحداً بل جعل القضاء في يد الإبن). والحبّ الظاهر في صليب المسيح يكشف عن خطيئة العالم ويحكم عليه، كما يدمّر "تأمينات" المتكبّرين، ويثير الرفض والمعارضة والحروب مع ما يرافقها من جوع ووباء وموت إلى أن لا يعود حضور الله يحتمل لقربه. وينتهي هذا الفصل بسؤال: "فمن يقوى على الثبات"؟
والجواب نجده في ف 7: يثبت الذين أدركوا في الإيمان الحبّ الخلاصي مش خلال غضب الله. والذين استسلموا مثل يسوع إلى دينامية بذل الذات حتى الموت (6: 11؛ 17: 14). هنا نكتشف كل لاهوت الآلام حسب القديس يوحنا: الإرتفاع على الصليب يكرّس يسوع ملكاً. في هذا المجال قال القديس ليون: "يا لعظمة الصليب العجيبة! هنا نجد محكمة الربّ. هنا دينونة العالم. هنا سلطة المصلوب"

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM