الفصل 5: قداسة الزمان

قداسة الزمان

جبل سيناء أو حوريب، مكان مقدّس. وإليه سيذهب إيليا، لكي يجدّد العهد مع الرب ويعود إلى الجهاد. وهيكل أورشليم صار محجاً للشعوب، لأنه يرمز إلى حضور الله، بانتظار الهيكل الآخر جسد يسوع، الذي يقوم بعد ثلاثة أيام. أجل، المكان مقدس. والزمان أيضاً مقدّس. هناك السبت أولاً، الذي هو يوم الربّ، والذي فيه نبتعد عن الأعمال الدنيويّة. ثم الأعياد التي تتوزّع فصول السنة: عيد الفصح والفطير. وعيد الحصاد. ثم عيد القطاف والمظال. وأخيراً، السنوات المقدّسة واليوبيل. ويوم الكفّارة الذي توسّع فيه سفرُ اللاويّين توسّعاً خاصاً، بل تفرّد في الكلام عنه.

»وكلّم الربّ موسى:... ''في ستة أيام تعمل عملاً، وفي اليوم السابع سبت، يوم راحة، مع اجتماع مقدّس. هو يوم لا تعملون فيه عملاً: هو سبت الربّ في جميع دياركم« (23:3).

يبدو السبتُ ويومُ الراحة الاسبوعيّة خاصاً بشعب اسرائيل، بحيث لا يوازيه يوم في العالم القديم. كان للأشوريّين والبابليّين »شبتو« الذي يقع مرّة في الشهر، وهو عيد البدر الذي يقع في اليوم الخامس عشر من الشهر. وعرف البابليون أيضاً »أياماً خطرة« تُمنع فيها بعضُ الأعمال، تقع في السابع والرابع عشر والحادي والعشرين والتاسع والعشرين. غير أن هذه الأيام لم تُدعَ أبداً »سبتاً«. وذكرت طقوسُ أوغاريت عيدين ارتبطا بدورة القمر: القمر الجديد أو الهلال، وكمال القمر أو البدر. أما العالم الكنعانيّ فما عرف نظام السبعة أيام الذي نقرأه أول ما نقرأه في سفر التكوين مع راحة اليوم السابع. إذا كان الله استراح في ذلك اليوم، فكم بالأحرى الانسان الذي يجب عليه أن »يرتاح هو وابنه وابنته وعبده وجاريته وبهيمته« (خر 20:10).

هذا اليوم المقدس الذي يمكن أن يكون مارسه العبرانيون في زمن الملوك، قد صار نظاماً مرتّباً وقاسياً بعد الرجوع من المنفى. وسوف نرى في زمن المسيح التحجّر الذي وصل إليه، بحيث يُمنع أن يُشفى انسانٌ يوم السبت. لهذا قال يسوع: يمكن أن نعمل الخير يوم السبت. وأضاف: السبت هو للانسان، لا الانسان للسبت. فابن الانسان (يسوع) هو ربّ السبت (مر 2:27). وهو سيعطيه معناه الجديد حين تنتقل الكنيسة من القديم إلى الجديد، ومن السبت إلى الأحد، الذي هو تذكار قيامة يسوع وحلول الروح القدس على الرسل ليحملوا البشارة. لا إلى شعب واحد، بل إلى أقاصي الأرض.

وكان كلام عن الأعياد. لا يتحدّث سفر اللاويّين عن معنى كل عيد، وهو معنى يعتبره معروفاً. فعيدُ الفصح يرتبط بالخروج من مصر وخبرة الخلاص. والفطيرُ ينقل المؤمن من سنة إلى سنة. يترك وراءه خمير الشرّ والفساد ويتطلّع إلى الحياة الجديدة. وعيدُ الحصاد الذي يرتبط بحصاد القمح، يُدعى أيضاً عيد الأسابيع، لأنه يقع في نهاية سبعة أسابيع بعد الفصح. هو يذكّر المؤمن بعطيّة الشريعة على جبل سيناء. وقد صار في المسيحيّة عيد العنصرة وحلول الروح على جبل صهبون. وعيدُ القطاف أو المظال، يذكّر المؤمن بالإقامة في البريّة حول خيمة الله، خيمة الاجتماع، التي تحوي تابوت العهد رمز حضور الربّ وسط شعبه. هنا لا ننسى أن الكاتب الكهنوتيّ جعل خيمة الربّ على حدود المخيّم، لئلاّ تتنجّس بخطيئة الشعب.

قال سفر اللاويّين: »أعياد الربّ التي تحتفلون بها مقدّسة للربّ« (23:1). ويواصل الكلام: »هذه أعياد الربّ المقدّسة التي تحتفلون بها في أوقاتها« (آ 4). يجب أن لا يُخطئ المؤمن حين يحسب الوقت الذي يقع فيه العيد. فالاحتفال على الأرض يترافق مع الاحتفال في السماء. فإن كان تفاوتٌ، فَسُد العيد، بَطُل. هنا نفهم موقف جماعة قمران والتمعّن في الكلندار الذي يحدّد كل عيد من الأعياد. فالأوقات مقدّسة، وما يعطيها هذا الطابع الخاصّ، هو الأعياد التي تتوزّع السنة: في الربيع حصاد الشعير. في الصيف حصاد القمح. وفي الخريف قطاف العنب والتين والزيتون.

عُمل بهذه الأعياد منذ زمن بعيد. في مساء اليوم الرابع عشر من الشهر الأول »فصح للربّ« (آ 5). ثم يأتي عيد الحصاد، وعيد الغفران في العاشر من الشهر السابع (آ 27). أما »اليوم الخامس عشر من الشهر السابع، فعيد المظال للربّ« (آ 33).

حين تحدّث سفر اللاويّين عن هذه الأعياد، توقّف عند الطقوس من وجهتين: الذبائح التي نقدّمها. ثم العطلة والتوقّف عن العمل. العيد موعد مع الربّ، في وقت محدّد وفي زمنٍ معيّن. فيه يلتقي الله بشعبه والشعب بإلهه. لهذا صارت العادة بأن يحجّ المؤمنون في تلك الأعياد إلى أورشليم، إلى موضع سكنى الله. لهذا يهتف المرتل: متى آتي وأحضر أمام الله. ويومٌ في ديارك خير من ألف.

ومع السبت والأعياد، نذكر السنوات المقدّسة: السنة السبتية. كما يرتاح المؤمن يوماً كل سبعة أيام، ترتاح الأرض سنة كل سبع سنوات. واليوبيل يذكِّر المؤمنين باثنين: حين خرجوا من مصر بدأوا يتمتّعون بالحريّة (25:55). وحين وصل الشعبُ إلى كنعان، أعطيت له أرض لا يمكن أن يتنازل عنها، ولو خاطر بحياته، كما فعل نابوت حين وقف في وجه الملك أخاب وزوجته ايزابيل. قال نابوت: »لا سمح الربّ أن أعطيك ميراث آبائي«. هذا هو معنى اليوبيل الذي يقع بعد سبعة أسابيع من السنين، وفيه يستعيد الانسان الأرضَ التي خسرها ، ويعود إلى بيته حرّاً إن هو صار عبداً لأحد بسبب ضيق يده.

قال الكتاب: »وكلّم الرب موسى في جبل سيناء فقال: ''قل لبني اسرائيل: 'إذا دخلتم الأرض التي أعطيها لكم، فليكن لها سبتُ عطلة للربّ. ستَّ سنين تزرعون حقولكم، ستّ سنين تقضبون كرومكم وتجمعون غلالها. وفي السنة السابعة يكون للأرض سبت، سنة راحة للأرض، سبت للربّ« (25:1-3).

حسب شرعة العهد، كما نقرأها في سفر الخروج، تُترك الأرض بدون فلاحة في السنة السابعة ليأكل منها الفقراء والحيوانات (خر 23:10-11). ويتحرّر العبدُ العبريّ، بعد ست سنوات من الخدمة، إلاّ إذا اختار أن يبقى لدى سيّده (خر 21:2- 6). في سفر التثنية، لا تمييز بين العبد والجارية. فكلاهما يتحرّران. ويجب أن لا يعودا فارغي الأيدي (تث 15:12-18). ولكن لا كلام عن أرض لا تُفلح. هذه السنة تَحلّ في وقت معيّن (تث 15:9؛ 31:10). فيها يُترك كلّ رهن بحيث تعود الأرض إلى مالكيها، وتزول الفوارق الاجتماعيّة داخل شعب الله (تث 15:1-4). وفي هذه السنة يعطي المؤمنُ إخوتَه، ولا يتورّع قلبه إذا أعطاه لينال بركة الله (تث 15:10). أما سفر اللاويّين، فحدّد السنة السبتيّة بالنظر إلى الدخول إلى أرض الموعد (25:1). تُترك الأرض بلا فلاحة فيأكل منها الجميع. والمؤمن لا يخاف من الجوع، لأن الربّ يبارك السنة السادسة فتغلّ ثلاث سنين، وتصل بالشعب إلى السنة الثامنة (25:20-22). أما تحرير العبيد فيتمّ في نهاية اليوبيل (25:8-17، 23-55).

أما اليوبيل فلا يبدو أن شعب اسرائيل مارسه. إنما بقي مثالاً يتطلّعون إليه. هو في الواقع إحدى السنوات المقدّسة، ويحصل فيه ما يحصل في السنة السبتيّة. تحدّث حز 46:17 عن »سنة إعتاق« في نصّ تشريعيّ كُتب بعد المنفى. في أيام إرميا، كانت محاولة لتطبيق ما قيل في اليوبيل وفي السنة السبتيّة. ولكن أسياد  العبيد تراجعوا وما عادوا حرّروهم (إر 34:8-11). وعاد أشعيا إلى سنة اليوبيل فقال: »أرسلني الربّ لأبشّر المساكين، وأَجبر المنكسري القلوب، لأنادي للمسبيّين بالحرية، وللمأسورين بتخلية سبيلهم، وأنادي بحلول سنة رضاه« (أش 61:1-2). قرأ يسوع هذا الكلام في مجمع الناصرة، وقال: »اليوم تمّت هذه الكتابة التي تُليت على مسامعكم« (لو 4:21). هذا الخبرُ الطيّب الذي شكّله اليوبيلُ، لا يصل إلينا إلاّ عبر يسوع الذي يحمل إلينا الخلاص التام، ويعيد إلينا الحريّة التي فقدناها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM