الفصل 22: وادي لبنان سهل الخيرات والعبور واللقاء!

وادي لبنان سهل الخيرات والعبور واللقاء!

حين نقرأ سفر يشوع، نعثر مرّتين على عبارة عبريّة ترتبط بلبنان، هي التالية: »ب ق ع ت ه- ل ب ن و ن«. البقعة هي القطعة من الأرض. نقرأ في العربيّة وفي العبريّة: الوادي والسهل والحوض؛ فماذا يا ترى يعني »سهل لبنان« الذي يتحدّث عنه يش 11: 17، فيقول: »من الجبل الأقرع الممتدّ جهة سعير إلى بعل جاد في بقعة لبنان، تجاه جبل حرمون«. وتنعكس الجملة على المستوى الأدبيّ في يش 21: 7: »من بعل جاد في بقعة لبنان إلى الجبل الأقرع الممتدّ إلى سعير«.

نشير أوّلاً إلى أنّ نصّ يشوع الذي يمتدّ من 11: 16 إلى 12: 24، هو تجميع ينطلق من تقاليد قديمة حول التحالفات بين يشوع، من جهة الجنوب ومن جهة الشمال. الجبل الأقرع أو جبل حلق يقع في النقب، في الجنوب. و»بقعة لبنان« تقع في الشمال. هذا ما يقابل نصوصًا أخرى تجعل أرض القبائل تقع بين دان (في الشمال قرب بانياس) وبئر سبع (في الجنوب).

»بقعة لبنان« هي سهل لبنان، سهل البقاع الواقع بين السلسلتين الشرقيّة والغربيّة. أمّا بعل جاد فقالوا إنّه يقابل بعلبكّ، ولكن يبدو أنّ الأصحّ هو أنّه يقابل حاصبيّا. عندئذٍ، تكون »بقعة لبنان« في المعنى الحصريّ، وادي التيم. ودليلنا إلى ذلك، تحديد موقع بعل جاد: تحت جبل حرمون. بعل جاد هو سيّد الحظّ السعيد؛ ومن أسمائه أيضًا: بعل حرمون، ودليلنا إلى ذلك مقابلة بين نصّين كتابيّين. نقرأ الأوّل في قض 3: 2: »جميع الكنعانيّين والصيدونيّين والحويّين المقيمين بجبل لبنان، من جبل بعل حرمون إلى مدخل حماه«. والثاني في يش 13: 5-6: »وأرض الجبلين وكلّ لبنان من جهة مشرق الشمس، من بعل جاد تحت جبل حرمون، إلى مدخل حماه. جميع سكّان الجبل...«

هل نستطيع القول إنّ »سهل البقاع« وجد أصل اسمه في لفظة ''بقعة'' التي نجد آثارها في نصّ يشوع؟ الأمر معقول. فهذا السهل لعب دورًا كبيرًا في القديم، على مستوى المواصلات؛ فكان الطريق الرئيسيّة بين مصر، من جهة، وسورية، وبلاد الرافدين، من جهة ثانية. تمرّ في وادي التيم، فتصل إلى وادي نهر العاصي.

عرفت البقاع عن حدودها الجنوبيّة كامد اللوز التي أقام فيها حكم رابو من قِبَل مصر منذ الألف الثاني ق.م.، وفي الشمال، بعلبكّ مدينة الشمس لدى اليونان والرومان، وتل الغسيل القريب من بعلبكّ، وتلّ حزّين الذي كان عاصمة إمارة مصريّة في القرن العشرين. والهرمل التي منها خرج دانيل، رجل هَرْنَم، كما تقول النصوص الأوغاريتيّة.

هذه البقاع ستلعب دورًا كبيرًا في الحقبتَين الهلّينيستيّة والرومانيّة. سُمّيت »سورية الجوفاء« أو »قولي سورية«، وصارت أهراء القمح بالنسبة إلى رومة، وشكّلت فيها بعلبكّ محطّة في طريق القوافل حتّى تدمر وأبعد منها. ابتدأ هذا السهل من بقعة في الجنوب، من سهل أو وادٍ، فوصلت إلى لَبو حماة أو اللبوة التي شكّلت الحدود الشماليّة لكنعان من وإلى ربلة التي كانت مركز قيادة نخو، الفرعون المصريّ (2 مل 23: 33). هناك قيّد يوآحاز وجعله يدفع الجزية، بانتظار أن يرسل منها نبوخذنصّر جيوشه على أورشليم، فيأخذها ويحرقها ويسبي وجهاء سكّانها مع ملكها.

»بقعة لبنان«، أو »وادي لبنان« هي جزء من كلّ. وقد تطلّعت التوارة دومًا إلى جبل لبنان الأبيض بثلوجه، الأخضر بغاباته، الغنيّ بمدنه، المنفتح على بحره. فمن لبنان تأتي عروس الربّ، بل إنّ لبنان يخصّ الله، شأنه شأن جلعاد (إر 22: 6). فالذي خلق الكون ورآه جميلاً، سيأخذ من أرز لبنان لهيكله. وهل ندهش بعد ذاك أن يكون موسى قد تمنّى قبل موته أن يرى لبنان هذا الجبل الطيّب؟!

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM