الفصل 5: شجرة الحياة وشجرة المعرفة

شجرة الحياة وشجرة المعرفة

حين مضى المثقّفون والكهنة ووجهاء أورشليم إلى بابل، وعاشوا هناك قرابة خمسين سنة، استفادوا من الأخبار المتداولة في حضارة بلاد الرافدين: عرفوا ملحمة غلغامش وما تحمل في طيّاتها من كلام عن مصير الانسان، وفي خطّها تكلّموا عن طوفان كاد يُفني الخليقة بسبب الخطيئة. وقرأوا عن البطل أتراحسيس (الذكي جداً) الذي روى أن الآلهة خلقوا البشر لكي يخفّفوا عن الآلهة الصغار عناء العمل لإطعام الآلهة الكبار. والقصيدة البابلونيّة »انوما إليش«، لما في العلاء، انطلقت من الفوضى الأولى، فعظّمت مردوك، إله بابل، الذي سيطر على تيامات، إلاهة البحر، ثم جعل كل خليقة في مكانها. مِن مثل هذا الخبر انطلق سفر التكوين في فصله الأول، فأرانا الربّ يفصل النور عن الظلمة، والماء عن اليابسة، ويزيّن السماء بسُرج ومنارات هي الشمس والقمر والكواكب. ولكن كل هذا بدأ بفعل إيمان رائع: »في البدء خلق الله السماوات والأرض« (تك 1:1).

رموز عديدة وصور أخذت من الأدب الرافديني. الحيّة ودورها في خسارة نبتة الحياة، التي كان بإمكانها أن تمنح غلغامش الخلود. وجبلة الانسان من تراب الأرض، وصورة نوح الذي لم يصر خالداً مثل أوتونفشتيم، بطل الطوفان البابليّ. والشجرة، شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشرّ. من أين ينطلق رمزها، وكيف وصلت هذه الصورة إلى سفر التكوين في فصله الثاني؟

1 - غلغامش والبحث عن الخلود

اختبر البشر منذ البداية أنهم مائتون. ومع ذلك بحثوا عن الخلود. في عدد من الأخبار القديمة، اعتبر »البطل« أن الموت أمرٌ لا بدّ منه. هو في طبيعة الأشياء، فلا يبقى سوى الخضوع له. في هذا المجال، قالت صاحبة المقهى لغلغامش الباحث عن الخلود:

حين الآلهة خلقوا البشر،

جعلوا الموت للانسان.

والحياة احتفظوا بها في أيديهم.

وفي هذا المجال عينه، تحدّثت إحدى قصائد أوغاريت، دانيل واقهات، عن هذا الانصياع الأساسيّ لدى الانسان أمام الموت. عرضت الالاهة عناة على اقهات الخلود، شرط أن يُعطيها قوسه السحريّة. أما هو فما وقع في شباكها، بل دلّ على حكمته فقال:

لا تخدعي البطل بترّهاتك.

فأيّة آخرة ينالها الانسان؟

وأي مصير في المستقبل؟

يصبّون على رأسي شيئاً أبيض،

يصبّون الرماد على جمجمتي.

بما أن الجميع يموتون، فأنا أموت.

أنا مائت، إذاً أنا أيضاً أموت[1].

وحده غلغامش رفض الانصياع لفكرة الموت. منذ البداية بحث عن الخلود. هذا الملك العظيم بنى أسوار أوروك، وطغى وتجبّر. فمن يوقفه على حدّه؟ لا أحد بين البشر. فأمّه هي الإلاهة ننسون، وهو ملك ابن ملك. اشتكى البشر إلى الآلهة، فخلقوا له إنكيدو، هذا العائش وسط الوحوش في الفيافي. وكان صراع بين الاثنين، أملاً في أن يقتل انكيدو غلغامش، ولكن البطلان تصالحا وصارا صديقين حميمين.

وصعد غلغامش مع صديقه إلى جبل الآلهة، إلى غابة الأرز، أرز الربّ، بحثاً عن الخلود. فانتظرهما الموت هناك عبر وحش »هومبابا«. ولكنهما قتلا الوحش وعادا. أحبّت عشتار غلغامش، العائد منتصراً إلى أوروك، فرفض حبّهاً المتقلّب. أرسلت عليه وحشاً جامحاً فدمّر أوروك. ولكنه قُهر. وساعة ظنّ غلغامش أن الموت لا يطاله، رأى صديقه انكيدو يموت موتاً بطيئاً في مرض سريّ. وكان البطل حاضراً في نزاعه، ضعيفاً لا يقدر أن يفعل شيئاً. حينئذ وعى أنه مائت، مع أن ثلثيه من الآلهة وثلثه من البشر[2]. هذا ما نقرأ في اللويحة 2 السطر 13.

وبدأ التحوّل لدى غلغامش: الموت أمامه. فبحث عن وسيلة يُفلتُ منه. وانطلق يطلب الانسانين الوحيدين اللذين لم يموتا في الطوفان: أوتونفشتيم وزوجته. أوتونفشتيم هو  »حياة الأيام البعيدة«[3].

في بداية المسيرة، بكى غلغامش صديقه إنكيدو بمرارة، وتاه في الفيافي:

إن متُّ أنا أيضاً، أفلا أكون مثل إنكيدو؟

دخلت الرعشةُ إلى قلبي.

وإذ خفتُ من الموت تهتُ في الفيافي

لكي أجد أوتونفشتيم... (اللويحة التاسعة).

وتابع غلغامش المسيرة، فوصل إلى سيدوري صاحبة المقهى، والمقهى في العالم الرافديني يقع على حدود المدينة، وفي نقطة الانطلاق إلى الخارج. هناك يلتقي عالمان مختلفان. وهكذا ترك غلغامش عالم البشر، بعد أن عبر جبل الشمس، وجاء يتدرّج لدى صاحبة المقهى، على أسرار العالم الجديد الذي يستعدّ لولوجه.

كانت سيدوري قد أغلقت الباب في وجهه، خوفاً من أن يقتلها. فهدّد بخلع الباب وتحطيم المصاريع، وقال:

أنا غلغامش، قهرتُ الثور النازل من السماء وقتلته،

وقتلت حارس الغابة، غابة الأرز،

فأجابته صاحبة المقهى: لماذا وجهك موهَنٌ؟ لماذا قلبُك متألّم؟ وكان الجواب:

أتيه في الفيافي خوفاً من الموت.

ما حصل لصديقي يلازمني، يحاصرني.

الصديق الذي أحببت هو طين،

إنكيدو الصديق الذي أحببتُ هو الآن طين

وأنا أيضاً سأرقد وأعرف مصيره

ولن أقوم إلى الأبد (اللويحة العاشرة).

كيف الحصول على الخلود؟ على غلغامش أن يبحث عن نبتة الحياة. قال له أوتونفشتيم، بعد أن وصل في قاربه:

يا غلغامش، قاسيتَ التعب والمشقّة لتأتي إلى هنا.

ماذا أعطيك لكي تعود إلى أرضك؟

سأكشف لك سراً، يا غلغامش.

هناك نبتة، جذرها مثل جذر غرسة شائكة،

شوكها كالعوسج يغرز في يدك،

إن توصّلت يدُك وامتلكتها،

تكون قد وجدتَ الحياة الأبديّة.

ما العمل للوصول إلى هذا النبتة الموجودة في قعر البحر؟

سمع غلغامش كلام أوتونفشتيم

فربط بقدميه حجارة ثقيلة،

ونزل في عمق البحر.

أمسك النبتة مع أنها وخزت يده.

تخلّص غلغامش من الحجارة، فرماه البحر على الشاطئ. حينئذ قال:

هذه النبتة دواء للحالات الميؤوسة

بها يدرك الانسانُ الشفاء

سأحملها إلى أوروك

اسمها: الشيخ يعود شاباً،

وأنا سآكلُ منها،

وأعود إلى ما كنتُ عليه في شبابي.

وأكل منها غلغامش وتابع مسيرته إلى أن حلّ الليل. فتوقف. رأى عين ماء باردة، فنزل ليغتسل، فشمّت الحيّة رائحة النبتة. فخرجت بصمتٍ من الأرض، وأخذت النبتة فسقط جلدها حالاً. فلبث غلغامش هناك باكياً، بعد كل هذا التعب الذي تعبه، والدم الذي سال منه. فما بقي أمام غلغامش سوى الموت الذي ينتظره. لا سبيل إلى العودة، والقارب بقي على الشاطئ.

2 - من نبتة الحياة إلى شجرة الحياة

ونعود إلى سفر التكوين (ف 2) حيث نعرف أن الله »أنبتَ من الأرض كلّ شجرة حسنة المنظر، طيّبة المأكل، وكانت شجرة الحياة« (آ 9). نشير هنا بشكل عابر إلى أن الانسان حين خطئ، اختبأ وراء أشجار الجنّة (تك 3:8)، خوفاً من أن يقع نظرهُ على نظر الله. كما استعمل ورق إحدى الشجرات (3:7، ورق التين) ليخيط له ولزوجته »مآزر«.

في معنى أول، الشجرة تبدو هنا سنداً لفكرة هامة: الحياة. هي كالاطار بالنسبة إلى لوحة فنيّة. المهم ليس الاطار، بل اللوحة. وكذا نقول هنا: المهم ليس الشجرة، بل الحياة التي تحملها الشجرة. فالكاتب الملهم يريد أن يحدّثنا عن الحياة التي يمنحها الله للانسان العائش في حضرته، في جنّته. ما دام الانسان في »الجنّة« فهو ينعم بهذه »الشجرة«. وإن هو طُرد، خسر كل شيء. بل تغيب كلّ شجرة عنه، فتتحوّل الطبيعة إلى »شوك وعوسج« (تك 3:18)[4].

وفي معنى ثان، الشجرة رمزٌ مقدّس في العالم القديم، وهو لا يزال حاضراً اليوم لدى القبائل العديدة في افريقيا. في سفر التكوين، نرى ابراهيم عند سنديانة ممرا (12:6 - 7؛ 13:18؛ 18:1). وحين مضى إلى بئر سبع، غرس أبو الآباء شجرة »ودعا هناك باسم الربّ الاله السرمديّ«[5].

وهكذا يلتقي غلغامش مع سفر التكوين في الكلام عن »نبتة« أو »شجرة« الحياة. ولكن في غلغامش، عطيّة الحياة ترتبط بالسحر، وكأن الحياة في نبتة نجدها في أعماق البحار. والانسان يصل إلى الخلود بهذه الطريقة. أو هو بالأحرى لم يقدر أن يصل إلى الخلود. فقد رأى غلغامش الموت بعينيه حين رأى صديقه انكيدو يسلم الروح أمامه. أما شجرة الحياة في الكتاب المقدس، فترمز إلى الانتصار على الموت. ومن مَنعَ الانسان من الوصول إلى شجرة الحياة؟ الحيّة. في خبر غلغامش، أتت سراً وسرقت تلك النبتة السحريّة. أمّا في سفر التكوين، فالحيّة خدعت الانسان بكلامها الكاذب، فقُطعت الطريق التي تُوصل إلى شجرة الحياة.

في هذا الإطار، تحدّث كتاب أخنوخ عن شجرة الحياة، فقال في »كتاب الساهرين« (24:4-5): »وسط هذه الأشجار، كانت شجرة جميلة ما شممتُ من قبل عطرها (ولا نال أحد هذه السعادة)، وما كانت تشبه شجرة أخرى. كانت تنشر عطراً يتفوّق برائحته على كل الطيوب. ورقها، زهرها، والشجرة نفسها لا تذبل أبداً. ثمرها جميل ويُشبه عناقيد النخل. فقلت: ما أجمل هذه الشجرة ورائحتها! أوراقها وأزهارها تُسرّ النظر«[6]. وفي وصيّة لاوي، أحد الآباء الاثني عشر، نتعرّف إلى الكاهن الجديد:

هو يفتحُ أبوابَ الفردوس،

ويُبعد السيف الذي يهدّد آدم

يعطي القديسين ثمر شجرة الحياة طعاماً،

ويكون روح القداسة عليهم[7]

وتحدّث ترجوم نيوفيتي الذي كشف في رومة سنة 1956، عن الفردوس، فقال: »وأنبتَ الربُّ الاله من الأرض كلَّ شجرة شهيّة للنظر وطيّبة للمأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنّة، وشجرة المعرفة: كلّ من يأكل منها يعرف أن يميّز بين الخير والشرّ«[8]. أما ترجوم يوناتان فأضاف تفصيلاً آخر: »وأنبتَ الربّ الاله من الأرض كل شجرة... وشجرة الحياة في وسط الجنّة. مثَّل ارتفاعها مسافة 500 سنة، والشجرة التي يأكلون من ثمارها فيميّزون بين الخير والشرّ«[9].

نصّ سفر التكوين، وقد كتب في القرن الخامس ق. م. افترض أن الانسان مائت: فالخبرة لا يمكن أن تخطئ (تك 2:7؛ 3:19). أما شجرة الحياة فهي امتياز قد يحصل عليه الانسان بنعمة الله، كامتياز الخلود. وهذا الرمز يرتبط بمجموعة صور مثل جنة عدن والفردوس... في هذا الإطار، يتحدّث حزقيال النبيّ عن أشجار مثمرة، زُرعت على شاطئ المياه التي تخرج من المعبد: الثمر للطعام، والورق للشفاء (حز 47:12). لا كلام هنا عن الخلود. ولا في سفر الأمثال الذي يقول: »شجرة حياة للمتمسّكين بها (= أي الحكمة)، ومن يتمكّن منها فهنيئاً له« (3:18). ونقرأ في أم 11:30: »ثمرة الصديق شجرة حياة، ومن كان حكيماً ربح الناس«. ومع ترجوم نيوفيتي (ص 35) نستطيع أن نقرأ: »فالشريعة هي شجرة حياة لكلّ من يدرسها. ومن يحفظ فرائضها يحيا ويقوم، مثل شجرة الحياة، في العالم الآتي. الشريعة صالحة للذين يمارسونها (يفلحونها، يدرسونها) في هذا العالم، مثل شجرة الحياة«.

واستعاد سفر الرؤيا هذا الرجاء الذي يتحقّق في النهاية. وهي نهاية دشَّنها يسوع بحياته وموته وقيامته. اغلِق الفردوس، وقُطع الطريق إلى شجرة الحياة (تك 3:24)، وها هو يُفتَح من جديد. وثمارُ شجرة الحياة تقدَّم للغالبين، للذين شهدوا انتصار المسيح في العالم (رؤ 2:7)، وللذين غسلوا حللهم (رؤ 22:14)، أي تنقّوا بدم المسيح. وهكذا تكون شجرة الحياة رمزاً إلى الحياة الأبديّة كما نعيشها منذ الآن في الحضور الالهيّ[10].

3 - شجرة الخير والشرّ

لا شيء يقابل هذه الشجرة في النصوص الرافدينيّة. أما سفر التكوين، فبعد أن يذكر شجرة الحياة، يقول: »وشجرة معرفة الخير والشرّ في وسط الجنّة« (تك 3:9). ونحن نظنّ أن هناك توازياً بين شجرة وشجرة. فالانسان لا يصل إلى شجرة الحياة إلاّ إذا قبِلَ العبور في شجرة معرفة الخير والشرّ، فيكتشف أنه انسان محدود. في الواقع، أراد الانسان أن يكون مثل الله. يعني: أن يكون خالداً. أن لا يموت. أن يعرف ما يعرف الله.

ما نلاحظ في تك 2 - 3، هو أن الكلام سوف يدور حول »شجرة معرفة الخير والشرّ«. ولن يعود النصّ إلى شجرة الحياة، إلاّ في تك 3:24. نحسّ هنا أن الكاتب الملهم انتقل من عالم السحر الذي جعل غلغامش يصل إلى نبتة الحياة، إلى عالم من الحوار بين الله والانسان، في خطّ ما نقرأ في سفر التثنية: »جعلت بين أيديكم الحياة والموت، الخير والشرّ، السعادة والشقاء. فإذا سمعتم كلام الربّ تحيون وتكثرون وتنالون بركة الربّ... وإن زاغت قلوبكم عني ولم تسمعوا لي، فأنا أخبركم اليوم أنكم تهلكون« (تث 30:15 - 18).

تلك هي الوصيّة التي تلقاها الانسان، رجلاً وامرأة. الطاعة تقود إلى الحياة. والعصيان إلى الموت. »وأمّا شجرة معرفة الخير والشرّ فلا تأكلا منها. فيوم تأكلان منها موتاً تموتانِ« (تك 2:17). واختار الانسان الموت، وذلك بفعل حرّ. أراد أن يكون حكيماً في عين نفسه، فإذا هو يضلّ حين يسمع نصيحة الحيّة التي سنعرف في ما بعد بأنها ترمز إلى إبليس (رؤ 12:9).

أيّة معرفة يبحث عنها الانسان؟ معرفة سحريّة؟ معرفة عقليّة؟ معرفة عمليّة؟ هنا يتلاعب النصّ على الكلام. وفي أي حال، رأسُ الحكمة مخافة الله. والمعرفة الحقّة تنبع من نعمة الله، لا من عالم السحر كما كان الأمر في مصر. قدرة موسى غير قدرة »حكماء« مصر القصيرة النظر. فإذا أراد الانسان الحكمة طلبها من الله. ذاك ما فعله سليمان، في بداية تولّيه السلطة الملكيّة: »والآن أيها الربّ إلهي... امنحني عقلاً مدركاً لأحكم شعبك وأميّز الخير من الشرّ، وإلا فكيف أقدر أن أحكم شعبك هذا الكثير« (1 مل 3:7، 9). وجاء جواب الربّ: »أنا أعطيك عقلاً حكيماً راجحاً لم يكن مثله لأحد قبلك« (آ 12). في هذا السياق، قدّم سفر الحكمة صلاة لبلوغ الحكمة: »فيا ليتك تُرسلها من السماوات المقدّسة، من عرشك المجيد، حتّى إذا حضرت تُعينني على تحقيق ما يرضيك« (حك 9:10).

أن يعرف الانسان الخير والشرّ، يعني أن يعرف كلّ شيء. ولكن الانسان لا يستطيع البلوغ إلى هذه الرغبة، لا يقدر أن يرتفع فوق وضعه كإنسان لكي يصل إلى مقام الألوهة. حكمتُه تبقى بشريّة مهما اعتبره الناس حكيماً. والخلودُ الذي يتوقُ إليه هو مُلك الله[11] وهو يعطيه للإنسان ساعة يقبل الانسان أن يسير مع الله، على ما يقول مز 73:23 - 25:

وأنا معك في كل حين.

تُمسكني بيدي اليُمْنى

بمشورتك تهديني،

وإلى المجد تأخذني من بعد.

من لي في السماء سواك،

وعلى الأرض لا أريد غيرك.

الخاتمـــــة

غنى كبير عرفه هذا الشرق القديم، من بلاد الرافدين إلى مصر، مروراً بالأرض الأراميّة والكنعانيّة، في عالم فينيقية وأوغاريت دون أن ننسى حضارة الحثيّين، غنى استقى منه كلّ شعب، وطوّره بحسب فكره وإيمانه. فخبرةُ الخلق هي هي. وتبقى الصور حيث الآلهة عديدون، أو الاله الواحد الذي يخلق الانسان على صورته ومثاله. والرغبة في الخلود والتغلب على الموت رافقت جميع الشعوب، فراح الفرعون في قاربه للقاء الشمس. وتحدّث الفينيقيّون عن موت وقيامة على مثال أدونيس. وتطلّع غلغامش إلى الخلود، وفي النهاية فهم أنه مائت مثل صديقه انكيدو، وأن نبتة الحياة تفلت من يده. واعتبرت التوراة أن الانسان لن يصل إلى الحياة، لن يستطيع أن يقطف من ثمر شجرة الحياة، إلاّ إذا خضع لله الذي وحده يعرف الخير والشرّ. إلاّ إذا عمل مشيئة الله وسار إلى حيث يدعوه الربّ كما دعا ابراهيم (تك 12:1 -3). هنا بدأت مسيرة الإيمان، مسيرة الخلاص، التي وجدت ذروتها في يسوع المسيح الذي هو الطريق الحقيقيّ الذي يقود إلى الحياة.



[1] Gilgamesh, Cahiers Evangile, Supplément, no 40 (Paris 1982) 4.

[2] B. LION, «Epopée de Gilgamesh», in Dict. de la Civilisation Mésopotamienne (=DCM), sous la direction de Francis JOANNES, Paris, Robert Laffont, 2001, p. 294-296; J. BOTTERO, L’Epopée de Gilgamesh, Paris, 1982; S. PARPOLA, The Standard Babylonian Epic of Gilgamesh, Helsinki, 1997.

[3] B. LION, «Déluge», in DCM, p. 223-225; La Création et le Déluge d’après les textes du Proche-Orient ancien, Supplément aux Cahiers Evangile, no 54, Paris, 1988; Les dossiers d’archéologie (Le Déluge) 204, Juin 1995.

[4] بولس الفغالي، سفر التكوين، المكتبة البولسية، 1988، ص 43-44

G. Von RAD, Genesis (OTL), London 1966, p. 80 - 82.

[5] دائرة المعارف الكتابية، الجزء الرابع (ر – ش)، دار الثقافة، 1992، ص 505- 507

[6] بولس الفغالي، آخنوخ، الرابطة الكتابية، 1999، ص 51

[7] بولس الفغالي، وصيات الآباء الإثني عشر، الرابطة الكتابية، 2000، ص 60

[8] بولس الفغالي، ترجوم نيوفيتي، سفر التكوين، الرابطة الكتابية، 2002، ص 31

[9] Targum du Peutateuque, Genèse, SC. 245, Paris 1978, p. 95; Gn Rabba 122.

[10] Dict. Enc. de la Bible (DEB), Brepols, 1984, p. 130; H.T. OBBINK, “The Tree of Life in Eden”, ZAW 46 (1928) 105 - 112; M.TSEVAT, “The Two Trees in the Garden of Eden”, ERLS 12 (1975) 40 - 43.

[11] DEB, p. 129 - 130; I. ENGNELL, “Knowledge and life in the creation story”, VTS 3 (1955) 103 - 119; J. PEDEREN, “Wisdom and Immortality”, VTS 3 (1955) 238 - 246; H. S. STERN, “Knowledge of Good and Evil”, VT 8 (1958) 405 - 418; H. N. WALLACE, The Eden Narrative, (Atlanta 1985) 115 - 132.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM