الخاتمة

 

الخاتمة

القدّيس بولس كما في سفر الأعمال. ذاك كان الكتاب الذي قرأناه. وجاء في ثلاثة أقسام. في قسم أوَّل توقَّفنا عند «سيرة بولس» منذ ولادته وصولاً إلى محاكمته في أورشليم على مثال ربِّه: كان ذاك المضطهِد فقلب الربُّ حياته وطلب منه أن يترك أورشليم، المنغلقة على العالم اليهوديّ والمحاوِلة أن تسيطر على عمل الروح بحيث تصبح «الكنيسة» التي أسَّسها يسوع «شيعة» بين الشيع اليهوديَّة، مثل الفرّيسيّين والصادوقيّين والغيورين... فمن أنطاكية تنطلق الرسالة إلى الأمم ولن تتوقَّف حتّى أيّامنا، إلى أن يصبح المسيح كلاٌّ في الكلّ.

في قسمٍ ثانٍ رافقنا القدّيس بولس في رسالته: من العالم اليهوديّ حيث انطلق كلامه من الأسفار المقدَّسة لكي يصل إلى يسوع «الذي أخرجه الله من نسل داود، حسب الوعد مخلِّصًا لإسرائيل» (أع 13: 23)، وصولاً إلى العالم الوثنيّ الذي حدَّثه عن «الإله الحيّ الذي خلق السماء والأرض والبحر وكلَّ ما فيها» (أع 14: 5). وكانت الذروة في كورنتوس، حيث تأسَّست كنيسة تصلح لأن تكون مثالاً لكلِّ الكنائس، في زمن بيلاطس كما في زماننا.

والقسم الثالث يدعونا إلى التعرُّف إلى من كان «الرائد في عمل البشارة» وفي بناء الكناس. ما أراد أن يبني على أساس غيره. وحين يبني كنيسة في موضع ما، يعيِّن مسؤولين فيها يواصلون عمل البشارة، ويطلب من المؤمنين «أن تكرِّموا الذين يتعبون بينكم ويرعونكم في الربِّ ويرشدونكم، وأن تعاملوهم بمنتهى الاحترام والمحبَّة من أجل عملهم» (1تس 5: 12-13). هنا بدا بولس ذاك القائد الذي يشبه «في الخارج» القوّاد الحربيّين على الأرض، ولكنَّه في الداخل لا يعمل من أجل مملكته، بل من أجل مملكة الربِّ يسوع المسيح. لهذا فهو لا يخاف. وإن أحسَّ بضعفه عرف أنَّ قوَّة الربِّ تعمل في الضعف.

تلك هي قراءة لسفر الأعمال تضيء عليها الرسائل لكي تقدِّم شخص بولس الرسول بعد ألفَي سنة على ولادته. قال التقليد إنَّه توفِّي سنة 64 أو سنة 67. ولكنَّ الشهيد لا يموت بل يبقى حيٌّا في المؤمنين الذين يواصلون عمله: تيطس، تيموتاوس اللذين وصلت إليهما رسالة. ولينُس الذي سيخلف القدّيس بطرس على كرسيّ رومة (2 تم 4: 21). ونحن لا ننسى مرقس (آ14) الذي اعتبره التقليد مؤسِّس كنيسة الإسكندريَّة، ولوقا الذي جاء سفر الأعمال كما دوَّنه أطيب شهادة عن ذاك الذي ما زال حيٌّا بكلمة تتردَّد بجرأة في رومة. فلوقا لبث مع الرسول في سجنه (آ14) وهو «الطبيب الحبيب» (كو 4: 14).

أجل، ما مات بولس، بل لبث حيٌّا، لا على مستوى اللحم والدم، بل على مستوى الحضور في الكنيسة. وفي أيِّ حال، دم الشهداء بذار المسيحيّين. ولمّا عرفت رومة بموت بطرس وبولس وعدد كبير من المسيحيِّين رُموا للوحوش في زمن نيرون، كان الحصاد كثيرًا في عاصمة الإمبراطوريَّة ولا يزال الحصاد في عواصم العالم كما يقول لنا يسوع الذي كان الزارع الأوَّل ويدعونا لكي نسير وراءه: كورنتوس

وكنيسة بولس المحبوبة«أرسلتكم لتحصدوا» (يو 4: 38).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM