تقديم

تقديم

حين يسمع المؤمن مقدمة الرسائل البولسية، لا يحاول أن يسأل عن المدينة التي كتب إليها الرسول. وإن سأل قد لا يعرف حتى لو سافر في خطى ذاك الذي جاب أرض تركيا وقبرص واليونان. وفي النهاية وصل إلى رومة كعبد المسيح في القيود.

ماذا تعني كلمة غلاطية؟ هي منطقة جبليّة في قلب تركيا الحالية. في وسطها تقع العاصمة: أنقرة. مرّ بولس هناك فمرض وهو في طريقه، فأقعده المرضى. فاهتمّ به هؤلاء السكان القلتيّون الذين أتوا من غالية (فرنسا) وأعطوا المنطقة اسمهم. فأقام عندهم، وبشرّهم بالمسيح، وأسّس أكثر من جماعة. هي منطقة عريقة، بعد أن أقام فيها الحثيون قبل المسيح بآلاف السنين. ولكن إيمان الجماعات كان بعدُ فتياً ويحتاج إلى ضمانات بشريّة. فهؤلاء الذين هجروا أرضهم بسبب من الأسباب، واجتازوا الدرب كلّها قبل أن يقيموا في أواسط تركيا، جاءهم المتهوّدون، وربّما اليهود، ليدخلوهم في شعب له جذوره في الشرق. فنعتهم بولس بالأغبياء الذين تركوا الناس يضلّونهم. هل يميلون مع كل ريح؟ جاء بولس فتبعوه. جاء الوعّاظ الجدد فتبعوهم. وربّما تأتي فئة أخرى. كان بولس قاسياً. وفي النهاية، دلّ على حنان قلبه وتذكّر محبتهم، بعد أن استعدوا أن يقلعوا عيونهم ليعطوه إياها.

وأفسس هي عاصمة آسية الصغرى. المدينة الكبرى اليوم فيها هي إزمير، العاصمة الصناعية في تركيا الحديثة. سكانها اليوم يعدّون بالملايين. منذ القديم، ألف سنة ق م، جاء اليونان وأقاموا على الساحل التركي. فدُعوا الايونيّين. والمنطقة إيونية. ولما جاء الرومان، دعوا المنطقة آسية الصغرى، نسبة إلى آسية التي نعرفها اليوم بمساحاتها الشاسعة وسكّانها الذين يشكّلون تقريباً نصف سكان الأرض. وهكذا دُعيت آسية اليونانيّة الرومانيّة. نشير هنا إنه على أثر الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ترك أبناءُ الايونيين هذه المنطقة الساحلية الواسعة، وعادوا إلى اليونان في عملية تبادل السكان. حضّروا هذه الأرض فتميّزت عن الداخل وما زالت هي التي تجتذب السيّاح وطالبي الراحة والاستجمام اليوم.

وكولوسي مدينة صغيرة، من الدرجة الثالثة أو الرابعة. تلقّت رسالة من القديس بولس وهو في سجنه. أخذت بالمسيحية على يد أحد التلاميذ، إبفراس. ولكنها مزجت الايمان بتعاليم فيها الخطأ والخرافة والتنظيرات التي تجعل المسيح خليقة بين البشر، وعمله لا يتعدّد نطاق البشر. لا سلطة له على الملائكة. نزل إلى الأرض فبقي على الأرض. فأفلتت »السماء« بكواكبها من سلطته. وهو يخضع لها كما سائر الناس الذين يحاولون قراءة حركاتها. اكتشف بولس هذه الضلالة التي تحطّم دور المسيح في السماء وفي الأرض، في ما يُرى وما لا يُرى. أعلن الرسول: الابن هو في صورة الله، به خُلق كل شيء. ومن أجله كان الكون. وهو من كوّن الكنيسة لتكون جسده ومركز حضوره »المنظور«.

ثلاث رسائل في ثلاثة أماكن. نتعرف إلى الموقع من الوجهة الاركيولوجية والجغرافية والتاريخية. ونحن لا ننسى الحضارية والفكرية. وفي النهاية، نرافق آباء كنيسة وتعليمهم في هذا الشرق وتخصيصاً في أنطاكية وامتدادها مجال واسع جداً. فتحناه وكل واحد يُدعى إلى الدخول فيه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM