تفسير متى

تفسير متى

آ 5: "وعندما تصلّي، لا تكن كالمرائين، الذي يظهرون في الخارج وكأنّهم يصلّون إلى الله، ولكنّهم في الواقع يصلّون من أجل المجد الباطل... يصلّون في المجامع وفي الزوايا" (زوايا الأسواق)، أي في الأمكنة التي تكون فيها الصلاة مجدًا باطلاً.

آ 6: "أدخل مخدعك". يدعو المخدعَ القلب. و"اغلق بابك" أي فكرك. عندما تصلّي في البيت أو في الكنيسة، أدخل إلى مخدع قلبك، وأرجع أفكار قلبك من التيهان. أغلِق باب فكرك أمام المجد الباطل والهموم، وحالاً ابدأ الصلاة. "صلِّ لأبيك في الخفاء"، أي أرسل صلاتك إلى الآب لا من أجل المجد الباطل. "وهو يجازيك علانية"، أي يحسب نفسه مدينًا لك بما يجازيك به. وبما أنّه خفيّ وغير منظور يطلب أن تكون صلاتك شبيهة به وهو الخفيّ، لا أن تكون ظاهرة للعينين.

آ 7: "لا تكونوا مهذارين". يسمّي الهذر (أو الهذيان) كثرة الكلام في الصلاة، وطلب الغنى والسلطة والانتقام من الأعداء. ويسمّي أيضًا الهذر هذه المثابرة على الصلاة حين يكون القلب تائهًا ويتأمّل ويفكّر في أمور أخرى.

آ 8: "فلا تتشبّهوا بهم" أي بالوثنيّين والمرائين. "هو يعرف ما تحتاجون إليه قبل..."، يعني: وإن عرف قبل أن تسأله، إلاّ أنّه يجب علينا أن نصلّي لكي يكون لنا تقارب معه ونحسب نفوسنا من أهل البيت.

آ 9: "أمّا أنتم فصلّوا هكذا"، لا كالوثنيّين والمرائين بل كما أنا سأعلّمكم. الصلاة هي إشارة إلى نذر نقدّمه إلى الله، كما قال داود: "أردّ إلى الربّ نذوري" (مز 22: 26). وقال أيضًا: "أردّ "ما خرج من شفتيّ" (مز 59: 35). فالصلاة هي تقدمة نرفعها إلى الله بعد أن نكمّل واجبنا. إذ يجب علينا أن نكمّل أوّلاً الصلاة، وبعد هذا نقدّم الطلبة.

والصلاة تبرز في ثلاثة أشكال. أوّلاً: صلاة الكلام، كما صلّت حنّة بفمها (1 صم 1: 12-13). ثانيًا: صلاة العمل، كما صلّى فنحاس بعمله الغيور (عد 25: 7؛ مز 106: 30). ثالثًا: صلاة العقل (أو الصلاة العقليّة) كما يقول بولس الرسول (1 كور 14: 15): "أصلّي بروحي، أصلّي بعقلي". أصلّي بكليهما بطريقة مثلّثة: جسديًّا ونفسيًّا وروحيًّا. ولقد سلّم الربّ إلينا هذه الطريقة الأخيرة.

"أبانا الذي في السماوات". تقال كلمة أب بأشكال عديدة: هناك أب بعيد، مثل آدم الذي هو أبو جميعنا. وهناك أب قريب مثل إبراهيم الذي هو أبو إسحق. هناك آباء بالعرض (لا بالجوهر): يسمّى معلّم الأولاد أبًا. ويسمّى الرجل الشيخ أبًا. ويسمّى رئيس الكهنة أبًا. ويسمّى المعلّمون 318 آباءً (المجمع النيقاويّ الأوّل، سنة 325). والشيطان هو أبو الذين يسمعون له.

لا نقول إنّ الله أبونا بشكل من هذه الأشكال، بل بسبب المعموديّة. فقد وُلدنا من المسيح من المعموديّة. صرنا له إخوة "ولأبيه أبناء"، كما قال داود: "سأبشّر باسمك إخوتي" (مز 22: 23). وقال الكتاب: "أعطاهم سلطانًا أن يُدعوا أبناء الله" (يو 1: 12). وقال: "ندعو أبّا، يا أبانا" (روم 8: 15). المسيح هو ابن أبيه بالطبيعة، أمّا نحن فأبناء بالنعمة. من يليق به أن يدعو الله أباه؟ ذلك الكامل بالأعمال الصالحة يدعو الله "أبانا". فالذي يغرق في الأرجاس والشرور يدعو الشيطان أباه، لأنّه يتمّم إرادته. لماذا علّمنا يسوع أن نقول "أبانا" بطريقة مشتركة، لا أن نقول بطريقة فرديّة وخاصّة: "أبي الذي في السماوات"؟ ليبيّن لنا أنّنا جسد واحد وأنّ أبانا واحد، وأنّ علينا أن نصلّي من أجل كلّ الجسم الأخويّ.

وبكلمة "أبانا" أبطل التعجرف وأظهر أنّ الملوك والفقراء هم متساوون في هذه العائلة الممجّدة. فإن كان أبو جميعنا واحدًا صرنا بالروح جنسًا بشريًّا واحدًا.

"أبانا الذي في السماوات". هذا لا يعني أنّ السماء تسعه. بل على الذي يصلّي أن يسلخ عقله عن الأرض ويرفعه إلى السماء ليطلب ما هو فوق ويهتمّ بما هو فوق. "في السماوات". هو يميَّز عن الآباء الذين على الأرض ويدلّنا على أنّ مسكنه في السماء.

"ليتقدّس اسمك". إن عشنا بالطهارة تقدَّس اسم الله وتمجَّد. هو يقدّس شفاهنا وأفواهنا باسمه لأنّه قدّوس قبل أن ندعوه "قدّوس". "ليتقدّس" أي ليتمجَّد اسمك. فكلمتا قدّوس وقداسة تعودان إلى العبريّة وتعنيان الانفصال. كلّ شيء يتميّز عن الآخر إمّا بالجمال وإمّا بالغنى وإمّا بشيء آخر. تسمّي العبريّة القدّوس فتقول: "القدّيسون والممجّدون في الأرض" (مز 16: 3). "اسمك". يوضع الاسم مكان الله حسب استعمال الكتاب العادي: "سبّحوا اسم قداسته" (أو اسمه القدّوس) (1 أخ 16: 10). وقال الكتاب: "ليعرفوا أنّك وحدك اسمك الربّ" (مز 83: 9).

آ 10: "ليأتِ ملكوتك". أي ليخلّصنا من الشرّ. يقال الملكوت بأشكال متعدّدة كما أشرنا إليه أعلاه. الملكوت هو تكوين العامل الذي فيه سنكون خالدين (لا مائتين). الملكوت هو الزمن الذي بعد قيامة المسيح كما قيل (مت 26: 29؛ مر 14: 25): "لن أشرب من ابنة الكرمة إلى أن أشربها من جديد في الملكوت". الملكوت هو الإنجيل (البشرى). الملكوت هو تأمّل الأمور الروحانيّة (اللاجسدانيّة) كما قيل: "يشبه ملكوت السماء خميرًا (مت 13: 33). الملكوت هو تأمّل الثالوث كما قيل: "لا يأتي الملكوت بالترقّب" (لو 17: 20، 21). وأيضًا: "ملكوت الله في داخلكم". هنا يسمّي الملكوتَ نعمة الروح القدس التي قبلناها في المعموديّة. وتعلّمنا أيضًا عبارة: "ليأتِ ملكوتك" أن نسأل الإيمان الذي يكمن فيه. إذًا، يسمّى الملكوت الإيمان.

"لتكن مشيئتك". يعلّمنا أن نطلب الأعمال الفاضلة والنقيّة. إرضَ عنا لكي نسبّحك نحن الساكنين على الأرض. "كما في السماء كذلك على الأرض". فكما أنت راضٍ عن الملائكة الذين في السماء، هكذا ارضَ عنّا نحن الساكنين على الأرض.

آ 11: "أعطنا خبز حاجتنا، الخبز الضروريّ". يتضمّن الخبز كلّ حاجات الجسد: المأكل، المشرب، الملبس، المنزل. كلّ هذه هي حاجات الجسد. "اليومَ". قال اليوم فدلّ على الزمن الحاضر.

آ 12: "أترك لنا ذنوبنا كما نحن". لقد داوى الغفرانَ بالغفران. فكما إنّنا نحن البشر نترك للبشر ذنوبهم، هكذا يترك لنا الله خطايانا الكثيرة محوِّلاً حبّة القمح إلى جبل، نقطة الماء إلى بحر. غفراننا هو صغير تجاه غفران من يغفر لنا.

آ 13: "لا تُدخلنا في تجربة". لا تحكم بسببنا على الذين يسموننا العذاب. وأيضًا: لا يليق بنا أن نسعى بملء إرادتنا نحو التجارب. الشيطان يثيرها دومًا علينا، فيجب ألاّ نثيرها نحن. "لكن نجّنا من الشرّير". يليق بنا أن نصلّي دومًا لننجو من التجارب التي يثيرها الشرّير علينا.

"لأنّ لك الملك". فإن كان مُلكُه هنا فالشيطان خاضع له، هو لا يقدر أن يعترض أحدًا منّا إلاّ إذا سمح الله له كما سمح له مع أيّوب (أي 1: 12؛ 2: 6) والخنازير (مت 8: 31-32). "والقوّة". القوّة قوّته لأنّه يقدر على كلّ شيء. "والمجد إلى الأبد". كما أنّ ملكوته حصين وقوتّه عظيمة، هكذا يدوم مجده بلا انقطاع إلى الأبد.

بعشر كلمات حدّد الربّ الصلاة على مثال الوصايا العشر والتطويبات العشر. والياء (تساوي عشرة) هي أوّل حرف في اسم يسوع وسر كمال العدد. الكلمات الخمس الأولى تتوجّه إلى النفس، والكلمات الخمس الأخرى تتوجّه إلى الجسد، وهكذا تتنقّى الحواس العشر.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM