فوائد الصلاة

فوائد الصلاة

أظنّ أنّ عددًا من الفوائد تُحفظ لمن يصلّي كما ينبغي وبقدر ما يستطيع. فالذي هيّأ روحه للصلاة، يجعل نفسه في حضرة الله. بهذه التهيئة لكي يصلّي، يستعدّ لأن يكلّمه كما إلى شخص يراه وهو حاضر. فكما أنّ بعض الصور، بعض التذكّرات، قد حرّكتها أشياء فبلبلت أفكار الذي ارتبك روحهم بها، ذلك يكون التفكّر بالله مفيدًا لمن يؤمن فيرى تحرّكات النفس الخفيّة التي تستعدّ لترضي، كما لشاهد حاضر يتفحّص كلّ روح وينظره، إلى ذاك الذي يمتحن القلوب والكلى (مز 7: 10).

ولكن فرضًا، إن كان الذي أعدّ روحه للصلاة ما استفاد أيّة فائدة، لا ينبغي أن نصدّق أنّ هذا ليس بشيء لمن يقيم بورعٍ في زمن الصلاة. كم من الخطايا تمنع مثل هذه العادة، كم من الأعمال الصالحة تجتذب. هذا ما يعرفه عن خبرة أولئك الذين يواصلون عطاء ذاتهم للصلاة. فإن حرّكما تذكّر (وتفكّر) إنسان مشهور معروف بحكمته، للتشبّه به، وأوقف مرارًا ميلنا إلى الشرّ، فكم بالأولى تذكّر الله أبي الكون، الذي ينضمّ إلى الصلاة، يساعد أولئك الذين يقتنعون أنّهم في حضرة الله الذي يراهم ويسمعهم، والذين يتكلّمون إلى الله.

ما قلناه الآن، يجب أن نبيّنه بالكتب المقدّسة. فعلى الذي يصلّي أن يرفع يدين نقيّتين، فيغفر لكلّ واحد ما أساء إليه، ويرذل من نفسه هو الغضب ولا يحتفظ بضغينة لأحد. وعليه في وقت الصلاة، أن ينسى كلّ ما هو خارج الصلاة. فكيف لا يكون سعيدًا في تلك الساعة!

هذا ما يعلّمنا بولس حين يقول في الأولى إلى تيموتاوس: "أريد إذن أن يصلّي الرجال في كلّ مكان، رافعين أيديًا طاهرة من غير غضب ولا خصام" (1 تم 2: 8). والمرأة حين تصلّي يجب أن تكون في زينة النفس والجسد وجمالهما: تخاف الله بشكل خاصّ، تطرد من عقلها كلّ فكر فوضويّ، أنثويّ، تتزيّن لا بالجدائل والذهب والحجارة الكريمة والثياب الفاخرة، بل بما يجب أن تتزيّن امرأةٌ تدلّ على التقوى. أنشكّ بسعادة هذه المرأة التي تستعدّ للصلاة استعدادًا نكتشفه في وقفتها؟

نقرأ في تلك الرسالة عينها. هذه الكلمات من بولس: "وكذلك النساء في ثياب زينة، بحياء ووقار، يتزيّنّ لا بالجدائل والذهب واللآلئ والمعطف الثمين، بل بما يجب أن تتزيّن امرأة تعيش التقوى بالأعمال الصالحة" (1 تم 2: 9-10).

وقال النبيّ داود إنّ القدّيس الذي يصلّي يمتلك صفات أخرى. ومن المفيد أن نورد أقواله لتظهر لنا الفوائد الكبرى التي تقدّمها الوقفة والاستعداد للصلاة وحدهما، للذي يتوجّه نحو الله. يقول: "إليك رفعتُ عينيّ، يا ساكن السماء" (مز 123: 1). ثمّ: "إليك أرفع نفسي، يا إلهي" (مز 25: 1). ترتفع عينا الروح حين لا تتوقّفان عند الخيرات الأرضيّة، ولا تمتلئان صورًا مادّيّة، فتدركان رفعة تحتقر المخلوقات ولا تفكّر إلاّ في الله وحده. حين تسمعه العينان باحترام وانتباه. كيف لا تنال أكبر الفوائد، وممّا تشاهدان وجاهًا مجد العليّ وتتحوّلان إلى هذه الصورة عينها من مجد إلى مجد (2 كور 3: 18)؟ عندئذٍ تنالان انعكاس المعقول الإلهيّ، كما كتب: "نور وجهك، يا ربّ، انطبع فينا" (مز 4: 7). فالنفس التي رُفعت فتبعت الروح وتخلّّصت من الجسد. بل لا تكتفي أن تتبع الروح فتكون فيه. ذاك ما تفسّر الكلمات: "إليك رفعتُ نفسي" (مز 25: 1). كيف لا تترك طبيعة النفس لتُصبح في الروح؟

إن كان نسيان الإساءات هو أكمل الكمالات، بحسب النبيّ إرميا الذي أوجز الشريعة كلّها في هذه الكلمات: "أنا لم أكلّم آباءكم. ولا أمرتهم بأيّة محرقة أو ذبيحة حين أخرجتهم من مصر، بل أن يغفر كلّ واحد لقريبه في قلبه" (إر 7: 22-23). لنغفر قبل أن نصلّي، ولنحفظ وصيّة المخلّص الذي قال: "إذا وقفتم للصلاة اغفروا لمن لكم عليه شيء" (مز 11: 25). من الواضح أنّنا ننال أفضل الخيرات حين نتصرّف هكذا.

ما سبق قيل فرضًا وكأنّ لا شيء تبِع الصلاة سوى الربح الثمين بأن نفهم كيف ينبغي أن نصلّي وبالتالي ماذا نصنع. من الواضح أنّ ذاك الذي يصلّي هكذا، وإذ هو يتكلّم بعد ويشاهد عظمة الذي يستجيبه، يسمع الجواب: ها أنا. هذا يفترض أنّه سبق له وترك كلّ صعوبة تتعلّق بالعناية. هذا ما يدلّ عليه هذا القول: "إذا نزعت من قلبك القيود ورفع اليدين وكلام التذمّر" (أش 58: 9). فالذي يسرّ بما يحصل حرّ من كلّ قيد، ولا يرفع يديه على الله الذي يأمر ما يريد من أجل تكويننا. هو لا يتذمّر سرًّا دون أن يسمعه البشر: فهذا التذكّر هو تذكّر العبيد الأشرار الذين لا يستجيبون جهارًا أوامر أسيادهم. هم يتذمّرون دون أن يجرأوا على رفع الصوت، بل من كلّ نفسهم على ما يحصل، وكأن يريدون أن يُخفوا تذمّرهم عن العناية وربّ الكون.

أرى أنّ هذا ما كُتب في أيّوب: "في كلّ هذا الشقاء، ما خطئ أيّوب بشفتيه أمام الله" (أي 2: 10). وكان قد كُتب قبل المحنة: "في كلّ هذا الشقاء، ما خطئ أيّوب أمام الله". وكُتب أيضًا عن هذا الموضوع في سفر التثنية: "إحذر أن تصعد كلمة خفيّة في قلبك، ظلامة، فتقول: اقتربت السنة السابعة" (تث 15: 9).

إنّ الذي يصلّي هكذا بعد أن نال عددًا من الخيرات، يصبح أكثر أهليّة للاتّحاد بروح الربّ الذي ملأ الأرض كلّها، الذي ملأ العالم والسماء، الذي تكلّم هكذا بالنبيّ. قال الربّ: "أما أملأ السماء والأرض" (إر 23: 21)؟

وبالتنقية التي تحدّثنا عنها، يشارك في صلاة كلمة الله (= الابن) الذي يقف وسط الذين لا يعرفونه ولا يغيب عن صلاة أحد، فيصلّي إلى الآب مع ذاك الذي هو الوسيط، فابن الله هو حبر تقدماتنا والمحامي لدى الآب. يصلّي عن الذين يصلّون. ويرافع عن الذين يرافعون. ولكنّه لا يصلّي، كما لأهل البيت، لأجل الذين لا يصلّوا به دومًا. فلا يكون المحامي لدى الله للذين لا يطيعون أوامره، كما هو بالنسبة إلى أخصّائه: "ينبغي أن تصلّوا دومًا ولا تملّوا" (لو 18: 1). وقد كُتب: "قال مثلاً ليبيّن أنّه ينبغي أن نصلّي دومًا ولا نملّ، كان قاضٍ في مدينة...". وقبل ذلك، قال لهم: "من منكم له صديق ويذهب إليه في نصف الليل ويقول له: يا صديقي، أعرني ثلاثة أرغفة لأنّ لي صديقًا جاءني من سفر ولا خبز عندي أقدّم له" (لو 11: 5-6). وبعد ذلك: "أقول لكم: إن كان لا يقوم ويعطيه لأنّه صديقه، فهو يقوم ويعطيه كلّ ما طلب بسبب لجاجته" (آ 8).

فمن منكم يؤمن بأنّ كلمة يسوع لا تُخطئ، لا يشتعل بهذه الكلمات من أجل صلاة ملحّة: "إسألوا تعطوا" (متّ 7: 7). "من سأل نال" (آ 8). فالأب الصالح يعطي الخبز الحيّ الذي نطلبه، لا الحجر الذي يقدّمه إبليس طعامًا ليسوع ولتلاميذه، الذين ينالون روح التبنّي من الآب. فالآب يمنح العطايا الصالحة فيحضر من السماء على من يسأله (آ 11).

 

المسيح والملائكة يصلّون معنا

لا يصلّي فقط الحبر (= عظيم الكهنة) مع الذين يصلّون في الحقيقة، بل أيضًا الملائكة الذي يفرحون في السماء من أجل خاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًّا لا يحتاجون إلى التوبة (لو 15: 7). وكذلك نفوس القدّيسين الذين ماتوا. فنحن نرى رفائيل يقدّم لله عن طوبيت وسارة ذبيحة عقليّة. وبعد صلاتهما، أضاف الكتاب: "إستجيبت صلاتُكما أمام مجد رفائيل الكبير فأرسل إليكما ليشفيكما" (طو 3: 16-17). ورفائيل نفسه. حين كشف المهمّة التي تلقّاها كملاك بأمر من الله، أعلن: "الآن، حين كنتَ تصلّي، أنت وعروسك سارة، قدّمت ذكرى صلاتكما أمام العليّ" (طو 12: 12). وبعد ذلك: "أنا رفائيل أحد الملائكة السبعة الذين يرفعون صلوات القدّيسين ويسيرون أمام مجد القدّوس" (طو 12: 15). وهكذا حسب كلام رفائيل "الصلاة صالحة، التي يرافقها الصوم والصدقة والبرّ" (طو 12: 8).

وإرميا أيضًا قدِّم في كتاب المكابيّين كمن عُرف بشيخوخته ومجده. كانت شهرته عجيبة وأسمى ما يمكن. مدّ يديه وأعطى يهوذا (المكابيّ) سيفًا من ذهب (2 مك 15: 13). له شهد قدّيسٌ آخر سبق ومات: "هذا إرميا نبيّ الله الذي يصلّي دومًا لأجل الشعب والمدينة المقدّسة" (آ 3).

من العبث ساعة المعرفة تتجلّى في الزمن الحاضر للقدّيسين عبر مرآة وفي لغز، وتنكشف في الحياة المقبلة وجهًا لوجه، أن لا نستعمل القياس في كلام عن سائر الفضائل. فما أعدَّ في هذه الحياة سيتمّ في الأخرى، ورأس كلّ الفضائل بحسب القول الإلهيّ المحبّة تجاه القريب: ينبغي أن تؤمن أنّ القدّيسين الذين سبق وماتوا، يمارسونها تجاه الذين يجاهدون في هذه الحياة، بل تجاه الذين يعيشون في الضعف البشريّ ويجاهدون مع آخرين ضعفاء. "فحين يتألّم عضو، تتألّم معه سائر الأعضاء. وإن تمجّد عضوٌ، ابتهجت معه سائر الأعضاء" (2 كور 12: 26). وهذا ما تُحقّقه المحبّة الأخويّة.

ونستطيع القول أيضًا عن المحبّة التي تمارَس خارج الحياة الحاضرة: "الاهتمام بجميع الكنائس، من يضعفُ ولا أضعفُ أنا؟ من يشتكي ولا أحترق أنا؟" (2 كور 11: 28-29)؛ والمسيح نفسه أعلن أنّه مريض في كلّ من القدّيسين المرضى، وأنّه أيضًا في السجن، وأنّه عريان، وأنّه بلا مأوى، وأنّه جائع وعطشان (مت 25: 35-40). مَن بين الذين قرأوا الإنجيل، يجهل أنّ المسيح يأخذ على عاتقه آلام المؤمنين؟

وإذا كان ملائكة الله الذين اقتربوا من الله، قد خدموه، فلا نظنّ أنّ خدمة الملائكة هذه تجاه يسوع لم تمارَس إلاّ في زمن قصير، ومن عبوره في الجسد وسط البشر، وحين كان بعدُ وسط المؤمنين، لا راكعًا، بل خادمًا (لو 22: 27، 41). كم من الملائكة في خدمة يسوع الذي يريد أن يجمع بني إسرائيل واحدًا واحدًا ويضمّ أهل الشتات "الذي يخلّص أولئك الذين يخافونه ويدعونه؟ إنهم يعملون، حتّى أكثر من الرسل لنموّ اكلنيسة وتكثيرها.

نحن نقرأ في رؤيا يوحنّا أنّ الملائكة هم على رأس الكنائس (رؤ 1: 20). فليس من العبث أن يصعد الملائكة وينزلون على ابن الإنسان (يو 1: 51). فيراهم أصحاب العيون التي استنارت بنور المعرفة.

وفي زمن الصلاة عينه، ينبّههم ذاك الذي يصلّي بما يحتاج إليه فيفعلون ما يقدرون عليه النظر إلى الوصيّة الكونيّة التي نالوها. ينبغي هنا أن نفيد من مقابلة لكي نُفهم فكرنا: طبيب يهمّه البرّ، يجد نفسه قرب مريض صلّى من أجل صحّته. هو يعرف كيف يعالج المرض الذي لأجله صلّى المريض. لا شكّ في أنّه يمضي ويعتني بذاك الذي صلّى، مفترضًا بحقّ إنّ ذاك هو قصد الله الذي استجاب صلاة من طلب أن ينجو من مرضه.

أو: هاك رجلاً يمتلك وفرة من خيرات هذا العالم. وبمحبّة يسمع صلاة فقير وجّه إلى الله تضرّعاته: لا شكّ في أنّ هذا الرجل يستجيب أيضًا صلاة الفقير ليجعل نفسه خادم مشيئة الله الأبويّة، الذي قارب في وقت الصلاة، بين الذي يستطيع أن يُعين والذي يطلب العون، فجعل الأوّل يحسّ بحاجات الثاني.

حين تحصل مِثلُ هذه اللقاءات، لا نستطيع الظنّ أنّها نتيجة الصدف. فالذي أحصى كلّ الشعر في رأس القدّيسين، جمع بتناسق في وقت الصلاة ذاك الذي يؤدّي خدمة إلى ذاك الذي يحتاج خيرًا. وينبغي أيضًا أن نفكّر أنّ الملائكة المعتبرين رقباء الله ومعاونيه، يُوجَدون لدى الإنسان ويشاركون في استجابة صلاته، ثمّ إنّ ملاك كلِّ واحد، حتّى الصغار في الكنيسة، يرى دومًا وجه الآب الذي في السماء (مت 18: 10)، ويشاهد لاهوت الخالق. هو يصلّي معنا، يشاركنا في العمل قدر المستطاع بحسب موضوع صلاتنا.

وأرى قوّة كبيرة في كلمات صلاة القدّيسين، ولا سيّما حين المصلّون يصلّون في الروح والعقل. أقوال تشبه نورًا يخرج من نفس المصلّي. تنطلق من الفم فتشتّت بقدرة الله سمّ العقل الذي ترميه القوى المعادية في وجدان الذين لا يهتمون بأن يصلّوا، بأن يصلّوا ولا يملّوا، في أمر بولس (1 تس 5: 17) الموافق قصد يسوع. تخرج الصلاة مثل سهم، من نفس المصلّي، بالمعرفة أو العقل أو الإيمان. هي تجرح، بل تدمّر وتخرّب الأرواح التي تعارض الله وتريد أن ترمينا في قيود الخطيئة.

بما أنّ أعمال الفضيلة وتتمّة الوصايا جزء من الصلاة، يصلّي ولا يملّ ذاك الذي ضمّ صلاته إلى الأعمال المفروضة وأعمال الصلاة (دا 6: 15). هكذا نستطيع فقط أن نرى تحقيق الصلاة بلا توقّف: هذا يعني أنّ حياة القدّيس كلّها هي صلاة واحدة كبيرة والصلاة بحصر المعنى جزء منها. هذه الصلاة تتمّ أقلّه ثلاث مرّات في النهار. وهذا ما يظهر في مثل دانيال الذي كان يصلّي ثلاث مرّات في النهار حين هدّده الخطر الكبير. وبطرس أيضًا صعد إلى العلّيّة لصلاة الساعة السادسة (= الظهر) فرأى سماطًا معلّقًا في السماء بأطرافه الأربعة (أع 10: 9). هي الثانية بين ثلاث صلوات تحدّث عنها داود قبله: "في الصباح تستجيب صلاتي، في الصباح أقف أمامك وأرى" (مز 5: 4). ويدلّ على الصلاة الثالثة القولُ التالي: "رفع يديّ ذبيحةُ المساء" (مز 140: 2). ولا نقضي زمن الليل، كما يليق، بدون هذه الصلاة، لأنّ داود قال: "في وسط الليل، نهضتُ لأمتدح أحكام برّك" (مز 119: 62). وروى أعمال الرسل عن بولس: "في وسط الليل كان يصلّي ويمدح الله مع سيلا، في فيلبّي، بحيث سمعهما السجناء" (أع 16: 25).

 

الصلوات المستجابة

إذا كان يسوع يصلّي، ولا يصلّي باطلاً، لأنّه نال ما طلب بالصلاة، وما كان ليناله، ربّما، بدون صلاة، فمن منّا يُهمل الصلاة؟ قال مر 1: 35: "وقام قبل طلوع الفجر، فخرج وذهب إلى مكان مقفر، وأخذ يصلّي هناك". ولو 11: 1: "وكان يصلّي في أحد الأماكن، فلمّا أتمّ الصلاة، قال له واحد من تلاميذه". وفي موضع آخر: "وفي تلك الأيّام، صعد إلى الجبل ليصلّي، فقضى الليل كلّه في الصلاة لله" (لو 6: 12). وصوّر يوحنّا صلاته قائلاً: "هذا ما قال يسوع. رفع عينيه إلى السماء وأضاف: "يا أبي، أتت الساعة، مجِّد ابنك ليمجّدك ابنك" (يو 17: 1). وقال: "أعرف أنّك تستجيبني دائمًا" (يو 11: 12). تلك صلاة الربّ، وهي تُرينا أنّ الذي يُصلّي دومًا يستجاب دومًا.

هل من الضروريّ أن نذكر أولئك الذين صلّوا كما ينبغي، فنالوا من الله أكبر النعم؟ يستطيع كلّ واحد أن يستخرج بنفسه من الكتب المقدّسة الأمثلة العديدة. حنّة (أمّ صموئيل) نالت ولادة صموئيل، الذي حُسب مع موسى. ما كان لها أولاد، فصلّت إلى الربّ بإيمان (1 صم 1: 9). وحزقيّا الذي لم يكن له أولاد، وعلم من أشعيا أنّه يموت، صلّى فأُدخل في سلالة المخلّص (أش 38: 1).

قرار واحد حرّكته مؤامرة هامان، كاد يسبِّب هلاك الشعب. واستجيبت صلاة مردخاي وأستير وصومهما. وهكذا أضيف عيد الفرح لدى مردخاي في الشعب (أس 3: 6-7)، إلى أعياد موسى العاديّة. ويهوديت وجّهت إلى الله صلاة مقدّسة، فغلبت أليقانا، مع الله، ووحدها بين العبرانيّين، أخزت بيت نبوخذنصّر (يه 13: 4-9). حنانيا وعزريا وميشائيل استجيبوا، واستحقّوا نفخة ريح وندى، فما تُرك لهيب النار يعمل عمله (دا 3: 24). في جبّ بابل، أغلقت فم الأسود صلوات دانيال (دا 6: 18). يونان الذي ما يئس حين كان في بطن الحوت الذي ابتلعه، استُجيب فخرج واستطاع أن يكمل المهمّة النبويّة لدى أهل نينوى (يون 2: 3-4).

وكم من المدائح ينبغي على كلّ واحد منّا أن يُصعد إلى الله، حين يتذكّر، بعرفان الجميل، الحسنات التي نالها؟ فنفوس لبثت طويلاً بدون نسل، وعت عُقم ذهنها ولا خصب عقلها. وبفضل صلاة حارّة، أولد فيها الروح القدس كلمات خلاص مملوءة، بتعاليم الحقّ. وساعة ينبغي لنا أن نقاتل ربوات الخصوم اللا منظورين، الذين يسعون لتحييدنا عن الإيمان الإلهيّ. كم كان عدد أولئك الذين خذلناهم؟ بعضهم جعلوا ثقتهم في الخيل، وآخرون في المركبات. أمّا نحن فندعو اسم الربّ (مز 20: 8). ونرى أنّها صادقة الكلمة: الخيل كاذبة للخلاص (مز 33: 17).

رئيس الأعداء الذين يقنعون بخطبهم الكاذبة فيرجِّفون عددًا كبيرًا من المؤمنين المزعومين، هذا الرئيس يصبح ضعيفًا أمام من يثق بمديح الله. يهوديت تعني المديح. فكم كانوا أولئك الذين سقطوا في تجارب صعبة، لا تقاوَم، وآكلة كاللهيب، ما تألّموا، بل عبروها بدون جرح واحد، وما أزعجتهم رائحة نار عدوّة؟ وماذا نقول أيضًا؟ كم من الحيوانات المفترسة هجمت علينا، فكبحنا بصلواتنا الأرواح الشرّيرة والناس الأشرار، بحيث ما استطاعوا أن يقرّبوا أنيابهم من أعضائنا التي صارب أعضاء المسيح؟ فالربّ مرارًا، ومن أجل القدّيسين، حطم فكَّ الأسود فصارت ضعيفة كالمياه الجارية (مز 58: 7-8). ونعرف أيضًا أناسًا تهرّبوا من فرائض الله وقُهروا أوّلاً فابتلعهم الموت في شكل من الأشكال. ثمّ نجّتهم التوبةُ من مثل هذا الشرّ لأنّهم ما يئسوا من الخلاص، مع أنّهم دُفنوا في بطن الموت: "ابتلعهم الموتُ القدير، الله أزال كلّ دمعة من كلّ وجه" (أش 25: 8).

ذاك هو الضروريّ، كما يبدو لي، بعد أن أوردتُُ لائحة بفوائد الصلاة، لأميل بالذين يرغبون الحياة الروحيّة في المسيح. أن يطلبوا خيرات محتقرة وأرضيّة، ولأوجّه قارئي هذا الكتاب نحو الخيرات الروحيّة التي أعطيتُ عنها أمثلة. فكلّ صلاة موضوعُها الخيرات الروحيّة والصوفيّة، كما قلنا، تتمّ لدى الذي لا يقاتل بحسب اللحم (والدم)، بحسب البشريّ، بل يُميتُ روح أعمال الجسد (روم 8: 2). والذي يكتشف المعنى الذي يرفعنا من الحرف إلى الروح، يمرّ قبل الذين يبدو وكأنّه نال خيراتٍ بحسب الحرف.

يجب علينا التمرّس لئلاّ نكون عقماء، فنسمع مثل الروحيّين، الشريعة الروحيّة. هكذا لا نعود عقماء ونُستجاب مثل حنّى ومثل حزقيّا. لننجو من الأعداء الروحيّين والأشرار الذين ينصبون لنا الفخاخ. مثل مردخاي وأستير ويهوديت. وبما أنّ مصر هي أتون النار، ورمز كلِّ موضع أرضيّ، فجميع الذين يهربون من شرّ حياة البشر، الذين ما ألهبتهم الخطيئة، الذين ما امتلأ قلبُهم بنار اللهيب، ينبغي عليهم أن يشكروا مثل الذين أحسّوا بالندى في قلب النار.

ومن استُجيب وهو يصلّي هكذا: "لا تسلّم نفسي المعترفة لك، للحيوانات المفترسة" (مز 74: 19). وما تألّم من الحيّات والأفاعي بعد أن نال نعمة المسيح فداسهم بقدميه. وسحق الأسد والتنّين. ذاك الذي استعمل سلطة يسوع السامية فمشى على الحيّات والعقارب وكلّ قوّة العدوّ (لو 10: 19). وما أصابته لسعاتها. عليه أن يشكر أكثر من دانيال الذي نجا من وحوش أكثر هولاً وأكثر ضررًا. وكذلك الذي فهم إلى أيّ حيوان يرمز الوحش الذي ابتلع يونان وفهم كلام أيّوب: "ليلعنه ذاك الذي يلعن هذا النهار، ذاك الذي يضع يده على الوحش الكبير" (أي 3: 9). فإن عصى وكان مرّة في بطن الوحش، ليتُبْ ويصلِّ فينجو. وإذ يخرج من هناك، يتعلّم ولأمانة بعد ذلك فأضاع وصايا الله، استطاع بحسب عطايا الروح، أن يتنبأ، حتّى اليوم، لأهل نينوى الضالّين. فيكون لهم مناسبة خلاص. هذا، لا سمح الله، إن كان لا يتعب في حمل حنان الله ويرغب في أن يمنع التائبين.

المعجزة الكبرى التي أتمّها صموئيل بصلاته، كما يقول الكتاب، يستطيع حقًّا كلُّ الأمناء بالله أن يُتمّوها لأنّهم أهلٌ لأن يُستجابوا. فقد كُتب: "الآن قفوا وانظروا هذا الأمر العظيم الذي صنعه الله أمام عيونكم. أما هو اليوم فصار الحنطة؟ أدعو الربّ فيُسمع صوته ويُنزل المطر" (1 صم 12: 16-17). وبعد ذلك، قال الكتاب: "دعا صموئيل الربّ فأسمع الربّ صوته وأنزل المطر في ذلك اليوم" (آ 18).

ولقد قال الربّ لجميع القدّيسين ولجميع تلاميذ الربّ الحقيقيّين: "إرفعوا عيونكم وانظروا الحقول التي ابيضّت للحصاد. فالحصاد ينال أجره ويقطف الثمر للحياة الأبديّة" (يو 4: 35-36). في زمن الحصاد هذا، صنع الله معجزة عظيمة في نظر الذين يسمعون الأنبياء. والذي تزيّن بالروح القدس ودعا الربّ، يسمعه الله من السماء صوته ويمنحه مطرًا ينهي عطش النفس. وهكذا، من كان في الشرّ يخاف الله الحيّ وخادم حسنات الله الذين ينكشف معبودًا وقدّوسًا في الصلاة. وإيليّا أيضًا فتح، بعد ذلك الوقت، بكلمة الله، السماء التي أغلقت في وجه الأشرار، ثلاث سنوات وستّة أشهر. هذا ما يصنعه دومًا ذاك الذي ينال، بالصلاة، مطر النفس الذي حرمته منه الخطيئة.

 

ماذا نطلب؟

بعد أن عرضنا هكذا الخيرات التي أعطيَت للقدّيسين بفعل الصلاة، نتأمّل هذا الكلام: "أطلبوا الأشياء الكبيرة، والصغيرة تُعطى لكم زيادة. أطلبوا خيرات السماء فتُعطى لهم خيرات الأرض" (كلام ليسوع لم يُكتب في الأناجيل). فكلّ الخيرات الرمزيّة والصوريّة هي صغيرة وأرضيّة، إن قابلناها بالخيرات الحقيقيّة، الروحيّة. والكلمة الإلهيّ يحثّنا لنقتدي بالقدّيسين في صلواتهم، فنطلب في الحقيقة ما نالوا في الصورة. فيذكّرنا أنّ الخيرات السماويّة العظيمة تدلُّ عليها الأشياء الصغيرة والأرضيّة. فكأنّه يقول: أنتم الذين تريدون أن تكونوا روحيّين، أطلبوا في صلواتكم، الخيرات السماويّة، العميمة. وحين تسألونها كسماويّة، ترثون ملكوت السماوات وحين تسألونها كعظيمة تنعمون بأعظم الخيرات. والخيرات الأرضيّة والصغيرة التي تحتاجون إليها بسبب ضرورات الجسد، يمنحكم الله إيّاها زيادة، بقدر حاجتكم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM