القسم السادس يسوع المسيح ابن الله مع القديس مرقس يوم في كفرناحوم
 

يوم في كفرناحوم
1: 21- 45

وجاؤوا إلى كفرناحوم، فدخل المجمع وأخذ يعلّم.
نحن أمام يوم نموذجي قضاه يسوع في كفرناحوم. ومن هنا سينطلق إلى الجليل كلّه. ماذا نجد في هذا الفصل؟
- يسوع يعلن الإنجيل في الجليل. نداء الصيادين الأربعة.
- يسوع يظهر سلطته في مجمع كفرناحوم.
- شفاء حماة سمعان، أشفية بعد السبت، يسوع يخرج من كفرناحوم.
- شفاء أبرص.
بعد مقدّمة قصيرة تنقلنا من يوحنا المعمدان (وعماد الماء) إلى يسوع الذي يعمّد في الروح القدس، يقدّا لنا هذا المقطع جوهر ما أعلنه يسوع من تعليم: على ضوء هذا الإعلان سنفهم كل أعماله وكل أقواله.
نجد كلاماً عن إنجيل الله (آ 14) عن ملكوت الله القريب (آ 15). ما معنى هذا؟ لا يعرض علينا مرقس جواباً مجرّداً أو تحديداً دقيقاً. بل يقدّم لنا أفضل من هذا. يبيّن لنا نشاط ملكوت الله في أعمال يقوم بها يسوع. وسلطة يسوع تدهش حقاً، وقد جاءت لتحارب الشرّ بكل أشكاله: الأرواح الشريرة (حرفياً: النجسة)، الحمّى، كل الأمراض، وأخيراً البرص الذي يجعل الإنسان نجساً فيطرده من الجماعة. وسنرى حالاً في الأشفية التي يجترحها يسوع، أن الله يحارب قوى الشر ويعيدها إلى الوراء في موضع إقامتها.
نتوقّف هنا على الفاعل، على الإطار المكاني، على الإطار الزماني.

1- الفاعل
حين يأتي يسوع ويبدأ بالكلام فهو محاط بتلاميذه الأربعة، وإن لم يُعطَ بعد لقبُ التلاميذ إلى الرفاق الأربعة: إنهم صيادون أربعة، صيادو سمك، وهم مدعوون ليصيروا صيادي بشر (آ 17). أما أسماؤهم فمعروفة: سمعان (يُذكر اسمه خمس مرات. سيصير اسمه بطرس في 3: 16 وسيُذكر في 16: 7) وأندراوس ويعقوب ويوحنا.
يتوجّه يسوع إلى الناس في تعليمه، ولكن مرقس لا يحدّد مضمون هذا التعليم، بل يتوّقف على تأثيره على الناس، وسيعطينا مثلين. الأول، رجل يعذبه روح نجس (شرير). الثاني، إمرأة تلازم السرير بسبب الحمّى. وبعد هذا يوسّع مرقس الحلقة: "وعند المساء، بعد غروب الشمس، حمل الناس إليه جميع المرضى والذين فيهم شياطين. وتجمّع أهل المدينة كلها على الباب" (آ 32- 33). وأخيراً، غداة ذلك اليوم، ذهب يسوع إلى القرى المجاورة ليوسّع تبشيره وعمله. حينئذ جاءه أبرص يتوسّل إليه لكي يطهرّه.

2- الإطار المكاني
يُذكر الجليل أربع مرات (آ 14، 16، 28، 39). ولا ننسى أن يسوع هو من الجليل (1: 9). وسيضيق المكان ويتحدّد: على شاطئ بحر الجليل حيث يدعو يسوع الصيّادين الأربعة (آ 21؛ 2: 1). في المجمع وهو مكان عام للصلاة، في بيت سمعان واندراوس وهو مكان خاص. ويحدّثنا الخبر بعد ذلك عن "الباب" (آ 33؛ 2: 2) الذي عنده تجتمع المدينة كلها.
ونلاحظ من جديد إنفتاح الخبر: ترك يسوع كفرناحوم ليصلّي "في مكان مقفر" (آ 35). طلبه رفاته الأربعة رهم فرحون بالنجاح. ولكن يسوع انطلق إلي مكان آخر، إلى القرى المجاورة (آ 38)، ثم طاف في كل الجليل (آ 39). بعد حادثة الأبرص، يلاحظ النص: "تعذّر على يسوع أن يدخل علانية إلى أية مدينة، فأجبر على تجنّب الأماكن الآهلة" (آ 45).

3- الإطار الزماني
متّى دعا يسوع رفاقه الأربعة؟ حين كان يمشي على شاطئ البحيرة (آ 16). ولكن يوم كفرناحوم سيكون "يوم السبت" (آ 21)، يوم العبادة في المجمع. وبعد هذا، كان الغداء في بيت سمعان، وقد خدمتهم حماته التي شفاها يسوع.
بعد هذا يقول النص: "وعند المساء، بعد غروب الشمس". لقد انتهى يوم السبت وعاد النشاط إلى المدينة. حينئذ حملوا إليه المرضى والممسوسين (مسّهم الشيطان). وفي فجر اليوم التالي (آ 35)، انطلق يسوع من جديد ليذهب إلى أبعد. إنه يوم أول في أسبوع جديد ينطبع بآية مسيحانية معبرّة هي شفاء المخلّع.
في هذا الإطار الذي ذكرناه، يجيء يسوع. ومجيئه يبدّل الأمور بل يقلبها رأساً على عقب. يستعمل مرقس أفعال تحرُّك: جاء، إقترب، مرّ، قام، انطلق، ذهب... وهكذا نرى يسوع شخصاً يتحرّك دوماً. يفعل هنا، ثم ينطلق إلى مكان آخر تحرقه نار التعليم الذي يعلنه. هذا نهار أعمال قام بها فأثرّ على الناس، لا نهار أقوال وخطب.
ماذا يريد مرقس أن يعلّمنا في هذا النهار النموذجي؟ يقول لنا كيف جرت الأمور في البداية، ساعة جاء يسوع إلى الجليل ودعا تلاميذه الأولين. ولكن ما صنعه يسوع مرة سيصنعه مرات. وما صنعه في كفرناحوم سيصنعه في الجليل كله. شفى يسوع الممسوس لا المجمع، وحماة بطرس في البيت. ولكن هذين الشفاءين يدلاّن على سائر الأشفية التي صنعها والتي مازال يصنعها في الجماعة الكنسيّة.
ما زال يسوع يأتي ليشفينا، وتد لا يكون شفاء الجسد هو الأهم! كيف نذهب إليه؟

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM