تقديم

 

تقديم

حين يريد الشارح أن يورد سيرة بولس فهو يجمع ما يجده في سفر الأعمال مع ما يجده في الرسائل البولسيَّة، هذا إذا كان لا يضيف شيئًا من التقليد وربَّما من الأسفار المنحولة. فالتقليد يبقى »محترمًا« لأنَّه يُرضي فضولنا بعض الشيء. ماذا فعل بولس بعد أن وصل إلى رومة وأقام هناك سنتين؟ (أع 28: 30). هل حاكمه »القيصر« أم تُرك بدون محاكمة وأُهمل كما كان الكثيرون يُهمَلون؟ لاسيَّما وأنَّ اليهود لم يمضوا إلى رومة ولا هم كتبوا في شأن بولس (أع 28: 21). هل مضى إلى إسبانية كما خطَّط في الرسالة إلى رومة (16: 24) حيث ينتقل مركز القيادة الرسوليَّة من أنطاكية إلى عاصمة الإمبراطوريَّة؟ هل عاد وزار الكنائس قبل أن يُقبَض عليه مرَّة ثانية؟ هي أسئلة وجدت جوابًا في ما رُوِيَ من أخبار عن رسول الأمم. وفي النهاية قيل لنا إنَّه مات بعد أن قُطع رأسُه عند »العيون الثلاثة«، جنوب رومة، ودُفن على طريق أوستيا حيث ترتفع اليوم بازيليك القدّيس بولس خارج الأسوار. وكرِّم بولس أيضًا في القرن الثالث على طريق أبيّا وربَّما نُقل بعض رفاته. وتأتي الأسفار المنحولة ولاسيَّما أعمال بولس 'التي دُوِّنت في القرن الثاني وتحدَّثت عن استشهاد الرسول.

وتبقى الأسفار القانونيَّة، أي سفر الأعمال والرسائل البولسيَّة. لا نستطيع أن نتحدَّث فيها عن »سيرة« بولس كما نقرأ سيرة الإسكندر المقدونيّ أو يوليوس قيصر أو بومبيوس الرومانيّ. فما كتبه القدّيس لوقا في أعمال الرسل في الدرجة الأولى شهادة عن الكلمة التي انطلقت من أورشليم ومرَّت في أنطاكية قبل أن تصل إلى رومة. ومن حملها ومدَّها الامتداد الكبير في العالم الوثنيّ؟ بولس الرسول، الذي دُعي بحقٍّ رسول الأمم (الوثنيَّة). لا شكَّ في أنَّه لم يكن وحده بل عمل مع فريق رسوليّ كان هو روحه وقلبه.

وكما نقول عن أعمال الرسل نقول عن الرسائل. بعض المرّات أُجبر بولس على الكلام عن نفسه، حين »هاجمته« هذه الجماعة أو تلك. في الرسالة إلى فيلبّي مثلاً قال: »أنا مختون في اليوم الثامن لمولدي، وأنا من بني إسرائيل، من عشيرة بنيامين، عبرانيّ من العبرانيّين. أمّا في الشريعة فأنا فرّيسيّ، وفي الغيرة فأنا مضطهِد الكنيسة«: (فل 3: 5-6). وفي الرسالة إلى غلاطية حدَّثنا عن بداية رسالته حيث شقَّ الطريق إلى الأمم بالرغم من الصعوبات التي تُوضَع على رقاب الذين ما عرفوا الختان اليهوديّ. قال لبطرس: »إذا كنتَ أنت اليهوديّ تعيش كغير اليهود (= كالأمم الوثنيَّة) لا كاليهود، فكيف تُلزم غير اليهود أن يعيشوا كاليهود؟« (غل 2: 14). وأفهمنا بولس في الرسالة عينها أنَّه بعد اهتدائه إلى المسيح، على طريق دمشق، لبث ثلاث سنوات (1: 18) في بلاد العرب (آ17) أي حوران في سورية وشرقيّ نهر الأردنّ، وهناك تعلَّم من الجماعات عن يسوع وحياته وأعماله.

ولكن مسافة طويلة كانت بين الرسائل وأعمال الرسل. فبين الرسالة إلى رومة التي دوِّنت سنة 57-58 وأعمال الرسل التي دوِّنت حوالي سنة 85 تقريبًا، مرَّت قرابة ثلاثين سنة. لهذا اعتاد الدارسون أن يتحدَّثوا عن بولس الرسول كما في الرسائل أو كما في سفر الأعمال. أمّا كتابنا هذا فاهتمَّ بشكل خاصّ بسفر الأعمال، قرأه منذ الفصل التاسع، بل قبل ذلك مع موت اسطفانس في الفصل السابع حيث كان شاول (بولس) شاهدًا على رجم أوَّل شهيد في المسيحيَّة. وتواصلت قراءتنا حتّى نهاية سفر الأعمال مع إضاءة من هنا وهناك على ذلك الذي كان أكبر شخصيَّة في تاريخ المسيحيَّة، فكانت »حياته« حتّى اليوم مرآة ينظر فيها كلُّ مؤمن ويطرح على نفسه: هل أنا حقٌّا رسول المسيح أم أنّي »أبشِّر« بنفسي وأحاول أن أُرضي الناس؟ أمّا بولس فقال بكلِّ افتخار: »أمّا أنا فعبد يسوع المسيح«.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM