الفصل الخامس عشر: رسائل القدّيس يوحنا

الفصل الخامس عشر
رسائل القدّيس يوحنا

قال القدّيس أغوسطينس: أَحْبِبْ وافعل ما تشاء. هذه الكلمات خرجت من شفتي هذا القدّيس في أسبوع الفصح من سنة 407 حين كان يشرح للمعمّدين الجدد رسالة القدّيس يوحنّا الأولى. كان همّه كهمّ القدّيس يوحنّا: المحافظة على وحدة الإيمان في جماعة تهزّها الهرطقات والبدع.
ونحن اليوم أيضاً نحتاج إلى قراءة رسائل القدّيس يوحنّا ليصل إلينا منها قوّة الإيمان بالمسيح الذي جاء في الجسد، ومتطلّبات المحبّة الحقيقيّة التي هي عاطفة إيمانيّة لا تفصل القريب عن الله.
ترك لنا القدّيس يوحنّا ثلاث رسائل سنحاول أن نكتشفها. فالرسالة الثالثة هي بطاقة وجّهها الشيخ إلى شخص محدّد هو غايوس فذكر خلافًا بين أشخاص أخطأ أحدهم في مسألة الضيافة. والرسالة الثانية يوجّهها الشيخ نفسه إلى جماعة كنسيّة يلقّبها بالسيّدة المصطفاة، ويحذّرها من خصم يحاول أن يُغْوِيَها فيبدو كالمسيح الدجّال بالنسبة إليها. أمّا الرسالة الأولى فلا تبدو بشكل رسالة بل بشكل جدال منظّم ضدّ الذين يعارضون تعليم كاتب الرسالة.
نحن أمام جماعات تعيش أيّامًا متأزّمة وقد حاولت كلّ منها أن تفسّر إنجيل يوحنّا على هواها. سنعود إلى نقاط الخلاف ونفهم هَمَّ الرسالة الأولى التي تحدّد العناصر الأساسيّة للإيمان المسيحيّ.

أ- مَن هو يوحنّا؟
هو أخو يعقوب. كان من الجليل ومن بيت صيدا مثل بطرس وفيلبّس وأندراوس (يو 1: 44). اسم أبيه زبدى وكان صيّادًا ميسورًا لأن له اجراء يعملون معه (مر 1: 20). اسم أمّه سالومة (ق مت 27: 55- 56 ومر 15: 40) التي كانت على ما يبدو أخت مريم العذراء (هناك أربع نساء لا ثلاث في يو 19: 25)، وهذا ما يفهمنا طلبها ليسوع من أجل ابنيها (مت 20: 20 ي) وحضورها على الجلجلة (مت 27: 56؛ مر 15: 40)، وتسليم يسوع المائت أمّه ليوحنّا (يو 19: 25 ي) الذي يكون في هذه الحالة ابن خالته.
تشير أعمال الرسل إلى أنّ يوحنّا لم يتعلّم لدى الرابّانيّين، فقد كان مثل بطرس أمّيًّا ولا علم عنده (أع 4: 13). غير أنّه كان تلميذ يوحنّا المعمدان وانتقل من عنده إلى يسوع (يو 1 :35- 41).
لعب يوحنّا دورًا هامًّا في الإنجيل فكان مع يعقوب أخيه وبطرس أحد الثلاثة القريبين من يسوع. شهد قيامة ابنة يائيرس (مر 5: 37؛ لو 8: 51)، وكان حاضرًا وقت التجلّي على الجبل (مر 2:9) ووقت النزاع في الجسمانيّة (مر 14: 33). هو التلميذ الذي كان يسوع يحبّه وقد أرسله الربّ مع بطرس ليهيّئ وليمة العشاء السرّي (لو 22: 8). هو التلميذ الآخر (يو 18: 15) الذي كلّم البوّابة وأدخل بطرس إلى دار رئيس الكهنة، وهو الذي ركض مع بطرس إلى القبر ليتحقّق من أقوال مريم المجدليّة (يو 20: 2- 10). عرف المسيح القائم من الموت على شاطئ البحيرة (يو 21: 7) وأنبأ يسوعُ ما سيصير إليه هو وبطرس (يو 21: 18- 23).
كانت العلاقات حميمة بين بطرسَ ويوحنّا. كانا معًا لمّا شفى بطرس المقعد في الهيكل (أع 3: 1- 11) ووقفا معًا أمام مجلس الكهنة (أع 4: 13- 19). ذهب مع بطرس إلى السامرة بناء على طلب الرسل (أع 8: 14) لأنّه كان يُحْسَبُ مع يعقوب وبطرس من عُمُدِ الكنيسة (غل 2: 9).
هذا ما يقول العهد الجديد عن يوحنّا، فماذا يقول التقليد المسيحيّ؟ جاء إلى أفسس بعد أن بشّرها بولس، وذلك بشهادة إيريناوس (القرن الثاني) وأوسابيوس (القرن الرابع). نُفِيَ إلى جزيرة بطمس في عهد دوميسيانس فكتب هناك سفر الرؤيا. يُروى عنه في نهاية حياته أَنَّهُ كان يُحْمَلُ إلى جماعة المؤمنين فيردّد عليهم هذه الكلمات: "أحبّوا بعضكم بعضاً. هذه هي وصيّة الربّ فإن حفظتموها يكفي".
هناك قول يعتبر أنّ يوحنّا مات مع أخيه يعقوب سنة 44 في عهد هيرودس أغريبا (رج مر 10: 35- 40). ولكنّ هذا القولَ مردودٌ. وهناك من يميّز بين يوحنّا الرسول ويوحنّا الشيخ. ولكن يبدو أنّ الاثنينِ شخصٌ واحد.

ب- الرسالة الثانية
تبدو 2 يو بشكل رسالة فنتعرّف فيها إلى العنوان: من الشيخ إلى السيّدة المصطفاة (آ 1- 3)، وإلى جسم الرسالة (آ 4- 11)، وإلى السلامات والخاتمة (آ 12- 13).
ونبدأ بالعنوان (آ 1- 3) المؤلّف من قسمين: اسم الكاتب والأشخاص الذين كتب إليهم والإشارة إلى المستوى الذي فيه يتمّ الاتّصال.
الكاتب يسمّي نفسه الشيخ، وهذا يدلّ على شخص يتمتّع ببعض السلطة: يحقّ له أن يكتب إلى الجماعة، أن يدليَ بِرَأْيِهِ حيال موقفِ هذا أو ذاك، أن يذكّر المؤمنين بالوصيّة. سلطته حكمة ونصح وتنبيه. وهو عضو في جماعة المسيحيّين من الجيل الثاني. سمّاه أحد النقّاد: تلميذ تلاميذ المسيح. أمّا سلطته فتنبع من التقليد الذي تسلّمه والذي ما زال يسلّمه إلى الآخرين. وثقته بنفسه ترتبط بهذا التقليد.
كتب إلى "السيّدة المصطفاة" فدلّ بذلك على إحدى الكنائس الشقيقة (آ 13) التي ترتبط بيوحنّا. "والأبناء" هم المسيحيّون أعضاء هذه الجماعة الذين إليهم تتوجّه الرسالة.
أمّا المستوى الذي فيه يتمّ الاتصال فهو المحبّة والحقّ. قال: "الذين أحبّهم في الحقّ" (آ 1). وأنهى العنوان: "في الحقّ والمحبّة" (آ 3). وسيتكلّم فيما بعد عن "سبل الحقّ" (آ 4) "وسبل المحبّة" (آ 6). هذا الكلام اليوحنّاويّ يشدّد على أنّ الحقّ والمحبّة يعبّران عن الموقف الصحيح تجاه الله والإخوة: المحبّة تنفي الكذب، وإذا وُجد الحقّ وجدت المحبّة بالضرورة. ثمّ يورد النصّ ثلاثًا: النعمة والرحمة والسلام.
وندخل في جسم الرسالة (آ 4- 11) فنتوقّف على ثلاثة مقاطع: نسلك في الحقّ والمحبّة، نعترف بيسوع المسيح الذي جاء في الجسد، نقيم على التعليم.
نسلك في الحقّ (آ 4)، نسلك حسب الوصايا (آ 6)، نسلك في المحبّة أوفي الوصية (آ 6). ويفرح الكاتب (آ 4) لأنّ المضِلِّين لم ينجحوا في جرّ الجماعة كلّها إلى ضلالهم وكذبهم، لأنّ بعضاً ما زالوا يسلكون في الحقّ أو حسب الوصيّة. أمّا الوصيّة فهي قديمة وقد تقبّلناها منذ البدء، هي وصيّة المحبّة، "وما الحبّ إلاّ السير على طريق وصاياه".
وتشدّد آ 7 على أنّ السلوك بالحقّ يفترض الإعتراف بأنّ يسوع جاء في الجسد. إنّ حبّ الإخوة يرتبط بسرّ المسيح والرباط هو يسوع المسيح الذي جاء في الجسد. أجاب المسيح على حبّ الآب للبشر حين صار إنسانًا، ولا يكون جوابنا صحيحًا إلاّ إذا جسّدنا حبّ الله في أقوالنا وليتورجيّتنا واعترافنا وأعمالنا.
يتحدّث النصّ عن المسيح الدجّال "أنتيكريست" الذي هو ضدّ المسيح، الذي يريد أن يحلّ محلّ المسيح. لا نجد هذه الكلمة إلاّ هنا وفي 1 يو 2: 18، 22؛ 4: 3. إن حالة الجماعة الآن تتأثّر بالمضِلِّين الذين يعارضون المسيح فاحذروهم.
نقيم على التعليم ونحمل التعليم. هذا التعليم أعطانا إيّاه المسيح وذكّرنا به الروح القدس وعمّقه فينا. وتعليم المسيح هو المسيح بالذات. قال يو 16: 14: "يأخذ ممّا لي ويشرككم فيه". غير أنّ هناك من يجاوز حدّه فينتشر في العالم ويسلك طريق تعليم المضِلِّين. فلا يجب أن نستقبلَ مثل هؤلاء أو نستضيفَهم لأنّ هذا يعني مشاركتهم في تعليمهم وفي أعمالهم الشريرة. فالمشاركة بعضنا مع بعض تفرض علينا أن نرذل الظلمة فلا نتنجّس بروح الضلال.
ونصل إلى خاتمة الرسالة (آ 12- 13) التي تشبه 3 يو 13- 14 ويو 20: 30؛ 21: 25. يعلن الكاتب أنه سيزور الجماعة "ليكون فرحنا تامًّا". يرغب في أن يلتقيّ جماعة أمينة للتعليم الذي تسلّمته. فالهرطقة تهدّد كنائس الله.

ج- الرسالة الثالثة
الرسالة الثالثة ليوحنّا هي أقصر سفر في العهد الجديد، ولكنّها تعطينا الشيء الكثير عن الجماعات اليوحنّاويّة وعن الصعوبات التي واجهها الوعّاظ الأوّلون. ويوقفنا فيها ثلاثة أشخاص: غايوس الذي دلّ على أنه يسلك في الحقّ (آ 3- 5) فشجّعه الكاتب في هذا السبيل (آ 11). ديوتريفس الذي يتميّز بموقف متكبّر وأحاديث خبيثة ورفض لقبول الإخوة (آ 9- 10). ديمتريوس الذي شهد له الجميع والشيخ نفسه. أنه المثال الذي يجب أن يُحتذى به.
عنوان الرسالة (آ 1- 4) يدلّنا على المرسِل: الشيخ، وعلى مُستَلِمِ الرسالة: غايوس أحد أعضاء الجماعة اليوحنّاويّة الذي يلقى المديح لما صنع والتشجيع على المتابعة والدعوة لتمييز موقف ديوتريفس السلبيّ. إنّ غايوس العضو الأمين، يسلك في الحقّ وهو متّحد بكاتب الرسالة.
ويتوقّف جسم الرسالة (آ 5- 12) عند موقف غايوس الإيجابيّ (آ 5- 8)، وتصرّف ديوتريفس السلبيّ (آ 9- 10) والمثال الذي يتبعه ديمتريوس الذي يقول: "من يعمل الخير فهو من الله ومن يعمل الشرّ لم ير الله" (آ 11- 12).
انطلق بعض الإخوة المتجوّلين ليعلنوا اسم المسيح فاستضافهم غايوس. عادوا فشهدوا أمام الكنيسة عن الاستقبال الذي لَقُوْهُ. فكتب الشيخ إلى غايوس. انتظَر هؤلاء الإخوةُ أن يَلْقَوُا الضيافةَ لدى ديوتريفس ولكنّه لم يقبلهم ومنع الذين يريدون أن يقبلوهم وطردهم من الكنيسة. كانوا غرباء بالنسبة إلى غايوس فصاروا أقرباء، وكانوا إخوة لديوتريفس فعاملهم كغرباء. وينطلق الكاتب من هذه الواقعة ليدعو الجماعة إلى قبول الإخوة الذين توفدهم الجماعة.
ويشجب الكاتب موقف ديوتريفس لسببين: يحبّ أن يكون الأوّل وسط الكنيسة المحلّية. هو صاحب سلطة ويمارسها بزهو وغرور. ثمّ إنّه لم يستقبل الشيخ والإخوة ويطرد الذين يقبلونهم ويتلفّظ بكلمات خبيثة. هذا يدلّ على وجود خلافات داخل الجماعات اليوحنّاويّة وعلى نقص في المحبّة بين الكنائس المحلّيّة.
ويختتم الشيخ رسالته (آ 12- 15) بتمنيّات تشبه تلك التي قرأناها في 2 يو. تشدّد 3 يو على تصرّف المؤمن. فبطريقة حياتنا وأفعالنا وبطريقة قبولنا لإخوتنا نعرف إن كنّا من الله أم لا. هذا واضح في 1 يو. والرباط بين اللاهوت والأخلاقيّات هو إحدى ميزات اللاهوت الذي يتوسَّع فيه يوحنّا في رسائله.

د- موضوع وصحّة 2 يو و 3 يو
تبدو كلٌّ من 2 يو و 3 يو بطاقة كتبت في ظرف من الظروف. تميّزتا عن 1 يو بقصرهما وبفنّهما الأدبيّ. تتضمّن 1 يو عناصر كرازة عديدة وتتوجّه إلى جماعات متعدّدة. أمّا 2 يو و 3 يو فهما رسالتان حقيقيّتان تبدآن وتنتهيان ككلّ الرسائل.
2 يو مكتوبة إلى السيّدة المصطفاة وهي كنيسة محلّية، لها أخت مصطفاة (2 يو 13) وأبناء يحبّهم كلّ المؤمنين. هذه الجماعة هي إحدى جماعات آسية الصغرى المؤمنة والمهدّدة بمضِلّين لا يعترفون بتجسّد يسوع المسيح. فعلى المسيحيّين أن يتحلَّوا بنقاوة الإيمان وممارسة المحبّة الأخويّة ويقطعوا كلّ صلة بالمُبْدِعِين.
وتتوجّه 3 يو إلى غايوس. موضوعها صراع بين الشيخ ورئيس إحدى الجماعات. تمسّك بسلطته فرفض استقبال الموفدين من قبل الشيخ، ولكنّ غايوس قبلهم فامتدحه الشيخ على ذلك.
2 يو و 3 يو رسالتان قصيرتان لم تنتشرا كثيرًا، غير أنّهما ستُقبلان بسهولة ما عدا في منطقة أنطاكية. يورد بوليكربوس 2 يو 7 وأغناطيوس الأنطاكيّ 2 يو 10، في رسالته إلى أهل أزمير. أمّا قانون موراتوري فيتحدّث عن رسائل يوحنّا في صيغة الجمع. وكتب أوسابيوس إنّ إكلمنضوس الإسكندراني شرح 2 يو و 3 يو. ويورد إيريناوس مقطعين من 2 يوكما يورد من سائر كتب العهد الجديد وينسبها إلى يوحنّا، تلميذ الربّ. خلال القرن الثالث يسجّل أوريجانس مجادلاتٍ عن 2 يو و 3 يو ولكنّه يقرُّ بهما في قانونه. في أفريقيا، عرف ترتليانس 2 يو 7 وأورد الأسقف أوريليوس 2 يو 10 كنصّ قانونيّ (في مجمع قرطاجة سنة 256). أمّا ديونيسيوس الإسكندراني فنسب الرؤيا إلى يوحنّا الشيخ والرسائل الثلاث إلى يوحنّا الرسول. ونسب إيرونيموس 2 و 3 يو إلى يوحنّا الشيخ. واعتبر أوسابيوس أنّ يوحنّا الرسول دوّن 2 و 3 يو. في القرن الرابع اعترف الجميع بقانونيّة 2 يو و 3 يو. أمّا السريانيّة البسيطة التي تتضمّن 1 يو فقد تجاهلت 2 و 3 يو. ولكنّهما ستَدْخُلان في الترجمة الفيلوكسنيّة. هذا التردّد جعل المُصْلِحين لوتِر وكَلِفين وغيرهما يتحفّظان بالنسبة إلى هاتين الرسالتين. وفي 8 نيسان 1546 أعلن المجمع التريدنتيني في جلسته الثالثة قانونيّة 2 و 3 يو فانتهى الجدال عند الكاثوليك. أمّا البروتستانت فسوف يدخلانهما في العهد الجديد منذ القرن السابع عشر.
مَن كتب هاتين الرسالتين؟
يبدو أنّ كاتبًا واحدًا كتب كلّ من 1 يو و 2 يو و 3 يو كما كتب إنجيل يوحنّا. هو شخص صاحب سلطة في الكنيسة. يزور الجماعات، يهيئ ويوبّخ ويأمر ويُوصِي ولا يناقشُ أحدٌ أقوالَه. هكذا كان يفعل بولس الرسول بالنسبة إلى كنائسه وهكذا كان يفعل صاحب الرؤيا في رسائله إلى الكنائس (رؤ 2- 3). فمن هو هذا الكاتب؟ يوحنّا الرسول؟ ولكن كيف نفهم أقوال ديوتريفس الخبيثة ضدّه؟ يوحنّا الشيخ الذي كان إحدى الشخصيّات المعروفة في الحلقات اليوحنّاويّة والوارث الروحيّ ليوحنّا الرسول؟ الأمر ممكن.

هـ- مضمون رسالة يوحنّا الأولى
اختلف الشرّاح في تنسيق 1 يو فاكتشف أحدهم ثلاثة أقسام: إعلان بشرى يسوع ودمه المُطَهِّر (1: 5- 2: 27)، مثال بنوّتنا الإلهيّة (2: 28- 4: 6)، وحي يسوع عن حبّ الله (4: 7- 5: 17). واكتشف آخر قسمين: شروط المشاركة مع الله ومع الجماعة الكنسيّة (1: 5- 2: 29)، محبّة الله وأبناء الله (3: 1- 5: 4). واقترح ثالث تصميمًا في ثلاث نقاط: الله نور (1: 5- 2: 17)، الله أب (2: 18- 3: 24)، الله محبّة (4: 1- 5: 12). واقترح رابع: الله نور، الله عادل، الله محبّة. وفكّر خامس في موضوعين رئيسيّين: أن نسلك في النور، أن نعيش كأبناء الله.
وإليك تصميمًا مقترحًا:

1- المقدّمة (1: 1- 4)
تبدأ 1 يو بجملة طويلة تذكّرنا بنسقها وأفكارها (كلمة الحياة، رأى، شهد) بمقدّمة الإنجيل الرابع. أمّا آ 2 فتشكل جملة اعتراضيّة تهيّئنا لقراءة جسم الرسالة. وتتردّد كلمة شركة (كوينونيا في اليونانيّة) مرّتين في آ 3 فتدلّ على هدف الكاتب: تأمين شركة المؤمنين مع الآب والأبن، وشركتهم بعضهم مع بعض بالأمانة للشهادة الرسوليّة.

2- القسم الأوّل: الله نور
يقدّم لنا الكاتب عرضاً عن علامة شركتنا مع الله (1: 5- 2: 28). ونلاحظ هنا مقطعين: مقطع أوّل (1: 5- 2: 2): نسير في النور ونقطع كلّ علاقة بالخطيئة، ومقطعًا ثانيًا (2: 3- 11): نحفظ وصيّة المحبّة. أمّا 2: 12- 28 فنعنونها: إيمان المؤمنين أمام العالَمِ والمسحاءَ الدجّالين. نلاحظ هنا وجهة سلبيّة (نتجنّب الخطيئة، 1: 5- 2: 2) ووجهة إيجابيّة (حفظ الوصايا، 2: 3- 11)، ثمّ وجهة سلبيّة (لا تحبّوا العالم، 2: 12- 17) ووجهة إيجابيّة (الأمانة للتعليم الذي تعلّمناه رغم المعلّمين الكذبة، 2: 18- 28).
وتبدو 2: 28 كخاتمة مؤقّتة. وسيعود الكاتب بعدها إلى المواضيع التي تطرّق إليها مشدّدًا على المحبة. يرد فعل أحبّ (أغابان في اليونانيّة) 28 مرّة، والأسم (المحبّة، أغابي) 18 مرة.

3- القسم الثاني: عطيّة الله
نحن أبناء الله. ويقدّم الكاتب عرضاً عن علامات شركتنا مع الله (2؛ 29- 4: 6) مع التشديد على البنوّة الإلهيّة (2: 29؛ 3: 1، 2، 9، 19؛ 4: 2، 4، 6) وعلى موضوع البرّ (2: 19؛ 3: 7، 10، 12) المرتبط بالمحبّة. ونستطيع أن نتوقّف عند المقاطع الثلاثة الآتية.
العلامة الأولى التي تساعدنا على التمييز بين أبناء الله وأبناء الشيطان هي: ممارسةُ البرّ وتجنّبُ الخطيئة (29:2- 3: 10).
والعلامة الثانية هي: ممارسة المحبّة على مثال ابن الله (3: 11- 24). تشير 3: 11 إلى أوّل جريمة قتل (قايين) فتوسّعُ النظرةَ تَوَسُّعَ التاريخ البشريّ. وتشكّل 3: 16 إعلانًا يعتبر قلب هذا المقطع: وهب يسوع حياته من أجلنا. ينتج عن هذا أنّنا نعبّر بأفعالنا عن الحبّ المتبادل (3: 18- 23). ويذكر الكاتب الروح (3: 24) فيهيِّئ المقطع الثالث.
والعلامة الثالثة هي تمييز الأرواح بالإيمان بيسوع المسيح (4: 1- 6). يختلف هذا المقطع عن المقطعين السابقين فيصيب وضعًا ملموسًا وموازيًا للعرض الأوّل (2: 18-28). ويقدّم إيضاحات عن العلامات التي تساعدنا على الكشف عن الأنبياء الكذبة انطلاقا من تعليمهم.

4- القسم الثالث: الله محبّة
يقدّم الكاتب عرضاً عن علامات وشروط مشاركتنا مع الله (4: 7- 5: 12). لا يتضمّن هذا العرض الثالث علامة سلبيّة (تجنّب الخطيئة) بل إعلانًا يتردّد مرتين: الله محبّة (4: 8، 16). ترتبط مواضيع الإيمان والمحبّة ارتباطاً وثيقًا ولكنّ التشديدَ واضحٌ على الإيمان والشهادة. وهكذا نكتشف مقطعين.
المقطع الأول: تأتي المحبّة من الله وتتأصّل في الإيمان (4: 7- 21).
المقطع الثاني: الإيمان بابن الله هو إيمان يتجاوب مع شهادة الله ويتفتّح في المحبّة ( 5 : 1 – 12 ).
الخاتمة الأولى (5: 13) تشدّد على هدف الرسالة: أن يعيَ المؤمنون أنّ لهم الحياة الأبديّة (رج يو 20: 31).
والخاتمة الثانية (5: 14- 21) التي تشبه حاشية فهي تشدّد على الأفكار الرئيسيّة في الرسالة. هذا ما فعله بولس حين كتب مقطعًا بخطّ يده في غل 6: 11- 17. فبعد أن دعا يوحنّا قرّاءه إلى الصلاة ولاسيّما من أجل الخطأة، قدّم ملخّصاً عن التعليم الذي سبق وأعطاه (5: 18- 20)، ثمّ أنهى كلامه بتوصية ترتبط بموضوع العهد الجديد (رج حز 11: 21).

و- الفن الأدبيّ في 1 يو
تبدو 1 يو في خطوطها العامّة قريبةً من الإنجيل الرابع، وقوّتها راجعة إلى كثافتها التعليميّة وقدرتها على الإقناع لاجئة إلى الترداد (مثلاً يتردّد فعل "عرف" مرّات عديدة. رج 2: 20، 21؛ 2:3، 5، 14، 15؛ 13:5، 15، 18، 20).
وهنا نتساءل هل نحن أمام عظة أم أمام رسالة؟
تختلف 1 يو عن رسائل العالم اليونانيّ والرومانيّ في أنّها لا تبدأ بذكر الكاتب ولا القرّاء ولا السلامات. كما لا نجد الخاتمة التي اعتاد كتّاب الرسائل أن يُنْهُوا بها رسائلَهم. كيف نفسّر هذا الواقع في زمن ازدهرت فيه الرسائل المكتوبة باسم مستعار؟ حاول بعضهم أن يجد جوابًا في أنّ حامل الرسالة يقدّم كاتب الرسالة ويوصل إلى القرّاء تمنيّاته. ولكنّ هذا الجوابَ غيرُ كاف ولاسيّما وإنّ صاحبَه يسند إلى الرسالة إلى العبرانيّين القريبة من فنّ العظة.
فالرسالة الأولى تتضمّن سمات العظة. فالكاتب يتوجّه كالواعظ إلى قرّائه كأولاد (2: 1، 12، 14، 18، 28؛ 3: 7، 18؛ 4: 4؛ 5: 21) أعزاء (2: 7؛ 3: 2، 21؛ 4: 1، 7، 11). في هذا السبيل يختلف إنجيل يوحنّا عن 1 يو التي تعطي مكانة هامّة للتعليم الأخلاقيّ. ونجد أيضاً في 1 يو مواضيعَ عماديّةً، لهذا وصفها بعضهم برسالة عماديّة أو بمقالة تذكّر المسيحيّين بالتزاماتِ عمادهم.
ولكنّ 1 يو ليست عظة نموذجيّة تصلح لأيّة جماعة كانت. فهي تتكيّف مع ظروف الجماعة التي تتوجّه إليها. وكاتبها يعرف حالة قرّائه الأخلاقيّة والروحيّة ومتاعبهم والأخطار المحدقة بهم (2: 12، 14، 19، 26؛ 3: 7، 13؛ 4: 4؛ 5: 13). كيف نفهم ترداد العبارة "كتبت إليكم" ثلاث مرّات في 2: 14 بعد أن قال لهم في 2: 12، 13: أكتب إليكم؟ هل يشير الكاتب إلى رسالة سابقة أم إلى الإنجيل الرابع؟ هل نحن أمام فنّ رسائليّ يتخيّل فيه الكاتب نفسه وَسْطَ قرّائه؟ يبدو أنّ الرأي الأخير هو أقرب إلى الواقع.
إختفى اسم الكاتب ونفسّر اختفاءه بالتشديد على الشهادة الرسوليّة كقاعدة للإيمان القويم. ونجد بُعدًا جماعيًّا في صيغة المتكلّم الجمع (نحن) تجاه قرّاء يتوجّه إليهم في صيغة المخاطب الجمع (أنتم). فكاتب 1 يو هو المتكلّم باسم التقليد الرسوليّ، ورسالته تقوم في أن يدافع عن الإيمان ضدّ تجديدات المعلّمين الكذبة.
وسواء أكانت 1 يو رسالة أو عظة فموضوعها الأساسيّ هو: لا شركة مع الآب من دون اعتراف بوساطة ابن الله الذي جاء إلى العالم في الجسد.

ز- الجماعة التي كتب إليها يوحنّا
نجد في المخطوطات اللاتينيّة هذا العنوان: إلى الفراتيّين (أي المقيمين على الفرات) فنتساءل: من أين جاء؟ نحن لا نجد في الرسالة أيّة إشارة تدلّ على المكان الذي عاشت فيه هذه الجماعة، ولكنّنا نستطيع من خلال قراءتنا أن نتعرّف إلى الحالة الروحيّة لهذه الجماعة.
فهذه الجماعة تتمتّع بماض من الحياة المسيحيّة وهي تتألّف من الشيوخ ومن الشبّان (2: 12- 14). ولكن متى بُشِّرت هذه الجماعة ومتى تنظّمت؟ هذا ما لا تقوله 1 يو المركِّزة على مشاكل في داخل الكنيسة لا على اهتمامات رسوليّة كما هو الحال في إنجيل يوحنّا و 3 يو. ما يهمّ الكاتب هو أن يثبّت المسيحيّين في إيمَانهم التقليديّ ضدّ دعوة الهراطقة. لا نجد في 1 يو إيراد نصوص من العهد القديم وهذا ما يجعلنا نفترض أنّ الجماعة تألّفت من مسيحيّين جاؤوا من العالم الوثني وانفتحوا على إغراءات الغنوصيّة الهلّينيّة.
لن نطرح هنا مسألة أصول الغنوصيّة ومراحل تكوّنها، ولكنّنا نقول إنّ 1 يو تشير إلى غنوصيّة من نمط يهوديّ. فنحن نجد في خلفيّة هذه الرسالة إعلانًا لمعرفة الله يتميّز به العهد الجديد حسب إرميا (31: 31- 34) وحسب حزقيال (36: 26 ي). ويُبرز حزقيال دورَ الروح الإلهيّ في قلب الإنسان لِيّتِمَّ وصايا الله. هنا نفهم خاتمة 1 يو 5: 29 (احذروا الأصنام) على ضوء نصوص حزقيال (11: 19- 21؛ 36: 25) التي تجعل عطيّة الروح تأتي بعد التطهير من النجاسات ورذل الأصنام. ثمّ إنّ التلميح إلى قايين المولود من الشرّير (3: 12) يدلّ على أنّ القرّاء يعرفون توسّعات الهاغادة (الاخبار اليهوديّة) عن قايين وهابيل.
ثمّ إنّ الثنائيّة الأخلاقيّة الواردة في إنجيل يوحنّا وفي 1 يو تجد ما يقابلها في نصوص قمران. هناك ما نقرأ في 1: 6- 7 عن تجديد العهد، وفي 1: 6 عن رذل الرياء، وفي 1: 6- 7 عن التعارض بين النور والظلمة في سلوك الإنسان، وفي 1: 7 عن متطلّبات الطهارة. ثمّ إنّ كلمة "شركة" تقابل لقب الجماعة "ياحاد". وهناك التعليمات عن الصراع بين روح الحقّ وروح الكذب، وعن تجنّب العالم وشهواته (2: 16) والحذر من الأصنام (5: 21). كلّ هذه الإشارات تدلّ على أن قرّاء 1 يو عرفوا أفكار جماعة قمران. في هذا الإطار تبدو أفسس المكان الأنسب الذي إليه أرسلت 1 يو ولاسيّما وأنّ الرسالة إلى أهل أفسس (التي دوّنت ربَّما في أفسس) هي أغنى الرسائل البولسيّة بالتعليمات القمرانيّة.
ولكن يبقى الفرق شاسعًا بين 1 يو وقاعدة الجماعة القمرانيّة. فالإيمان الذي هو في قلب نظرة يوحنّا لا يحتّل إلاّ مكانةً ضئيلة عند جماعة قمران. والاهتمام الزائد بفرائض الشريعة في قمران يقابله تركيز على وصيّة المحبّة (في 1 يو) كنتيجة لظهور محبّة الله في يسوع المسيح.
كلّ هذا التقارب مع إنجيل يوحنّا والرسائل إلى الكنائس السبع (رؤ 2- 3) التي يهددها ضلال الأنبياء الكذبة ومع رسائل إغناطيوس الأنطاكيّة تجعلنا نقول إنّ 1 يو كتبت في نهاية القرن الأوّل وتوجّهت إلى قرّاءٍ في مقاطعة آسية الرومانيّة التي كانت أفسس عاصمتها.

ح- من كتب 1 يو؟
نحن لا نجد جوابًا قي الرسالة التي لا عنوان لها والتي تبدأ بهذه الكلمات: "ذاك الذي كان منذ البدء، ذاك الذي سمعناه، ذاك الذي رأيناه بعيوننا" (1: 1). فلا بدّ إذن من أن نعودَ إلى التقليد ونتطرّقَ معًا إلى انتشار 1 يو وقانونيّتها والشهادة عن أصلها. فالرسالة الأولى لا جدل عليها، حسب أوسابيوس، كما على 2 يو و 3 يو وسفر الرؤيا. غير أنّها غابت من اللائحة القانونيّة القديمة في الكنيسة السريانيّة (تعود إلى حوالي السنة 400). وسوف تدخل فيما بعد في البسيطة مع رسالة يعقوب ورسالة بطرس الأولى. وسيحتفظ تيودورس المصّيصي بموقف سلبيّ بالنسبة إلى 1 يو.
وإذا خرجنا من إطار العالم السريانيّ نجد شهادات على 1 يو في كلّ المراكز المسيحيّة. فبوليكربوس أسقف إزمير يورد 1 يو ليردّ على الظاهريّين: "من لا يعترف أنّ يسوع المسيح جاء في الجسد هو معارض للمسيح (أنتيكرست)، والذي لا يقرّ بشهادة الصليب هو من الشيطان، والذي يحرّف أقوال الربّ بحسب رغباته الخاصّة وينكر القيامة والدينونة هو بكر الشيطان". فالعبارة الأولى تستعيد 4: 2- 3 (رج 2 يو 7). وعبارة "شهادة" تشدّد على واقعيّة موت المسيح ونتائجه الأسراريّة (5: 6- 8؛ يو 19: 30).
أمّا لقب "بكر الشيطان" فيذكّرنا بالمعارضة بين المولودين من الشيطان والخطأة منذ البدء (3: 8) وبين المولودين من الله.
وهناك نصوص عديدة من يوستينوس تستعيد 1 يو. نورد هذا المقطع من الحوار مع تريفون الذي يلخّص تعليم 1 يو: "نحن الذين وَلَدَنَا الله.. دعينا وكنّا أولاد الله الحقيقيّين لأنّنا نحفظ وصايا المسيح" (رج 3: 1). ويعلن إيريناوس ارتباط 1 يو بالقدّيس يوحنا الرسول فيجمع شهاداتٍ مأخوذةً من إنجيل يوحنا، من 1 يو ومن 2 يو. وينطلق من 3:4 فيقول إنّ الغنوصيّين "يَحُلُّون ابن الله ويقطّعونه". وينسب إكلمنضوس الإسكندرانيّ 1 يو إلى يوحنّا وكذلك يفعل ترتليانس وقبريانس وأوريجانس. أمّا ديونيسيوس الإسكندرانيّ فينطلق من القرابة الأدبيّة بين 1 يو وإنجيل يوحنّا لينسب الاثنينِ إلى يوحنّا الرسول. وسنجد 1 يو في كلّ اللوائح القانونيّة: قانون موراتوري، إيرونيموس، رسالة العيد لأثناسيوس، لوائح المجامع الأفريقيّة، رسالة أنوشنسيوس الأوّل...
كلّ هذه المعطيات توجّه أنظارنا إلى مدرسة يوحنّاويّة التأمت حول شخص يوحنّا بن زبدى الذي يقول التقليد عنه إنّه أقام في أفسس. فهل يكون يوحنّا الشيخ تلميذ يوحنّا الرسول وهل كتب بوحي منه أو هل كان وريثه الروحيّ؟ كلّها أسئلة لا تجد لدينا جوابًا. إنّما يبدو أنّ يوحنّا كاتب 1 يو، 2 يو، 3 يو كان المسؤول عن هذه المدرسة اليوحنّاويّة وهو يمثّل التقليد الرسوليّ الذي يجد آذانًا صاغية عبر المسؤولين الكنسيّين ليوجّه المؤمنين فيميّزوا التعليم الصحيح والبدع المضَلِّلَة.

ط- انشقاق داخل الجماعة
يقول كاتب 1 يو: خرجوا من عندنا (19:2)، من صفوف جماعتنا. فن هم هؤلاء؟ هم أناس عرفوا المسيحيّة من خلال الإنجيل الرابع ولكنّهم فسّروه بطريقة مختلفة. لهذا كُتِبَتْ 1 يو لتحذّر المؤمنين من تعليمهم الذي يتمحور حول مواضيع أربعة هي: الكرستولوجيا، والأخلاقيّة، والإسكاتولوجيا، والبنفماتولوجيا.
1- كانت الكرستولوجيا النقطة الأساسيّة في صراع الجماعة اليوحنّاويّة مع اليهود. فالاعتقاد بوجود ابن الله منذ البدء كان أساس التأكيد على أنّ المؤمن يمتلك حياة الله. ماذا تقول 1 يو في الذين ابتعدوا عن تعليم يوحنّا؟ "من هو الكذّاب إن لم يكن ذاك الذي ينكر أنّ يسوع هو المسيح" (22: 23)؟ "وصيّته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح" (3: 23). "من اعترف بأنّ يسوع هو ابن الله أقام الله فيه وأقام هو في الله" (4: 15). "من يؤمنْ بأنّ يسوع هو المسيح فهو مولود من الله" (5: 1). "من الذي غلب العالم إن لم يكن ذاك الذي آمن بأنّ يسوع هو ابن الله" (5: 5)؟
وهكذا شدِّد يوحنّا على أنّ يسوع هو المسيح وابن الله،. ومن أنكر هذا عارض المسيح.
2- وكانت معارك بين يوحنّا والمنشقّين على المستوى الأخلاق والتصرّف المسيحيّ. اعتبر المعارضون
أوّلاً أنّهم يعيشون حياة حميمة مع الله وأنّهم بالتالي كاملون وبلا خطيئة. وتورد 1 يو مزاعمهم. "فإذا زعمنا أنّنا نشاركه ونحن نسير في الظلام" (1: 6). "إذا زعمنا أنّنا بلا خطيئة" (1: 8). "إذا زعمنا أنّنا لم نخطأ جعلناه كاذبًا" (1: 10). "من قال إنّي أعرفه". (2: 4) "من زعم أنّه مقيم فيه" (2: 6). "من زعم أنّه في النور" (2: 9). "من قال أنا أحبّ الله" (4: 20).
ثانيًا: لم يشدّد المعارضون على حفظ الوصايا (2: 3- 4؛ 3؛ 24؛ 5: 2، 3).
ثالثًا: إّنهم مخطئون فما يتعلّق بالمحبّة الأخويّة.
3- حين نتطرّق إلى موضوع الإسكاتولوجيا لا نجد شَجْبًا واضحًا للمنشقّين عند يوحنّا. ولكنّ مزاعمَ المعارضين في أنّهم كاملون ترتبط بالإسكاتولوجيا في نتائجها. أجل، قُهِرَ الشرير (2: 13- 14)، وانكشفت الحياة الأبديّة (1: 2)، وسلكنا في النور (1: 7، 2: 9- 10)، ووصل حبّ الله إلى كماله (2: 5)، ووجدت شركة مع الله (1: 3). نحن أبناء الله حقا (3: 1) والله يقيم في المؤمن (4: 15). ولكنّ يوحنّا يربط متطلّبات أخلاقيّة بادّعاءاتٍ إسكاتولوجية تحقّقت. أجل نحن في شركة مع الله إن سِرْنَا في النور (1: 7). وحبّ الله وصل إلى كماله في الذي يحفظ كلمة الله (2: 5). والذي يقيم حقُّا في النور يحبّ أخاه (2: 10). والذين يمارسون البرّ هم من الله، هم أبناء الله (3: 10). بعد هذا يعود يوحنّا إلى الإسكاتولوجيا الآتية. قال في 3: 2: "يا أحبّائي، نحن منذ الآن أبناء الله حقًا". ولكنّه يزيد: "وما كشف لنا بعد عمّا نصير إليه. غير أنّنا نعرف أنّنا سنصير مثله حين يظهر لأنّنا نراه كما هو". ولماذا يشدّد على رجاءِ وحي آتٍ؛ ليقول إنّ البركاتِ الآتيةَ ترتبط بالطريقة التي يعيش فيها المسيحيّون. فالإسكاتولوجيا الآتية تصحّح أخلاقيّة المنشقّين. قال: "يا أبنائي الصغار، استقرّوا في المسيح فإذا ظهر كنّا واثقين كلّ الثقة ولن نبعد عنه في مجيئه" (2: 28). وقال أيضاً (3: 18- 19): "يا أبنائي الصغار، لا تكن محبّتنا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحقّ. إنّما نعرف أنّنا من الحقّ ونسكن قلبنا لديه". فعطايا الإسكاتولوجيا المحقّقة ليست هدفًا بحدّ ذاتها (كما يقول المعارضون) بل يَنبوع رجاء للمستقبل شرط أن يتابع أبناء الله حياة تليق بالله الذي سيرونه وجهًا لوجه.
4- وفي مجال البنفماتولوجيا يؤكّد لقارئيه: "ليس لكم حاجة إلى من يعلّمكم" (2: 27). وينبّههم: "كثير من الأنبياء الكذبة توزّعوا في العالم". فعليهم أن يمتحنوا تجلّياتِ الروح ليرَوا إن كان هذا الروح من عند الله (4: 1). هذا يدفعنا إلى الظنّ أنّ المعارضين اعتبروا أنفسهم معلّمين وأنبياء، وزعموا أنهم يتكلّمون بوحي من الروح. كيف يجيب يوحنّا على مزاعم هؤلاء الأنبياء والمعلّمين؟ لا يذكر الروحَ إلاَّ مرّتين في رسالته. مرّةً أولى (3: 24 ي) حيث يُقدّم الكاتب العلامة لنميّز روح الله من روح الشيطان الكاذب. ومرّة ثانية (5: 6- 8) حين يوجّه كلامه إلى معارضيه: ترتبط شهادة الروح بذلك الذي أُعطي في معموديّة يسوع وموته.

ي- الأفكار الرئيسيّة في 1 يو
المسألة التي تطرحها 1 يو هي مسألة الخبرة المسيحيّة. فموضوع 1 يو هو موضوع اتّحاد المسيحيّين مع الله ومع إخوتهم في يسوع المسيح. الاتّحاد والإقامة والامتلاك، ثلاث كلمات تعبّر عن سرّ واحد هو سرّ الحياة الأبديّة الذي هو الله بالذات، الذي يشركنا فيه الله والذي نحيا منه كمسيحيّين في أعمق أعماق كياننا. أمّا تعليم 1 يو فيتضمّن بطريقة ملموسة: تحذيرًا من الخطيئة المهدّدة، تذكيرًا بالإيمان بيسوع المسيح كأساس لمعرفة الله، تشديدًا على المحبّة التي هي الطريق الوحيد للاتّحاد بالله.

1- لا توافق بين الحياة المسيحيّة و الخطيئة
تُدلي 1 يو بحكم متشائم على العالم: العالم كلّه تحت وطأة الشرّير (5: 19). وتشير 2: 16 بصورة ملموسة إلى المناطق الثلاث التي تنتشر فيها شهوة العالم: شهوة الجسد، شهوة العينين، والكبرياء الواثقة بخيور الأرض.
وهناك تمييز بين الخطيئة والإثم. الخطيئة تدلّ على عمل يمكن أن يكون وحيدًا في حياة الإنسان، أمّا الإثم فهو حالة من العداوة الإسكاتولوجيّة ضدّ ملكوت المسيح، ضدّ المسيح بالذات. وما يريد يوحنّا أن يُفهِم قرّاءه هو أنّ الخطيئة المقصودة والمتعمَّدة تساوي رفض الله (3: 4). ونلاحظ في 1 يو عبارتين تبدوان متناقضتين:
الأولى: كلّ مولود من الله لا يقترف الخطيئة لأنّ زرع الله باق فيه. لا يسعه أن يخطأ لأنّه مولود من الله (3: 9).
والثانية: إذا زعمنا أنّنا بلا خطيئة خدعنا أنفسنا ولم يكن الحقّ فينا (1: 8).
ويهاجم يوحنّا خصوصاً من يعتبرون أنّ الخلاص يقوم على المعرفة: فحين يكتشف الإنسان أنّه مولود من الله وأنه يحمل في ذاته شعلة روح الله، يتأكّد تأكيدًا لا ريب فيه أنّ الله اختاره. فبعد هذا، لا نهتم لوجهة الحياة الملموسة والعمليّة. هذا ما يقول المبدعون الغنوصيّون. فيحاول يوحنّا أن يجعل قرّاءه يعون المتطلّبات الصحيحة لهذا الزرع الإلهيّ الذي اقتيلناه في المعموديّة (3: 9). من أين جاء يوحنّا بكلمة "زرع"؟ من الديانات السرّيانيّة عبر اليهوديّة الهلّينيّة التي حمل لواءها فيلون الإسكندرانيّ. ولكنّ يوحنّا يبدّل معنى الكلمة فيرى في زرع الله الروح الذي ينكشف في كلمته. بل يربط الزرع بمثل الزارع فيصبح كلمة الله التي تحسب مسحة يجب أن تبقى فينا. وكلمة الله التي هي مبدأ ولادتنا الجديدة وقداستنا تلج إلى داخل المؤمن بواسطة الروح.
إنّ المسيحيّ لا يمكن أن يخطأ بقدر أمانته للعطايا التي وهبها الله له، ولكنّه لا يزال معرّضاً لضعف الطبيعة البشريّة. ومع أنّ المحبّة تنفي المخافة (4: 18)، إلاّ أنّ على المسيحيّ الحقيقيّ أن يُقِرَّ بضعفه (1: 8) ويستسلم لأمانة الله وعدالته. "إذا اعترفنا بخطايانا، فإنّه أمين عادل يغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كلّ إثم" (1: 9). "فإذا بَكَّتَنا (دعانا إلى التوبة) قَلْبُنا، فالله أكبر من قلبنا وإنّه بكلّ شيء عليم" (3: 20).
المهمّ هو أمانة الله للعهد، وإذا كان هناك من انفصال بيننا وبين الله، فسبب الانفصال هو دومًا الإنسان لا الله. في هذه الحالة تقدر صلاة الجماعة أن تحصل لنا على غفران ذنوبنا شرط أن لا نكون أمام خطيئة تقود إلى الموت (5: 6- 17). مثل هذه الخطيئة تشبه التجديف على الروح القدس (مر 3: 29) وهي في 1 يو خطيئة الكفر.

2- الإيمان بيسوع المسيح
إذا قرأنا 1 يو نجد أنّ الكاتب لا يشدّد على الإيمان (يرد الفعل 9 مرّات والاسم مرّة واحدة) بقدر ما يشدّد على المعرفة (هناك فعلان يردان 40 مرّة). وهنا تختلف 1 يو عن الإنجيل. فصاحب الإنجيل متيقّظ إلى ظهور الإيمان ونموّه والحواجز التي تقف في وجهه، أمّا 1 يو فتتأمّل إيمان الذين التزموا بتعليم كلمة الحياة وتهتمّ لكي تبقى فيهم كلمة الله (2: 14). إذًا نحن أمام مسألة الثبات الذي هو أساسيّ والثبات الفاعل الذي يصل بنا إلى الغلبة.
أجل، الإيمان غلبة، غلبة على الشرّير (2: 13- 14)، غلبة على المعلّمين الكذبة (2: 19؛ 4: 4)، غلبة على العالم (5: 4؛ رج يو 16: 33). بالإيمان يولد المؤمن من جديد ويماثل الابن الذي يقيم فيه (5: 18). إنّ ما يميّز 1 يو هو الأهمّيّة المعطاة لاعتراف الإيمان. يجب أن نؤمن باسم الابن (3: 23؛ 5: 13)، يجب أن نؤمن بأنّ يسوع هو المسيح، ابن الله (5: 1، 5)، يجب أن نعلن معًا الإيمان الحقيقيّ.
وإذ يرى الضلالَ يهدّد الجماعةَ يشدّد يوحنا على واقعية التجسّد وعلى الطابع الدمويّ لذبيحة الفادي. قال: "كلّ روح يعترف بيسوع المسيح المتجسّد كان من الله، كلّ من لا يعترف بيسوع لا يكون من الله" (4: 2- 3). ثمّ إنّه يتحدّث عن المسيح كذبيحة كفّارة (2: 2؛ 4: 10) تمتدّ شفاعته من أجل الخطأة. ويعارض الذين يغامرون في النظريّات فيحلّون شخص المسيح (4: 3). حينئذ يشدّد على الطابع الملموس للخلاص الذي ظهر على الصليب وعاشته الكنيسة في أسرارها. "هو الذي جاء بالماء والدم، أعني يسوع المسيح. لا بالماء وحده بل بالماء والدم. والروح يَشهَدُ لأنّ الروحَ هو الحقّ" (5: 6). هذه الآية هي خلاصة التعليم المعطى في بداية حياة يسوع ونهايتها على الأرض. لقد شهد يوحنّا من أجل الذي يعمّد بالروح لأنّ الروح يحلّ عليه (يو 1: 33). وهذا ما يقابل شهادة الإنجيليّ: حين أسلم يسوع الروح من قلبه المطعون بالحربة جرى منه دم وماء (يو 19: 34). فعمل الروح يتمّ خاصّة في التدبير الأسراريّ. هو لا يبعدنا عن واقع التجسّد، بل يُظْهِرُ أنّ عمل الله يتجلّى في واقع ملموس لوجود تاريخيّ. "بهذا تعرفون روح الله: كلّ روح يعترف أن يسوع المسيح جاء في الجسد هرمن الله" (4: 2). من هذا القبيل، يتمتعّ الإيمان ببُعد منظور كنسيّ، إذ هو التزام بكلمة الحياة كما يكشفها التقليد الرسوليّ (1: 1- 4). ثمّ إنّ 1 يو تشدّد على مسحة الإيمان (2: 20، 27)، فتدلّ على روحانيّةٍ فردّيةٍ وجماعيّةٍ معًا. فهناك أخذ وردّ بين التعليم والتزام الإيمان: وهنا نقرأ في 2: 21. (كتبت إليكم، لا لأنّكم تجهلون الحقّ، بل لأنّكم تعرفونه وما من كذبة تأتي من الحقّ". وهكذا فموضوع الإيمان هو محبّة الله كما تتجلّى في يسوع المسيح (4: 9). وبالمقابل لا يكون الإيمان حقيقيًّا إن لم يتفتّح على عالم المحبّة.

3- وصيّة المحبّة
المحبّة مهمّة في 1 يو. فواقعيّة التجسّد الفدائيّ تقابلها جديَّة الحياة المسيحيّة. وهنا يعارض يوحنّا نظرة عقلانيّة إلى المحبة بأولويّة المحبّة (2: 3- 11). فيشدّد ويعود مرارًا إلى ضرورة حفظ الوصايا التي تتلخّص في النهاية في وصيّة واحدة. نحن لسنا أمام شريعة كما عرف بعضها العهد القديم، بل أمام طريق ووصيّة، أمام عمل نحقّقه في تاريخ الخلاص وطريقة حياة نرسمها. وصورة الطريق تفترض هذا التحريض: عليه أن يسير كما سار هو (أي المسيح) (2: 6). لا يفرض يوحنّا على المسيحيّ اقتداءً مبنيًّا على إرادة متصلّبة كما يفعل الرواقيّون، بل التزامًا شخصيًّا بالذي بدأ فبذل حياته ليعلّمنا كيف نُحِبُّ نحن بدورنا.
ويبيّن يوحنّا أنّنا لا نقدر أن نعرف الله إن لم نحبَّ إخوتنا (4: 21؛ 5: 2) بالفعل والحقّ (3: 18). فحبّ الله دون حبّ القريب وَهْمٌ وسرابٌ. فالله الذي لا يُرى في ذاته يصبح منظورًا في شخص القريب (4: 20) الذي هو طريقنا إلى الله. بالمقابل، إنّ محبّة الإخوة دون محبّة الله تبدو كشجرة مقطوعة من أصلها، وكنهر مفصول عن يَنبوعه. "نعلم أنّا نحبّ أبناء الله إذا كنّا نحبّ الله ونعمل بما أوصى" (5: 2). لا يقف يوحنّا على مستوى القيم البشريّة المحضة بل على مستوى قصد الله الكامل. وعلى هذا المستوى تبدو المحبّة كعلامة تشير إلى الله في العالم. لأنّ الله محبّة (4: 8، 16).
الله محبّة. تتردّد هذه العبارة مرتين، ونحن نقابلها بعبارات يوحنّاوية أخرى: "الله روح" (4: 24)، الله نور (1: 5). وكلّ من هاتين العبارتين لها ما يقابلها: الله روح، وهذا يعارض العالم الجسدانيّ المتميّز بالضعف (يو 3: 6). الله نور وهذا يتعارض والبغض القاتل. إذًا يتوقّف يوحنّا أوّلاً على طريقة تصرّف الله في التاريخ، ويعلّمنا قي الوقت عينه أن نكتشف في كلّ حبّ حقيقيّ علامة لعمل الله وحضوره لأنّ المحبّة تأتي من الله (4: 7). ثمّ يربط بين المحبّة والمعرفة. "كلّ من يحبّ هو مولود من الله ويصل إلى معرفة الله" (4: 7). ونرى إذا تابعنا قراءة النصّ، أنّ يوحنّا لا يكلّمنا عن جوهر الله بكلمات مجرّدة، بل يجعلنا نتأمّل التدخّل الخلاصيّ الذي قام به الأقانيم الإلهيّة الثلاثة. فحبّ الله نحونا يظهر بإرسال الأبن الوحيد إلى العالم وبعطيّة روحه لنقيم فيه ويقيم فينا (4: 9- 12). وكم نودّ أن نوردَ هذهِ العباراتِ التي تتحدّث عن حضور الله فينا وعن مشاركتنا قي حياته. "فإن ثبت فيكم ما سمعتموه منذ البدء، ثبتّم أنتم أيضاً في الأبن والآب" (2: 24). "أن حفظ وصاياه أقام في الله وأقام الله فيه. وإنّما نعلم أنّه مقيم فينا من الروح الذي وهبه لنا" (3: 24). "ونعرف أنّا نقيم فيه وأنّه يقيم فينا بأنّه وهب لنا من روحه" (4: 13). "نحن في الحقّ، إذن نحن في ابنه يسوع" (5: 20). هنا نلتقي بما نقرأ في إنجيل يوحنّا (15: 4). "اثبتوا فيّ وأنا فيكم" (رج يو 17: 21).
إنّ يوحنّا يشدّد على المحبّة داخل الكنيسة، ومحبّة الإخوة (ترد مرة في 1 يو) هي محبّة الذين يقاسموننا إيماننا. هنا نتذكّر الأزمة التي تواجهها الجماعة المسيحيّة والتي تدعونا أن لا نسالم مروّجي الهرطقة الذين يصيبون الإيمان في جوهره (2 يو 10)، بما أنّ الهراطقة بادروا وقطعوا علاقتهم بالكنيسة (3: 19). ارتاح كاتب 1 يو لأنّهم "خرجوا". ولكن ليست هذهِ الكلمةَ الأخيرةَ. فإنْ تميّزَ حبُّ الله على أنّه مبادرةٌ مجّانيّة صِرْفٌ (4: 10) فهو يظهر أيضاً في التكفير الذي أتمّه المسيح من أجل العالم كلِّه (2: 2). أجل، إنّ زخم المحبّة لا تقف حدوده عند حدود الكنيسة. ولهذا تأخذ كلمة "أخ" معنى واسعًا في 2: 9- 11 وفي 3: 15. كانت كتابات قمران تفرض على المؤمن أن يبغض الخاطئين. أمّا يوحنّا فيعتبر أنّ البغضَ يأتي من إبليس.
وفي الختام تبدو 1 يو ثمرة معرفة مسيحيّة حقيقيّة، ثمرة معرفة واتحاد تغرز جذورها في العهد القديم. وهذه المعرفة تقدّم لنا روحانيّة القدّيس يوحنّا ولكنّها ترتكز على الله، أو تسير مع المسيح لتصل إلى الله. والمثال الذي تقدّمه 1 يو هو أن نقيم في الله، في النور، في الآب والأبن (2: 6، 9، 10، 24، 28؛ 3: 24؛ 4: 12، 13، 15). وهذا لا يمنع يوحنّا من أن يشدّد على وساطة ابن الله المتجسّد ليجعل المؤمنين يدركون حياة الله بالذات. غير أنّ 1 يو تشهد أيضاً على واقعيّة أخلاقيّة واعية ومتطلّبة. فالاتّحاد بحياة الله غير ممكن دون الأمانة المطلقة للوصايا. صفحات 1 يو تدلّ على طريق لصعودنا الروحيّ السامي، ولكنّها تقطع الدرب على كلّ مذهب إشراقيّ على مثال أفلاطون. فهذه الصفحات تنير دربنا وتعطينا الوسائل العمليّة في حياتنا المسيحيّة. تحبّها النفوس السامية ولكنّها تبقى في متناول النفوس الوضيعة. هذه هي قوّة كتابات القدّيس يوحنّا: ترفعنا إلى الله دون أن تفصلنا عن عالم البشر في أبسط أوضاعه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM