مقدمة عامة

مقدمة عامة

كلُّنا يعلم تقدّم العلوم الكتابية منذ ما يقارب قرنًا من الزمن. وساعد على هذا التقدّم اكتشافاتٌ عديدة في عالم النصوص والحفريّات الأثرية في أوغاريت (رأس شمرا)، ماري (على الفرات)، نوزو (في العراق) قمران (على البحر الميت)، إبله (قرب مدينة حلب)، تلّ العمارنة (في مصر)، جبيل، صيدا وصور (في لبنان)، وجازر وأريحا (في فلسطين)... وظهرت الدراسات العديدة في عالم الغرب وقد وصل صداها إلى الكهنة وبعض النخبة المتدّينة. ويمكننا القول إنّه منذ الستّينات ولا سيّما بعد ظهور بيبليا أورشليم في اللغة الفرنسية والدفع الذي قدّمته لترجمة النصوص وشرحها، قد أحسسنا بالحاجة إلى قراءة الكتاب المقدّس والتأمّل فيه. وما قلناه عن العالم الفرنسي نقدر أن نقوله عن العالم الإنكيزيّ الذي تكاثرت ترجماته وسلسلة تفسير الكتاب المقدّس عنده. أمّا في العالم العربي، فبعد التوراة التي أشرف عليها المطران الرزّيّ وطبعت سنة 1671، والتي تداولتها الكنائس التبشيريّة في لبنان، ظهرت في القرن التاسع عشر أربع ترجمات كاملة للكتاب المقدّس: ترجمة الأنغليكان المعروفة بترجمة الشدياق، والترجمة البروتستانتيّة المعروفة بترجمة البستانيّ (بطرس) فاندايك والتي عمل فيها أيضاً ناصيف اليازجي ويوسف الأسير، والترجمة الدومنيكانيّة التي عمل فيها المطران يوسف داود وطُبعت في العراق، والترجمة الكاثوليكيّة التي عمل فيها اليسوعيّون والتي سُمّيت ترجمة اليازجي. وفي القرن العشرين جَدّد الآباءُ اليسوعيون نصّ اليازجي مضيفين إليه المقدّمات والحواشي، كما استعانت جمعيّة الكتاب المقدّس بالشاعر يوسف الخال من أجل ترجمة جديدة مُبَسَّطة وديناميكية. ناهيكَ عن ترجمات العهد الجديد لدى الآباء البولسيّين وجماعة الكسليك والأب يوسف عون وما يقوم به الأقباط الأرثوذكس في مصر والروم الأرثوذكس في الشرق الأوسط. وآخر ما ظهر كان كتاب الحياة الذي هو ترجمة تفسيرّية لكل الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد. بالإضافة إلى ذلك، لا ننسى أنّ كلّ كنيسة من كنائس الشرق تملك ترجمة خاصّة بها تتضمّن كلّ العهد الجديد والمزامير ومقاطعَ عديدةً من سائر أسفار العهد القديم.
دروس متجدّدة، نصوص عديدة، وكتب ومقالات تعالج أسفار الكتاب المقدّس.
أمّا ما نقدّم الآن فكتاب يساعد الكاهن ودارس اللاهوت، والراهب والراهبة والمؤمن الملتزم على الدخول في عالم الكتاب المقدّس وما يحيط به من ميادينَ تاريخيّةٍ وأثريّة وأدبيّة وعلميّة. وحاولنا أن نقدّم البُعد اللاهوتي للأسفار المقدّسة، ولا سيّما أسفار العهد العتيق. ونكتشف القيمة الدينيّة الأزليّة عبر وثائق هي في الوقت ذاته كلمة الإنسان وكلمة الله كما دُوِّنت في زمن بعيد عنّا. هذا ما يبحث عنه القارئ اليوم، ولاسيّما في ما يخصّ العهد العتيق الذي أخذت بعضُ الجماعاتِ تَنْزِعُ عنه الصفة القدسيّة بسبب استثماره من أجل أهداف سياسيَّة استثمارًا لا يليق بكلام الله. الكتاب المقدّس ليس مُلكَ شعبٍ من الشعوب، إنّه مُلكُ كلِّ شعوبِ الأرض. الكتاب المقدّس ليس مُلْكَ فئةٍ من الفئات مهما اعتبرت نفسَها رفيعة، إنّه مُلْكُ كلِّ الفئات. الكتاب المقدّس هو كلمة الله الموجَّهةُ إلى كلّ إنسان وبالتالي موجّهةٌ إليّ. وأنا مدعوٌّ إلى سمَاعها وقراءتها والتأمّل فيها. فيا حبذا لو ساعدَنا هذا المدخل على التعرّف إلى ما قاله الآباء والأنبياء من قديم الزمان بمختلف الوسائل، وإلى ما قاله ابن الله من كلام هو نور وحياة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM