أمبروسيوس أسقف ميلانو (+ 397)

أمبروسيوس أسقف ميلانو (+ 397)

إنتخب أمبروسيوس أسقفًا على ميلانو (إيطالية) خلال الجدالات مع الأريوسيّين (الذين أنكروا لاهوت الابن)، وساعة كان بعد حاكم تلك المدينة. هو قبل كلّ شيء الأسقف. وكأسقف يعلّم شعبه. كتاباته، هي في جوهرها، تعبير عن نشاطه الراعويّ، وهكذا يكون شبيهًا بباسيليوس، أسقف قيصريّة في كبادوكية.

عاد أمبروسيوس مرارًا إلى أوريجانس، ولا سيّما في عظاته عن الأسرار، حيث نجد تفسير الأبانا.

قال الرسل القدّيسون للربّ يسوع: يا ربّ، علّمنا أن نصلّي كما علّم يوحنّا تلاميذه فتلا يسوع هذه الصلاة:

أبانا

أنت ترى. قصيرة هي هذه الصلاة ومليئة بكلّ المزايا.

والكلمة الأولى مليئة بالنعمة. ما تجرّأت أيّها الإنسان أن ترفع وجهك نحو السماء، بل تُخفض عينيك نحو الأرض، وفجأة نلتَ نعمة المسيح. غُفرت لك جميعُ خطاياك. من عبد شرّير صرت ابنًا صالحًا. فلا تتّكل على عملك، بل على نعمة المسيح. "فبالنعمة خلّصتم" يقول الرسول (أف 2: 5). هذا ليس اعتدادًا، بل هو الإيمان. أن تعلن ما تقبّلته ليس تكبّرًا بل تعبّدًا. فارفع عينيك نحو الآب الذي افتداك بابنه، وقل: أبانا.

هو اعتداد شرعيّ، ولكنّه معتدل. فأنت تقول أبانا مثل ابن. ولكن لا تطلب أيّ امتياز. إنّه بشكل خاصّ، أبو المسيح وحده، وبالنسبة إلينا، هو أبونا المشترك. هو ولد المسيح، أمّا نحن فخلقنا. فقل أيضًا بالنعمة "أبانا" لكي تستحقّ أن تكون ابنه. سلّم نفسك إلى رضى الكنيسة وإكرامها.

الذي في السماوات

ما معنى في السماوات؟ إسمع الكتاب الذي يقول: "الربُّ معظَّم فوق جميع السماوات" (مز 113: 4). فتجد في كلّ مكان أنّ الربّ هو فوق السماوات، وكأنّ الملائكة ليسوا في السماء، وكأنّ السلطات غير موجودة في السماء. الموضوع موضوع السماوات التي قيل فيها: "السماوات تروي مجدك" (مز 19: 2). السماء هي حيث زالت الخطيئة. السماء هي حيث لا وجود لجرح الموت.

ما معنى "يتقدّس" (يكون مقدَّسًا)؟ هل نتمنّى أن يتقدّس من قال: "كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (لا 19: 2)؟ وهل يستطيع كلامنا أن يضيف شيئًا إلى قداسته؟ بل يتقدّس بحيث يبلغ إلينا عملُ قداسته.

ليتقدّس اسمك، ليأتِ ملكوتك

أترى ملكوت الله ليس أبديًّا! فيسوع قال: "من أجل هذا وُلدتُ" (يو 18: 37). وأنت تقول: ليأتي ملكوتك، وكأنّه ما أتى. فملكوت الله قد أتى حين نلتَ النعمة. فهو نفسه قال: "ملكوت الله فيكم" (لو 17: 21).

لتكن مشيئتك على الأرض كما في السماء

الكلّ نال السلام بدم المسيح، في السماء وعلى الأرض. تقدّس السماء، وطُرد منه الشيطان. وهو موجود حيث يوجد الإنسان الذي خدعَه. لتكن مشيئتك، أي ليكن سلام على الأرض كما في السماء.

أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ

أتذكر ما قلت لكم حين شرحتُ لكم الأسرار. قلت لكم: ما نقدِّم قبل كلمات المسيح يُدعى خبزًا. وما إن يتلفّظون بكلمات المسيح، لا يُدعى بعدُ خبزًا، بل جسدًا. ولماذا الصلاة الربّيّة التي تلي حالاً الكلام الجوهريّ، تقول حالاً: خبزنا؟ هي تقول خبزًا، ولكنّه خبزٌ جوهريّ بامتياز. فهذا الخبز لا يدخل إلى جسدنا، بل خبز الحياة الأبديّة الذي يغذّي جوهر نفسنا. لهذا يسمّيه اليونانيّ، "فوق الجوهر". اللاتين يقولون: اليوميّ. واليونان: الذي للغد. فما يقوله اللاتينيّ مفيد، ومثله اليونانيّ. شرح اليونانيّ المعنيين في لفظ واحد، واللاتينيّ قال: اليوميّ.

فإذا كان هذا الخبز يوميًّا، فلماذا ننتظر سنة لكي نتسلّمه، كما اعتاد اليونان أن يتسلّموه من الشرق؟ تقبَّل كلَّ يوم ما يجب أن يفيدك كلَّ يوم. عِشْ بحيث تستحقّ أن تتقبّله يومًا بيوم. فالذي لا يستحقّ أن يتقبّله كلَّ يوم، لا يستحقّ أن يتقبّله في نهاية السنة. هكذا اعتاد أيّوب القدّيس أن يقدّم، كلّ يوم، ذبيحة عن أبنائه، علّهم اقترفوا خطيئة في قلبهم أو في كلماتهم. سمعتَ إذن أنّهم كانوا كلَّ يوم يقدّمون الذبيحة، يمثّلون موت الربّ، قيامة الربّ، صعود الربّ، وغفران الخطايا. وأنت ألا تتقبّل خبز الحياة كلَّ يوم؟ فالذي جرح يطلب دواء. ودواء السماء هو السرّ الجليل.

أعطنا اليوم خبزنا اليوميّ. إن تقبّلت الخبز كلّ يوم، فكلُّ يوم هو لك اليوم (الحاضر). وإن كان المسيح لك اليوم، فهو يقوم كلّ يوم من الموت لك. كيف ذلك؟ "أنت ابني، أنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7). اليوم، أي يوم يقوم المسيح. قال الرسول: "البارحة (اليوم) هو هو" (عب 13: 8). ويقول في مكان آخر: "تناهى الليل واقترب النهار" (روم 13: 12). عبرت ليلة البارحة، ووصل نهار اليوم الحاضر.

أترك لنا ديوننا كما نترك لمن لنا عليه دين

ما هو الدين إلاّ الخطيئة؟ فلو أنّك ما قبلت المال من مقرضٍ غريب، لما كنتَ في ضيق. من هنا تأتي خطيئتك. إمتلكت المال الذي كان يجب به أن تُولَد غنيًّا. كنتَ غنيًّا، مخلوقًا على صورة الله ومثاله. خسرتَ ما كنتَ تملك، أي التواضع، حين رغبتَ الانتقام من العجرفة. خسرتَ ما لك، فوجدتَ نفسك عريانًا مثل آدم. قبلتَ من الشيطان دينًا لم يكن ضروريًّا. كنتَ حرًّا في المسيح، فصرتَ مديونًا للشيطان. إمتلك العدوّ رهنك، ولكنّ المسيح سمّره على الصليب ومحاه بدمه. دفع دينك، وردّ إليك حرّيّتك.

إذًا، بحقّ قال: أترك لنا ديوننا كما نترك لمن لنا عليه دين. انتبه لما تقول: أتركْ لي كما أنا أترك. إذا تركتَ، وافقتَ بأن يُترك لك. وإن كنتَ لا تترك، فكيف تقدر أن تلزم نفسك بأن تترك؟

ولا تسمح أن نُدخَل في تجربة، لكن نجّنا من الشرّ

تأمّل في ما تقول: لا تسمح أن نُدخَل في تجربة لا نستطيع أن نواجهها. ما قال: لا تدخلنا في تجربة، بل مثل مصارع، يريد محنة على قدر الوضع البشريّ، بحيث ينجو كلّ واحد من الشرّ، أي من العدوّ، من الخطيئة.

فالربّ الذي أزال خطيئتك وغفر ذنوبك، يقدر أن يحميك ويحفظك من حيل الشيطان الذي يحاربك، بحيث لا يفاجئنا العدوّ الذي اعتاد أن يولّد الذنب. فمن وثق بالله لا يخاف الشيطان. "إن كان الله لنا فمن يكون علينا"؟ (روم 8: 31). فله المديح والمجد الآن وفي دهور الدهور. آمين


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM