الخاتمة

الخاتمة

رفقة الأنبياء ممتعة. أشخاص من لحمنا ودمنا. وقد تكلّموا في هذا المحيط الشرقيّ الذي نعيش فيه. الصور هي هي. والكلمات العديدة. والأسلوب لا يختلف كثيرًا عمّا تركه لنا العالم القديم سوى في فينيقية أو أوغاريت أو بابل ونينوى وغيرها من المدن.

ورفقة الأنبياء تعلّمنا الكثير. هم حملوا كلام الله، وما اهتمّوا لكلام الناس إلاّ ليضيئوا عليه بخبرتهم مع الله. يسيطر اليأس على العائشين في المنفى، فيعيد حزقيال الرجاء إليهم ولو صاروا "عظامًا يابسة". ينام سكّان أورشليم على أمجادهم، ويستندون إلى هيكل مبنيّ من حجر، وينسون بناء جماعة تسيطر فيها العدالة والمحبّة. فيوبّخهم إرميا: ماذا يعني هيكل الربّ لكم؟ الهيكل هو رمز حضور الله وسط شعبه. أترى هذا الحضور يعلّمنا أن نعيش بحسب وصاياه. والعبادة التي هي في الأصل دلالة على حبّ الله، تبقى ناقصة، إن لم نقل كاذبة، إن لم تصل إلى حبّ القريب.

النبيّ أب (وأم معًا) يربّي المؤمنين في امتداد تربية الله، لأنّه صوت الله وحضوره. كانت إليّ كلمة الربّ. قال الربّ. نأمة الربّ وصوته الخفيف في أرض بابل، لا مكان للهيكل مع المنفيّين الأوّلين الذين تركوا أورشليم سنة 597 ق.م. ولكن معهم "نبيّ" سواء عرفوا ذلك أم لم يعرفوا. أجل، صار النبيّ دلالة على حضور الله، وخصوصًا حين دمِّر الهيكل سنة 587-586 ق.م.، بانتظار أن يدلّ سنة 70 ب.م. في ذلك الوقت، زالت الذبيحة، واختفى الكهنة، ولم يبق من الهيكل حجر على حجر إلاّ وهدم. فصار الوسيط بين الله وشعبه "التوراة"، كلام الله. بواسطة ما كُتب في الكتاب، يكتشف المؤمن طرق الله، ويعرف ما يجب عليه أن يعمل لكي يرضيه.

أمّا في المسيحيّة، فيسوع ليس النبيّ، وإن دعاه كذلك معاصروه، وشبّهوه بإرميا وبيوحنّا المعمدان وبأحد الأنبياء. إذا كان النبيّ هو من يحمل الكلمة، فيسوع هو الكلمة، كما قال لنا يوحنّا في بداية إنجيله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، وكان الكلمة الله" (1: 1)، الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس والمساوي للآب في الجوهر. كلّ الكلمات التي جاءت قبل يسوع، تصبّ فيه ليصل بها إلى كمالها. والكلمات التي جاءت بعده، لا معنى لها في نظر الله، إلاّ إذا انطلقت منه.

وفي أيّ حال، يسوع لم يترك كتابًا نتعلّق به. هو الكتاب. هو شخص حيّ، نتبعه. وكلمات الإنجيل لا تستنفده. بل توجّهنا إلى اللقاء معه. لهذا، لا نستطيع أن نقول إنّ المسيحيّ هو من أهل الكتاب، كما نقول عن اليهوديّ. فلو قلنا ذلك، صار الإنجيل صنمًا في أيدينا، أو قلعة ندور حولها ولا نجسر على الدخول إليها. ما تركه لنا الكتّاب الملهمون ليس حرفًا نتوقّف عنده، ولا نجسر أن نلمسه فنكتفي بتكراره وما أبشع المسيحيّين وسائر الشيع وبعض "الغرباء" الذين يمسكون الكتاب ويشلّعونه لكي يناقشوا في شخص يسوع. مساكين هؤلاء. يبقون في الخارج، ولا يدخلون سرّ الملكوت. لذلك تبقى لهم عبارات الإنجيل "أمثالاً" يقرأونها فلا يفهمون، يسمعونها فلا تدخل قلوبهم. لهذا يدعونا الرسول إلى الابتعاد عن هذه "المماحكات" والمنازعات التي يقوم بها أناس "فسُدت عقولُهم وأضاعوا الحقّ" (1 تم 6: 4).

تلك كانت طريقنا في نصوص إرميا وحزقيال ودانيال وباروك. فإلى نصوص أخرى ممّن دُعوا "الأنبياء الصغار"، لأنّ كتاباتهم كانت قليلة. فالنصّ الكتابيّ لا يُقرأ فقط، ولا يدرس ويكون مجال بحث وحسب، بل موضوع تأمّل يعلّمنا أن نخاطب الله بكلام الله، كما وصل إلينا عبر الأنبياء وتلاميذهم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM