القسم السادس والثلاثون:مثل العذارى

مثل العذارى 25: 1 – 13

إنتظر لقاء الرب واسهر
المشكلة كلّ المشكلة هي تأخّر العريس. وهذا ما يعلّمنا معنى الوقت. الوقت هو محنة للإيمان. نقول: لم أفكّر، لم أنتبه... لا شكّ، ولكن لماذا أجّلنا إلى الغد؟ عندما يطول الانتظار يخسر الانسان حماسه. فالسهر والاحتياط هما الكلمتان المهمتان في هذا المثل. لا نترك رجاءنا ينفد، هذه هي متطلّبة الحياة. لهذا، نستعدّ لأن المسيح يأتي في ساعة لا ننتظرها. إن مواعيد يسوع ترتبط بالنظرة المسيحية لا بالساعة المحدّدة في ساعاتنا.
يرمز الزيت إلى القوّة وإلى النور. والمدَّخر منه يعني حياة باطنية قويّة تنير الحياة العادية. الحياة اليومية هي حياة من الرقاد. لا نستطيع أن نعيش كل أيام حياتنا ونحن متيقظين. ولكنّنا نستطيع أن نبقي مصباحَنا مشتعلاً. ظننا أننا نستطيع في ذلك اليوم أن نتكل على الآخرين. كلا، فنحن مسؤولون عن نفوسنا وعن تنظيم مستقبلنا. لا نستطيع أن نعيش على حساب الآخرين فنفوّض أمورنا إليهم.
قد يتشكّك القارىء من موقف الأنانية الذي وقفته العذارى الحكيمات. هن لا يستطعن أن يقرضن زيتهن. فهناك أمور لا تُقرَض. مثلاً، الحب. فالأشياء لا تحل محلّ الرغبة. ونحن لا نختار الساعة، بل الله هو الذي يختارنا ساعة يشاء، وكيفما يشاء.
وقد نتشكّك أيضاً من موقف العريس. أُغلق الباب، إنتهى كلّ شيء. ألا نستطيع أن نعوّض؟ لم يتعرف الرب إلى اللواتي صرخن: افتح لنا. ما هذه القساوة؟ قد يكون في هذا الرفض معنى عميق. فلو أن الجاهلات لم يذهبن إلى الباعة، بل ارتمين بين يدي العريس باياديهن الفارغة! هل وجب عليهن الاسراع إلى الباعة والاتكال على الاشياء؟ لا نستطيع أن نتكل على قيَم البيع والشراء لكي نحبّ. قد نبحث عن طمأنينة في الأشياء، وقَد نحاوله أن نعيش وراء ذرائع، نتخفّى وراء إصبعنا. ولكن تأتي ساعة الحقيقة!
هذه هي قصة موعد فاشل! كلّ شيء بدأ في حماس الشباب والفرح. ليست العذارى باقات من الزهر. لقد عشن فرح الخطوبة مع المسيح. ولكن أين الرغبة، اين الحرية، أين السهر؟ لم تختر العذارى حكمة الله الحقيقية، ونقصَ من حياتهن هذا الرجاء الذي ينظر إلى البعيد. لم يكن النوم ممنوعاً، ولكن صرخة الليل توقظنا إلى ذواتنا، بل إلى المسيح الذي نرتمي بين يديه رغم ضعفنا ويدينا الفارغتين.
وعند نصف الليل علا الصياح: هوذا العريس. هذا ما يذكرنا أولاً بعيد الفصح، ساعة إتحّدت السماء بالارض، والتقى الانسان بالله. ويدّلنا ثانياً على اللقاء النهائي مع المسيح المنتصر على الموت ، على موته وموتنا. أجل، هذا المثل هو نشيد للحياة. ويسوع يُعلن بُشرى الفصح والقيامة حتى عودته الثانية فيقول: "أنا هو الحياة، من آمن بي، وان مات، فسيحيا"! ولكن ما هي هذه الحياة التي يَعِد بها يسوع؟ ما معنى ملء الحياة، وفيض الحياة، كما قال يسوع؟
هناك أوقات نادرة في حياتنا نكتشف فيها ملء الحياة وفرح الحياة. حين نقوم بمجهود عظيم: الذي يتسلّق الجبل ويصل إلى القمّة. الموسيقي الذي تسحره الأنغام. ولكن يبقى أن ملء الحب هو أعظم ملء للحياة، هذا الملء الذي يرغب فيه كل انسان: في الحب يتحوّل الانسان، يتجاوز نفسه حين يجد سعادته في سعادة الآخرين.
هذا ما عرفه يسوع وهو الذي قال لنا: "أنا هو الحياة. من يؤمن بي يحيا. من يسمع لي له الحياة الابديّة". منذ حياته على الأرض عرف ملء الحياة. مثلاً في وقت عماده، قال له الآب: "أنت ابني الحبيب". ولكن هذا لم يمنع عنه قلق النزاع، ولو أن هذا النزاع وصل به إلى صباح القيامة. ومع هذا فهو يعلن: " تعالوا إلّي أيها المتعبون وأنا أريحكم".
تكون لنا الحياة الابدية، يكون لنا فيض الحياة حين نأتي إلى المسيح،
حين نحيا معه واقعنا اليومي، حين نحيا معه اليوم والى الأبد. ليس هذا بمستحيل لأنه هبة منِ رحمته وحبّه. نحن ننتظره، ولكنه حاضر وقد سبقنا إلى اللقاء. هل نحن ساهرون لنذهب إلى لقائه، هل نحن صاحون لنتعرّف إلى وجهه؟
يحدّث يسوع تلاميذه عن مجيئه الاخير الذي لا يتوقّعونه، ويطلب منهم السهر. ويبدأ بمثل العذارى المدعوات إلى العرس، واللقاء بالرب عرس لا ينتهي. قال يسوع: اسهروا. أي: لتكن مصابيحكم مهيَّأة. تجنبوا النوم والرقاد، فالعريس يأتي في نصف الليل.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM