يوم المعاق

يوم المعاق

الرسالة: أع 3: 1-10

الإنجيل: مر 2: 1-12

قام الرجل وحمل فراشه

يا إخوتي، وصعد بطرس ويوحنّا إلى الهيكل لصلاة الساعة الثالثة بعد الظهر، فإذا بعض الناس يحملون رجلاً كسيحًا منذ مولده. وكانوا يضعونه كلّ يوم عند باب الجميل ليستعطي الداخلين. فلمّا رأى بطرس ويوحنّا يدخلان الهيكل طلب أن يتصدّقا عليه. فتفرّسا فيه، ثمّ قال له بطرس: "أنظر إلينا!" فنظر إليهما متوقّعًا أن ينال شيئًا. فقال له بطرس: "لا فضّة عندي ولا ذهب، ولكنّي أعطيك ما عندي: باسم يسوع المسيح الناصريّ قم وامشِ". وأمسك بده اليمنى وأنهضه، فاشتدّت قدماه وكعباه في الحال، فقال واثبًا وأخذ يمش. ودخل الهيكل معهما، ماشيًا قافزًا يمجّد الله. فعرفوا أنّه هو الشحّاذ الذي كان يقعد عند "الباب الجميل"، فامتلأوا حيرة وعجبًا ممّا جرى له.

أتذكّر حين كنتُ شابًّا أنّني لم أكن أرى مصابًا بإعاقة. فهو مدفون في زاوية من زوايا البيت، في الظلام، بحيث لا يستطيع أحد أن يراه. فالولد المعاق عار على الوالدين. ثمّ هو يفرض اهتمامًا خاصًّا. ولكن لا وقت للأصحّاء للقيام بهذا العمل. وبعد ذلك عرفت كم كان المصابون بإعاقة يقاسون، لا هواء نقيًّا لهم. لا نور. ولا ننسى مشاكل النظافة والرائحة التي تملأ أنوفهم. يحتملونهم احتمالاً، ويتمنّون ساعة يستريحون منهم. نحن لا نبحث عن سبب الإعاقة، وإن عُرف السبب لدى عدد منهم، بل نبحث كيف نهتمّ بهم. والحمد لله، تنظّمت مؤسّسات عديدة في العالم وفي لبنان وفي أماكن أخرى من هذا الشرق. ففهمنا أنّ المصاب بإعاقة، على مستوى الجسد أو غير مستوى، يستطيع أن يفهم، أن يحبّ، أن يعمل، أن يتعلّم شرط أن نراعي مشيته البطيئة. وكم يفرح المربّي حين يجده يتجاوب، كما حدث لإيلين كالار التي لم تكن ترى ولا تسمع ولا تتكلّم. ولكنّها صارت كاتبة، بعد أن رافقتها مربّية انطلقت من حاسّة اللمس عندها ففتحتها على عالم كان مغلقًا عليها، لأنّ الحواس التي هي شبابيك في حياتنا، كانت مغلقة، مقفلة.

1- كسيح منذ مولده

نبدأ فنطرح السؤال الذي طرحه التلاميذ على يسوع: من خطئ، هو أم والداه؟ كان الناس في الشرق القديم، بل في التوراة، بل في حياتنا اليوم، يربطون المرض والإعاقة بذنب اقترفه الإنسان. والذي يموت شابًّا، يفهم والداه أنّ حياته كانت شرّيرة، "فقصفها" الله. ولكنّ في العهد الجديد، مات يسوع شابًّا. أتراه كان خاطئًا؟ حاشا وكلاّ. إذن، هذا الجواب غير صحيح، فلا نتلفّظ به بعد اليوم.

وبما أنّ هذا المخلّع معاق منذ مولده، فهو ما خطئ بعد وهو في بطن أمّه. إذًا، نربط إعاقته بخطيئة اقترفها والداه. وكان جواب يسوع واضحًا: "لا هو خطئ ولا والداه" (يو 9: 3). ولكنّ يسوع لم يَعطِ السبب. فالشرّ يبقى سرًّا. وكذلك المرض والإعاقة والموت. هي قدرة الله التي فعلت وتفعل. وفي أيّ حال، هذا الأعمى منذ مولده "أبصر" يسوع. إعترف به وآمن. وفي النهاية سجد له. أمّا والداه فما تحرّكا بل تهرّبا ونركا ابنهما أمام السلطة التي رفضت أن ترى فصارت عمياء.

لا نطرح بعد اليوم سؤالاً عن سبب الإعاقة. ولا نقول إنّ الله ضرب بسبب خطيئة ربّما اقترفتها الأمّ أو الأب. بل نبحث في أن نهتمّ بابننا (أو بابنتنا) المصاب بإعاقة لكي نجعله ينمو قدر الإمكان. وننتبه خصوصًا إن حصل وولدنا طفلاً مصاب بإعاقة، من الحبل بأولاد آخرين. عندئذٍ تكون الخطيئة خطيئتنا، لأنّنا عرفنا ما يمكن أن يتعرّض له من سوف نلده، ولم نأخذ الإجراء اللازم.

2- يحملونه، يضعونه

لماذا يحملون هذا الكسيح؟ لا لكي يأخذوه في نزهة، ويخرجوه من ضيق البيت إلى مدى فسيح، بل ليجعلوه أمام الناس. فيروا عاهته ويقدّموا له بعض المساعدة. دخل بطرس ويوحنّا. نظر إليهما هذا المريض "توقّع أن ينال شيئًا". لا يهمّه من العابرين إلاّ ما يستطيعون أن يقدّموا له. لهذا ذكر بطرس "الفضّة والذهب". ولكنّ الرسول أعطاه ما يتجاوز أموال العالم كلّه. "أمسك بيده اليمنى وأنهضه".

رجل كسيح. تعطّلت القوى التي تساعده على الحركة. أو هو مُقعد. ويجب أن يبقى قاعدًا، لا يترك مكانه، إلى أن يأتي من يحرّكه. ذاك كان وضع المخلّع الذي لبث 38 سنة ينتظر من يرميه في الماء حين يتحرّك (يو 5: 7). مسكين هذا الرجل الذي يتعلّق بأقوال وأخبار.

شفي الرجل، فصار إنسانًا عاديًّا، واستطاع أن يكون له موقعه بين إخوانه. تلك كانت معجزة. وقد تحصل ولكن في أوقات نادرة جدًّا. فهناك شفاء من نوع آخر، كلّ واحد منّا يستطيع أن يقوم به: نساعد هذا العاق أن يتكيّف مع العالم الذي يُقيم فيه، أيكون له بعض الاستقلال الذاتيّ، فيحسّ أنّه أكثر من طفل يحتاج إلى كلّ مساعدة. مهمّة صعبة. أناس تخصّصوا لها. والمحبّة تستطيع أن تفعل "عجائب" لا تفعلها اليدُ العاديّة.

3- أخذ يمجّد الله

مجّد هذا الكسيح الله. يعني أنشد مجد الله، الذي ظهر في هذا الشفاء. خرج من ذاته ومن عزلته، ورفع نظره إلى الله. وقد يذهب مريض إلى معبد من المعابد، يطلب نعمة الشفاء. وفي أيّ حال، يرفع نظره إلى العلاء. يُروى عن سيّدة كانت تأتي كلّ سنة إلى معبد العذراء في لورد (فرنسا) وتطلب الشفاء دون أن تُشفى. فأخبرت الكاهن المرافق. فقال لها: هل أنت على خلاف مع مريم؟ هل قررتِ أن لا تعودي إلى هنا؟ أجابت: كلاّ. وسآتي إلى هنا كعادتي، لأنّ العذراء ما أعطتني شفاء الجسد، ولكنّها أعطتني شيئًا آخر لا أستطيع أن أعبّر عنه، فملأ قلبي فرحًا في الحالة التي أنا فيها.

مجّد الكسيح الله على ما حصل عليه. ويمجّده من أجل الأشخاص الذين يهتمّون به. هذا ما نشاهده في لورد مع أشخاص يقدّمون أسبوعًا من عطلتهم السنويّة للاهتمام بالمصابين بإعاقة الكثر الذين يشاركون في التطواف بالقربان المقدّس، الساعة الرابعة بعد الظهر. هذا ما قال يسوع لتلاميذه: "يرون أعمالكم الصالحة ويمجّدون أباكم الذي في السماء" (مت 5: 16).

يخرج المصاب بإعاقة من إعاقته، في الداخل. ووالداه يتقبّلان الوضع، فيحقّق في الجميع ما قاله يسوع للتلاميذ الذين سألوه عن الأعمى منذ مولده: "تظهر قدرة الله وهي تعمل فيه" (يو 9: 3) وفي الذين حوله. والويل لوالدين يتخلّيان عن معاق، يرميانه جانبًا، من أجل راحتهما وسعادة مبنيّة على الأنانيّة وحبّ الذات. هي حالة صعبة في البيت، ولكنّ الربّ هو هنا. وإن أصابتنا تجربة من هذا النوع، فلا يمكن أن تكون فوق طاقتنا. "فالله صادق لا يكلّفنا من التجارب غير ما نقدر عليه. ويهبنا مع التجربة وسيلة النجاة منها والقدرة على احتمالها" (1 كور 10: 13). إذا كان إيماننا بالله، نقبل الإعاقة إذا حصلت لنا. ونقبل المصاب بها الذي وكّلنا الله به. وهو سيسألنا: "ماذا فعلت بأخيك؟ ماذا فعلت بأختك؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM