عيد القدّيس جاورجيوس

عيد القدّيس جاورجيوس

الرسالة : 2 تم 2: 4-13

الإنجيل : يو 15: 1-8

الجنديّ الحقيقيّ

يا إخوتي، فالجنديّ لا يشغل نفسه بأمور الدنيا إذا أراد أن يرضي قائده. والمصارع لا يفوز بإكليل النصر إلاّ إذا صارع حسب الأصول. والزارع الذي يتعب يجب أن يكون أوّل من ينال حصّته من الغلّة. إفهم ما أقوله لك، والربّ يجعلك قادرًا على فهم كلّ شيء. واذكر يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات وكان من نسل داود، وهي البشارة التي أعلنها وأقاسي في سبيلها الآلام حتّى حملتُ القيود كالمجرم. ولكنّ كلام الله غيرُ مقيّد. ولذلك أحتمل كلّ شيء في سبيل المختارين، حتّى يحصلوا هم أيضًا على الخلاص الذي في المسيح يسوع مع المجد الأبديّ. صدق القول إنّنا: "إذا متنا معه عشنا معه، وإذا صبرنا معه ملكنا معه، وإذا أنكرناه أنكرنا هو أيضًا، وإذا كنّا خائنين بقي هو أمينًا لأنّه لا يمكن أن ينكر نفسه".

إذًا نعيّد القدّيس جاورجيوس، ذاك الجنديّ الذي رفض تقديم البخور للأصنام فخان سيّده الأرضيّ، إمبراطور رومة، لكي يطيع سيّده السماويّ، الربّ يسوع المسيح، ففهم معنى هذه الرسالة التي كتبها بولس وهو يستعدّ للموت الذي لن يكون بعيدًا، حيث قال: "أمّا أنا فذبيحة يراق دمُها وساعة رحيلي اقتربت" (2 تم 4: 6).

1- الجندي وقائده

هي صورة أولى من عالم الجيش تُفهم المؤمن طريق الالتزام بدون مساومة ولا تشتّت. هو لا ينظر إلى الوراء. بل لا يهتمّ بأمور كثيرة يهتمّ بها غيره. عينه إلى يد قائده. إلى أيّ إشارة يرسلها، ولا يتردّد في تنفيذها.

المؤمن جنديّ للمسيح، ولا يمكن أن يكون لغيره. فإن لم يكن معه، فهو ضدّه. وإن كان لا يجمع معه فهو يفرّق. إنّه يعرف أنّ الجهاد ينتظره والتعب. والمسيرة في تلك الحرب الروحيّة لن تكون نزهة في حديقة. فالألم ينتظرنا والجراح، وربمّا الموت، لا موت النفس، بل موت الجسد. لهذا وجب على جنديّ المسيح أن يأخذ "سلاح الله الكامل" من أجل المقاومة (أف 6: 3): ترس الإيمان، سيف الروح. وإن كان يهاجم ولا يخاف "الخسارة"، فلأنّه جعل رجاءه في الربّ. بل هو يسير في طريق أوّل المجاهدين: حمل الصليب وسار أمامنا وهو يدعونا أن نتبعه: "من أراد أن يتبعني ينكر نفسه ويحمل صليبه" (مر 8: 34).

2- الحارث وثمار تعبه

الصورة الثانية تقودنا إلى حيث يقول لنا يسوع: "من وضع يده على المحراث ونظر إلى الوراء، لا يصلح لملكوت الله" (لو 9: 62). هذا يعني التعب والمثابرة على العمل. لا شيء يلهي من تكرّس لخدمة المسيح. ونتذكّر في هذا المجال جدعون حين اختار جيشه: الخائف يرجع. وهكذا رجع الكثيرون (قض 7: 3). وقال سفر التثنية: "من بدأ ببيت، من غرس كرمًا، من خطب امرأة". في هذا المعنى قال يسوع: "من أحبّ أبًا أو أمًّا أكثر منّي فلا يستحقّني".

يُمنَع التماهل للمؤمن. بل هو يبكّر ويمضي إلى الحقل، بعد أن طلب أبوه ذلك، ولو اشتغل من الصباح إلى المساء. ويعرف أنّه إن زرع قليلاً، سيحصد قليلاً وإن زرع كثيرًا سيحصد كثيرًا (2كور 9: 6). وفي أيّ حال، هو الزرع الذي يُرمى في الأرض بحيث يعطي الثمار. والذي اعتاد أن يشهد كلّ يوم للمسيح في حياته، يقطف ثمر هذه الشهادة إراقة دمه ذبيحة لله. يستحقّ بأن يكون الشهيد الذي "صارع" حسب الأصول، فربح الإكليل الذي لا يفسد.

3- المثال الذي أمامنا

لا بدّ للمومن أن يفهم. ولكن هناك فهم وفهم. هناك حساب بشريّ وحساب إلهيّ. وطرق الربّ غير طرق البشر وأفكاره ليست أفكارنا. عند أيّ مستوى يقف فهمنا وماذا نريد في هذه الدنيا؟ أنأخذ بالتقوى أم نتبع شهواتنا؟ أنكتفي بالقوت والكسوة أم يدفعنا حبّ المال الذي هو أصل كلّ شرّ فنضلّ عن الإيمان ونصاب بكلّ الأوجاع (1 تم 2: 6-10).

تروي أخبار الشهداء أنّ الأباطرة والحكّام عرضوا على "الجنديّ" المال والكرامات، إن هو قبل أن يطيع قائده على الأرض، لا قائده في السماء. كانت التجربة قاسية. فما الذي يجتذب الإنسان. أما جعل إبليس العالم أمام يسوع إن هو سجد له؟ والكرامة البشريّة دعت يسوع إلى أن "يقفز" عن إحدى شرفات الهيكل. وبولس اختار طريق الصبر والآلام، وهو الآن في القيود، بعد أن لاحقه اليهود من مدينة إلى مدينة.

في هذه الطريق سار جاورجيوس. تطلّع في الشهيد الأوّل الذي يموت حيث يموت كلّ مؤمن في سبيل الإيمان. وتطلّع في هذه القافلة، في هذه "السحابة من الشهود" (عب 12: 1). ألقى عنه كلّ ثقل، وجرى بعزم في ميدان الجهاد، فجلس في النهاية على عرش قرب يسوع الذي تحمّل الصليب مستخفًّا بالعار (آ 1-2).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM