خميس الصعود

خميس الصعود

الرسالة : أع 1: 1-14

الإنجيل : مر 16: 15-20

صعود يسوع إلى السماء

يا إخوتي، دوّنت في كتابي الأوّل، يا ثاوفيلس، جميع ما عمل يسوع وعلّم من بدء رسالته إلى اليوم الذي ارتفع فيه إلى السماء، بعدما أعطى بالروح القدس وصايا للذين اختارهم رسلاً. ولهم أظهر نفسه حيًّا ببراهين كثيرة، وتراءى لهم مدّة أربعين يومًا بعد آلامه، وكلّمهم على ملكوت الله. وبينما هو يأكل معهم قال: "لا تتركوا أورشليم، بل انتظروا فيها ما وعد به الآب وسمعتموه منّي: يوحنّا عمّد بالماء، أمّا أنتم فتعمّدون بالروح القدس بعد أيّام قليلة".

فسأل الرسل يسوع عندما كانوا مجتمعين معه: "يا ربّ، أفي هذا الزمن تعيد الملك إلى إسرائيل؟" فأجابهم: "ما لكم أن تعرفوا الأوقات والأزمنة التي حدّدها الآب بسلطانه. ولكنّ الروح القدس يحلّ عليكم ويهبكم القوّة، وتكونون لي شهودًا في أورشليم واليهوديّة كلّها والسامرة، حتّى أقاصي الأرض". ولمّا قال يسوع هذا الكلام ارتفع إلى السماء وهم يشاهدونه، ثمّ حجبته سحابة عن أنظارهم.

وبينما هم ينظرون إلى السماء وهو يبتعد عنهم، ظهر لهم رجلان في ثياب بيضاء وقالا لهم: "أيّها الجليليّون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ يسوع هذا الذي صعد عنكم إلى السماء سيعود مثلما رأيتموه ذاهبًا إلى السماء.

فرجع الرسل إلى أورشليم من الجبل الذي يقال له جبل الزيتون، وهو قريب من أورشليم، على مسيرة سبت منها. ولمّا دخلوا المدينة صعدوا إلى غرفة في أعلى البيت، كانوا يقيمون فيها، وهم بطرس ويوحنّا، ويعقوب وأندراوس، وفيلبّس وتوما، وبرتلماوس ومتّى، ويعقوب بن حلفى، وسمعان الوطنيّ الغيور، ويهوذا بن يعقوب. وكانوا يواظبون كلّهم على الصلاة بقلب واحد، مع بعض النساء، ومريم أمّ يسوع وإخوته.

في اختبارات العهد الجديد، خطّان يدلاّن على المجد الذي ناله يسوع بعد الموت. الأوّل، يتحدّث عن القيامة، بعد الرقاد. لم يعد يسوع في ظلمة القبر، بل فتح القبر، فشعَّ منه النور، والثاني يتحدّث عن الصعود. يقول الرسول: هذا الذي صعد هو الذي نزل إلى أعمق أعماق الأرض. وقد أراد للتلاميذ أن يكونوا معه ليروا المجد الذي أُعطي له قبل أن يكون العالم. (يو 17: 24).

1- رُفع بمرأى منهم

من رفع المسيح؟ الله الآب. وهكذا عاد الابن بعد أن أكمل المهمّة. أرسله الآب "لئلاّ يهلك من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16). أجل أرسل الابن إلى العالم من أجل خلاص العالم، لا هلاكه. أكمل الرسالة، كما في الصلاة الكهنوتيّة (يو 17)؛ عرَّف الآب إلى الناس. مجَّد الله. أظهر اسمه. أوصل كلمته. رُفع يسوع مرّة أولى على يد البشر، على الصليب فاجتذب الجميع إليه، ونحن أيضًا، وها هي رفعة ثانية، في الصعود: يجلس عن يمين الآب ونحن نجلس معه.

رآه التلاميذ وهو صاعد. ولكنّ أيّ رؤية بالعين بعد القيامة؟ أذًا هي رؤية من نوع آخر. ما عاد يسوع بعد القيامة في الجسد الذي كان له قبل الموت. بل في جسد ممجَّد يدخل إلى العلّيّة والأبواب موصدة. رفع التلاميذ لكي "يروه" ويختبروا حضوره. وسيتخبرون هذا الحضور بقدرة الروح القدس الذي يذكّرهم بما قال لهم يسوع ويفهمهم ما لم يفهموه قبل القيامة.

2- حجبته سحابة

السحابة تدلّ على تجلّي الله وحضوره. فهي تُخفي الله وتكشفه في الوقت عينه. قيل في سفر الخروج: "إنّ الربّ يسير أمامهم نهارًا في عمود من سحاب" (13: 21). وحين يعود المسيح في نهاية الأزمنة، يصوّره سفر دانيال بشكل "ابن إنسان آتيًا على سحاب المسيح" (7: 13). حين كان يسوع على الأرض، ما أراد أن يميّز في شيء عن سائر الناس، على مستوى الجسد شابهنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. كان طفلاً كسائر الأطفال، وفتى كسائر الفتيان، وشابًّا كسائر الشبّان، حين شفى النازفة، زحمته الجموع وما خافت منه. ولكن على ضوء القيامة، تبدّلت النظرة. هذا الذي يوقف البحر والرياح هو ابن الله. هذا الذي يُقيم الموتى، هو بلا شكّ سيّد الأموات والأحياء، بحيث نعيد قراءة نصوص مثل "حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم". وحين قال له نتنائيل: أنت ابن الله. فلا يعني أنّه يرى فيه ملكًا يختاره الله، بل الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. وفي الصعود، ذاك الذي رُفع إلى السماء هو ابن السماء. عاد إلى مقامه في حضن الآب.

3- يسوع سيأتي

صعد يسوع فلبث التلاميذ ناظرين إلى السماء. متى سيعود؟ والانتظار يكون موقف من لا يعمل شيئًا. لهذا جاء شاهدان من السماء، رجلان في ثياب بيضاء. واللون الأبيض علامة القيامة والظفر. إذا كانوا لا يعودون يرون يسوع بعيونهم الجسديّة، فقيامتُه حاضرة معهم، ومجده يرافقهم. ولكنّ عبر الألم والاضطهاد، وهذا ما فهمه الرسل حين كانوا فرحين بعد أن جُلدوا. رأوا أنّ الله وجدهم أهلاً لقبول الإهانة من أجل يسوع. أجل، هو شرف كبير للتلميذ أن يكون مثل معلّمه.

تتواصل الرسالة بانتظار عودة السيّد. والبرنامج واضح: تكونون شهودًا. فالتلميذ يعلن أنّه شاهد يسوع. إختبر الحياة معه. وهو يستطيع أن يخبر. في الواقع، طلب اليهود من الرسل أن يسكتوا. أن لا يتكلّموا عن يسوع، أن لا يذكروا اسمه بشفاههم. وكان الجواب: لا نستطيع أن نسكت عمّا رأينا وسمعنا. ذاك هو نداء العيد بالنسبة إلينا: شهادة في كلامنا وأعمالنا وحياتنا. شهادة تتعدّى محيطنا الضيّق لتصل إلى أقاصي الأرض.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM