خميس الأسرار

خميس الأسرار

الرسالة : 1 كور 11: 23-32

الإنجيل : لو 22: 1-23

عشاء الربّ

يا إخوتي، فأنا من الربّ تسلّمت ما سلّمته إليكم، وهو أنّ الربّ يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزًا وشكر وكسره وقال: "هذا هو جسدي، إنّه لأجلكم. إعملوا هذا لذكري". وكذلك أخذ الكأس بعد العشاء وقال: "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلّما شربتم، فاعملوا هذا لذكري". فأنتم كلّما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الربّ إلى أن يجيء. فمن أكل خبز الربّ أو شرب كأسه وما كان أهلاً لهما خطئ إلى جسد الربّ ودمه.

فليمتحن كلّ واحد نفسه، ثمّ يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس، لأنّ من أكل وشرب وهو لا يراعي جسد الربّ، أكل وشرب الحكم على نفسه. ولذلك كثر فيكم المرضى والضعفاء ومات بعضكم. فلو كنّا نمتحن أنفسنا، لتجنّبنا الحكم علينا. ولكنّ الربّ يحكم علينا ويؤدّبنا لئلاّ يديننا مع سائر العالم.

ليلة الآلام، جمع يسوع تلاميذه حوله. أعطاهم جسده، أي ذاته بكلّيّتها. أعطاهم دمه، أي حياته. ما ترك لنفسه شيئًا. أعطى ذاته فطلب منّا أن نعطي ذواتنا. وهب حياته ونحن نهب حياتنا للربّ، كما نهبها لإخوتنا في عيش محبّة يميّز الإخوة الذين يأكلون من الجسد الواحد ويشربون من الدم الواحد. هم يشاركون في كأس الربّ. فيا ليت مشاركتهم تكون ظاهرة في الحياة اليوميّة، بحيث لا يجوع البعض ساعة يموت الآخرون من التخمة. إن وصل عشاء الربّ إلى هذا المستوى فالجماعة لا تستحقّ المديح. بل إنّ الرسول لا يستطيع أن يصدّق أنّها وصلت إلى هذا المستوى.

1- تسلّمتُ ما سلّمت

بعد التحوّل في حياة بولس، مضى إلى دمشق واعتمد على يد حنانيا. صار تلميذ يسوع. فيبقى عليه أن يتعلّم. المؤمنون الأوّلون سمعوا الرسل في أورشليم. ولكنّ هذا المهتدي الجديد لا يقدر أن يأتي ليسمع بطرس يتحدّث عمّن هو المسيح والربّ. لهذا، مضى إلى "بلاد العرب" (غل 1: 17). ففي كنائس انتشرت في جوار دمشق وجنوبها، في حوران وفي مناطق جرش وعمّان في الأردنّ الحاليّ. تسلّم بولس الإنجيل في الاجتماعات الأسبوعيّة. كانوا يتذكّرون كلام الربّ وحياته وأعماله.

ما أجمل هذه الجماعات الأولى، هذه الكنائس الصغيرة التي تأسّست سريعًا بعد موت المسيح وقيامته. تسلّمت الإنجيل. وها هي تسلّمه إلى الآتين إليها. ففضلها كبير في مساعدة بولس على التعرّف إلى المسيح. فكأنّي بها أرسلته كما سوف ترسله أنطاكية في رحلة رسوليّة أولى (أع 13: 1 ي).

2- في اللّيلة

وأورد بولس خبر العشاء السريّ. عشاء الربّ، كما سمعه في تلك الجماعات. هو أوّل ما ورد في الكتب المقدّسة، وقبل الأناجيل. فكلام المسيح تناقلته الجماعات شفهيًّا قبل أن يدوّنه متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا. فالإنجيل يُعاش قبل أن يكون كلمة مكتوبة يمكن أن تصبح حرفًا ميتًا نحفظها غيبًا ولا نفقه معناها. والممارسة الإفخارستيّة يمكن أن تصبح عادة نعتاد عليها فلا تعود تؤثّر في حياتنا، قدّاسًا بعد قدّاس.

ماذا حدث في تلك اللّيلة؟ قال الربّ: هذا هو جسدي. خذوا كلوا منه كلّكم. هي دعوة وما أجملها دعوة. لا يكتفي الربّ بأن يهيّء لنا مائدة كما يفعل الناس مع أصدقائهم، من أطايب الأكل. هو لا يقدّم شيئًا خارجًا عنه، بل يقدّم ذاته. يضحّي بذاته. يسفك دمه. لا يترك شيئًا له.

ويقول لنا في النهاية: إعملوا هذا لذكري. أي في كلّ احتفال بالإفخارستيّا نتذكّر ما فعله الربّ في الرمز، ثمّ في الحقيقة، يوم الجمعة العظيمة. هناك ما اكتفى بأن يقول، بل عمل، فما بقي قطرة دم في جسمه فسال الماء. وهو يدعونا أن نقتدي به. نعطي حياتنا لإخوتنا، ولا نأخذ منهم حياتهم وما يساعدهم على عيش كريم.

3- نمتحن نفوسنا

بعد أن جعل الرسول المؤمنين في جوّ العشاء السرّيّ الذي يعيشونه ليلة السبت من كلّ أسبوع، بانتظار يوم الأحد، دعاهم إلى أن ينظروا لنفوسهم. أن يعرفوا ماذا يفعلون. أترى يميّزون بين جسد الربّ وأيّ طعام آخر. فالغلط ممكن، لا سيّما وأنّ "القدّاس" بحصر المعنى، سبقه عشاء الإخوّة حيث كلّ واحد يأتي بزاد ليشارك فيه الجميع. هل يعرفون أنّ المشاركة في جسد الابن الواحد، يدعوهم إلى المشاركة في حياة المحبّة الأخويّة. فإن غابت هذه المحبّة، وجب علينا أن نسأل نفوسنا عن جدّيّة ما نفعل. لا ليس الاجتماع الأسبوعيّ مناسبة للأكل والشرب حتّى السكر، وخصوصًا أعياد القرى والكنائس المحليّة. ضاع فيها المعنى الحقيقيّ. ومرّات عديدة صار "القدّاس" إطارًا من أجل عمل آخر، يبدو لنا أكثر أهمّيّة. حينئذ يبدو يسوع وكأنّه يهدي جواهره لأناس لا يعرفون قيمتها. لهذا قال بولس: أقول هذا لخزيكم. كيف نجمع كأس البركة الآتية من عند الله مع كأس أخرى؟ وكيف نجمع كأس الربّ مع كأس الشياطين (1 كور 10: 16-21)؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM