اثنين الرماد

اثنين الرماد

الرسالة: 1 كور 13: 4-14: 1

الإنجيل: مت 10: 28-33

المحبّة وحدها تبقى

يا إخوتي، المحبّة تصبر وترفق، المحبة لا تعرف الحسد ولا التفاخر ولا الكبرياء. المحبّة لا تسيء التصرّف، ولا تطلب منفعتها، ولا تحتدّ ولا تظنّ السوء. المحبّة لا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحقّ. المحبّة تصفح عن كلّ شيء، وتصدّق كلّ شيء، وترجو كلّ شيء، وتصبر على كلّ شيء. المحبّة لا تزول أبدًا. أمّا النبوّات فتبطل والألسنة تصمت. والمعرفة أيضًا تبطل، لأنّ معرفتنا ناقصة ونبوّاتنا ناقصة. فمتى جاء الكامل زال الناقص.

لمّا كنت طفلاً، كطفل كنتُ أتكلّم وكطفل كنت أدرك، وكطفل كنت أفكّر. ولمّا صرت رجلاً، تركت ما هو للطفل، وما نراه اليوم هو صورة باهتة في مرآة، وأمّا في ذلك اليوم فسنرى وجهًا لوجه. واليوم أعرف بعض المعرفة، وأمّا في ذلك اليوم فستكون معرفتي كاملة كمعرفة الله لي.

والآن يبقى الإيمان والرجاء والمحبّة، وأعظم هذه الثلاثة هي المحبّة.

لتكن المحبّة غايتكم المنشودة، وارغبوا في المواهب الروحيّة، وخصوصًا موهبة النبوءة.

في بداية زمن الصوم، تدعونا الكنيسة إلى حياة جديدة، إلى طريق نتجدّد فيها خلاص أيّامه الأربعين. فنصل إلى أسبوع الآلام وعيد القيامة المجيدة. نتعرّف إلى القيم الحقيقيّة ولا نقف عند الظواهر. الطعام والشراب أمران لا بأس بهما ولكنّ ملكوت الله ليس أكلاً وشربًا، بل برٌّ وفرح في الروح القدس. والجسد أي ما يمنحنا الحياة في هذه الدنيا، ليس كلَّ شيء. بل النفس أي الإنسان في عمق أعماقه، صورة الله ومثاله. هذا الجسد نهتمّ به، كما قال الرسول، نغذّيه (أف 5: 1-2)، ولكنّنا لا نؤلّهه بحيث يشغل بالنا فنتوقّف عند جمال خارجيّ ومظاهر، وننسى مثلاً أنّ جمال ابنة الملك هو في الداخل. هذا ما يعلّمنا زمن الصوم المبارك في أوّل أيّامه. يسمعنا كلام إبراهيم أمام الربّ: أنّنا تراب ورماد. وأنّ عظمتنا من عظمة الربّ.

1- أمور لا تزول

أمور عديدة نمارسها في الحياة تزول. الطعام للبطن والشراب، ولكنّ الله يزيل كلَّ هذا. فكيف نتوقّف على ما يدخل إلى الفم، ولا نهتمّ بما يخرج من الفم: الأفكار الشرّيرة، الفسق، السرقة، القتل، الزنى، الطمع، الخبث، الحسد، النميمة، الطمع، الكبرياء (مر 7: 20-22).

والتوقّف على الطعام والاهتمام المتزايد في صحة الجسد، يدفعنا لأن نسمع كلام الرسول عن هؤلاء الذين يخدمون بطونهم (روم 16: 18)، لا الربّ. جمال الجسد، أمر حسن. ولكن، كم يدوم. والحياة الدنيويّة بما فيها من تهذيب ولياقات، شيء يُحمَد. ولكن هل هذا هو الإنسان كلّه؟

كيف يمكن أن لا تزول أمور كثيرة، كيف يمكن أن تدوم؟ إن كانت بحسب الروح، ومن يميِّز بين ما يزول وما لا يزول؟ النار التي تمرّ في حياتنا، الخشب والقشّ والتبن تحرقه. والفضّة والذهب والحجارة الكريمة تزيدها جمالاً على جمال. ذاك هو زمن الصوم. يعلّمنا أن نميّز بين الباقي والزائل. بين الحقّ والباطل الذي لا منفعة منه، إن لم يكن ضرر. أما ندان على كلّ كلمة باطلة؟ كلمة لا تبني، بل تهدم.

2- مواهب في حياتنا

كلّ واحد منّا نال موهبة من المواهب إن لم يكن أكثر من أجل خدمة الجماعة وبنيان الكنيسة. ذكر الرسول بعضها. ولا سيّما تلك التي شدّدت عليها جماعات في كورنتوس: التكلّم بألسن. لا بأس في ذلك. ولا سيّما إذا وُجد شخص يترجم ما يقول ذاك المتكلّم بألسن. ولكن في الحياة الأخرى، لم يعد من وجود للسان. فالقلب هو الذي يصلّي، عمق الإنسان هو الذي يمتدح.

ومواهب أخرى يمكن أن نذكرها: التدبير في الكنيسة "والرئاسة" ساعة يسوع قال لنا إنّ الأكبر يكون كالأصغر، والسيّد كالخادم. موهبة التعليم مهمّة. ولكن يأتي يوم، كما يقول النبيّ، "لا يعلّم بعد الواحد الآخر، والأخ أخاه، أن يعرف الربّ" (إر 31: 34). فمهمّة التعليم تنتهي ساعة "جميعُهم من كبيرهم إلى صغيرهم يعرفونني". إذًا، ما هو الباقي؟ المحبّة.

3- المحبّة لا تزول

حياة الجسد تزول. المواهب تزول، المعرفة تبطل. وعلى الأرض، لا قيمة لشيء إن لم تنفحه المحبّة. أجمل كلام بدون محبّة، هو نحاس يطنّ وصنج يرنّ. أعظم معرفة بدون محبّة، تبقي الإنسان وكأنّه لا شيء. بل يستعمل معرفته من أجل أنانيّته وكبريائه على حساب الاخرين. والسخاء والاندفاع لا نفع منهما إن لم ينطلقا من المحبّة. والإيمان نفسه يزول، لأنّنا نرى الربّ وجهًا لوجه فنستغني عن الإيمان. والرجاء يزول، لأنّنا نمتلك ما كنّا نرجوه. وهكذا يكون أعظم كلّ شيء: المحبّة.

المحبّة تبدأ على الأرض، وتتواصل في السماء، لأنّ الله محبّة. ولا تكون بالعموميّات والنظريّات. أنا أحبّ البشريّة. المحبّة أهمّ شيء عندي. كلّه كلام بكلام. والرسول يعطينا بعض الأمثلة، ويمكن للمحبّة أن تستنبط غيرها.

في هذا الصيام المبارك، تعلّمنا المحبّة أن نصفح على مثال المسيح فلا نترك في قلبنا موضعًا للبغض والحقد والانتقام. وتعلّمنا انتفاح القلب بحيث نصدّق الآخرين ولا نعتبرهم دومًا غاشّين، كاذبين. ونحن يكون كلامنا نعم نعم ولا لا. والمحبّة تعلّمنا الصبر على ظروف الحياة اليوميّة. فما ينفع التأفّف والبكاء والتحسّر إلاّ "ليسوّد" جوّ البيت الذي نعيش فيه؟ وأين موضع الرفق والحنان لمن لا يعرف محبّة تكون تضحية على مثال المسيح الذي أحبّني وبذل نفسه عنّي؟

النور الذي يضيء مسيرتنا في هذا الصيام، هو المحبّة. إن صمنا نصوم حبًّا بالله. وتفكيرًا بإخوتنا الذين ليس لهم ما يأكلون. وإن تصرّفنا مع إخوتنا كان موجّهنا المحبّة بحسب كلام القدّيس أوغسطينس: أحبب وافعل ما تشاء. فالمحبّة هي السيّدة في هذا العالم، والباقية في العالم الآخر. ونحن في نهاية حياتنا، ندان، أوّل ما ندان، على المحبّة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM