الأحد السادس بعد الصليب

الأحد السادس بعد الصليب

الرسالة : غل 6: 1-10

الإنجيل : مت 25: 14-30

شريعة المسيح

يا إخوتي، إن وقع أحدكم في خطأ، فأقيموه أنتم الروحيّين بروح الوداعة. وانتبه لنفسك لئلاّ تتعرّض أنت أيضًا للتجربة، ساعدوا بعضكم بعضًا في حمل أثقالكم، وبهذا تتمّمون العمل بشريعة المسيح. ومن ظنّ أنّه شيء، وهو في الحقيقة لا شيء، خدع نفسه. فليحاسب كلّ واحد نفسه على عمله، فيكون افتخاره بما عمله هو لا بما عمله غيره، لأنّ على كلّ واحد أن يحمل حمله. ومن يتعلّم كلام الله، فليشارك معلّمه في جميع خيراته.

لا تخدعوا أنفسكم: هو الله لا يستهزأ به، وما يزرعه الإنسان فإيّاه يحصد: فمن زرع في الجسد حصد من الجسد الفساد، ومن زرع في الروح، حصد من الروح الحياة الأبديّة. ولا نيأس في عمل الخير، فإن كنّا لا نتراخى جاء الحصاد في أوانه. وما دامت لنا الفرصة، فلنحسن إلى جميع الناس، وخصوصًا إخوتنا في الإيمان.

أعطيت شريعة موسى على جبل سيناء. في عشر وصايا على لوحين "تسلّمهما" موسى من يد الربّ، دلالة على أنّ هذه الوصايا التي عرفت بعضها حضارات قديمة ترتبط كلّها بالله. فالإنسان لا يسرق لأنّه يخاف من العقاب، بل لأنّ الله أمره بذلك. وهو لا يقتل لأنّه يخاف أن يُقتل، بل لأنّ حياة الإنسان في يد الربّ. والويل لمن يتصرّف بحياة أخيه الإنسان، كما فعل قايين. وهكذا ننطلق من شريعة موسى لنصل إلى المحبّة. محبّة الله أوّلاً، ثمّ محبّة القريب. في هاتين الوصيّتين تتلخّص الشريعة كلّها وتعاليم الأنبياء. تلك هي شريعة المسيح.

1- الإصلاح الأخويّ

هنا تبدأ المحبّة. على مستوى الإخوة. أنا أخ لكلّ واحد بقربي. وأنا مسؤول عنه. لا أستطيع مع المسيح أن أقول، كما قال قايين: لست حارسًا لأخي. لا أعرف. حتّى في الشرائع المدنيّة، من وجد جريحًا على الطريق وما ساعده، يُعتبر مذنبًا ويُعاقب. والكاهن واللاويّ كانا على خطأ. رأيا الجريح وما مدّا له يد المساعدة.

هذا على المستوى المادّيّ. وهناك المستوى الروحيّ: إذا وقع إنسان في زلّة. علينا أن نصلحه. نساعده على الخروج من الخطيئة التي سقط فيها، أو من العادة التي صار عبدًا لها. هو أمر واجب علينا، نحن الروحيّين، أي نحن الذين يحرّكنا الروح. نحن لا نمضي من مبادرة منّا، بل يدفعنا الروح. وما أسعدنا إن "أطعنا إلهاماته".

والإصلاح لا يكون بالعنف والصياح والشتيمة وإذلال الآخر. بل "بروح الوداعة". الودعاء يرثون الأرض. يرثون القلوب. هم يعملون في الإنسان مثل المطر الخفيف في الأرض. أمّا المطر القويّ، فيجرف التربة والحجارة ويمضي.

أخي وقع اليوم فساعدته. وقد أقع أنا غدًا، فيكون أخي حارسًا لي. وهكذا نكون جسدًا واحدًا في أعضاء كثيرين. والويل لنا إن طوّعنا أنفسنا فاعتبرنا أنّنا فوق الآخرين، نصلحهم ولا نحتاج إلى إصلاح منهم.

2- مشاركة في الخيرات المادّيّة

حين نمتلك مالاً، فهذا المال ليس ملكنا. أعارنا الله إيّاه لكي نوزّعه حولنا. في بيتنا، مع الأقارب والجيران الذين هم في حاجة. مع الغريب والفقير واليتيم والأرملة. فما نصرفه على الأرض يكون لنا زادًا في السماء. وما نكدّسه على الأرض يبقى على الأرض ونفسنا تُؤخَذ منّا. الإنسان يأتي بيدين مقبوضتين وكأنّه يريد أن يمتلك الدنيا، ولكنّه يموت ويداه مفتوحتان، وكأنّه يقول لنا: أنظروا. ما أخذتُ معي شيئًا. فأعطوا ما في يدكم قبل أن يؤخَذ منكم غصبًا. وفي أيّ حال، في العطاء فرح لا نجده في الأخذ.

والمشاركة في الخيرات لا تكون فقط بالكلام. ربّنا يعطيك! ولكنّ الربّ أرسلك أنت لتعطيه. أنت امتداد يد ربّنا، امتداد قلبه ومحبّته. متى تعرف هذا الشرف الكبير الذي وصل إليك؟ فماذا تفعل: أعطِ فتُعطى. ولن تكون يومًا أكثر سخاءًا من الله، ولا سيّما أخاك في الإيمان. ففي الكنيسة الأولى التي تحدّث عنها سفر الأعمال "كان كلّ شيء مشتركًا". فمتى نصل إلى هذه المشاركة؟ والعطاء زرع نحصده في نهاية حياتنا. أمّا إذا لم نزرع شيئًا، فماذا ترانا سوف نحصد؟

3- مشاركة في الكلمة

لا يكون العطاء مادّيًّا فقط. لا شكّ في أنّه يدلّ على صدق سخائنا، لأنّ العطاء بالكلام لا يكلّف شيئًا. فالعطاء يكون على جميع المستويات، وذلك بحسب المواهب التي تسلّمناها من الربّ. عندك موهبة التدبير شارك فيها إخوتك. شارك الكنيسة. عندك موهبة الشفاء، أنت طبيب ماهر، شارك فيها إخوتك ولا تستغلّهم.

وإذا كانت لك موهبة المعرفة، فلا تحتفظ بها لنفسك. فهي ستموت أو أقلّه تنتن كالماء في المستنقعات. فالموهبة الروحيّة تنمو حين تُعطى. وتذوب حين تحفظ في "منديل" أو "تحت الأرض". ومعرفة المعارف تبقى كلمة الله. شارك فيها من شاركك في الخيرات المادّيّة. هكذا يكمل التعاون داخل الجسد الواحد. يفرح عضو يفرح الجميع. يحزن عضو يحزن الآخرون.

حياة على مستوى الجسد، المستوى البشريّ، مستوى اللحم والدم، تسيطر فيها الأنانيّة، آخرتها الفساد. أمّا الحياة على مستوى الروح فهي توصلنا إلى الحياة الأبديّة. فماذا نختار؟ شريعة المسيح وحدها تعلّمنا ماذا نختار.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM