الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة

الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة

الرسالة : 1 تسا 2: 1-13

الإنجيل : لو 10: 38-42

إختبار الله للرسول

يا إخوتي، وتعرفون، أيّها الإخوة، أنّ محبّتنا إليكم ما كانت باطلاً، فمع كلّ ما لقيناه في فيلبّي من العذاب والإهانة كما تعرفون، كانت لنا الجرأة من إلهنا أن نكلّمكم ببشارة الله في وجه معارضة شديدة. فنحن لا نعظ عن ضلال ولا دنس ولا خداع، بل نتكلّم كلام من امتحنهم الله فائتمنهم على البشارة، لا لنرضي الناس، بل لنرضي الله الذي يختبر قلوبنا. ولا أضمرنا طمعًا، يشهد الله، ولا طلبنا المجد من الناس، لا منكم ولا من غيركم، مع أنّه كان لنا حقّ عليكم لأنّنا رسل المسيح. ولكنّنا حنونا عليكم حنوّ الأمّ على أولادها، حتّى إنّنا تمنّينا لو نشارككم في حياتنا، لا في بشارة الله وحدها، لأنّكم صرتم أحبّاء إلينا. فأنتم تذكرون، أيّها الإخوة، جهدنا وتعبنا، فكنّا نبشّركم ببشارة الله ونحن نعمل في الليل والنهار لئلاّ نثقّل على أحد منكم. وأنتم شهود والله شاهد أيضًا كيف عاملناكم، أنتم المؤمنين، معاملة نزيهة عادلة لا لوم فيها. فوعظناكم وشجّعناكم وناشدناكم جميعًا أن تعيشوا عيشة تحقّ لله الذي يدعوكم إلى ملكوته ومجده.

ثمّ إنّنا نحمد الله بغير انقطاع لأنّكم، لمّا تلقّيتم من كلام الله ما سمعتموه منّا، قبلتموه لا على أنّه كلام بشر، بل على أنّه بالحقيقة كلام الله يعمل فيكم أنتم المؤمنين.

في قلب الكنيسة وجهان: واحدة تعمل، "تنهمك بكثرة الخدمة". والثانية، جالسة عند قدمي المعلّم، كالتلميذ الذي يصغي ولا يترك كلمة تفوته. وإذا كانت المرأة رمزًا عن الجماعة، فمرتا تمثّل العمل الرسوليّ الذي لا يتوقّف. ومريم روح السماع والإصغاء. ولكن في النهاية، يجب أن تكون مرتا عند قدمي المعلّم قبل الانطلاق إلى الرسالة. نبدأ فنتتلمذ ليسوع قبل أن نجلب له التلاميذ.

1- الله اختبرنا

وصل بولس والفريق الرسوليّ إلى عاصمة مكدونية اليونانيّة. وبدأوا الرسالة حالاً. ولكن يمكن أن يُسألوا: بأيّة سلطة؟ أما هكذا سأل اليهود يسوع؟ والجواب: اختبرنا الله قبل أن يسلّمنا وديعة الإنجيل. آمنّا. آمن بنا. جعل ثقته بنا وما خاف أن يرسلنا، كما أرسل الاثني عشر إلى كلّ مدينة وقرية.

واختبرنا الربّ في قلب الرسالة. كما كنّا ساعة انطلقنا، هكذا نحن اليوم. لم نتبدّل ولم نتغيّر. فلو كنّا نحاول إرضاء الناس لتبدّل الناس. لكنّنا أردنا أن نرضي الله الذي اختبر قلوبنا، عرف أفكارنا وعواطفنا، كما هي أوّل رسالة نقوم بها. تجاوبنا معه، مع الروح الذي أرسله فمنعنا من التوجّه إلى هنا وهناك، لكي نسمع صوت المنادين لنا في مكدونية، في أوروبّا: "أعبر إلى مكدونية وأغثنا" (أع 16: 90).

2- إختبرنا في الشدّة والألم

كما المعدن يتصفّى في النار، كذلك الرسول في الشدّة. وكما الأغصان تشذّب لتعطي الكرمة أفضل الثمار، كذلك الرسول يمرّ في الضيق "فيكاد ييأس من الحياة" (2 كور 1: 8). ولكنّ الله هو الذي ينجّي رسوله. وفي الواقع، يروي سفر الأعمال كيف طُرد بولس وسلوانس من تسالونيكي، فما استطاعا متابعة الرسالة. فانسلخ قلباهما، وظنّا أنّ تعبهما كان باطلاً. ولكن حين عاد تيموثاوس وحمل الأخبار الطيّبة "تعزّينا في شدّتنا وضيقنا" (3: 70).

ومع ذلك، ما استندنا إلى البشر ولا إلى الوسائل البشريّة. أوّلاً، ما انتظرنا المجد والكرامات منكم ولا من غيركم. ما انتظرنا الربح. وسبق بولس فقال: أنا لا أرضى أن يحكم عليّ أحد. وأنا لا أحكم على أحد، ولا أدين نفسي. ديّاني هو الله. لو قبل الرسول بمثل هذا التملّق، لكان أخذ السبيل عينه. ومن جهة ثانية، رفض أن يفرض نفسه لأنّه رسول. هي سلطة خارجيّة لا تصل بالرسالة إلى أعماقها، بل تبقي العلاقة الخارجيّة. وهكذا حين يكون الرسول حاضرًا "يخافون" منه. وحين يغيب، يظنّون أنّ سلطته غابت عنه. وقد يفرض الرسول نفسه حين "يثقل" على الجماعة، ويطلب منها أن تؤمّن النفقة له ولفريقة الرسوليّ. ولكنّ بولس ما أراد كلّ هذه الوسائل البشريّة.

مثل أب وأمّ

فعلاقة الرسول بالجماعة التي أسّسها هي علاقة عضويّة، عائليّة. ترتكز على المحبّة الشبيهة بمحبّة الله لكلّ واحد منّا. هي علاقة متجرّدة حيث لا يريد الرسول ما يملك المؤمنون، بل يريدهم هم، كما الأب والأمّ يريدان أولادهما بحيث ينمون بالقامة والحكمة والنعمة، على مثال يسوع في انطلاقته في الحياة.

الصفة الأولى: اللطف، الوداعة والحنان. هكذا تفعل الأمّ مع أولادها، والمرضع مع طفلها. تلك صورة بعيدة عن الله كما في أشعيا: "كمن تعزّيه أمّه، أنا أعزّيكم" (66: 13).

الصفة الثانية هي صفة الأب في التعامل مع أولاده: قداسة لا عيب فيها، يناشد أولاده، يشجّعهم، يحثّهم على سلوك يليق بالله. قال هوشع: "علّمهم المشي، حملهم على ذراعه، حنى عليهم وأطعمهم. إذا كان الله كذلك، فكيف يكون الرسول؟ وكيف يكون المربّي؟ وكيف يكون الأب والأمّ؟ يقتدون بالله كالأبناء الأحبّاء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM