أحد عرس قانا الجليل

أحد عرس قانا الجليل

الرسالة : روم 14:14-23

الإنجيل : يو 2: 1-11

لا تهلك بطعامك

يا إخوتي، أنا عالم ومتيقّن بالربّ يسوع أنّ لا شيء نجس في حدّ ذاته، ولكنّه يكون نجسًا لمن يعتبره نجسًا. فإذا أسأت إلى أخيك بما تأكله، فأنت لا تسلك طريق المحبّة. فلا تجعل من طعامك سببًا لهلاك من مات المسيح لأجله. ولا يعرّض ما هو خير لكلام السوء. فما ملكوت الله طعام وشراب، بل عدلٌ وسلام وفرح في الروح القدس. فمن خدم المسيح مثل هذه الخدمة نال رضى الله وقبول الناس.

فلنطلب ما فيه السلام والبنيان المشترك. لا تهدم عمل الله من أجل الطعام. كلّ شيء طاهر، ولكن من السوء أن تكون بما تأكله حجر عثرة لأخيك. ومن الخير أن لا تأكل لحمًا ولا تشرب خمرًا ولا تتناول شيئًا يصدم أخاك. فاحتفظ واحفظ ما تؤمن به في هذا الأمر بينك وبين الله. هنيئًا لمن لا يحكم على نفسه إذا عمل بما يراه حسنًا. أمّا الذي يرتاب في ما يأكل، فمحكوم عليه أنّه لا يعمل هذا عن إيمان. وكلّ شيء لا يصدر عن إيمان فهو خطيئة.

في بداية الصوم المبارك، نسمع مار بولس يحدّثنا عن الطعام: نأكل أو لا نأكل. نأكل لحمًا أو لا. نشرب خمرًا أم لا. ذاك كان الخلاف بين "الأقوياء" الذين اعتبروا أنّه يحقّ لهم أن يأكلوا من كلّ طعام وإن تشكّك إخوتهم. والضعفاء الذين يحرمون نفوسهم لئلاّ "يتنجّسوا" في خطّ الشريعة اليهوديّة. فقدّم بولس التفكير المسيحيّ.

1- كلّ شيء طاهر

المسيحيّون الذين خرجوا من العالم اليهوديّ، اعتادوا أن يقسموا الطعامَ بين طاهر ونجس. هم لا يأكلون لحم الجمل والأرنب والخنزير... واستعدّ بعضهم أن يموت على أن ينجّس نفسه بمثل هذا الطعام. وفي الحركات الغنوصيّة، التي تشدّد على المعرفة الباطنيّة، اعتادوا أن يحرموا نفوسهم من اللحم والخمر لأكثر من سبب.

انطلق بولس من كلام المسيح الذي "جعل كلّ الأطعمة طاهرة" (مر 7: 19) لأنّها خرجت من يد الله. أمّا ما يُحسَب نجسًا، فإن أكلتُ منه لا أزداد، وإن لم آكل، لا أنقص. فالملكوت ليس قضيّة طعام أو شراب. ففي الملكوت، لا يأكلون ولا يشربون. طعامهم كلام الله وحضوره.

والمسيحيّ الذي يصوم يفعل حسنًا. وإن كان أخوه لا يصوم، فهو لا يحكم عليه. والذي لا يصوم لا يعتبر أخاه متأخّرًا، فيعلن متهرّبًا أنّ الصيام صيام اللسان قبل صيام الطعام. فالصوم عن الأكل والشرب يساعد على صوم آخر فيه نسيطر على أهوائنا وشهواتنا.

2- برّ وسلام وفرح

ذاك هو موضوع الصيام الحقيقيّ. البرّ، أي العيش بحسب وصايا الله ومشيئته. فما معنى صيام لا يرافقه عمل الخير؟ والصائم الذي يظلم القريب والغريب. والفرح، هو ارتياح داخليّ بأنّنا نرضي الله بأقوالنا وأعمالنا وكلّ حياتنا. وصائم حزين ليس صائمًا. علّمنا يسوع أن لا نكون "عابسين"، بل مبتسمين "فنغسل وجهنا وندهن شعرنا" (متّى 6: 16-17).

والصوم في النهاية هو سلام، مع الله أوّلاً. نحن خلقنا لكي نتوجّه إلى الله. وكلّ مرّة نحوّل وجهة حياتنا، نحسّ بالقلق. يتعب ضميرنا. فيكون البحث عن السلام حربًا على أهوائنا، وعلى تجارب تأتينا من هنا وهناك. قال لنا بولس: حياتي هي المسيح، هي الله. ثمّ سلام مع الآخرين. هل نستطيع أن نقدّم ذبيحة أو صومًا أو نذرًا ونحن على خلاف مع إخوتنا؟ كلاّ ثمّ كلاّ. نبدأ فنصالح إخوتنا. نشاركهم في الفرح وفي الحزن، نشاركهم في ما نملك من خيور.

3- عمل البنيان، لا الهدم

ذاك هو مشروعنا في زمن الصوم المبارك. نبني الآخر بكلامنا، بعملنا، بمثلنا. يرى الآخرون أعمالنا الصالحة فيمجّدون الآب الذي في السماء (متّى 5: 16). هذا يعني أنّنا نعيش المحبّة التي هي تفكير بالآخرين قبل أن نفكّر بنفوسنا وندلّ على أنانيّتنا. نعيش الخدمة، خدمة المسيح ومن خلاله خدمة جميع البشر، لأنّ ما نفعله "للصغار" نفعله للربّ.

وعندما تغيب هذه المحبّة العمليّة، يغيب كلّ شيء. نهدم ولا نبني. نشكّك إخوتنا، نكون لهم سبيل عثار إذا كنّا من الأقوياء. أمّا الضعفاء فما عرفوا بعد أنّ الإيمان بالمسيح يحرّرنا من عادات نحوّلها نحن إلى شرّ أو خير. إذا كان الربّ قال لنا: لا شيء نجس، فلماذا نحسب هذا الطعام أو هذا الشراب نجسًا؟ هذا يعني أنّنا نضع ديانة على قياسنا، لا على قياس كلمة الله، ونريد أن نفرضها على الآخرين وبعد ذلك ندينهم، ولكنّ الديّان واحد.

نحن نعمل الخير وننظر إلى الربّ. ونصوم ونصلّي ونقدّم الصدقات. نسعى في طلب السلام والبنيان. ونحذر "بأن لا نهلك بطعامنا ذاك الذي مات المسيح من أجله".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM