الأحد الرابع بعد الدنح

الأحد الرابع بعد الدنح

الرسالة: روم 7: 1-6

الإنجيل: يو 4:5-7، 9-26

نظام الروح ونظام الحرف

يا إخوتي، أنتم لا تجهلون أيّها الإخوة، وأنا أكلّم جماعة يعرفون الشريعة، أنّ لا سلطة للشريعة على الإنسان إلاّ وهو حيّ. فالمرأة المتزوّجة تربطها الشريعة بالرجل ما دام حيًّا، فإذا مات تحرّرت من رباط الشريعة هذا. وإن صارت إلى رجل آخر وزوجها حيّ، فهي زانية. ولكن إذا مات زوجها تحرّرت من الشريعة، فلا تكون زانية إن صارت إلى رجل آخر. وهكذا أنتم أيّها الإخوة، متّم عن الشريعة بجسد المسيح لتصيروا إلى آخر، إلى الذي قام من بين الأموات، فتثمروا لله. فحين كنّا نحيا حياة الجسد، كانت الأهواء الشرّيرة التي أظهرتها الشريعة تعمل في أعضائنا لتُثمر للموت. ولكنّنا الآن تحرّرنا من الشريعة، لأنّنا متنا عمّا كان يقيّدنا، حتّى نعبد الله في نظام الروح الجديد، لا في نظام الحرف القديم.

ما زلنا في زمن الدنح والظهور الإلهيّ. ويوحنّا الإنجيليّ بيّن لنا منذ البداية هذا الظهور. فالكلمة الذي هو النور جاء إلى العالم. ولكنّ العالم لم يعرفه. لم يُرد أن يعرفه، لأنّه لا يحبّ النور. وجاء إلى خاصّته، إلى بيته، وهذا يعني الشعب اليهوديّ الذي فيه خلق وترعرع. ولكن "ما قبله أهل بيته" (يو 1: 11). أمّا الذين قبلوه وساروا وراءه فهم الرسل أوّلاً: رأوا مجده آمنوا! ثمّ ضابط الملك. واليوم، السامريّون. كشف يسوع نفسه أنّه المسيح. فمضت المرأة تتحدّث عنه. وجاء أهل سوخار. قالوا: "نحن نؤمن الآن، لا لكلامك، بل لأنّنا سمعنا وعرفنا أنّه بالحقيقة هو مخلّص العالم" (يو 4: 42).

1- سلطة الشريعة

إنطلق الرسول من مثل مأخوذ من التشريع الرومانيّ. وهو يكتب إلى الجماعة المسيحيّة في رومة. الشريعة تقيّد المرأة بزوجها (والرجل بامرأته) ما دام حيًّا. هي لا تستطيع أن تكون لرجل آخر. ولكن حين يموت زوجها، تصبح حرّة بأن تتزوّج من تشاء. فإن صارت لغير زوجها، فهي زانية، خائنة. وتستحقّ الرجم في العالم اليهوديّ.

والمسيحيّ الآتي من العالم اليهوديّ، "تزوّج الشريعة، تعلّق بها، جعل فيها حياته ونظرته إلى الأمور ولو على حساب الإنسان. أن يموت الإنسان، لا بأس. ولكن لا الشريعة. والسبت أهمّ من الإنسان! ولكنّها الآن ماتت بعد أن قتلها يسوع. ما عاد المؤمن متعلّقًا بها وخاضعًا لها. هو حرّ. فلماذا العودة إليها، والطلب منها أن تخضعه لها؟ لا، لا سلطة بعد للشريعة علينا، بعد أن صرنا للمسيح. فمنه تنطلق كلّ شريعة، وفي شخصه تجد الوصايا كمالها.

2- الموت أم الحياة

إختار الناس الشريعة، فما قادتهم إلى الحياة، بل إلى الموت. حرّكت فيهم الأهواء الشرّيرة، وكانت الثمرة مرّة. لم تكن حياتنا بحسب روح الله، بل الروح البشريّة. على مستوى اللحم والدم. على مستوى الضعف والانقياد إلى الخطيئة. هكذا دخلت الخطيئة إلى العالم، ومعها الموت. فماذا ننتظر لنتحرّر بعد أن مدّ المسيح لنا يده. بعد أن طلب الربّ أن يتصالح معنا في المسيح. نحن أغطنا الربّ. وهو طلب أن يصالحنا، كما الأب يطلب ابنه البعيد. إن حيينا بحسب الجسد البشريّ، بحسب اللحم والدم، نكون ذاهبين إلى الموت. لا نعمل الخير الذي نريده، بل نفعل الشرّ الذي لا نريده. أجل، لم تعد فينا القوّة التي حملها إلينا الصليب.

إن اخترنا الحياة أثمرنا ثمرة الحياة، أثمرنا لله، لا لأنفسنا، ولا لأهوائنا البشريّة. عنها تتكلّم الرسالة إلى غلاطية: الزنى، الدعارة، الفجور، السمر... أمّا ثمر الروح، ثمر الله، فهو المحبّة في الدرجة الأولى. ومن المحبّة يتفرّع الفرح والسلام والصبر واللطف والوداعة والعفاف. فما يكون خيارنا؟

3- بين الحرف والروح

كلمات الشريعة هي هنا مع فرائضها. نستطيع أن نتعلّق بها ولا نخرج. كثيرون منّا اليوم يتصرّفوا في إطار الحرف. يقول الواحد: ما سرقتُ ولا قتلتُ ولا زنيتُ. وانتهى الأمر. أخذ ثلاث وصايا وترك الأخرى. ولا سيّما وصيّة المحبّة. والفرّيسيّ اعتبر أنّه، إن صام ووفى العشر، كان ذلك البار الذي يختلف عن العشّار، عن ذلك الخاطئ، الذي لا يريد أن يسلّم عليه لئلاّ يتنجّس. وهكذا حكم على أخيه، كما يفعل الكثيرون منّا، لأنّهم يعتبرون نفوسهم المعيار الذي به يدينون الآخرين. وفقوا عند الحرف ونسوا أن مثل هذا البرّ يمنعهم من الدخول إلى ملكوت السماء (مت 5: 20).

أمّا المؤمن الحقيقيّ، فيتصرّف في الروح. الروح القدس هو الذي ينعش حياته وتصرّفاته: لا يكتفي بأن لا يقتل، بل يرفض الغضب والكلام القاسي والبغض والحقد. ولا يكتفي بأن لا يزني، بل يمتنع حتّى عن نظرة شهوانيّة. مثل هذه النظرة هي زنى. الروح هو الذي يحرّك فينا الاندفاع لكي نسير في طريق المحبّة التي لا تقف عند حدّ، بل تستعدّ لأنّ تضحّي على مثال المسيح الذي أحبّنا إلى الغاية.

تلك كانت مسيرتنا مع "السامريّين" الذين وصلوا إلى يسوع. تركوا الفوارق بين اليهوديّ والسامريّ، تركوا حواجز الشريعة وما فيها من عقم يصل إلى الموت وأخذوا بالروح الذي يعلّمهم العبادة الحقّة التي لا تتعلّق بمكان دون مكان. ونحن نسير في خطاهم فنتحرّر من القيود العديدة في المجتمع ونفهم أنّنا لسنا من العالم فنعيش حياة العالم. نحن للمسيح الذي قام من بين الأموات. فلماذا نطلب الموت حين تقدّم لنا الحياة؟ ولماذا نتوقّف عند الحرف ساعة الروح يفتح أمامنا الآفاق الواسعة "لكي نعبد الله الحيّ" (1 تس 1: 9)؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM