بشارة العذراء

بشارة العذراء

الرسالة : غل 3: 15-22

الإنجيل : لو 1: 26-38

النسل واحد هو المسيح

يا إخوتي، خذوا، أيّها الإخوة، مثلاً بشريّا، لا يقدر أحد أن يبطل عهد إنسان أو يزيد عليه إذا كان ثابتًا، فكيف بوعد الله لإبراهيم ولنسله؟ هو لا يقول: "لأنساله" بصيغة الجمع، بل "لنسله" بصيغة المفرد، أي المسيح.

وما أريد أن أقوله هو أنّ الشريعة التي جاءت بعد مرور أربعمئة وثلاثين سنة لا تقدر أن نتقض عهدًا أثبته الله، فتجعل الوعد باطلاً. فإذا كان ميراث الله يستند إلى الشريعة، فهو لا يكون وعدًا، ولكنّ الله أنعم بالميراث على إبراهيم بوعد. فلماذا الشريعة، إذًا؟ إنّها أضيفت من أجل المعاصي إلى أن يجيء النسلُ الذي جعل الله له الوعد. أعلنتها الملائكة على يد وسيط. والوسيط يفترض أكثر من واحد. والله واحد.

فهل تخالف الشريعة وعود الله؟ كلاّ! فلو أعطى الله شريعة قادرة أن تحيي، لكان التبرير حقًا يتمّ بالشريعة. ولكنّ الكتاب حبس كلّ شيء تحت سلطان الخطيئة، حتّى ينال المؤمنون الوعد لإيمانهم بيسوع المسيح.

مع بشارة زكريّا، ولدت العاقر ولدًا يعدّ الطريق للربّ. مع بشارة مريم، ولدت البتول عمانوئيل، أي الله معنا. في البشارة الأولى هي فرحة الأرض ترتفع إلى السماء. في البشارة الثانية هي فرحة السماء تنزل على الأرض، بانتظار أن ترتفع البشريّة كلّها إلى السماء حين يصعد المسيح ويجلس عن يمين الآب. ذاك هو مشروع الله أو وصيّته. يصل إلى الجميع بعد أن حُسب الجميع إلى الخطيئة. لأنّ النسل واحد، وابن الله واحد، ونحن لا نُدعى أبناء إلاّ في الابن ولا نكون ورثة إلاّ مع الوارث الواحد يسوع المسيح.

1- وصيّة الله وإرادته الأخيرة

حدثتنا الرسالة إلى العبرانيّين عن الله الذي كلّم الآباء مرّات كثيرة وبأنواع شتّى. كلّمنا بواسطة أشعيا وكشف قداسته. وبواسطة هوشع فدلّ على رحمته وغفرانه لمّا كان الإنسان خائنًا. وكلّمنا في عاموس فأفهمنا أنّه القدير الذي يهتمّ بالضعفاء والفقراء. كلمات عديدة. ولن تبقى الكلمة الأخيرة حين أعطانا ابنه فأعطانا به كلّ شيء. وبالتالي لا يمكن أن يمنع شيئًا عن البشريّة.

تلك كانت وصيّة الله الأخيرة. جاء التشبيه من عالم البشر. الآب قبل موته يوصي أولاده. ولا يحقّ لأحد أن يبدّل الوصيّة. والله أوصى البشر كلّهم بالوعود التي منحها، لإبراهيم ولنسله. وهذه الوعود تتمّ في شخص يسوع. فمن يجسر أن يبدّل وعد الله. لا شكّ يحاول البشر أن يؤخّروا تحقيق مواعيد الله. ولكنّ مشروع الله يصل إلى غايته. يبقى علينا أن ندخل فيه. وأن نسمع الصوت الآتي من السماء كما أتى إلى مريم. ونقول: ها أنا خادم الربّ. ها أنا أمة الربّ.

2- الجميع تحت الخطيئة

جاءت الشريعة بعد الوعد ودلّت الإنسان على خيانته للعهد وتهرّبه من الوعد. أراد أن يبقى على مستوى الأرض وهو مدعوّ إلى السماء. بل أراد أن يصير مثل الله عارفًا بالخير والشرّ، ومقرّرًا ما هو خير وما هو شرّ، وذلك انطلاقًا من مصلحته الخاصّة. تلك كانت الحالة التي سارت فيها البشريّة. جُمعت كلّها في موضع واحد، في إطار واحد. كما قالت التقاليد القديمة: على جبل الجلجلة، تحت الصليب. ولمّا جرى دم يسوع، غسل البشريّة من خطاياها، وبيّضت حلّتها بدم الحمل.

إذا كان الخلاص للجميع، فهذا يعني أنّ الجميع هم تحت الخطيئة، سواء أبرار العهد القديم أو القدّيسين في العهد الجديد بدءًا من الرسل. ومريم التي وُلدت في عالم الخطيئة بحيث جعلها متّى في سلسلته مع تامار وراعوت وراحاب وبتشابع، قد وقاها الله وقاية خاصّة. ميّزها بين جميع نساء العالم، نالت الخلاص بالنظر إلى الصليب. هي الممتلئة نعمة كانت أوّل المخلّصين، ومثلها الملائكة والبشر. فلا اسم تحت السماء بين الناس به يخلص إلاّ اسم ربّنا يسوع المسيح.

3- نسل واحد، لا أنسال

إعتبر المؤمنون الأوّلون أنّ هناك نسلين نسل عرف الآباء والأنبياء والشريعة مع الختان وسائر الممارسات. ونسل آخر بدون مسيح، غرباء عن عهود الوعد، لا رجاء لهم في العالم ولا إله". وهكذا ميَّز الله منذ البداية بين إنسان وإنسان. فظهرت "محاباة الوجوه". لا، قال بطرس في عظته عند كورنيليوس. كلّ إنسان يمكن أن يكون مقبولاً لدى الله يكفي أن نؤمن.

بالإيمان نحن النسل الواحد مع يسوع المسيح. هذا الإيمان هو الأوّل وهو الأخير. في بداية حياتنا تلقّينا دعوة إلى الإيمان. وفي النهاية، إيماننا يقول لنا إنّنا انتقلنا من الموت إلى الحياة. ومريم عرفت هذا الإيمان، وقد امتدحتها إليصابات: "طوبى للتي آمنت أنّه سيتمّ ما قيل لها من قبل الربّ". لا شكّ أنّ الإنسان مرّ في زمن الجهل، وعرف الشريعة ومتطلّباتها. وفي النهاية دخل في نسل يسوع المسيح ونال الوعد. ناله الذين يؤمنون ويدلّون على إيمانهم بطاعة الله: عملوا لا كما يشاؤون، على مثال آدم الآوّل وحوّاء الأولى، بل كما يشاء الله على مثال حوّاء الأولى، مريم العذراء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM