أحد تجديد البيعة

أحد تجديد البيعة

الرسالة: عب 9: 11-15

الإنجيل: يو 10: 22-42

يسوع الوسيط لعهد جديد

يا إخوتي، ولكنّ المسيح جاء رئيس كهنة للخيرات المستقبلة واجتاز خيمة أعظم وأكمل من تلك الخيمة الأولى، غير مصنوعةٍ بأيدي البشر، أي أنّها لا تنتمي إلى هذه الخليقة، فدخل قدس الأقداس مرّة واحدة، لا بدم التيوس والعجول، بل بدمه، فكسف لنا الخلاص الأبديّ. فإذا كان رشّ دم التيوس والثيران ورماد العجلة يُقدِّس المنجسّين ويُطهِّر جسدهم، فما أولى دم المسيح الذي قدَّم نفسه إلى الله بالروح الأزليّ قربانًا لا عيب فيه، أن يُطهِّر ضمائرنا من الأعمال الميِّتة لنعبد الله الحيّ.

لذلك هو الوسيط لعهد جديد ينال فيه المدعوون الميراث الأبديّ الموعود، لأنّه مات كفّارة للمعاصي التي ارتكبها الشعب في أيّام العهد الأوّل.

يرجع عيد تجديد البيعة إلى العهد القديم، إلى ما كان يفعله الشعب الأوّل في بداية كلّ سنة. كانوا يتذكّرون سليمان الذي دشّن الهيكل الذي بناه: أنت لا تسعك السماء وسماء السماء، فكيف هذا الهيكل الذي بنيت (1 مل 8: 27). ونجّس الهيكل، ودمِّر سنة 587 ق.م. وأعيد بناؤه سنة 518، بعد عودة من المنفى. أمّا العيد في موقعه القريب، فردّ على تنجيسه بيد أنطيوخس الرابع أبيفانيوس (176 ق.م.) فدعا دانيال ما حصل: رجاسة الخراب. من أجل هذا، كان المؤمنون يقيمون هذا اليوم. وإذ يجدّدون الهيكل، يجدّدنون نفوسهم من أجل مسيرة مع الربّ تدوم سنة كاملة. فماذا تُرى سيفعل المسيحيّون في بداية السنة الطقسيّة الجديدة؟

1- من الماضي إلى المستقبل

عيد التجديد يعود بالمؤمنين إلى الماضي. بُني هيكل سليمان فتذكّروا خيمة الاجتماع في البرّيّة. وحنّوا إلى تلك الحياة مع الله، كما حنّ آباؤهم إلى مصر بما فيها من غنى. وحين أعيد بناء الهيكل بعد المنفى، تذكّروا هيكل سليمان واعتبروا ما بني الآن صغيرًا، حقيرًا.

لماذا العودة إلى الماضي. والربّ يفتح الطريق أمام شعبه. العودة إلى الماضي في الألم وخيبة الأمل. فيقولون للربّ: إن عُدتَ تسير بيننا؟ ولكن الله هو هو. وإن سمح لنا أن نعود إلى الماضي، فلكي نأخذ منه عبرة للمستقبل.

هذا ما فعله المسيح. ليس هو كهنة الخيرات الماضية، بل المستقبلة. ما كان في الماضي كان حقيرًا. ومعه صار عظيمًا. كان ناقصًا، وها هو كامل. وما عدنا فقط أمام أعمال بشريّة. فالذبيحة التي يقدّمها يسوع هي ذبيحة الإله الذي تأنّس. فقدّم جسده، بل قدّم حياته كلّها منذ دخوله إلى العالم.

2- من دم إلى دم

كيف كانت تتمّ الذبائح في العهد القديم؟ يذبحون التيوس والعجول ويرشّون دمها على المؤمنين. وهكذا يعتبرون أنّها نالوا التطهير. ولكنّ بولس الرسول يعتبر أنّ غفران الخطايا في العهد القديم هو بالنظر إلى الفداء الذي تمّ بيسوع المسيح. فلولا ذبيحة الصليب التي تمّت في وقت محدّد من التاريخ، لما كان لذبائح العهد القديم قيمة. وكذلك لذبائح قدّمتها الشعوب هنا وهناك طالبة غفران الخطايا. فكما أنّ يسوع هو صورة الله غير المنظورة. وبالتالي هو بكر الخلائق كلّها وأوّلها على المستوى اللاهوتيّ، بحيث إنّ الإنسان الذي خُلق على صورة الله ومثاله جاء بعد تلك الصورة الأولى المشعّة، كذلك ذبيحة يسوع كانت في بداية العالم. فهو البكر الذي مات وقام. وبعده يموت البشر ويقومون. ذبيحته هي الأولى في مخطّط الله. ومنها تستقي كلُّ ذبيحة قيمتها فتنال الغفران للشعب الذي يقدّمها.

ذاك هو دم العهد الثاني الذي صنع لنا الفداء الأبديّ. وهو ما تقدّمه الكنيسة على مذابحها. لا شكّ في أنّ ذبيحة يسوع واحدة وحيدة. ولكنّنا نعيشها يومًا بعد يوم حتّى نهاية العالم. وإذا كان لذبائح العهد القديم هذه الأهميّة، في نظر اليهود، فما تكون ذبيحة يسوعنا الذي قدّم نفسه إلى الله قربانًا لا عيب فيه.

3- من كفّارة إلى كفّارة

منذ القديم اعتاد الناس، في العالم الوثنيّ كما في العالم اليهوديّ، أن يقدّموا الذبائح تكفيرًا عن خطاياهم. لا شكّ في أنّهم خطئوا. ويجب عليهم أن يأتوا إلى الربّ ويطلبوا الغفران. ولكنّهم لا يستطيعون أن ينالوا هذا الغفران بقوّتهم الشخصيّة، لذلك هم ينتظرونه من الله. والتضحية التي يستعدّون لأن يقوموا بها، هي حيوان يُذبَح عنهم وباسمهم. يصبح هذا الحيوان ملك الله، والدم يدلّ على الحياة التي تصل إلى المؤمنين فتشفيهم.

لكنّ الكفّارة في العهد الجديد، فهي دم المسيح نفسه. الماضي مضى. وخطايا الشعب الأوّل ومعاصيها زالت. بل خطايا البشريّة كلّها. فموت المسيح هو من أجل الكثيرين، من أجل الجميع لمغفرة الخطايا. وذبيحته لا تتكرّر، لأنّها نالت هذا الغفران الكامل. وكان التكفير تامًّا. لكن يبقى على الكنيسة، على كلّ مجموعة من مجموعاتنا، بل على كلّ واحد منّا، أن يدخل في مسيرة التجديد هذا فنقبل من المسيح "أن يطهّر ضمائرنا من الأعمال الميتة لنعبد الله الحيّ".

هل نحن مستعدّون للدخول في كنيسة أسّسها المسيح وافتداها بدمه وأرادها له "مجيدة، لا عيب فيها ولا تجعّد..."؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM