الخاتمة

الخاتمة

في العهد القديم، حين يصبح سفرٌ من الأسفار كبيراً، يُقسم قسمين من أجل القراءة الليتورجيّة. ذاك كان الوضع بالنسبة إلى كتاب صموئيل، حيث يتداخل صموئيل الأوّل في صموئيل الثاني، دون أن يكون فاصل واضح بين ما يتعلّق بشاول وما يتعلق بداود. ونقول الشيء عينه عن كتاب الملوك. كنّا انتظرنا أن يكون سفر الملوك الأوّل كلاماً عن مملكتي الشمال (السامرة) والجنوب (أورشليم)، بانتظار كلام محصور في مملكة يهوذا بعد أن زالت مملكة اسرائيل من الوجود بيد سرجون الثاني الملك الأشوريّ. ولكنّ شيئاً من ذلك لم يكن. بل إنّ خبر إيليا الذي بدأ في 1 مل 17:1 ي، لم ينتهِ في الملوك الأوّل، بل انتهى في الفصل الثاني من سفر الملوك الثاني.

ذاك ما فعلنا في هذه التأمّلات في نبوءة أشعيا. أتُرى كتب شيئاً؟ ربما. ولكنّ النبي، في الأساس، لا يكتب، بل يعلن كلمة الله، بعد أن يدخل في سرّ من يملأ له حياته. تلك كانت خبرة أشعيا في الهيكل. نظر، سمع، تأمّل. وفي النهاية تكلّم. فجاء الذين رافقوه، «الأبناء الذين وهبهم له الرب» (8:18)، فدوّنوا ما قال معلّمهم. وتوالى التلاميذ في هذه المدرسة الأشعيائيّة التي لم تُغلق أبوابها قبل القرن الرابع ق م. نصوص أولى أعيدت قراءتها، فُسرّت تفسيراً جيّداً. وأضيف إلى نبيّ القرن الثامن أقوالٌ جاءت من القرن السادس والخامس.

كلّ هذا جاء في سفر واحد: كتاب أشعيا. وحاول العلماء أن يقسموا بين أشعيا الأوّل (ف 1 - 39) وأشعيا الثاني (ف 40 - 55) وأشعيا الثالث (ف 56 - 66). ولكنّها قسمة مصطنعة. فما في أشعيا الأوّل يمكن أن يكون كُتب بعد العودة إلى المنفى. وفي أيّ حال، فالنصوص الجليانيّة التي فيها يكتشف النبي الخراب الذي تعرفه الأرضُ كلّها، جاءت متأخّرة مثل رؤيا أشعيا الأولى (ف24-27) أو الرؤيا الكبرى. أمّا ف 34 - 35 فيشكّلان الرؤيا الصغرى، ويتحدّثان عن حرب الربّ على الأمم. بانتظار أن يتحوّل الكون من صحراء قاحلة إلى جنّة غنّاء، ويحلّ السرور والفرح محلّ الحزن والنحيب.

وما دُعيَ أشعيا الثاني (40 - 55) قسمه الشرّاح قسمين: مرحلة أولى في حياة النبيّ (ف 40 - 48)، فيها يعلن حربه باسم الله على الأصنام وعلى الشعب الذين لا يتخلّون بسهولة عن أصنامهم. في المرحلة الثانية (ف 49 - 55) نتألّم لآلام النبيّ الذي يجد المعارضة من قلب شعبه، بل الاضطهاد الذي يصل به إلى الموت.

عندئذ لا يعود يوجّه كلامه إلى الجميع، بل إلى «نخبة» المنفيّين، أو البقيّة الباقية، إلى خائفي الله الذين يحاولون أن يعيشوا في البرّ وتقوى الله، ويطبعون وصايا الله في قلوبهم. وهؤلاء المضطهدون سوف يجدون العزاء. وبالتالي يعزّون إخوتهم ويحملون إليهم الرجاء. وهؤلاء المنسحقون سوف يخلصون، بل يحملون الخلاص إلى جميع شعوب الأرض. وهؤلاء الذين مرّوا في المحنة سوف يفهمون أنهم يكفّرون خطايا إخوتهم، ويشفعون من أجلهم. وعملُهم بما فيه من ضعف وحدود، سيجد قوّته في ذاك الذي وحده يحمل الكفّارة عن الخطايا. كما سيُصبح لا محدوداً مع «يسوع المسيح البار وشفيعنا عند الآب». فهو لا يغفر خطايانا وحدها، بل خطايا العالم كلّه (1 يو 2:1 - 12).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM