تعالوا إلى المياه 55:1 - 3

تعالوا إلى المياه

55:1 - 3

أنتم كلّكم شعب العهد. كلّكم مدعوّون إلى مائدة الله. تأكلون طعاماً لا يشبه في عمقه طعام البشر، وتشربون شراباً أين منه اللبن والخمر الذي به يستقبلون الضيف الكريم. فملكوت الله ليس أكلاً ولا شرباً. فهو برّ وقداسة. إلى مثل هذه الوليمة يدعو الله المؤمنين المشتّتين لكي يجمعهم حوله. مؤمنو أورشليم ضاعوا في غنى بابل وأصنامها. والمؤمنون بالمسيح أضاعوا الطريق فانقطعوا عن الاجتماع (عب 10:25) الأسبوعيّ، فراح كلّ واحد في سبيله ولا من يسأل. فيقول الربّ ويكرز: تعالوا، تعالوا. تعالوا إليّ. ونقرأ أش 55:1 - 3.

1 تعالوا إلى المياه، يا جميع العطاش.

تعالوا يا من لا فضّة لهم وكلوا.

أطلبوا خمراً ولبناً بلا ثمن.

2 لماذا تصرفون فضّة لغير الخبز،

وتتعبون في عملكم لغير شبع.

إسمعوا لي وكلوا الطيّبات،

وتلذّذوا في طعامكم بالدسم.

3 أميلوا آذانكم وتعالوا إليّ.

اسمعوا فتحيا نفوسكم.

أعاهدُكم عهداً أبدياً،

عهد رحمتي الصادق لداود.

1 - سياق النصّ

جاء هذا المقطع الأشعيائيّ مرتّباً، واضحاً. نلاحظ التعارضات. كما نلاحظ التدرّج في الأفكار. هي تعارضات شديدة بين الحرمان والشبع، بين الدفع والمجانيّة. وهي تمتزج لتكوّن خطاً رئيسياً: «تدفعون لئلاّ تنالوا شيئاً» تجاه «مجانية لكي تنالوا الحياة». هذا التعارض يجعل النداء ملحاً والعرض مرغوباً. ماذا ننتظر؟ كلّ واحد يستطيع أن يتخيّل إلى من يقدّم هذا العرض: حاجات كثيرة ووسائل معدومة. هناك فضّة ولكن بدون شبع لهذه الفئة وتلك، وللجميع التعب: لماذا تتعبون (آ 2)؟ هل ننسى أن الذي لا يتعب ولا يكلّ (40:28) «يمنح المتعب قوّة ويزيد فاقدي القدرة احتمالاً» (آ 29)؟ والرغبة نفسها تتراجع فتصبح عتيقة. فوجب على النداء أن يكون ملحّاً.

والتدرّج يعطي النصّ سرعة تتزايد، منذ العنصر الأبسط، الماء، إلى الأغنى، اللحم. منذ العوز، إلى الشرّ الجذريّ في مجهود لا ثمرة فيه أو رغبةٍ لا تُشبعها الخيرات. وفي الوقت عينه، العرض يفوق الطلب. كلّهم يستطيعون أن يأكلوا ويشبعوا. والعرض ينتقل ممّا يلبّي حاجة بسيطة إلى ما يؤمّن الحياة، فيصل بنا إلى علاقة وعهد.

والإطار نفسه يُسند نداء موجّهاً نحو نقطة مركزيّة: «تعالوا» (آ 1). «اسمعوا سماعاً» (آ 2 ج). «أميلوا آذانكم، تعالوا إليّ، اسمعوا» (آ 3 أ ب). «أعاهد، أقطع عهداً» (آ 3 ج). تكشف صيغةُ المتكلّم المفرد (أنا) المركز الذي يجتذب السامع. فالذي يدعو يعملُ هو نفسه العمل الذي منه تخرج العطايا الموعودة. هو عمل العهد الذي معه تُقطع عتبة وإن يكن هناك انقطاع بالنسبة إلى المواعيد السابقة. ولكنّ وقت «أعاهدكم» جاء في حركة الخطبة: أنا، أنا، أنا. وأتمّها فجعلنا نشعر بهذا الحضور. ولا تنتهي هذه الحركة إلاّ فيما بعد: «كما علت السماوات» (آ 9).

2 - ثلاثة مواضيع

نقرأ هنا ثلاثة مواضيع: الطعام، العهد، داود.

أ - الطعام

الطعام هو أوّل غرض وُعد به المؤمن، حسب المعنى البارز للوهلة الأولى. نُبعد قراءة استعاريّة مباشرة، دون أن نرفض تجاوز المعنى الماديّ. نحن أمام الماء والخمر واللبن (الحليب) والخبز واللحوم «الدسمة» التي تحمل القوّة والغذاء. هذا التعداد يضمّ كلَّ ما يكفل البقاء أوثق كفالة في نوعيّة الحياة آنذاك. بل يعطي القوّة والنشاط. هذا لم يكن يُعطى لكلّ انسان وفي كل آن، كما لا يُعطى اليوم للجميع. لا شكّ في أنّنا لا نرى فيها مجرّد مادة، بل أطعمة تدلّ على جماعة بشريّة تتكوّن.

لفظ «ط و ب»، الطيّب، الطيّبات، هو ما نأكله. ولكنّ موقعه يتحدّد في سياق وعدٍ بالأرض. نقرأ تث 32:13 - 14:

أقامهم على مشارف الأرض،

وأطعمهم من غلال الحقول.

أرضعهم عسلاً من الصخر،

وزيتاً من حجر الصوّان،

وزبدة البقر ولبن الغنم،

وشحم الخراف وكباش بني باشان،

وأطعمهم شحم التيوس ولبَّ الحنطة،

ودم العنب خمراً للشراب.

هذا الكلام يلتقي مع ما قال هو 2:10: «هي (= عروس الربّ) لا تعرف أنّي أنا أعطيتها القمح والخمر والزيت، وأكثرتُ لها الفضّة والذهب» (رج مز 104:14 - 15؛ سي 39:26 - 27). إنّه يعبّر عن وضع بشريّ يجعلنا نرى لطف الله وحنانه. هذا ما نمتلكه نحن وإن بدرجة متفاوتة، وما اعتبر يسوع أنّه لن يرفضه حين يقدّم الشفاء للمرضى ويوزّع الخبز على الجموع (مت 14:14). غير أنّ هذا العطاء يصل إلى النفس (ن ف ش) التي هي أكثر من الجسد، وغير النفس في مفهومنا العادي. النفس هي أنا. وإذا وقفنا على المستوى الحكميّ، سوف نكتشف وجهة أعمق في الدعوة التي نتسلّمها: «الحكمة بنت بيتها، وهيّأت مائدة طعامها» (أم 9:1 - 2).

ب - العهد

موضوع العهد لا يُبقينا على مستوى الأشياء، بل يصل بنا إلى علاقة. والشرط الأوّل: أن نجيء، أن نميل آذاننا، أن نصغي. وهكذا يُبنى هنا، كما في الكتاب كلّه، بين الله وشعبه، حوارٌ لا يتوقّف عند البعد «أنا وأنتَ»، لأنّ بين الاثنين يقف عنصرٌ ثالث: «هذا»: الوعد، ظروف الحياة، الحياة الحقيقيّة في عالم يتجدّد. والنصوص العديدة حول العهد تتحدّث عن علاقة. كما تتحدّث أيضاً عن العطاء. وهكذا ينتج اثنان: «تعالوا» يوجّهنا إلى «من» يتكلّم، إلى «ما» يُعطي». فتسلّمُ خيرٍ شيءٌ، وتسلّم كفالةٍ علاقة (في الأبوّة والزواج) شيءٌ آخر. هي وحدها ترتبط أرتباطاً بالعهد.

ولكن كما في الأمثلة المذكورة، ترتبط العلاقات بالخيرات ارتباطاً وثيقاً. فوجهة الكفالة بارزة جداً لأنّ هذا العهد «أبديّ» (آ 3.) وبما أنّ الكفالة تستند إلى من يقدّمها، فعدم الرجوع عنها يشكّل هنا العطاء الرئيسيّ. لهذا لا شروط مسبقة، لا شرائع ولا فرائض. بل فقط: تعالوا وأصغوا. والاعلان عن عهد لا تراجع فيه، نستطيع أن نسمعه بآذاننا، مع ذاك الذي يعطي الحياة، ويروّح عن المضايَقين ويعيد إليهم النفس. وهذا العهد «الجديد» يتميّز حقاً عن سلسلة العهود السينائيّة، لأنّه عهد أبديّ. ويمكن أن يكون للدعوة إلى الطعام هنا، علاقة مع طقس ترافقه وليمةُ العهد (خر 24:11).

ج - داود

ونقرأ اسم داود فجأة وكأنّنا ما كنا ننتظره: «عهد رحمتي الصادق لداود». هو توسّع في لفظ «عهد». هذه الرحمة، هذا اللطف (ح س د) لا يصوّر فقط عاطفة، بل موقفاً نأخذه حين نكون مرتبطين بتوافق مع آخر. حينئذ نكون مستعدّين، وبمحبّة نستعدّ لأن نأتي بسرعة. والإشارة إلى داود لا تجعل في الواجهة انتظار عودة السلالة بعد المنفى. بل تعود بنا إلى نمط عهد عُقد بين الله وداود، وهو عهد يشدّد على اختيار انسانٍ من الناس. هو اختيار مجانيّ، لا يضع شرطاً للحفاظ على العلاقة: فالتجاوز يتبعه العقاب، لا نقض العهد وكأنّه لم يكن. قال الربّ لداود:

أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً.

وإذا خطئ أودّبه بعصا الناس،

وأمّا رحمتي فلا أنزعها منه

بل يكون بيته وملكه ثابتَين،

وعرشه يكون راسخاً إلى الأبد (2 صم 7:14 - 16)

وقال مز 89:30 - 38 مشدّداً على أنّ العهد انتقل من الملك إلى الشعب:

أجعل نسله إلى الأبد، وعرشَه ما دامت السماء.

إن ابتعد بنوه عن شريعتي، ولم يسلكوا في أحكامي،

وإن أخلّوا بفرائضي، ولم يحرصوا على وصاياي،

أعاقب معصيتهم بالعصا، وبالضربات آثامهم،

لكنّي لا أحرمه رحمتي، ولا أخون أبداً أمانتي.

لا أخلّ بعهدي له، ولا أغيّر كلامي.

مرَّة حلفتُ بقداستي، ولا أكذب على داود.

نسله يكون إلى الأبد، وعرشُه كالشمس أمامي

مثل القمر ينبت على الدوام ويبقى في الفضاء آمنا.

وهكذا يلتقي النموذج الذي عرفناه مع ابراهيم (عهد أبديّ، تك 17:7، 13، 19) ونوح (تك 9:16؛ رج أش 54:9 - 10): «كذلك يكون لي كأيّام نوح، لأنّي كما حلفتُ لنوح أن لا تعبر المياهُ على وجه الأرض فيما بعد، كذلك حلفتُ أن لا أغضب عليكِ (يا أورشليم) ولا أوبّخك. الجبال تزول والتلال تتزعزع، وأمّا رأفتي فلا تزول عنكِ وتعهّدي بسلامتك لا يتزعزع». كما يلتقي مع داود في نظرة إلى العهد حيث يتقابل الجديد والأبديّ والمجانيّ ويسيرون معاً.

3 - نداء من عند الحكمة

ما يجب أن يوجّه قراءتنا للنصّ هو نبرة الصوت ومناخ الكلمات. وإن كان هذا لا يتيح لنا أن نحدّد موقع النصّ، نستشفّ نمط نداء ينطلق إلى الخارج. في ساحة المدينة. فيسمع العابر صوتاً يناديه. «هـ و ي»: أنت! تعال. عزم أن يواصل طريقه، فحدّثوه عن حاجاته، عن نقص الفضّة لديه، عن التعب وخيبة الأمل. أقنعوه بأن لا يمضي إلى مكان آخر. ووعدوه بالأفضل. وبيّنوا له ضحالة ما يجد في طريقه: غالي الثمن ومخيّب للآمال. ثمّ إنّ الذي يتكلّم يعدُ أنّه يعطي حالاً، يُغدق العطاء، ومجاناً: انتبهوا. تعالوا. اسمعوا. هذا ما أعمل وأمام أنظاركم. ويبدو أنّ الأذن إذا اقتنعت ومالت، سار كلُّ شيء بأفضل ما يمكن. هو صوت التاجر في الهواء الطلق. ولكنّ الوضع منقلب، لأنّ لا تبادل بين بضاعة وفضّة، هذا ما يمكن أن يقوله في الساحة العامة، فيلسوفٌ من العالم القديم، واحد من أولئك الذين كانوا يلاحقون الناس، لا ليبيعوهم معرفتهم، بل ليعطوهم هذه المعرفة عطيّة. هكذا تكلّمت الحكمة في بداية سفر الأمثال (ف 1 - 9). والخطبة الحكميّة بدت مفتاح نصّ أشعيا الذي نقرأ، إن نحن توقّفنا عند البنى.

تقدّم الخطبةُ الحكميّة نمطاً من الوحي له خاصيّته. ترسل الحكمة صوتها على مفارق الطرق (أم 1:20 - 21؛ 8:1 - 3؛ 9:3؛ حك 6:16). هناك اعتاد الناس أن يجيئوا. فكانوا يصلون بسهولة. ليس بمرتفع فيتطلّب مجهوداً. لا يصل إلى الجبال حيث رعد صوتُ الله. لا صعود مطلوباً. بل الحكمة هي التي نزلت (حك 9:10) لكي تتكلّم في وسطنا. هذه السهولة تطبع العهد المقدَّم بطابع يختلف عن عهد سيناء. ونلاحظ أنّ الحكمة تدعو، كما اعتادت، إلى الطعام. إمّا إلى مائدة وليمة (أم 9:5)، وإمّا مباشرة إلى شجرة الفردوس (أم 3:18؛ سي 24:19)، بعد أن انتزعت كلَّ عائق من الطريق. سواء كنّا على مائدة واحدة معها، أو مع الله في وليمة العهد، وسواء كنّا أمام ثمرة شجرة الخلود، فهي تعدنا بما لا يعطيه طعامُ الأرض. إذن، يجب أن نقرأ النصّ كحركة تسير من نظرة إلى أرض الموعد إلى مواعيد الحكمة التي لا يمكن أن تكذب على الآمال الأولى.

ولكنّ الحكمة ليست هي التي تتكلّم هنا، في أشعيا، كما في سفر الأمثال. فبحسب عادة الأنبياء، الله هو الذي يتكلّم بحيث لا يقدّم النبيّ نفسه في مجموعة أشعيا الثاني. إنّ امّحاء النبيّ هذا يعطي ضخامة لصوتٍ يستطيع الجميع أن يدركوه. فالله والنبيّ هما معاً، قريبان، كما في عائلة واحدة. هذا المقطع الذي يقع في نهاية أشعيا الثاني، يُوقّع عليه كاتبٌ حكميّ في نهاية تعليم لا نعرف اسم صاحبه (صدق، 40:3)، ولكن يدركه كلّ انسان، في كلّ مكان وفي كلّ زمان (40:21): أما علمتم ولا سمعتم؟ أما بلغكم كيف كان البدء، وفهمتم من أسّس الكون»؟

4 - عهد جديد

لا يكفي الشكل الحكميّ لكي يعطينا فكرة عن تدوين هذا المقطع. فالعهد يُعبَّر عنه في شكل تقليديّ ثابت ينضمّ إلى الأوّل. وهذا لا يظهر بوضوح إلاّ إذا عدنا إلى ما يلي 55:1- 3. غير أنّ آ 1 - 3 تتضمّن ما هو جوهريّ وعلى مستوى أشعيا الثاني: هو عهد جديد. في شكل متجدّد. وربّ العهد يروي حسناته السابقة قبل أن يعلن عن امتداد لها في المستقبل. هذه الطريقة يشير إليها ذكرُ داود. غير أنّ نداء الحكمة هنا، يخلق مناخاً آخر، هو مناخ الحاضر: فالله يطلق صوته الآن على أنّه جديد، دون أن تقف طريقٌ بينه وبين الذين يناديهم: هو قريب (آ 6).

لن تُفتح الأرض الموعود بها غداً، كما في زمن سيناء. فأبوابُ قاعة الوليمة فُتحت لجميع العطاش. والربط بين اليوم الحاضر وأبديّة العهد، يبدو واضحاً في تعليم أشعيا الثاني، كما جوّ الفرح في عيد الأعراس. وأخيراً، بين الماضي والمستقبل، فرض العهدُ على المؤمن أن «يسمع صوت» الله، وأعلن الشريعة. هنا ما غاب واجب السماع، بل شدّد النصّ عليه. ولكن لا نسمع (أو لا نرفض) سوى الوعد.

إذن، تنطبع الأشكال الواحد فوق الآخر، وهذه ظاهرة معروفة في الأدب العبريّ: صوت البائع، نداء إلى الحكمة، تدشين العهد الأبديّ. وهكذا يُرسَم الإطار الضروريّ من أجل التفسير، فيشدّد النصّ على مجانيّة العهد.

5 -من النبوءة إلى الانجيل

تطلّع النبيُّ إلى نهاية المنفى. فتجاوزُ الشريعة والعقاب الذي تبع من ضياع الملك والهيكل والأرض، كلّ هذا وضع ختماً على حقبة من تاريخ اسرائيل: «طيّبوا قلب أورشليم، بشّروها بنهاية تأديبها، وبالعفو عمّا ارتكبت من إثم، وبأنّها وفت للربّ ضعفين جزاء خطاياها» (40:2). إذن، يتوجّه التعليم إلى شعب نال عقابه. ولكن يُعلن له أكثر من بداية جديدة وترقيع الماضي. فالعودة من المنفى يُعلنها نبيٌّ لا نعرف اسمه، ارتبط بتقليد أشعيا الأوّل، بشكل علاقة جديدة بين الله وشعبه. إنّها بداية تمحو ما سبق وتُتمّه. ونحن نقرأ عدداً من النصوص المتقاربة، التي تصوّر هذه البداية عبر الأدب النبويّ. هي تسبق فتتحدّث عن عهد جديد ينطلق من القديم. إنّها حقبة محنة، وخصب عجيب من أجل إيمان الشعب وفكره.

في هذا المجال، نستطيع أن نقرأ إر 31:31 - 37: «وستأتي أيّام أعاهد فيها بيت اسرائيل وبيت يهوذا عهداً جديداً، لا كالعهد الذي عاهدته آباءهم يوم أخذتُ بأيديهم وأخرجتهم من أرض مصر... أمّا العهد الجديد...». رج إر 32:28 - 44؛ 33:1 ي؛ حز 16:1 ي؛ 23:1 ي.

ونصّ أشعيا هذا النبويّ، أعلن المضمون كما أعلن ظروف تتمّة العهد الجديد الأبديّ. ويُسمعنا الانجيلُ الصوت عينه: إعلان الحياة للعطاش والمنهكين. أمّا أكبر عائق في وجه هذا الاعلان، فصممٌ يمنعنا من أن نسمع. والقرار العظيم الذي نأخذه هو أن نقبل الدعوة إلى الوليمة المسيحانيّة. وما أتعسنا إن نحن رفضناها. والانجيل يحقّق تحقيقاً تاماً حضور ذاك الذي يدعو، فيعطي جسداً لهذا الصوت السريّ، صوت الحكمة الذي صار قريباً، ملموساً مع يسوع، صار في متناول يدنا.

فالمسيح يفتح باباً لجميع الذين يتعرّفون إلى صوته وكلامه، ويريدون أن يميلوا عن طريقهم الخاص. ولا يضع شرطاً آخر سوى أن نسمع وندخل. كما هو لا يُؤخّر ساعة العهد الأبديّ. وعلامة هذا العهد، هي وليمة مع يسوع تتضمّن الحقيقة الأخيرة لعلاقاتنا مع العالم ومع القريب، ونحافظ على حضوره فيما بيننا.

الخاتمة

ذاك كان النداء الذي أطلقه النبي فوصل إلى شعب خائر القوى لا يعرف إلى أين يمضي. هو يبحث عن طعامه حيث لا يجده. ولا يعرف أين يجد ينبوع الماء. ويسمع من يناديه: تعال. أتراه سيصغي إلى صوت آتٍ إليه من البعيد، أم يتابع طريقه. فإن لبث أصمّ بسبب الضيق الذي هو فيه، ازداد جوعه جوعاً، وعطشه عطشاً، وبؤسه بؤساً. أمّا إن سمع، فسيعرف أنّ ما يُعطى له ليس الماء وحسب. بل اللبن والخمر. والطعام سيكون اللحم الدسم الذي يُحبّه الانسان الفقير ويجد فيه القوّة والنشاط. وإن كان لا فضّة له في يده، فهذا أمرٌ لا أهميّة فيه. كلّ ما يُعطى يُعطى بمجانيّة. يكفي أن نأتي ولو من البعيد، مثل الابن الضالّ، فسنجد الوليمة مهيّأة كعلامة عن غفران الله ودعوة إلى

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM