الخاتمة

الخاتمة

قدّمنا في هذا الكتاب باقة أولى من التأملات في نصوص أشعيا النبيّ. قرأنا النصّ قراءة «علميّة» وما تهرّبنا من بعض الصعوبات. ولم يكن بدٌ من ذلك. ولكنّ الهدف الأوّل ليس بالعلمي. بل إيصال المؤمن إلى ماويّة كلام الله يجد فيه الحياة. ووضعنا كلمات أشعيا في إطارها التاريخيّ ومناخها الحياتي، لأنّ ما يقوله الربّ بفم نبيّه ليس أقوالاً مجرّدة لا ترتبط بالواقع. وإلاّ صارت هذه الأقوال بعيدة عنا بحيث لا تعنينا. صارت قلعة مغلقة تدور حولها ولا يحقّ لنا الدخول إليها واكتشاف ما فيها. بين الحين والآخر تُرسَل إلينا كسرة خبز لا نعرف مصدرها. أو يسيطر على ما يقوله الله أقوالُ بشرٍ سيطرت تقاليدُهم على قوّة الكلمة التي هي سيف ذو حدين تدخل إلى مفرق النفس والجسد.

في الحرب الآراميّة الافرائيميّة على يهوذا وأورشليم، سمع المؤمنون أنّ الله عمانوئيل، إلهنا معنا. وهم يردّون على تدخّله بالايمان مهما كانت القوى متفاوتة. في الماضي، كان موسى بعصاه أقوى من الفرعون وخيله ومركباته، لا بقدرته بل بقدرة الله، التي لا تقف أمّامه آلهة الحجر والخشب. آمن العبرانيون بالله وموسى عبده، فكانت لهم النجاة. ومع أشعيا، يجب على الملك أن لا يتّكل على ملوك الأرض، ولا يستند إلى عظماء هذا العالم. عليه أن لا يركع إلاَّ أمام الله. أمّا آحاز فمضى إلى ملك أشور، وحزقيا إلى الفرعون. وفي الحالتين كان الشقاء لهما ولعاصمتهما ولشعبهما. يا ليت الملك سمع كلام النبي! ولكنّه لم يسمع. هو لم يذهب إلى الهيكل «ليرى» وجه الربّ، بل مضى إلى حيث يُقيم الملك الأشوري. ومع ذلك، تدخّل الله. أعطى شعبَه، لا ملكَه، آية دلَّت على أنّه سيّد السماء والأرض.

علامة قريبة قدّمها الله لشعبه. خلاص أورشليم من هؤلاء الهاجمين عليها لكي يزيحوا ابن داود عن عرشه، ويجعلوا ملكاً غريباً يكون صنعتهم على مدينة الله. وخلّص الربُّ أورشليم مرّة أخرى حين أحاط بها سنحاريب بعد أن اقتلع الممالك ودمّر المدن وأحرق الأرض وسبى السكّان. تآمر على الملك الأشوري ولداه، وأصيب جيشه بالوباء. وهكذا نجت أورشليم من الدمار.

والعلامة البعيدة تصل بنا إلى العهد الجديد. فالعمانوئيل لم يعُد رمزاً إلى حضور الله في المدينة المقدسة، بل واقع الحضور بعد أن صار الله بشراً وسكن بيننا فرأينا مجده. والصبيّة التي هي الملكة الصبيّة، صارت العذراء التي حبلت وولدت ابناً ودعت اسمه يسوع، لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم.

تلك كانت كلمة الله كما وصلت إلى معاصري أشعيا. فألقت الضوء على حياة الشعب والأفراد، بدءاً بالملك والعظماء. وهي تلقي الضوء على حياتنا. إذا شئنا. فإن كنّا نعرف أنّ المسيح أتى في الجسد «في ملء الزمن»، فنحن ما زلنا ننتظره حين يأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات. وإن كانت شريعته المحبّة التي تحدّث عنها العهد القديم تجاه الله وتجاه القريب، فهي تطلق إلينا النداء عينه في خطّ من أحبّنا وبذل نفسه عنّا.

تأمّلات عن أشعيا في جزء أوّل: السماوات شاهدة علينا والأرض. وفي جزء ثانٍ، لا يتوجّه كلامُ الله فقط إلى شعب الله، إلى المؤمنين، بل إلى جميع الشعوب والأمم البعيدة. وهم سوف يسمعون كما قال بولس في نهاية سفر الأعمال (28:28). إذن، إلى جزء ثانٍ يكون عنوانه: اسمعوا أيّها الشعوب البعيدة. فماذا ننتظر لكي نلبّي الندا

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM