الفصل الثاني: أخبار آدم في الأسفار المنحولة وكتاب «مغارة كنوز»

 

الفصل الثاني

أخبار آدم في الأسفار المنحولة

وكتاب «مغارة كنوز»(*)

آدم هو أبو الجنس البشريّ ولهذا احتلَّ مكانة خاصَّة في التقاليد اليهوديَّة. فتحدَّث عنه الرابينيون (أي المعلِّمون) منذ زمن بعيد. لم يستطع الخبر الكتابيّ أن يرضي حشريَّتهم فصار نقطة انطلاق لروايات متنوِّعة جاءت تنسج إطارًا حول الصفحات الأولى من سفر التكوين. بدأت عمليَّة التجميل هذه في القرون الأولى (ق.م.) وهذا ما نلاحظه في أسفار اليوبيلات وأخنوخ السلافيّ وعزرا الرابع ورؤيا باروك السريانيَّة وفي كتب فيلون الإسكندرانيّ والمؤرِّخ اليهوديّ يوسيفس.

سنذكر في مقالنا بعض الأسفار المنحولة حول آدم ونتوقَّف بصورة خاصَّة على مغارة الكنوز فنتعرَّف إلى تقاليد قديمة علقت بتصوُّراتنا وردَّدها الآباء والوعّاظ في كتبهم وتآليفهم.

1- أسفار آدم المنحولة

أ- حياة آدم وحوّاء ورؤيا موسى

وصلت إلينا حياة آدم وحوّاء في اللاتينيَّة. أمّا رؤيا موسى فوصلت إلينا في اليونانيَّة وعنوانها: خبر حياة آدم وحوّاء كما كشفها الله لعبده موسى وعلَّمه إيّاها ميخائيل رئيس الملائكة. وها نحن نقرأ الكلمات الأولى: »إليك خبر آدم وحوّاء بعد خروجهما من الفردوس«. وبعد هذا لن يذكر اسم موسى لأنَّ الخبر يتعلَّق بآدم وحوّاء. هناك نسخة في السلافيَّة اسمها: حياة آدم وحوّاء، ونسخة في الأرمنيَّة.

حين طُرد آدم وحوّاء من جنَّة عدن جاعا فطلبا الطعام في كلِّ مكان. وإذ لم يجدا طعامًا شبيهًا بما ذاقاه في الفردوس عزما على التوبة: فغاصت حوّاء حتّى الرقبة في مياه دجلة مدَّة 37 يومًا، وآدم في مياه الأردنِّ مدَّة 40 يومًا، وهما يرجوان الحصول على عفو الله. ولكن بعد 18 يومًا تحوَّل الشيطان، إلى ملاك نور وظهر أمام حوّاء وأعلن لها أنَّ الله غفر لها خطيئتها، وجاء بها إلى آدم الذي عرف حالاً الكذبة التي كانت رفيقتُه ضحيَّتها. وبَّخ آدم وحواء الشيطان فأجاب أنَّه سقط بسبب الإنسان: رفض أن ينحني أمامه، ولهذا فهو يُضمر له حقدًا شديدًا.

وتروي حياة آدم بعد هذا مولد قايين وهابيل وموت هابيل قتلاً بيد أخيه، وتتحدَّث عن مولد شيت ونبوءة آدم عليه، عن مرض آدم وسفَر شيت إلى الفردوس ليطلب زيت الرحمة (ولكن بلا جدوى)، عن موت آدم ودفنه، وعن موت حوّاء.

تشدِّد حياة آدم على سموِّ آدم. فقد كان قبل السقطة أرفع من الملائكة. ولهذا، بأمر من الله، كان الملاك ميخائيل أوَّل من انحنى أمام آدم الذي هو صورة الربِّ الإله (تك 1: 26). ونشير إلى أنَّ خطيئة الشيطان هي في أنَّه رفض أن ينحني أمام آدم. نلاحظ أنَّ هذا التقليد اليهوديّ عن خطيئة الشيطان انتقل إلى العالم الإسلاميّ. وهناك موضوع الطعام العجيب. بعد أن طُرد آدم وحوّاء من الفردوس، طلبا الطعام بعد أن حُرما من ذلك الذي حصلا عليه بلا تعب ومشقَّة. أمّا الآن فسيحصلان على طعام يشبه طعام الحيوانات بالتعب وعرق الجبين (تك 3: 17-19). فما هو هذا الطعام الفردوسيّ الذي يختلف عن الطعام المعطى للحيوانات والبهائم؟ يقول النصّ: »في ليالي الخلق كوَّن الله المنَّ العجيب واستطاع آدم أن ينعم به قبل السقطة. حُفظ المنُّ في أهراء السماء والربُّ يُنزله ساعة يشاء كما فعل مع شعبه« (خر 16: 4ي).

وتتحدَّث رؤيا موسى عن شجرة الحياة والمسحة بالزيت. شجرة الحياة أهمُّ من شجرة المعرفة. وحين مرض آدم، أرسل حوَّاء مع ابنه شيت إلى الفردوس ليجلبا زيت الشفاء الذي يسيل من شجرة الحياة. ولكنَّ هذه الشجرة ترتبط بنهاية الأزمنة ولهذا لم يُعطَ زيتُها لآدم الذي يجب أن يموت. فعلى الإنسان أن ينتظر نهاية الزمن ليحصل على الحياة.

وتتحدَّث أيضًا عن القلب الشرّير والقلب الذي تعلَّم الخير. نجد أساس هذا الموضوع في أقوال إرميا (31: 31-34) وحزقيال (36: 25-27) اللذين شدَّدا على تجديد الإنسان وخلقه مرَّة ثانية. وهذا ما تقوله رؤيا موسى: إنَّ القيامة التي يُعلن عنها الملاك، هي خلق ثانٍ للمختارين الذين يحصلون على قلب جديد عوض القلب الشرّير. بعد هذا لن يكون لهم أن يخطأوا. ونلاحظ أنَّ الكتاب لا يعرف إلاَّ قيامة الأبرار (فالأشرار لا يقومون).

وتروي رؤيا موسى موت آدم ودفنته، متوسِّعة في شعائر الجنازة. فالله نفسه يُفهم الملائكة كيف يَدفنون آدم. وسيعلِّم ميخائيلُ بدوره شيتًا كيف يقوم بواجباته تجاه حوّاء المائتة وتجاه كلِّ الموتى. يبرِّر هذا النصُّ الشعائر الجنائزيَّة في فلسطين في القرن الأوَّل ب.م.

وتتضمَّن الجنازة بصورة خاصَّة مسح الجثَّة بالزيت، وهو زيت شجرة الحياة الذي طلبه آدمُ المريض وبحث عنه شيت وحوّاء دون أن يعثرا عليه. هذا يعني أنَّ الزيت الذي مُسحت به جثَّة آدم (ونسله من بعده) يدلُّ على القيامة. هنا نتساءل: أما يجب أن نفهم ما فعلته المرأة في بيت عنيا عند سمعان الأبرص (مر 14: 3ي) على ضوء هذا الاعتقاد؟ قال يسوع: »طيبَتْ جسدي سلفًا للدفن« (مر 14: 8).

وخُتم القبر. ختمه الله بنفسه ليمنع من أن يُنتهك خلال الأيّام الستَّة التي تفصل موت حوّاء عن موت آدم. كانت هناك عادةٌ في القرن الأوَّل المسيحيّ بسبب قلَّة المدافن: يُخرجون جثَّة ميْت ويضعون مكانها جثَّة ميْت آخر.

وتتحدَّث رؤيا موسى عن دفن هابيل التقيّ. حين قُتل رفضت الأرض أن تقبل جثَّته مع أنَّ الملائكة أنفسهم قاموا بدفنه. والسبب: لأنَّ الجسد لم يُمسح بالزيت ولم يُلفَّ بكتّان، لأنَّه عُرِض على صخر ولم يوارَ التراب. وهذا أتعس مصير يصيب إنسانًا من الناس (إر 16: 4؛ 22: 18-19). أمّا الدفنة الثانية فستكون طقسيَّة. عوملت جثَّة هابيل كما عوملت جثَّة آدم، فدُفنت في قبر محفور ومشغول. وهكذا كانت لهابيل دفنتان.

وهناك بعضُ ملاحظات متفرِّقة. فالموت هو خروج آدم من جسده والروح تنتقل إلى الله، والنفس تترك الأرض. ولكن يبدو الجسد في مجمل الكتاب وكأنَّه العنصر الرئيسيّ ومركز الشخصيَّة. ومن الملفت للنظر أنَّ جسد آدم هو الذي يحاور الله. فالرجاء الوحيد هو القيامة. أجل تتحدَّث رؤيا موسى عن قيامة عامَّة تصيب الأبرار والأشرار، »كلُّ سلالة البشر الذين خرجوا من زرع آدم«. هذا القول يختلف عمّا سبق. فقد تكون يدٌ مسيحيَّة صحَّحت النصَّ ورفضت أن تحصر القيامة بالأبرار دون الأشرار.

ب - كفاح آدم وحوّاء

هذه هي الكلمات الأولى لأبوكريف (كتاب منحول) حُفظ في الحبشيَّة والعربيَّة (نُقل النصُّ الحبشيّ عن النصِّ العربيّ): كفاح آدم وحوّاء بعد طردهما من الجنَّة وخلال إقامتهما في مغارة الكنوز بأمر من الربِّ خالقهما.

يُقسَم الكتاب ثلاثة أقسام: الكفاح، قصَّة آدم وحوّاء منذ ولادة قايين حتّى موتهما وقصَّة الآباء حتّى إقامة ملكيصادق كاهنًا على الجلجلة، ملخَّص سريع لتاريخ بني إسرائيل حتّى ولادة المسيح. وينتهي الكتاب فجأة بوصول المجوس إلى بيت لحم.

أوَّلاً: الكفاح: ما إن خرج آدم وحوّاء من الجنَّة حتّى وجدا نفسيهما عرضة لعدَّة صعوبات. جعلهما الربُّ يقيمان في مغارة محفورة في الصخر فبكى المنفيّان بحرارةٍ الجنَّةَ الواسعة والمليئة بالنور التي تركاها. خافا من الظلمة بعد ضوء النهار، خافا من الحيَّة التي تريد أن تقتلهما، تألَّما من الحرِّ وتعرَّضا لمحاولات الشيطان ليخدعهما ويجعلهما يتجاوزان أيضًا وصايا الله.

فجاء الله إلى عونهما وهو المليء بالرحمة تجاههما، وأعلن لهما أنَّه بعد خمسة أيّام ونصف اليوم، أي بعد 5500 سنة سيخلُصان ويستطيعان مع كلِّ الأبرار أن يعودا إلى الجنَّة حيث لا ألم ولا وجع، بل يسود فرح دائم. وأراد أن يعطيَهما ذِكرًا من الفردوس ليعزِّيهما. أمر ميخائيل فحمل إليهما قضبان الذهب، وبحث جبرائيل في الجنَّة عن البخور (أو اللبان) ورفائيل عن المرّ. غُطِّست هذه الثلاثة في ينبوع ماء قريب من شجرة الحياة وسُلِّمت إلى آدم الذي وضعها في المغارة التي ستسمّى مغارة الكنوز. أراد آدم وحوّاء أن يتوبا ليُعادا إلى الجنَّة فغطسا في الماء. ولكنَّ الشيطان غشَّ حوّاء فأخرجها قبل الوقت المحدَّد الذي هو 40 يومًا. ضايقهما الجوع والعطش والتعب والعناء وتألَّما من العري، فعلَّمهما الله أن يسدّا حاجاتهما. حاول الشيطان أن يدفعهما إلى اليأس مدمِّرًا مغارتهما بالنار، ثمَّ دحرج عليهما صخرة كبيرة ليقتلهما فتبقى الأرض كلُّها ملكه. لكنَّ الله حفظهما، بل أعلن لآدم أنَّ الدم الإلهيّ سيسيل يومًا على رأسه في الجلجلة فيكون ينبوعَ حياة له وللذين يؤمنون من نسله. وأنَّ الله سيُغلَق عليه ثلاثة أيّام في الصخر ثمَّ يقوم. وما زال الشيطان يصليهما حربًا ويحاول أن يؤذيهما بكلِّ الوسائل. كان آدم يقدِّم ذبيحة، فرماه بحجر فجرحه في الخاصر الأيمن، فجرى دم وماء. فقال الله لآدم: هذا ما سيصير لي على الأرض. سأُجرَح وسيخرج من جنبي دم وماء. هذه هي الذبيحة الحقيقيَّة التي ستُهرَق على المذبح كتقدمة كاملة. وآخر هجوم شنَّه كان على عفَّتهما. دفعهما الشيطان إلى أن يتجامعا في فعل الزواج قبل أن يسمح لهما الله بذلك. ولكنَّ ملاك الله ظهر لهما وأمرهما أن يقضيا 40 يومًا في الصلاة والصوم قبل أن يتجامعا. وهذا ما فعلاه. وتزوَّج آدم حوّاء بعد الخروج من الفردوس بمئتين وثلاثة وعشرين يومًا. وهكذا انتهت حرب الشيطان على آدم وحوّاء.

ثانيًا: التاريخ حتّى ملكيصادق: وَلدت حوّاءُ في الألم قايين وابنةً هي لوبا الجميلة. وبعد أن قدَّم آدمُ وحوّاء ذبيحة، حملا ولديهما إلى مغارة الكنوز ليباركاهما بعلامة الجنّة. ثمَّ ولدت حوّاء هابيلَ وابنةً هي أكليان (ستسمّى في ما بعد لوي). وكبر الأولاد وبرزت فكرة الزواج. أقنع الشيطان قايينَ أنَّ والديه يريدان أن يزوِّجاه توأم هابيل التي كانت قبيحة وأن يحتفظا بلوبا الأخت الجميلة لهابيل. ونفخ في قلبه الحسد والرغبة في قتل أخيه. وحين رأى قايين أنَّ الله رذل ذبيحته وقبل ذبيحة هابيل، اتَّخذ قراره. فدعا هابيل ليخرج إلى البرِّيَّة، فاقترب من خلفه وضربه بعصا ثمَّ أجهز عليه رغم توسُّلاته، فحطَّم جمجمته بحجر كبير. حزن الوالدان وحملا جثَّة هابيل ووضعاها في المغارة. وتزوَّج قايين لوبا رغم إرادة والديه وأقام عند سفح الجبل.

ووُلد شيت وكان جميلاً جدٌّا. أراد أن يعيش في البتوليَّة من دون زواج. ولكنَّه أطاع والديه وتزوَّج من لوي توأم هابيل. وقبل أن يموت آدم، دعا إليه شيتًا وكلَّ أبناء شيت وباركهم ووجَّه إليهم وصاياه الأخيرة: على شيت أن يبقى في الطهارة ويحتفظ بنفسه أمينًا بارٌّا في مخافة الله وألاَّ يقع في حبائل الشيطان. هذه النصائح هي له ولكلِّ الأجيال الآتية. فعلى كلِّ أب أن ينقلها إلى أولاده. وحنَّط شيت جثمان آدم ووضعه في المغارة. وبعد الوصيَّة كان تنبُّؤ عن الطوفان وأمرٌ بأخذ الجسد ووضعه في وسط الأرض. إلى هناك سيجيء الله ويخلِّص كلَّ نسلنا.

وعاش الشيتيّون على الجبل المقدَّس حياةً من التقوى والبرارة. وصارت المغارة التي وضعت فيها العلامات المقدَّسة وجثمانُ آدم مركزَ العبادة المؤدّاة لله. وكان لامك أعمى. وإذ أراد أن يحمي قطيعه من اللصوص قتل قايين دون أن يعرفه. وقاد شيتٌ وأنوش وقينان ومهللئيل، على التوالي، شعب الله وماتوا وهم يتذكَّرون وصيَّة آدم ووُضعوا في المغارة. ولكن في أيّام يارد، توصَّل الشيطان بواسطة القايينيّين إلى أن يُنزل المئات من بني شيت عن الجبل إلى السهل ويجعلهم يتزوَّجون بنات قايين. وتبعهم آخرون، فلم يبقَ على الجبل إلاَّ قلَّة قليلة.

ومات يارد. أمّا ابنه أخنوخ فنُقل إلى أرض الحياة، إلى مسكن الأبرار والصُلاّح. أفلت من عالم الموت حتّى اليوم الذي يريد فيه الله أن يموت. وظلَّ متوشالح ولامك ونوح على الجبل وحدهم. وحَفظ نوح نفسه بتولاً حتّى بلغ 500 سنة ولم يتَّخذ امرأة إلاَّ بأمر الله. وبنى السفينة. اتَّحد الشيتيّون بالقايينيّات فولدوا الجبابرة. هنا يعترض الكاتب بشدَّة على الحكماء القدماء الذين ظنُّوا أنَّ »ملائكة الله« المذكورين في تك 6: 2-4 كانوا ملائكة حقيقيّين. لا، ليس هذا بحقٍّ لأنَّه يخالف طبيعة الملائكة الروحيَّة. إنَّهم لا يتجامعون مع النساء.

ونبَّه نوحًا صوتٌ من السماء فأخذ جسد آدم من المغارة وتبعه أبناؤه الثلاثة الذين حملوا الذهب والبخور والمرّ (رمز الملكيَّة والكهنوت والنبوءة التي منحها الله لآدم) فوضعوا كلَّ هذا في السفينة. نفخ نوح في البوق فتجمَّعت الحيوانات حول السفينة. صعدت الحيوانات الكبيرة إلى الطبقة الأولى، والعصافير والزحّافات إلى الطبقة الثانية، ونوح وعائلته إلى الطبقة الثالثة حول جسد آدم. أقامت النساء إلى الشمال ونوح وبنوه إلى اليمين.

وكان الطوفان وذبيحة نوح وسكره ولعنته لحام. وقبل أن يموت نوح طلب إلى ابنه سام أن يأخذ من السفينة جسد آدم ويحمله مع ملكيصادق ابن قينان إلى وسط الأرض حيث سيتمُّ فداء العالم. وبعد موت نوح، ظهر على ملكيصادق الملاك ونبَّهه، فاقترب من السفينة التي انفتحت بطريقة عجائبيَّة. وبعد أن أعلنه صوت من السماء كاهنًا وملكًا ونبيٌّا، أخذ الجسد من السفينة. وسار سام وملكيصادق بقيادة الملاك ثلاثة أيّام ووضعا أخيرًا جسد الإنسان الأوَّل في وسط الأرض، وهناك سيُرَشُّ على جمجمته في يوم من الأيّام دمُ كلمة الله. قدَّم ملكيصادق ذبيحة الخبز والخمر ونزل الروح القدس على التقدمة، فتناول منها سام وملكيصادق. وأُعلن ملكيصادق من جديد كاهنًا بواسطة كلمة الله وظلَّ بعد هذا متمنطقًا بالنار ليخدم الله أمام جسد آدم.

ثالثًا: تاريخ الكون منذ موت سام حتّى يسوع المسيح: هنا تخفُّ قيمة الخبر. ونحن نورد فقط بعض الأمور. عارض الكاتب الحكماء الكثيرين فقال: إنَّ عبادة الأوثان بدأت بعد الطوفان. وأظهر أنَّ الشيطان هو الذي صنع الأصنام وكوَّن عادة ذبح الأولاد، وهو الذي جعل الفُرس يعبدون النار ويتزوَّجون من أقرب أقاربهم. في أيّام ناحور، أرسل الربُّ ريحًا قويَّة فحطَّمت كلَّ الأصنام. لم يعبد إبراهيم الأصنام، ولكنَّه أكرم أباه تارح الذي عبدها. وخرج إبراهيم من الكلداي والتقى ملكيصادق وشاركه في الأسرار المقدَّسة التي باركها بيده. وأحيط ملكيصادق بهالة من الإكرام بحيث إنَّ الشعوب طلبت بركته، وإن اثني عشر ملكًا بنوا له مدينة هي أورشليم وتعني وسط الأرض.

ونقرأ خبر إسحق ويعقوب وموسى وملوك إسرائيل ويهوذا ودمار السامرة على يد ملك الموصل (= نينوى) وسقوط أورشليم وحريق الهيكل. جمع الكاهن سمعان رمادَ الكتب المقدَّسة وعلَّق فوقها مبخرة. وأفسد الكتبة والمفسِّرون الكتب المقدَّسة وحوَّرها العبرانيّون وأضاع منها السوريّون واليونانيّون قسمًا كبيرًا. وكان المنفى وإعادة الشعب والمدينة. دخل الكاتب عزرا إلى القبو المعقود الذي وضع فيه سمعانُ رمادَ الكتب المقدَّسة وبسط يديه على رماد أسفار الشريعة والأنبياء وأخذ ثلاث جرعات من الرماد. أخيرًا حلَّ عليه روح الله فدوَّن الشريعة والأنبياء. ووُلد المسيح من مريم العذراء وجاء المجوس من المشرق وهم يحملون الذهب والبخور والمرّ.

وبعد هذا يذكر الكاتب حياة يسوع وآلامه وقيامته وصعوده.

مؤلِّف هذا الكتاب مسيحيّ، وهو يلمِّح مرارًا إلى الفادي، إلى موته على الصليب. فمن خلال لوحة محَن آدم وحياة آباء ما قبل الطوفان، نستشفُّ مشهد الجلجلة. وإذا كان جسد آدم أُكرم كلَّ هذا الإكرام وتركَّزت الأنظار عليه في القسم الثاني، فلأنَّه سيُحمل إلى وسط الأرض، إلى أورشليم فيتقبَّل دم المسيح المائت.

عاد الكاتب إلى موادّ أخذها من العالم اليهوديّ. فما نقرأه في القسم الأوَّل قريب ممّا في كتاب اليوبيلات وحياة آدم وحوّاء ورؤيا موسى وسائر الروايات اليهوديَّة. أمّا في القسم الثاني فيتركَّز الانتباه على دفن آدم على الجلجلة. هذه الرواية المسيحيَّة نقرأها أيضًا في نصوص سلافيَّة مستقلَّة عن الأخبار التي نحن بصددها. حين مات آدم أخذ الملائكة جسده ودفنوه في وسط الأرض، في أورشليم، في الموضع الذي صُلب فيه الربّ. أمّا النصّ السلافيّ فيقول إنَّ الأردنَّ فاض فحمل جسد آدم إلى أورشليم في أيّام يسوع. ولكن يبدو، كما يقول أوريجان وترتليان وغيرهما، أنَّ جسد آدم دُفن في الجلجلة. وأنَّ أورشليم هي وسط الأرض.

ج- وصيَّة آدم

هو نصٌّ نقرأه في السريانيَّة والعربيَّة والحبشيَّة ونقرأ قسمًا منه في اليونانيَّة. نجد فيه ثلاثة أقسام.

القسم الأوَّل: ليتورجيَّة ساعات الليل والنهار. ساعة الليل الأولى: مديح الشياطين. في تلك الساعة يمتنعون عن أذيَّة الإنسان. الساعة الثانية: مديح الحمائم. الساعة الثالثة: مديح الأسماك والنار وكلّ هوَّة سفلى. الساعة الرابعة: تريزاغيون (قدّوس الله) السرافيم: قبل خطيئتي، سمعت في الفردوس حفيف أجنحة السرافيم حين كانوا ينشدون التريزاغيون. ولكن بعد خطيئتي لم أعد أسمع شيئًا. الساعة الخامسة: مديح المياه التي فوق السماوات. سمعت أنا والملائكة ضجَّة الأمواج القويَّة حين أثارتها إشارة من الخالق فمجَّدته. الساعة السادسة: تجمُّع الغيوم والرعب العظيم الذي يسيطر على منتصف الليل. الساعة السابعة: رؤية (أو راحة) الجيوش عينها حين رقدت الأمواه. في تلك الساعة يأخذ كاهن الربِّ الزيت ويمسح المتألِّمين فيجدون الراحة. الساعة الثامنة: حين ينزل الندى من السماء ينمو عشب الأرض. الساعة التاسعة: مديح الكروبيم. الساعة العاشرة: مديح البشر: انفتح باب السماء فدخلت فيه صلوات كلِّ كائن حيّ، وبعد أن سجدتْ خرجت. في تلك الساعة ينال الإنسان كلَّ ما يطلب من الله. الساعة الحادية عشرة: تفرح كلُّ الأرض حين تطلع الشمس من الفردوس والمشرق وتُطلُّ على الخلائق. الساعة الثانية عشرة: انتظار البخور والصمت وسط جوقات النار والروح إلى أن ينتهي الكهنة من تقديم البخور للاهوت. ثمَّ تنسحب كلُّ الجوقات والجيوش السماويَّة. وهكذا تنتهي ساعات الليل.

وإليكَ ساعات النهار. ساعة النهار الأولى: صلاة الكائنات السماويَّة. الساعة الثانية: صلاة الملائكة. الساعة الثالثة: صلاة العصافير. الساعة الرابعة: صلاة الحيوانات. الساعة الخامسة: مديح الكائنات التي تحت السماء. الساعة السادسة: مديح الكروبيم الذين يتشفَّعون عن خطايا البشر. الساعة السابعة: تدخُل الصلوات أمام الله وبعد أن تسجد تخرج. الساعة الثامنة: مديح النار والمياه. الساعة التاسعة: توسُّل الملائكة الواقفين أمام عرش العظمة. الساعة العاشرة: ينزل الروح القدس ويرفرف على المياه والينابيع. فإن لم يرفرف روح الربِّ على المياه والينابيع، يحلُّ ضرر كبير بالبشر، ويُهلك الأبالسةُ كلَّ الذين ينظرون إليها. وإن أخذ كاهن الربِّ ماء ومزجه بالزيت المقدَّس ومسح به المرضى فإنَّهم يستعيدون الصحَّة. الساعة الحادية عشرة: فرح الأبرار الكبير. الساعة الثانية عشرة أي ساعة السماء: يتوسَّل البشر طالبين رضى الربِّ الذي هو إله كلِّ شيء.

في أحد المخطوطات السريانيَّة نجد العنوان التالي: وصيَّة أبينا آدم. ولكن إذا وضعنا جانبًا تلميحَيْ آدم عن حالته قبل السقطة، لا نجد شيئًا يشير إلى الإنسان الأوَّل ولا إلى الوصيَّة. وفي مخطوط سريانيّ آخر نقرأ: حين سقط آدم في مرض الموت دعا ابنه شيتًا وقال له: يا ابني، إنَّ الذي صنعني من التراب علَّمني كيف أسمّي بهائم الأرض وعصافير السماء. وعلَّمني أيضًا عن ساعات النهار والليل. أمّا أحد المخطوطات العربيَّة فيعطينا مقدِّمة كاملة بشكل وصيَّة تقدِّم آخرَ تدابير آدم: »هذه هي وصيَّة آدم أبي الجنس البشريّ، وجَّهها إلى ابنه شيت. وصل إليه هذا الوحي حين كان في الفردوس«.

القسم الثاني: نبوءات قالها آدم لابنه شيت. أعلن آدم تجسُّد المسيح الإله في حشا عذراء، وعجائب عديدة سيصنعها يسوع. تحدَّث عن موته وقيامته وصعوده وعن تأليه الإنسان بواسطته. وأنبأ أيضًا بالطوفان ونهاية العالم بعد هذه الكارثة بستَّة آلاف سنة.

تعلن النسخة الأولى متحدِّثة عن الطوفان: ستَغرق الأرضُ كلُّها بسبب بنات أخيك قايين الذين غار على أختك لبودة فقتل أخاك هابيل. فالخطيئة وُلدت بسبب أمِّك حوّاء. نحن هنا قريبون جدٌّا من كفاح آدم وحوّاء ومن مغارة الكنوز. أمّا النسخة الثانية فتتضمَّن تفصيلاً خاصٌّا بها: وأنا شيت قلت لأبي آدم: ما هي الثمرة التي أكلتَ منها؟ أجاب: التين، يا ابني. فالباب الذي به دخل الموت عليَّ وعلى أبنائي هو ذلك الذي به يدخل الخلاص لي ولأبنائي. هذا يعني أنَّ الصليب الذي به يفدي ربُّنا العالم كان من خشب شرقيِّ الفردوس. ووُضعت هذه الوصيَّة في مغارة الكنوز إلى اليوم. ولكنَّ النسخة الأولى والنسخة الثانية تتوسَّعان في هذه الخاتمة. وأنا شيتٌ كتبت هذه الوصيَّة. ومات أبي ودُفن شرقيَّ الفردوس، تجاه أخنوخ التي هي أوَّل مدينة بنيت على الأرض. وأقام الملائكة مع الجيوش السماويَّة جنازته لأنَّه خُلق على صورة الله. وأظلمت الشمس والقمر ودامت العتمة سبعة أيّام. وختَمْنا هذه الوصيَّة ووضعناها في مغارة الكنوز مع الهدايا التي أخذها آدم من الفردوس وهي الذهب والبخور والمرّ. وسيأتي المجوس وهم أبناء الملوك فيحملونها إلى ابن الله في مغارة بيت لحم.

ويبدو الكتاب وكأنَّه انتهى ولكن هناك مخطوطًا نقرأ فيه: أيضًا من وصيَّة أبينا آدم.

القسم الثالث: تعداد الأجواق الملائكيَّة التسعة ووظائفهم. ترتيب الملائكة نقرأه عند ديونيسيوس الأريوباجيّ في الهيراركيا (=التراتبيّة) السماويَّة. ولكنَّ الوظائف المعطاة لهم هي وظائف مادِّيَّة. ينفِّذ رؤساء الملائكة وصايا الله بالنسبة إلى البهائم والعصافير والزحّافات والأسماك. وظيفتهم هي تدبير الخلائق الحيَّة ما عدا الإنسان. وتهتمُّ الرئاسات بالظروف الجويَّة، فتُرسل الشتاء والبرد والثلج والرعود والبروق. أمّا القوّات فتدير الشمس والقمر والنجوم. الصفات تمنع الشياطين من تدمير خليقة الله حسدًا من الإنسان. السادات ينظِّمون مصير المعركة فيعطون النصر أو الهزيمة كما فعلوا في أيّام سنحاريب ويهوذا المكابيّ. الكاروبيم يحملون عرش الله والأختام. والساروفيم يخدمون في غرفة ربِّنا. وينتهي هذا القسم: أنهينا، بمعونة ربِّنا، وصيَّة أبينا آدم.

يبدو القسم الأوَّل وكأنَّه القسم الأصليّ في وصيَّة آدم. أمّا القسم الثاني فملخَّص لأخبار قرأناها في كفاح آدم وحوّاء أو سنقرأها في مغارة الكنوز.

د- كتب عن آدم حفظت في الأرمنيَّة

الأوَّل: حياة آدم وحوّاء. هو ترجمة حرفيَّة لرؤيا موسى.

الثاني: موت آدم. طُرد آدم من الفردوس فلم يجد شيئًا يعزِّيه عن فقدان هذه النعمة فظلَّ خمسة أيّام لا يأكل. فجاء ملاكٌ يعزِّيه، وحمل إليه أدواتٍ للعمل. ووُلد قايين وابنة توأم هي قينان، ووُلد هابيل وابنة توأم هي إيمة، ووُلد شيت وابنة توأم هي أستير، وحصل شيت (أي المعزّي) على نعمة هابيل. روت حوّاء لشيت خبر السقطة، فحلف شيت أنَّه لن يأكل ثمرة في حياته. ورأيا في الحلم كيف أنَّ آدم حُمل من بيته بالقوَّة واقتيد إلى قصر، ومثلُ أمام ثلاثة أشخاص جالسين على العروش، فاستُقبل بعد أن تشفَّع به أحد الثلاثة. وفي الصباح وُجد آدم مريضًا، فاجتمعت كلُّ العائلة حول سريره. أعطى ابنَه شيتًا وصيَّة ورقد رقدته الأخيرة. وفي الساعة الثالثة من ذلك اليوم أسلمت حوّاء الروح. وفي منتصف الليل، ظهرت امرأة جميلة وهي تحمل في ذراعيها طفلاً. اقتربت من حوّاء فامتلأ المنزل من النور الباهر. تقبَّلت حوَّاء الولد بين يديها وبكت من الفرح. وفي الغد أمر ملاك بأن يُدفَن آدم وحوّاء. وظلَّ آدم في القبر إلى أن أمر الملاك نوحًا بأن يفتح القبر ويأخذ آدم وحوّاء إلى السفينة.

نحن هنا قريبون من كفاح آدم وحوّاء ومن مغارة الكنوز. وهناك تلميحات إلى الثالوث وإلى تشفُّع الابن الكلمة وإلى مريم العذراء التي تحمل ابنها بين ذراعيها. ولكنَّنا لا نجد أثرًا لدور المغارة في دفن أبوينا الأوَّلين.

الثالث: قصَّة الخلق وسقوط آدم. بعد أن خلق الله السماء والأرض صنع جيش الملائكة. ولكنَّ شدائيل تكبَّر وأراد أن يرفع عرشه ويجعله مساويًا لعرش الله، فأحدره من السماء مع محازبيه، السرافيمُ المسلَّحون بالمطارق وجبرائيلُ العظيم وميخائيلُ الرهيب ومصافُّ الملائكة التسعة. وخلق آدم وحوّاء. لو حفظ آدم الوصيَّة لرُفع في المجد فوق أورشليم وحلَّ محلَّ الملائكة الساقطين. وغار الشيطان فعلَّم الحيَّة (وكانت لها أجنحة حينذاك وتعرف أن تتكلَّم) أن تطغي أبوينا الأوَّلين. أكلت حوّاء من الثمرة المحرَّمة فعُرِّيت حالاً من النور. وحزن آدم حين رأى حوّاء في تلك الحالة وظلَّ ثلاث ساعات يمسك بالثمرة في يده وهو يقاوم توسُّلات رفيقته. ولكن غلبه جمال المرأة التي أفقدته عقله، فلم يقدر أن ينفصل عنها فتجاوز أمر الله. خسر النور، وغطّى الاثنان عريَهما بأوراق التين. وجاء حكم الله على آدم وحوّاء والحيَّة. خرج أبوانا من الجنَّة ووصلا إلى مكان مظلم ومخيف ولبثا فيه لا يأكلان شيئًا، بل كانا يبكيان دائمًا. في اليوم السادس تحنَّن الله عليهما فأرسل إليهما ملاكه فأخرجهما من ذاك المكان المرعب وقادهما إلى النور وبيَّن لهما كيف يقتاتان من ثمار الأرض.

الرابع: قصَّة طرد آدم وحوّاء. خرج آدم وحوّاء من الجنَّة ففرحا حين رأيا الشمس والقمر. ولكن حين مال النهار حلَّت الظلمة فبكيا حتّى الصباح. وعند صياح الديك ظهر لهما الشيطان بشكل ملاك ووعدهما بأن يردَّ إليهما النور إن التزما بخدمته هما ونسلهما. قَبِلَ آدم، فدعاهما الشيطان لينظرا إلى جهة الشرق فيريا النور. فرح آدم وحوّاء حين رأيا طلوع الشمس. وعاد الشيطان ومعه حجر، فقال لآدم: ضع يدك على الحجر وقل: كلُّ نسلي يكون عبيدًا لك. نفَّذ آدم ما طُلب منه، فحمل الشيطان الحجر وخبَّأه في نهر الأردنّ. وهكذا صار السنَدُ في يدِ الشيطان. ولكن عرف آدم وحوّاء خطأهما فأشفق الله عليهما وأرسل إليهما ملاكًا يردُّ السندَ إلى آدم. وأعلن الله أنَّ ابنه سيتجسَّد بعد 6000 سنة في حشا عذراء قدّيسة نقيَّة. سيكون »ابن الروح القدس« فيمزِّق السند وينجّي آدم من أسر الشيطان ويردّ إليه المجد الأوَّل.

الخامس: قصَّة ابني آدم، قايين وهابيل. بعد الخطيئة صام آدم خمسة أيّام فأرسل إليه الله ملاكًا ينبئه بفداء العالم بواسطة التجسُّد الإلهيّ. وعلَّمه أن يدجِّن البقر وأن يفلح الأرض ويستعمل ثمار الأرض طعامًا له، وأمره أن يقدِّم قسمًا من هذه الثمار ذبيحة لله، وولد قايين وهابيل مع أبناء وابنة. وقدَّم كلٌّ من هابيل وقايين ذبيحته. اختار الأوَّل أفضل خراف قطيعه فامتلأ الجوُّ رائحة عذبة وشعَّ نور سماويّ وهتف صوتٌ من السماء قال إنَّ الله رضي عن الذبيحة. وقدَّم قايين السنابل المهترئة فبدَّدت العاصفة تقدمته وسقط البَردُ على وجهه فغضب واستعدَّ للقتل. دعا أخاه إلى نزهة في البرِّيَّة. كان هابيل أقوى منه فلم يقدر عليه. حينئذ لجأ إلى حيلة فقيَّد أخاه إلى جذع الكرمة ولكنَّه لم يكن يعرف كيف يقتله. حينئذٍ جاء الشيطان بذئب وحيوان آخر يتقاتلان بالحجارة. فهِم قايين فأخذ الحجر وهجم على هابيل. توسَّل إليه هابيلُ أن يعفو عنه. أراد أن يؤثِّر عليه فنبَّهه إلى الحزن الذي سيصيب والديه وذكَّره بالدينونة الأخيرة. لم يسمع قايين بل حطَّم جبين هابيل بحجر. طالب الله قايين وفرض عليه سبعَ عقوبات. لم يعرف لامكُ قايين فجرحه بحربة. صلَّت امرأة لامك فشُفي. وظلَّ جسدُ هابيل بلا فساد. وامتنع آدم وحوّاء عن المجامعة ثلاث سنوات. ولمّا عادا وُلد شيت.

نلاحظ تقاربًا بين هذا الخبر وتقاليد الرابينيّين. كان هابيل أقوى من قايين. وهناك فكرة الدينونة الأخيرة. يقول ترجوم أورشليم في تك (4: 8): غضب قايين حين رأى الله يرذل ذبيحته فأعلن: لا دينونة أخيرة ولا ديّان ولا حياة أخرى ولا مجازاة للأبرار ولا عقاب للأشرار. أمّا هابيل فقال عكس ذلك.

السادس: الوعد بشيت. ظهر ملاك الربِّ على آدم وأمره أن يقترب من حوّاء رغم مخاوفه. سيولد له ولد هو شيت الذي سيعزِّيه، فتكون الأرض لنسله. ولكن يجب ألاَّ يختلط أبناؤه بنسل قايين. عرف أخنوخ ابنُ شيت ما الذي سبَّب شقاء آدم، فغرس كرمًا ذاق الآخرون من ثماره. أمّا هو فمنع نفسه عنه ليكِّفر عن الخطيئة التي اقترفها آدم حين أكل من الثمرة المحرَّمة. فجازاه الله لبتوليَّته وحياته العفيفة فنقله بواسطة الملائكة مع جسده إلى الجنَّة، وهو لا يزال هناك إلى الآن. وهناك كثيرون يقتدون بمثَله فيعيشون كالنسّاك في البتوليَّة. وتكاثرت الفتيات في نسل قايين وخدعنَ النسّاك (وكان عددهم 520) الذين من نسل شيت فاجتذبنهم إلى كلِّ النجاسات. وظلَّ نوح وحده بتولاً. غضب الله وعزم على معاقبة الناس بالطوفان. أمر نوحًا أن يبني السفينة، وأجبره على الزواج مع أنَّه كان راغبًا في البتوليَّة: إنَّه سيكون »آدم« العالم. وجاء الطوفان وتوقَّفت السفينة على جبل ماسيتا. وقدَّم نوح الذبيحة فأطلَّت قوسُ قزح.

السابع: توبة أبوينا الأوَّلين آدم وحوّاء. حزن آدم وحوّاء بعد خروجهما من الجنَّة، وحلَّ الرعب بهما حين جاء الليل. ظلاَّ بقرب الجنَّة وفكَّرا بمرارة بمكان التنعُّم هذا، بجمال الأشجار وخفَّة النبتات، بألوان الورود ورائحة الزهور، ببهاء الأوراق ولذَّة الأثمار، بصوت السرافيم الرخيم وبنشيد الملائكة المتناسق، بأقوال الكائنات السماويَّة العذبة وبألحان الجيوش الروحانيَّة. حينئذٍ حمل الملاكُ جبرائيل إلى آدم فرعًا من أشجار الجنَّة كعلامة على ولادة شيت القريبة. ورأت حوّاء في الحلم مقتل هابيل (كما نقرأه في رؤيا موسى). خرج آدم فوجد هابيل مقتولاً. ربطه قايين إلى شجرة وقتله بحجر. حين أراد آدم وحوّاء أن يدفناه لم يجدا جسده. فالملائكة أنفسهم دفنوه. وفرض الله على قايين سبع عقوبات. وذكر الكاتب الأسباب العشرة التي جعلت الحزن يسيطر على آدم وحوّاء. ومرض آدم وأعلن لحوّاء أنَّها ستموت معه وستُدفن معه. أرسلها لتَجلب زيت الرحمة الذي يخفِّف من آلامه. ذهبت مع شيت، ولكن ما إن وصلا بقرب الفردوس حتّى أنبأهما الملاك جبرائيل أنَّ آدم مات. وماتت حوّاء بعد آدم بثلاث ساعات. خُلق الإنسان الأوَّل صباح الجمعة، وكُوِّنت حوّاء من ضلعه في الساعة الثالثة. وبكى الأولاد آدمَ وحوّاء ووضعوا جسديهما مع الطيب في كتّان وجعلوهما في تابوت من خشب. وظلَّ الجسدان موضوعَ إكرام لدى الأجيال التالية. حملهما نوحٌ في السفينة وبعد الطوفان سلَّمهما إلى سام، فدَفن آدم في الجلجثة، في وسط الأرض، فصَلب اليهودُ المسيحَ فوق رأس آدم. أمّا جسد حوّاء فجعله في مغارة في بيت لحم وسيُولد المسيح من مريم العذراء فوق قبر حوّاء.

الثامن: أقوال آدم إلى شيت: ليس لنا هنا مسكن ثابت، لأنَّ المكان هو موطن الحيوانات البرِّيَّة. كان مسكننا في عدن، في الشرق. ويروي آدم السقطة، ليسمع له شيت ويصوم 40 يومًا و40 ليلة. وجاءه ملاك حمل إليه غصنًا يعزّي به أباه. أعطى الغصن لآدم الذي وضعه على عينيه، فعرف أنَّه من الشجرة التي أطعمته ثمرَ الموت. وقال شيت لأبيه: إعلم، يا أبي. فكما حمل الغصنُ الموت (من الشجرة) سيحمل أيضًا (خشب الصليب) الحياة ويهب النور. ونقل شيت إلى أنوش أقوال آدم وخبرَ السقطة وكيف حُرم آدم من النور وطُرد من الفردوس. فصام أنوش هو أيضًا 40 يومًا و40 ليلة. وبعد هذا، هيَّأ بستانًا وضع فيه كلَّ شجر مثمر وأقام فيه 540 سنة. وبعد ذلك وضع جسده في الأرض وعُدَّ أهلاً للمجد الإلهيّ والنور.

نتوقَّف هنا عند الغصن الذي يحمله الملاك من الفردوس. ففي كفاح آدم وحوّاء نرى آدم متشوِّقًا لأن يحصل على شيء من الفردوس يذكِّره بالأفراح السابقة ويعزّيه عن محنه. فحمل إليه الملائكة من الجنَّة الذهب والبخور والمرّ. جُعلت هذه العطايا في المغارة وستكون يومًا تقدمة المجوس للطفل يسوع. أمّا هنا فالعطيَّة غصن من شجرة كانت ثمرتها قاتلة، حمله إليه الملاك. وهناك نصٌّ في حياة آدم وحوّاء حسب النسخة اللاتينيَّة يقول: أعطى الملاك شيتًا، فضلاً عن الأعشاب المعطّرة، غصنًا ذا ثلاثة فروع من شجرة المعرفة. فلمّا عبر شيت الأردنَّ وقع الغصن في الأردنّ. ردَّه آدم فوجد الغصن وسط الماء. فرح آدم حين رآه وأمر أبناءَه أن يزرعوه يومًا قرب قبره. وصار هناك شجرة كبيرة. قطع الشجرةَ رجالُ سليمان ووضعوها في الهيكل. ولكن حين أنبأت ملكةُ سبأ أنَّ واحدًا سيموت على هذه الشجرة ويدمِّر مملكة اليهود، رُميت الشجرة في بركة فصنعت أشفية عجيبة. وأخيرًا صُلب يسوع على هذه الشجرة على الجلجلة.

إذا ألقينا نظرة إلى هذه الكتب الأرمنيَّة نعرف أوَّلاً أنَّها تعود إلى أصل سريانيّ. ثمَّ نفهم أنَّها مطعَّمة باللون المسيحيّ. فهناك تلميحات إلى الثالوث الأقدس والتجسُّد والفداء، واحترام البتوليَّة والتوبة.

هـ - كتاب بنات آدم

نحن أمام رواية قديمة قرأناها في كفاح آدم وحوّاء، وفي وصيَّة آدم، وسنراها في مغارة الكنوز. وُلد لكلٍّ من قايين وهابيل بنتٌ توأم. وأراد آدم أن يتزوَّج كلٌّ من ابنيه توأم أخيه. غضب قايين من هذا التدبير الذي يعيطه زوجةً قبيحة، فقتل أخاه.

و- كتاب آدم أو الكنز

هو كتاب مقدَّس لدى المانويّين. وهو يتضمَّن أساطير عن نشوء الكون وتحريضات أخلاقيَّة ونظريّات غريبة فتمتزج النصوص البيبليَّة بالتعاليم المانويَّة والأسترولوجيَّة وبعالم السحر البابليّ. نجد في الكتاب ميلاً معاديًا للمسيحيَّة ولأهميَّة النسك فيها. هناك عناصر قديمة، ولكنَّ نصَّ الكتاب شأنه شأنَ سائر كتب المانويّين، دُوِّن بعد مجيء الإسلام. لسنا ندري لماذا سمِّي هذا الكتاب كتاب آدم. لا شكَّ في أنَّه يذكر آدم وحوّاء ولكنَّهما لا يلعبان إلاَّ دورًا بسيطًا، وهذا الدور لا يتوافق وما نقرأه في التوراة.

2 - مغارة الكنوز

بعد هذه اللمحة السريعة إلى أسفار منحولة تتوسَّع في أخبار آدم، نتوقَّف بصورة خاصَّة عند مغارة الكنوز الذي انتشر انتشارًا واسعًا فكثرت مخطوطاته وتوسَّعت إلى نصٍّ شرقيّ ونصٍّ غربيّ وتوزَّعت على السريانيَّة والعربيَّة والحبشيَّة والجيورجيَّة والقبطيَّة. ولكنَّ النصَّ الأصليّ هو النصُّ السريانيّ.

كتاب مغارة الكنوز <(م ع رت )> هو نقل للتاريخ المقدَّس يبدأ منذ خلق العالم وينتهي في العنصرة. قال العلماء إنَّه تقميش لعدَّة أسفار منحولة مثل رؤيا موسى (أو حياة آدم وحواء في اليونانيَّة)، وسفر أخنوخ وكتاب آدم وحوّاء ووصيَّة آدم. وهو قريب من النصوص المسماريَّة، كما نجد فيه أفكارًا سترد في كتاب النحلة الذي جمعه سليمان أسقف البصرة في القرن الثالث عشر. وهناك تفاسير كتابيَّة ونصوص روائيّة ودفاعيَّة في أساس هذا الكتاب.

أ- العنوان

هناك عنوان أوَّل تتَّفق عليه المخطوطات: مغارة الكنوز. وهناك عنوان ثانٍ يرافق في المخطوطات العنوانَ الأوَّل: مقال في سفر التكوين، كتاب في تسلسل الأجيال، كتاب نظام تسلسل الأجيال من آدم إلى المسيح. هذه العناوين نجدها في رأس المخطوطة أو في الكولوفون. وإنَّ هذه العناوين المتنوِّعة تدلُّ على أنَّ مغارة الكنوز هي مجموعة مؤلَّفات عديدة، وهي عكس بيت الكنز (بيت غازو) الذي كان جزءًا من مؤلَّف عنوانه الفردوس، فاقتُطع منه في القرن السادس وألَّف كتابًا مستقلاٌّ.

انطلاقًا من هذه الملاحظة نستطيع القول إنَّ العنوان الحاليّ مغارة الكنوز ينتج عن مزج بين عنصرين: المغارة من جهة والكنز من جهة ثانية. ومعنى هذين العنصرين يبدو واضحًا إن نحن وضعناه في إطار التقاليد الشرقيَّة أكانت مسيحيَّة أم لا. فالكنز يدلُّ على الفردوس وبالأحرى على الفردوس الأرضيّ. والمغارة تعود إلى التقاليد الروائيّة المتعلِّقة بقبر آدم وهي تقاليد نجدها في الآداب الرابينيّة السامريَّة وغيرها. وبما أنَّ الكاتب توسَّع مطوَّلاً في هذين العنصرين سُمِّي الكتاب مغارة الكنوز.

ولكنَّ عبارة مغارة الكنوز تكتسي في صلب الكتاب بمدلول آخر. فهي تدلُّ على المكان الذي وَضع فيه آدم الذهبَ والمرَّ والبخور (أو اللبان) الذي أخذه معه حين ترك الفردوس والذي فيه قام آدم وآباءُ ما قبل الطوفان بالخدمة الليتورجيَّة أمام الله، والذي فيه سيُدفَنون. فهذا التقليد الذي يجعل من المغارة موضع صلاة وعبادة يرتبط بالمعنى الآخر لكلمة مغارة: قلاّية الراهب أو الناسك. ونحن نجد انتقالات من معنى إلى آخر في 5/17: »بارك آدم المغارة وكرَّسها لتكون بيت صلاة له ولأولاده ولهذا سمّاها مغارة الكنوز«. ثمَّ إنَّنا لا ننسى أنَّ قصَّة الآباء كما ترويها مغارة الكنوز تعكس مناخًا نسكيٌّا. ونحن نجد التقليد عينه في وصيَّة آدم التي تجعلنا في جوٍّ أكثر روحانيَّة: »ختمنا هذه الوصيَّة وجعلناها في مغارة الكنوز حيث بقيت إلى هذا اليوم مع الكنوز التي جلبها آدم من الفردوس: الذهب والمرّ والبخور. وسيأتي أبناء الملوك المجوس فيأخذونها ويقدِّمونها لابن الله في مغارة بيت لحم في يهوذا«. وهذه النظرة ستتوسَّع فيها الكرونيكة المنسوبة إلى ديونيسيوس التلمحريّ الذي يتكلَّم على »مغارة كنوز الأسرار الخفيَّة«.

وفي النهاية قد يعني أيضًا عنوان مغارة الكنوز مجموعة من المقالات كما يدلُّ على ذلك المخطوطُ 25875 من المكتبة البريطانيَّة الذي يشير إلى سبعة مؤلَّفات باسم مغارة الكنوز. ونلاحظ أيضًا أنَّ المانويّين يسمُّون كتاب آدم الكنز وهو يتضمَّن مجموعة من الأخبار والتقاليد.

ب- كاتب مغارة الكنوز

كلُّ المخطوطات ما عدا مخطوط هيدلبرغ (شرقيّ 111) وبرمنغام (منغانا سريانيّ 11) تنسب مغارة الكنوز إلى القدّيس مار أفرام. ولكن مجمل البحّاثة يفضِّلون أن ينسبوا هذا الكتاب إلى مدرسة أفرام لا إلى أفرام نفسه. وقد راح بعضهم يرفض أن تُنسب مغارة الكنوز إلى مدرسة أفرام أيضًا، وراح البعض الآخر يبيِّن تأثير مغارة الكنوز على أفرام.

ونحن نجد في مخطوط رايلاند سريانيّ 41، ص 745 لمؤلَّف سريانيّ يعود إلى القرن العاشر (اسمه < أي جنَّة النعيم)> أنَّ مؤلِّف مغارة الكنوز هو موديوس أو ميتوديوس المزعوم (كما يسمّيه النساطرة) الذي تأثَّر بمغارة الكنوز حين كتب سفر الرؤيا.

وتذكر كرونيكة منسوبة إلى ديونيسيوس التلمحريّ (حوالي القرن الثامن) كتاب مغارة الكنوز دون أن تسمّي المؤلِّف. ولكنَّ الكرونيكة المغفَّلة التي تصل إلى سنة 1234 والتي تبدو قريبة من مخطوط برلين (ساخو 9) تجعل أفرام صاحب سلسلة القبائل التي نقرأها في مغارة الكنوز: فقد اليهود سلسلة الأجيال ولم يستطيعوا أن يبيِّنوها في الكتب العبريَّة أو اليونانيَّة... ولكنَّ مار أفرام بيَّن بوضوح أنَّه، حين عاد بنو إسرائيل من بابل، وَلَد زربّابلُ أليهودَ من ملكة بنت عزرا الكاتب (رج المغارة 44/1-5). ونجد ملاحظة في المخطوط الفاتيكانيّ (سريانيّ 164، ورقة 63) الذي يشير إلى الإفخارستيّا والمعموديَّة لكاهن نسطوريّ اسمه سمعان، وقد قال: كما كتب مار تيودور، مفسِّر الأسفار الإلهيَّة، نعرف ما يوجد في كتابه الذي يسمّى الأعماق، ويشهد عليه مار أفرام في مغارة الكنوز (يعود هذا النصّ إلى القرن الثالث عشر).

أمّا الترجمات العربيَّة والحبشيَّة فتنسبان مغارة الكنوز إلى كليمان. فالنصّ العربيّ الذي هو سابق للنصِّ الحبشيّ يعود إلى سنة 750-760. والنصُّ الجيورجيّ الذي يعود إلى القرن الحادي عشر يقول إنَّ أفرام هو صاحب مغارة الكنوز. فينتج من هذه المعطيات أنَّ نسبة مغارة الكنوز إلى أفرام السريانيّ لا تعود إلى أبعد من القرن الحادي عشر.

ج - أين ومتى دُوِّن كتاب مغارة الكنوز؟

هنا يختلف البحّاثة. فحين نسبت المخطوطات هذا المؤلَّف إلى مار أفرام، قالوا: في الرها. منذ القرن الرابع إلى القرن السادس كانت الرها مدينة مهمَّة بالحركة الأدبيَّة التي ولَّدت مؤلَّفات عديدة. وقال آخرون: في شمال بلاد الرافدين. في نصيبين أو الرها، لأنَّ هذه الأرض هي مكان الاتِّصالات والجدالات. ولكنَّ تيارًا آخر جعل مغارة الكنوز تُكتب في المحيط الرهبانيّ المصريّ، وتيّار آخر جعلها في إيران أو سورية أو فلسطين.

ومتى دُوِّنت؟ قال أحد البحّاثة: إنَّ مغارة الكنوز تألَّفت في البداية من ثلاثة نصوص مختلفة نمت في عالم غنوصيّ وفي شيعة الشيتيّين. وهذه النصوص الثلاثة هي: كتاب آدم، نسب مريم العذراء، أبوكريف حياة يسوع. وزاد: جمعَ الأصلَ منذ سنة 350 كاتبٌ أبيونيّ وأدخلَ فيه تواريخ ترتبط بالتوراة ثمَّ زيدت أخبار عن موسى وسليمان والأنبياء. أمّا الكتاب في شكله الحاليّ فقد دوَّنه كاتب نسطوريّ في بداية القرن السادس وزاد عليه ملحقًا لا نجده في النسخة العربيَّة. والذي دفع البحث إلى الكلام عن كاتب نسطوريّ هو وجود اسمي علم في جملة موجَّهة ضدَّ أصحاب الطبيعة الواحدة (29/10) ضدَّ تبّاع كيرلُّس الأثيم (+ 444) وسويريوس الحقير (+ 538) اللذين ربطا الآلام بالكيان الأزليّ.

أوَّل كتاب يَرِدُ فيه نصٌّ من مغارة الكنوز يعود إلى القرن السابع (مجموعة ديونيسيوس المزعوم). وبعد القرن السابع أثَّرت مغارة الكنوز على رؤيا ميتوديوس المزعوم، وعلى كرونيكة من القرن الثامن تُنسب إلى ديونيسيوس التلمحريّ، على كرونيكة مغفَّلة تصل إلى سنة 1234.

4- مضمون مغارة الكنوز

يبدأ الكتاب على الوجه التالي: »بقوَّة ربِّنا يسوع المسيح نبدأ بكتابة مقال التكوين الذي هو مغارة الكنوز. وهو يفسِّر كيف خُلق آدم ويتحدَّث عن تدابير الله نحوه ونحو الأجيال اللاحقة. ساعدني، يا ربّ برحمتك ووجِّهني حتّى أتمَّه. آمين«. هذا في النصِّ الشرقيّ. أمّا في النصِّ الغربيّ فنقرأ: »نكتب بفضل الله مغارة الكنوز الذي ألَّفه القدّيس مار أفرام السريانيّ«.

ونقسم الكتاب ثلاثة أقسام. يتوازى القسمان الثاني والثالث مع كفاح آدم وحوّاء. أمّا القسم الأوَّل من الكفاح الذي يتحدَّث عن صراع آدم وحوّاء مع الشيطان فقد حلَّ محلَّه في مغارة الكنوز تصويرٌ لعمل الخلق.

القسم الأوَّل:

خبر الخلق. في البدء، في اليوم الأوَّل أي في يوم الأحد المقدَّس الذي هو بداية كلِّ الأيّام وبكرها، خلق الله السماء والأرض والمياه والهواء والنور والقوى غير المنظورة أي الملائكة. ورفَّ الروح على المياه ليُخصبها ويجعلها خمير الخلق. وخلق آدم في اليوم السادس، أي يوم الجمعة، في الساعة الأولى. وتكوَّن جسده من أربعة عناصر: التراب، الماء، الهواء، النار. وتمَّ هذا الخلق في أورشليم. وَضع آدم قدميه حيث وُضع صليبُ المسيح. وتكلَّل الإنسان الأوَّل بالمجد وانحنى أمامه كلُّ الملائكة إكرامًا له، ما عدا رئيس جوقة الملائكة السفليّين. فأُحدر الملاك المتمرِّد من السماء في الساعة الثانية وسمِّي بعد ذلك الوقت: شيطان (المنحرف)، شيدو (الساقط)، ديوو (الخبيث). وصعد آدم في الفردوس ليقيم في المكان الذي فرغ بسبب الملاك الساقط. كان ذلك يوم الجمعة، الساعة الثالثة. وخُلقت حوّاء. وعرف أبوانا الأوَّلان السعادة في عدن التي هي الكنيسة المقدَّسة. والكنيسة هي رحمة الله. والتحف آدم وحوّاء بالمجد ثلاث ساعات وامتلكا سعادة كاملة. وكان آدم الكاهنَ والملكَ والنبيّ. وجاءت السقطة. فدخل الشيطان في الحيَّة وانتظر الوقت الذي كانت فيه حوّاء وحدها فدفعها إلى أن تأكل من ثمرة الشجرة. ثمَّ أعطت زوجها فأكل.

دخلا الفردوس في الساعة الثالثة، ونعما ثلاث ساعات بعطايا الله. وظلَّ عريُهما مكشوفًا ثلاث ساعات. وفي الساعة التاسعة خرجا من الفردوس. وإذ أراد الله أن يعزِّيهما وعدهما بفادٍ يُولَد من عذراء. وأمر آدم بأن يطلب من أولاده أن يحنِّطوا جسده ويضعوه في مغارة إلى يوم يترك نسله جوار الفردوس. والذي يبقى حيٌّا يأخذ الجسد ويجعله في وسط الأرض لأنَّه هناك سيُمنَح الخلاصُ لآدم ولكلِّ أبنائه. وأوحى الله إلى آدم كلَّ المستقبل وأعلمه أنَّ الابن سيتألَّم عنه.

وترك آدم وحوّاء الفردوس وكانا بعد بتولين، واختبأا في مغارة وجداها في جوار قمَّة الجبل. وقبل أن يتجامعا في فعل زواجيّ، أخذ آدم من على حدود الفردوس الذهبَ والمرَّ والبخور ووضعها في المغارة التي باركها وقدَّسها لتكون موضع صلاة له ولأبنائه وسمّاها مغارة الكنوز.

في هذا القسم يعود الكاتب إلى نصِّ التوراة ويتوسَّع فيه على طريقة الرابينيّين أو معلِّمي اليهود ولا ينسى أن يطعِّمه بالعقيدة المسيحيَّة. يتحدَّث عن الأحد ويقول فيه: »في هذا الأحد رفَّ الروح القدس على المياه بشكل الأقانيم المعبودة، أقانيم الثالوث الأقدس« (1/4). ويقول في خلق الإنسان (2/2-3): »في اليوم السادس الذي هو الجمعة، في الساعة الأولى، وإذ كان الصمت يسيطر على كلِّ قوات الأجواق الروحانيَّة، قال الله: لنصنع الإنسان كصورتنا ومثالنا، فدلَّ بحرف النون (نصنع) بدل الألف (أصنع) على أقنوم الابن وأقنوم الروح الممجَّدَين«.

وهنا نورد ما قاله النصُّ الغربيّ عن آدم (2/12-25):

وجبَل آدم بيديه المقدَّستين على شكله ومثاله. وإذ رأى الملائكة صورة آدم ومنظره المجيد اضطربوا من جمال شبهه. رأوا شبه وجهه يشتعل نورًا مجيدًا مثل لباس الشمس: كان نور عينيه كشعاعات الشمس وشبه جسده كنور البلُّور المجيد. وإذ تمدَّد قام في وسط الأرض ووضع قدميه في المكان الذي غرس فيه صليب مخلِّصنا. هناك ارتدى لباس الملكوت ووضع على رأسه إكليل مجد. هناك صار ملكًا وكاهنًا ونبيٌّا. هناك أجلسه الله على عرش الملكوت. هناك اجتمعت كلُّ الحيوانات والطيور والبهائم وعبَرت أمام آدم فأعطاها اسمًا، فحنَت رأسها وسجدت أمامه. وسمع الملائكة وقوّات السماء أيضًا صوت الله يقول لآدم: ها أنا جعلتك ملكًا وكاهنًا ونبيٌّا وسيِّدًا ورئيسًا ومدبِّرًا لكلِّ الخلائق والبرايا. لك وحدك أعطيتك إيّاها وسلَّطتك على كلِّ ما خلقت. فحين سمع الملائكة وعظماء الملائكة والجلاّس والسادات والكروبيم والسرافيم وكلُّ القوّات السماويَّة هذا الصوت، حنوَا ركبهم وسجدوا أمامه.

القسم الثاني: الخبر حتّى ملكيصادق.

نزل آدم وحوّاء من الجبل وحبلت حوّاء فولدت ابنًا هو قايين وابنةً هي لبودا. وولدت أيضًا توأمين هما هابيل وأخته قليمات. وحين كبروا قال آدم لحوّاء: سيَّتخذ قايين قليمات زوجةً له وهابيل لبودا. ولكن لبودا كانت جميلة فرغب قايين في أن يتزوَّجها. ودخل الشيطان في قايين وأوحى إليه بأن يقتل هابيل بسبب أخته لبودا، ولأنَّ الله لم يقبل قربانه. قتل قايين هابيل فصدر عليه الحكم. بكى آدم وحوّاء هابيل مئة سنة ثمَّ تجامعا من جديد فولدت حوّاء شيتًا الذي كان رجلاً جميلاً وجبّارًا وكاملاً مثل آدم. وكان أبا كلِّ الجبابرة الذين عاشوا قبل الطوفان. وولد شيت أنوش، وولد أنوش قينان، وولد قينان مهللئيل. كلُّ هؤلاء وُلدوا في أيّام آدم.

وأعطى آدم توصياته الأخيرة إلى شيت: حنِّط جسدي وضعْه في المغارة ليُنقل في الوقت المناسب إلى وسط الأرض حيث سيتمُّ الخلاص. تجنَّب كلَّ علاقة مع أولاد قايين. ومات آدم يوم الجمعة في الساعة التاسعة، في الساعة عينها التي فيها أسلم ابن الله روحه للآب على الصليب. وانفصل أولاد شيت عن أولاد قايين. حياة طاهرة وسعيدة للأوَّلين، على الجبل قرب جسد آدم. حياة ماجنة للآخرين. وكان لامك أعمى فقتل قايينَ في الغابة بعد أن حسبه وحشًا. ومات الآباء الواحدُ بعد الآخر ونقلوا الوصايا التي تركها آدم. وفي وقت يارد بدأ أولاد شيت ينزلون من الجبل واتَّحدوا مع النسل الملعون. ونقل الله أخنوخ إلى بلاد الحياة، إلى المنازل العذبة التي تحيط بالفردوس، إلى الأرض التي لا تعرف الموت. وولد الجبابرة حين تزوَّج أبناء شيت من بنات قايين.

واعترض الكاتب على الذين يظنُّون أنَّ أبناء الله (تك 6: 2-4) هم الملائكة. أعلن: ليس هذا بصحيح. فليس هذا العمل من طبع الملائكة لأنَّ لا جنس لهم.

ونقل نوحٌ جسد آدم وحوّاء إلى السفينة وحمل سام الذهبَ وحامٌ المرَّ ويافتُ البخور (أو اللبان). وفُصل الجنسان في السفينة كما يُفصلان في الكنيسة، في جماعة المؤمنين. وكان الطوفان. وبعد موت نوح أخذ سام وملكيصادق من السفينة جسد آدم وسارا بقيادة الملاك ووضعاه في وسط الأرض، في الجلجثة. فانفتحت الأرض بشكل صليب وقبلت الجثمان ثمَّ انغلقت على ذاتها. ولهذا سُمِّي ذاك المكان موضع الجمجمة. وأُعلن ملكيصادق كاهنًا بفم سام.

هنا يترك النصُّ التوراة إلاَّ في بعض مقاطع مثل تصوير سفينة نوح (ف 14). ولكنّ الفصول 18-21 تُبرز تأويلاً نمطيٌّا سنكتشفه حين نتحدَّث عن إبراهيم وملكيصادق وموسى. أعاد المؤلِّف كتابة النصِّ التوراتيّ وضمَّ إليه عناصر روائيّة انتقلت بطريقة شفهيَّة. في النصِّ الشرقيّ في 21/19 أقحم الكاتب النسطوريّ عبارةً هاجم فيها أصحاب الطبيعة الواحدة: وهذا ليسكت الهراطقة الذين يقولون إنَ الله صلب. دعاه الربّ، كما يقول بطرس في أعمال الرسل: إنَّ يسوع الذي صلبتموه قد جعله الله ربٌّا ومسيحًا (أع 2: 36).

وينتهي الخبر في 24/2 بدفن جثمان آدم على الجلجثة وموت سام. بعد هذا الخبر، أي بعد قصَّة أرفكشاد، إلى رواية نمرود في 27/22، يعود النصُّ إلى الفنِّ الأدبيّ الخاصّ بسفرَي الأخبار.

القسم الثالث: لمحة على تاريخ الكون منذ موت سام إلى موت سيِّدنا يسوع المسيح. في ف 28-34 (من إبراهيم وملكيصادق إلى موسى) نجد أخبارًا بيبليَّة وُضعت فيها عناصر إخباريَّة عديدة انتقلت بطريقة شفهيَّة. وكلُّ عنصر إخباريّ يتبعه تأويل نمطيّ: ذبيحة إسحق، حلم يعقوب، لقاء يعقوب برحيل، رمز راحيل وليئة. أمّا التوسُّعات الدفاعيَّة عن الصلب (29/10) وعن نسَب ملكيصادق (30/12-17) فأُقحمت لاحقًا في النصّ. ويبدأ توسُّع جديد في 34/10 وينتهي مع ف 41 فيورد مقاطع من أسفار القضاة والملوك والأخبار ويقدِّم لنا تقاليد من خارج التوراة تتعلَّق بحزقيّا (ف 39) واستشهاد إشعيا (ف 40). وترد في ف 42-43 أخبار عن الأسفار المقدَّسة، عن زربّابل وعزرا. ثمَّ يعرض نسَب مريم العذراء. ويزيد النصُّ على السلسلة المتّاويَّة أسماء نساء الآباء وأصل كلٍّ منهنَّ. وفي النهاية (ف 44-54) نقرأ مقالاً دفاعيٌّا موجَّهًا إلى أخينا نموسايا فيعدِّد أوَّلاً في 44 - 63 الأجيال منذ آدم إلى المسيح، ويذكر النسوة مع درجة قرابتهنَّ. ويتضمَّن هذا المقال أيضًا أبوكريفًا عن حياة يسوع (ف 45-51) (هنا نشير إلى أنَّ النسخة العربيَّة تنتهي في 44/48) وتأويلاً نمطيٌّا عن آدم والمسيح يستعيد ما قيل في القسمين الأوَّل والثاني ومراجعة سلسلة الأنساب من آدم إلى المسيح (ف 52) وتوسيعًا دفاعيٌّا مبنيٌّا على عرض إخباريّ للفترة الواقعة بين الصلب والعنصرة (ف 53-54). وهكذا يكون تقارب بين هذا المقال وبين الحقبة التي تمتدُّ من الخلق إلى دفنة آدم.

وقبل أن نقدِّم بعض الملاحظات نودُّ أن نورد نصٌّا يتحدَّث عن يسوع على الصليب (ف 51):

وسقَوه خلاٌّ بإسفنجة مُزج فيها الخلُّ والمرّ. بالخلِّ الذي أعطوه أقرُّوا أنَّهم بدَّلوا طبعهم القديم ومالوا عن الخير إلى الشرّ. وبالمرِّ دخل فيهم سمُّ الحيَّة الماكرة. ودلُّوا أنَّهم شربوا من هذا الخمر الذي أفرح الأنبياء والملوك والكهنة. بما أنَّهم كانوا ورثة أردياء وما أرادوا أن يَفلحوا كرمَ الحبيب أنتجوا خرّوبًا بدل العنب، فحمض النبيذ الذي عصروه من الخرّوب. وإذ صلبوا الوارث على خشبة الصليب مزجوا مرارة شرٍّ حموضتهم مع الخمر وأعطوه إيّاه ليشرب من عنب كرمة الأمم فلم يشأ. وقال: أسقوني من الكرمة التي أخرجها أبي من مصر... يا نموسايا أخي، إنَّ الطوباويّ موسى رأى مسبَّقًا بعين الروح ما سيعملونه للمسيح... لم يسقوه في كأس بل على إسفنجة ليدلُّوا على أنَّه محا منهم ومن بيوتهم بركة آبائهم... حين تمَّت الشريعة والأنبياء، وحين عُرِّي آدم وحُفر ينبوع المياه الحيَّة التي أرسلت من العلاء لخلاصه، ضرب المسيح بالرمح فخرج من جنبه الدم والماء ولم يمتزجا. لماذا خرج الدم قبل الماء؟ لسببين. الأوَّل: ليعيد إلى آدم الحياة بالدم. وبعد الحياة تأتي القيامة لأنَّ الماء هي المعموديَّة. بالدم سيكون الخلود وبالماء الموت ووجود الألم. انحدر الدم والماء في فم آدم. وحين نجا آدم من الموت ولبس ثوب المجد سطَّر المسيح بدمه قرار عودته وأرسله إليه بواسطة اللصّ.

وها نحن نسوق ملاحظات ثلاث: الأولى. إنَّ الأخبار البيبليَّة انتقلت بطريقة شفهيَّة فتنظَّم كلُّ مقطع حول أحداث أو أشخاص من التوراة. وهكذا نستطيع أن نميِّز ثلاثة مستويات. المستوى الأوَّل: تتبعُ الأخبار التأويل بفضل إيرادات قصيرة من سفر التكوين (ف 1-5). المستوى الثاني: تتبعُ التأويلات النمطيَّة الأخبار وقد ارتبطت بنصوص من المزامير أو العهد الجديد (ف 18-21؛ 28/1-34/10؛ 42/1-43/5). المستوى الثالث: منذ موت آدم حتّى دفنه على الجلجثة (ف 6-17؛ 22-23)، تسيطر الأخبار الروائيّة التي جمعت في القسم الأوَّل من مغارة الكنوز حسب الترتيب الزمنيّ للتوراة مع إقحام ف 24-27. أمّا المقاطع الدفاعيَّة حول نسَب ملكيصادق (30/12-17)، وصلب المسيح (29/10)، فقد أقحمت هي أيضًا. نجد المقطع عن نسب ملكيصادق في كلِّ المخطوطات، أمّا المقطع عن نسَب المسيح فلا نجده في المخطوطات الغربيَّة ولهذا يعتبر البحّاثة أنَّ كاتبًا نسطوريٌّا زاده على النصّ.

الملاحظة الثانية. يتكوَّن المقال الأخير من مغارة الكنوز من مؤلَّف دفاعيّ نقرأه في ف 44-45. فالذي أُرسل إليه هذا المقال يدعى نموسايا (أي رجل الناموس) وهو يهوديّ متعلِّق بالشريعة. في هذا المقال نجد »كتاب سلسلة القبائل« وهو عنوان مغارة الكنوز في بعض المخطوطات.

الملاحظة الثالثة. نشير أخيرًا إلى النسَب البيبليّ الذي أُقحم في 34/11-41/22. إنَّه يرتكز على نصِّ الترجمة السريانيَّة البسيطة وقد وُضع في الكتاب في زمن متأخِّر.

مغارة الكنوز (مثل كفاح آدم وحوّاء) كتاب مسيحيّ استعمل موادَّ يهوديٌّة. فالتقليدُ اليهوديّ عرف مغارة آدم. فنحن نقرأ في الزوهار:

قبل موت آدم أشفق القدّوس (تبارك اسمه) عليه وسمح له أن يدفن في جوار جنَّة عدن. فإنَّ آدم كان قد صنع مغارة قريبة من جنَّة عدن واختبأ فيها مع امرأته حتّى ساعة موتهما. كيف استطاع آدم أن يعرف أنَّ هذه المغارة تقع بقرب جنَّة عدن؟ رأى شعاع نور يخرج من عدن، من حيث طرد.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM