الخاتمة

الخاتمة

مسيرة الدخول هي مسيرة الخلاص. من مصر عبر البحر الأحمر وبرّيّة سيناء، وصولاً إلى موآب، مع موسى. ومن موآب عبر الأردنّ بقيادة يشوع الذي يعني اسمه: الربّ يخلّص. والقضاة المذكورون في سفر القضاة رقم اختاره الله لمخلّصين. منذ البداية، نقرأ: "صرخوا إلى الربّ. فأقام لهم مخلِّصًا فخلّصهم" (قض 3: 9). وكان ذاك عتنيئيل بنُ قناز. ثمّ أقام له "أهود مخلّصًا" (آ 15) وتتوالى أعمال الخلاص مع كلّ قاضٍ من القضاة، مهما كان أصله. سمع جدعون النداء من الربّ: "إذهب بقوّتك هذه، وخلّص بني إسرائيل" (قض 6: 14). وكان الجواب: كيف أخلّص. قال الربّ: "أنا أكون معك" (آ16). ولكن يبقى المخلّص هو الله الذي يعمل بيد من يختارهم. قال جدعون لله: "إن كنتَ مخلّص بني إسرائيل على يديّ" (آ 36)، وطلب هذا القاضي آية الجزّة.
ولكن يبقى يشوع ذاك الموازي للخلاص. فما كان في هذا السفر "الملحمة" أي تراجع، إلاّ قضيّة عاكان الذي تعدّى على الحرام.
دخل يشوع فجأة في التاريخ. هو من قبيلة أفرائيم. شاب طلب منه موسى أن يختار رجالاً لمحاربة عماليق. صفاته صفات رجل حرب. نظرة سريعة، قرار، شجاعة، عناد. احتلال أريحا (أو غيرها من المدن) مع إرسال الجاسوسين، دلّ على عمل سيكولوجيّ: خاف السكّان فاستفاد من الوضع...
يشوع هو أوّلاً قائد الشعب. رافق موسى فتعلّم منه السيادة على النفس، والصبر، والمصلحة العامّة، ورؤية المستقبل. حين أرسل بين الجواسيس، دلّ على إيمانه ونظرته التفاؤليّة، فعارض مع كالب، الجواسيس العشرة الآخرين الذين يئسوا من احتلال الأرض. كما عارض الشعب الذين خاب أملهم.
ويشوع ثانيًا، هو المؤمن. شعلة الإيمان في قلبه جعلته يعمل، ينمو في حضرة الله، ويفعل قدرته. منذ شبابه، رافق موسى إلى خيمة الاجتماع، وما كان يترك الخيمة حتّى في عودة موسى إلى المخيَّم. فهذا المحارب هو أيضًا رجل صلاة. وهذا الإيمان أراد أن ينقله إلى إخوته في القبائل. لهذا جمعهم في شكيم ونبّههم: إحفظوا الوصايا. تعلّقوا بالربّ واصنعوا مشيئته. اخدموا الربّ واعبدوه بإخلاص. والحوار الذي أقامه معهم، دلّ على الوعي الذي عنده، وعلى روح الحرّيّة. قال لهم: اختاروا من تريدون أن تعبدوا إن كنتم لا تريدون أن تعبدوا الربّ. فأجابوه: حاشا لنا أن نترك الربّ. قال يشوع: "لا تستطيعون أن تعبدوا الربّ، وفي الوقت عينه تتعلّقون بالأصنام. الله قدّوس، غيور... فأجابوا: الربّ هو من نريد أن نعبد (يش 24).
ويشوع هو الخادم الصالح، الذي يبحث عن رضى الله. حين عبَر الشعب الأردنّ، وأدخلهم إلى أرض الموعد، بان على أنّه صورة بعيدة عن يسوع، الذي فتح لنا بعماده في الأردنّ، باب الملكوت، فكان وحده المخلّص، إذ لا اسم غير اسمه به نخلص. أجل، "لا خلاص إلاّ بيسوع" (أع 4: 12). مسيرة الدخول بدأت مع يشوع والقضاة، ولكنّها كانت صورة بعيدة عمّا فعله "يسوع حين دخل من أجلنا" (عب 6: 20). فكان لنا به الراحة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM