خاتمة عامة

خاتمة عامة

هذا هو الجزء الثاني من انجيل متّى بعنوانه سرّ الملكوت. وقد جاء هو أيضًا في أربع مراحل: خطبة من أجل الرسالة تبعتها انطلاقة في الرسالة. خطبة في الامثال تطبّقت عمليًا على الجموع التي لا تفهم وعلى التلاميذ الذين يسيرون من فهم إلى فهم. وهكذا ظهر مرّة أخرى بناءُ انجيل متّى الذي يتمحور في خطب تتطبّق في العمل، فتدلّ على حياة يسوع من خلال أقواله ومن خلال أعماله. وعمله الاخير سيكون موته على الصليب وقيامته من القبر.
في المرحلة الخامسة تعرّفنا إلى سلطة الملكوت. نال يسوع وهو الابن السلطة من الله الآب، وها هو يسلّم هذه السلطة إلى تلاميذه. ويعلّمهم كيف تكون الرسالة: تنطلق من فلسطين إلى سائر بلدان الأرض، من الشعب اليهوديّ إلى الأمم، من الذين في الداخل إلى الذين في الخارج. من الخراف الضالّة في كل اسرائيل إلى السامرة. وبعد ذلك يأخذون طريق الأمم. تلك كانت الرسمة التي وجدناها في أعمال الرسل.
في المرحلة السادسة، طُرح السؤال حول الملكوت. طرحه يوحنا أولاً: هل أنت الآتي أم ننتظر آخر؟ فجاءه الجواب آيات تدلّ على أن يسوع هو المسيح بعد أن جعل العمي يبصرون والصمّ يسمعون والمساكين يبشرون. وطُرح على الكتبة والفريسيين، فرفضوا الجواب الذي يمكن أن يقرأوه في الكتاب المقدس. تركوا روح الله الذي يعمل في يسوع، وتعلّقوا ببعل زبول. وهكذا خطئوا ضدّ الروح القدس حين رفضوا أنواره وتركوا ملكوت الله يتجاوزهم: زمّروا لهم فلم يرقصوا. ناحوا لهم فلم يبكوا. تركوا الحكمة الحقيقيّة وتعلّقوا بحكمة هي في الواقع عمى. غير أن الحكمة ستظهر في أبنائها، في الصغار الذين كشف الله لهم سّره. ستظهر في أعمالها. وفي النهاية يطرح يسوع نفسه السؤال: من أنا؟ فيجيب بطرس: أنت هو المسيح ابن الله الحيّ. يهنّئه يسوع ويهنّئ رفاقه معه، ولكنه يفهمهم أن الوجه الحقيقيّ للمسيح هو وجه الألم قبل أن يكون وجه المجد، وجه الموت قبل أن يكون وجه القيامة.
في المرحلة السابعة، بدا الملكوت في نموّه. هو حبّة حنطة تنمو فتعطي ثلاثين وستين ومئة. قد تقع في الصخر أو بين الشوك. قد ينمو معها الزؤان ويرافقها حتى نهاية العالم. وهكذا يترافق الشرّ مع الخير داخل الجماعة، ويعيش الخطأة بجانب القديسين في قلب الكنيسة، وتجمع الشبكةُ الأشرار مع الاخيار. ذاك هو واقع الملكوت كما يتجسّد في العالم منذ زمن يسوع حتى النهاية. يبقى على المؤمن أن يضحّي بكل شيء من أجل هذا الملكوت. وأن يعرف كم يؤثّر فيه الزمانُ الحاضر وخداعُ الغنى، فلا يعطي ثمرًا.
في المرحلة الثامنة، نصل إلى مسيرة الملكوت. إن يسوع يستعدّ للصعود إلى أورشليم. والسؤال الذي طُرح في المرحلة السادسة، وجد جوابَه هنا في اعلان مسيحانيّة المسيح وفي مشهد التجلّي حيث يطلب الله من التلاميذ، من الكنيسة، من كل واحد منا، أن يسمع ليسوع. وهذا السماع ضروريّ جدًا في هذه المرحلة التي فيها يقتلع يسوع تلاميذه من تقاليد الشيوخ، لا من سلطة الشريعة، ليرسلهم إلى العالم الوثنيّ. من تفاسير ناقصة عن المسيح الذي سيكون ممجّدًا، الذي سيحطم أعداء شعبه، إلى وجه عبد الله المتألم كما أخبرنا به أشعيا. قد تكون صعوبات تهدّد بطرس بالغرق. ولكن يسوع هنا. قد يحسّ التلاميذ بضعف إيمان يمنعهم من شفاء مريض. ولكن يسوع يفهمهم أهمية الصوم والصلاة. قد يرفض التلميذ أن يسير إلى "أورشليم". ولكن يسوع يبيّن لنا أن طريق المعلّم هو طريقنا. فلا نبحث عن طريق آخر.
وهكذا نستعّد منذ الآن للدخول في الجزء الثالث من تفسير متّى. فبعد خطبة الرسالة، نرافق يسوع في طريقه إلى أورشليم حيث ينهي حياته بموت على الصليب من أجل أحبّائه.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM