تقديم

 

المقدمة

حين نقرأ المجلات العلمية في أوروبا وفي أميركا، نكتشف الغنى الذي يزخر به الشرق القديم، سواء اليوناني أو السرياني أو القبطي أو الأرمني. ولكن هل يعرف الشرقيون ما عندهم من كنوز؟ توقّفوا عند فترة من الزمن واعتبروا أن التاريخ يبدأ هنا، مع أن الحضارات تغرز جذورها منذ آلاف السنين قبل المسيح، سواء في مصر أو في بلاد الرافدين التي يشكل العراقُ القسم الأكبر منها، هذا دون أن ننسى أوغاريت وصور وصيدا وجبيل، تلك المدن الكنعانية التي كانت الحدود الغربيّة تجاه عدنان، الحدود الشرقيّة وبينها قحطان.
من أجل هذا كان كتابٌ يغوص في أعماق الشرق. عنوناه: »فيوض في الفكر المشرقي«. أردناه رفيقًا لمن يريدون أن يكتشفوا تراثهم، فقدّمنا فيه النصوص والاسماء الكبيرة والتيارات الفكرية التي ما زالت تتفاعل في حضارتنا اليوم وفي عاداتنا.
كتاب قدّمناه في أربعة أقسام:
في القسم الأوّل قرأنا في التقاليد السريانيّة مزامير أضيفت إلى المزامير، وأخبار آدم وحواء وصولاً إلى »مغارة الكنوز«. في القسم الثاني تعرّفنا إلى أول الفلاسفة السريان، إلى برديصان الرهاوي الذي ترك لنا فيما ترك شرائع البلدان في كلام عن الحرية والقدر. القسم الثالث ينقلنا إلى سورية، وإلى حمص حيث برز في من برز نميسيوس الحمصي، ابن الحضارة الأراميّة والكاتب في اليونانية كتابه في طبيعة الانسان أو كتاب انتربولوجي يحاول أن يقرأ الفلسفة اليونانيّة في إطار مسيحي.
أما القسم الرابع والأخير فهو يقدّم لنا شخصيات شرقيّة وصلت إلينا آثارها في السريانية، سواء كُتبت في السريانية أو في اليونانية أولاً. غريغوار أبو الفرج ابن العبري. هذا الفكر الموسوعي الذي شبّهه الغربيون البير الكبير أو توما الأكويني. بل هو راح أبعد من اللاهوت وصولاً إلى اللغة والشعر والتاريخ. والشخصيّة الثانية هو من كنيسة الشرق، ايشوعداد المروزي الذي جمع غنى التفسير السرياني على مدى قرون في ما تركه من شروح للكتاب المقدس بعهديه. ونمضي إلى مصر مع أثناز أسقف الاسكندرية وبابا الكرازة المرقسيّة. نُقلت كتبه إلى السريانية وها نحن نقرأ مقاله »في تجسد ربّنا وفي الثالوث«. ومن الاسكندرية إلى القسطنطينية مع نسطور الذي ظُلم في مجمع أفسس فدوّن فكره في كتاب ضاع في اليونانية ووصل إلينا في السريانية تحت عنوان غريب تجارة هرقليد. نقرأه فلا نجد فيه أثرًا للهرطقة ولكن سيطرة اللغة اليونانيّة على مفردات سريانية. فما الفرق أن تكون مريم والدة الله أم والدة المسيح؟ وننهي هذا القسم مع عملاق من عمالقة انطاكية: البطريرك سويريوس. ترك قرابة أربعة آلاف رسالة عدا الكتب اللاهوتية والمواعظ، وكل هذا ضاع في اليونانية بعد أن أمر الامبراطور باتلافها، ولكنه وُجد في السريانية، ونحن نقرأ بينها خطب المنابر التي هي عظات الاسقف في كاتدرائيته.
فإلى مثل هذه الرحلة ندعو القارئ ليفرح كما فرحنا حين اكتشفنا أن تراثنا غني جداً، وتأسفنا لأن القليل القليل يعرفونه

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM