تقديم

تقديم

 

     حين نقرأ سفر يشوع ونتبع قراءتنا في سفر القضاة، نكتشف النفَس الملحميّ في الأوّل، والنفحة العاديّة اليوميّة في الثاني. هي القبائل تحاول كلّ منها أن تقيم في أرض مزروعة، بعد أن تعبوا في البحث عن الماء والكلأ. والطريق طويلة قبل أن يكون التنظيم الملكيّ والكهنوتيّ. خبر اللاويّ يفهمنا الكثير، وقد انتهى في لايس، أو دان، في سفح حرمون، وهي أوّل مدينة دمِّرت مع الزحف الأشوريّ. وخبر قبيلة بنيامين كاد يقود إلى انقراض قبيلة بكاملها، إن لم يكن أكثر من قبيلة. ذاك كان الوضع، حين حاولت القبائل الآتية من الشرق أن تضع أقدامها غربيّ نهر الأردنّ.

     أمّا سفر يشوع فيختلف كلّ الاختلاف عن سفر القضاة. احتلال الأرض في وقت قصير! هو خبر من الأخبار، لا أكثر ولا أقلّ حيث الأمور العجيبة تتوالى. وقد فهم التقليد في يوم من الأيّام أنّ يشوع احتاج إلى بعض الوقت لينهي المعركة، فأوقف الشمس وأخّر غروبها. في سفر يشوع، لسنا أمام التاريخ المدنيّ، بل أمام التاريخ الدينيّ. هكذا تفصل قدرة الله الخلاصيّة، واسم يشوع يعني: الربّ يخلّص.

     إذن، حين نقرأ سفر يشوع وكأنّه كتاب تاريخ، نضلّ الطريق وندلّ على جهلنا الكبير، ما يريد الكاتب أن يقول هو أنّ "احتلال" الأرض كان عمل الله. إذا تذكّرنا أنّ الزلزال يدلّ على قدرة الله، نفهم أنّ الحرب انتهت قبل أن يأتي يشوع ورجاله. أخذت تقاليد من زمن داود، في شكل خاصّ، ونفخ فيها روح الملاحم حيث الإله الواحد يعمل، لا الآلهة العديدون، كما في الملاحم اليونانيّة واللاتينيّة.

     يكفي أن نقرأ احتلال أريحا (يش 6-7) وسقوط العاي (8: 1-29) ومعركة جبعون (ف 9-10) لكي نجد هذا النفَس الملحميّ. هذه "الانتصارات" ملأت المخيّلة الشعبيّة. ولكنّ الفضل يعود إلى الله، لا إلى البشر: تضخيم الأعداد، تخفيف العنصر البشريّ في النجاح، تشديد على ما ليس بعاديّ، على ما هو عجيب، مدهش. والرقم الحقيقيّ، نستطيع أن نقرأه في قض 8: 4: "ثلاث مئة رجل".

     ويوجز الكاتب ما عمل يشوع: "كلّ هؤلاء الملوك مع أرضهم، أخذها يشوع في حملة واحدة" (يش 10: 42). هو عمل كلّ شيء، وغيره لم يعمل شيئًا. ذاك كان الوضع بالنسبة إلى موسى وتشريعه. حتّى يترو حموه ساعده. وداود لم يؤمّن كلّ المزامير المئة والخمسين، ولم يربح كلّ المعارك، بما فيها المبارزة مع جليات (2 صم 21: 19).

     وهكذا نكون أمام أرضٍ فرغت من سكّانها بيد شعب تجمّع بقيادة يشوع. كلّ هذا الاحتلال "السريع" يريد أن يُفهم الشعب قدرة الله. كما تغلّب على فرعون وآلهته، ها هو يتغلّب على أرض كنعان وعباداتها. والشعب لا يفعل شيئًا هنا ولا هناك. أمّا الكلمات الأساسيّة التي سيقرأها الشعب في المنفى البابليّ، ليستعيد الرجاء بربّه: الربّ أتمّ وعده فأعطى الأرض ميراثًا لشعبه. إذن، الله أمين. قال: "أنا أكون معك". التزم الله، ويلتزم يشوع ورجاله في الأمانة لشريعة الله. وهكذا بدا سفر يشوع نشيد الفرح برفقة قائد يعيش الأمانة للربّ ولشريعته.

     هذا ما نكتشف بعضه في هذا الكتاب الذي عنوانه "مسيرة الدخول". على المستوى اليوميّ، الأمور صعبة، صعبة. على مستوى الإيمان، لا يستحيل شيء عند الله، شرط أن يسمع له القائد ويأتمر بأوامره. يا ليت ملوك إسرائيل ويهوذا ساووا في هذا الخطّ! ولكنّهم لم يفعلوا. فراحت مملكة إسرائيل إلى الأرض الأشوريّة، بعد أن دُمّرت السامرة. ومملكة يهوذا إلى الأرض البابليّة، بعد أن دُمّرت أورشليم وأحرق الهيكل. أترى الشعب الراجع من المنفى سوف يفهم؟ وما كُتب إنّما كُتب لتعليمنا نحن الذين بلغنا إلى نهاية الأزمنة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM