الفصل الرابع: الكتاب المقدس وأسفاره القانونيّة
 

الفصل الرابع
الكتاب المقدس
وأسفاره القانونيّة

إذا دخلت المجمع يوم السبت لتشارك اليهود صلاتهم في زمن المسيح، لَسمعتهم يقرأون فصلاً من شريعة موسى ثم آخر من كتب الانبياء، يتخلّلهما أناشيد من مزامير داود.
وإذا دخلت إحدى الحلقات المسيحية في عهد الرسل لسمعت مع المؤمنين قراءات من كتب العهد القديم ثم من حياة المسيح كما وردت في الأناجيل وأخيرًا مقاطع من رسائل الرسل إلى الكنائس.
لماذا يصغي المؤمنون اليهود والمسيحيون إلى هذه القراءات؟ لأنّهم يرون فيها كلام الله، ولأنهم يعتبرون هذه الكتب كتبًا مقدسة ملهمة تعبّر عن إرادة الله القدّوسة على الفرد والجماعة.
كل جماعة دينية لها كُتُبها المقدّسة تقرأها وتسمعها وتتأمّلها لتجد فيها قاعدة حياة لها في الزمن الحاضر وتتميّز هذه الكتب التي نسمّيها كتبًا قانونية عن سائر الكتب التي تغذّي روح التقوى والإيمان دون أن يكون لها الطابع المقدّس. فالكتب القانونية تعتبر حاملة كلام الله. فالمسلم يعتبر القرآن كلمة الله دون غيره من الكتب وإن غذّى إيمانه بكتب دينية أخرى. واليهودي يعتبر التوراة كلمة الله، ولكنّه لا ينسى الشروح القديمة التي تساعده على فهم كلام الله. والمسيحي يعتبر كلام الله كل ما جاء في الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد. والكتب القانونية عند المسيحي تبدأ بسفر التكوين وتنتهي بسفر الرؤيا.
كل جماعة تحدّد الكتب القانونية التي تعتبرها كلمة الله. هكذا فعل اليهود خاصة في اجتماع "يمنية" على شاطئ البحر المتوسط حول السنة 90 ب. م. فأقرّوا لائحة الكتب المقدّسة بطريقة نهائية واعتبروا أنّ كل ما كتب حتّى ذلك الوقت باللغة العبرية والآرامية هو كلام الله، وأنّ ما عداه لا يتعدّى أن يكون كتبًا تقوية. وكذلك فعل المسلمون بقيادة الخليفة عثمان بن عفان الذي أمر بإتلاف العديد من النسخات القديمة وبالإبقاء على النسخة التي نعرفها، رغم احتجاج البعض. وهكذا فعلت الكنيسة المسيحية فاحتفظت بأناجيل أربعة وبرسائل من الرسل وكتابات، واضعة غيرها في طبقة الكتب المنحولة التي دوّنها أُناس اتقياء إنّما لا صلة لهم بالتقليد الرسولي، أو مبدعون منشقّون أرادوا أن يُقحموا تعاليمهم الكاذبة في الكتب التي وصلتنا على يد الرسل. كل هذا حفظ في ما نسمّيه العهد الجديد.
أمّا الكتب المقدّسة التي تعتبرها الكنيسة قانونية أي إنّها تصلح لأن تكون قاعدة الإيمان، فهي على نوعين. النوع الأوّل كُتب قبل المسيح، ونسمّيه العهد القديم، وكُتبه هي: أسفار موسى الخمسة، الكتب التاريخية والنبوية، وسفر المزامير كتب الحكمة. والنوع الثاني كُتب بعد المسيح، ونسمّيه العهد الجديد، وكُتبه هي: الأناجيل وأعمال الرسل ورسائل بولس الأربع عشرة والرسائل الكاثوليكية (الجامعة) وسفر الرؤيا. وما عدا ذلك من كتب نُسبت إلى الآباء في العهد القديم أو إلى الرسل في العهد الجديد فالكنيسة تعتبرها كتبًا منحولة.

أ- الكتب القانونية
القانون مقياس كل شيء. استعمل الأقدمون هذه الكلمة ليدلّوا على لائحة الكتب المدرسية التي تعدّ لغتها ناصعة صحيحة. واستعملها المسيحيون في القرن الرابع كصفة للكتب الملهمة ليؤكدوا أنها تحوي قاعدة الإيمان والأخلاق. فالكتب القانونية وحدها تقرأها الجماعة الليتورجية وتستبعد باقي الكتب التي تعدّها غير قانونية. وهكذا نقول: الكتب القانونية هي الكتب إلى تسمح الكنيسة بقراءتها في الليتورجيا وتعترف بأنّها مقدّسة لأنّها كُتبت بإلهام الروح القدس ؛ كما أنّها تصلح لأن تكون غذاء للمؤمنين وقاعدة لحياتهم. والكنيسة حدّدت مجموعة هذه الكتب الملهمة بسلطتها المعصومة من الخطأ في المجمع التريدنتيني، في إيطاليا، خلال جلسته الرابعة في 8 نيسان سنة 1546. نقرأ في هذه الجلسة ما يلي: إنّ المجمع المقدس يتتبعّ خطى الآباء المستقيمي الإيمان فيتقبّل ويكرم كلّ كتب العهد القديم بذات عاطفة التقوى والاحترام التي بها يكرم كتب العهد الجديد، لأنّ الإله الواحد ذاته هو واضع العهدين... فمن لا يقرّ بقانونيّة هذه الكتب وقدسيتها... يعتبر محرومًا.
هذا هو إيمان الكنيسة التي تعدّ نفسها الوكيلة الأمينة على وديعة الإيمان. فالروح الذي يعمل فيها هو الذي عمل في الكتّاب الملهمين. والروح الذي يساعدها على فهم الكتب المقدّسة ينير طريقها فتميّز بين "كلام الله " و"كلام البشر". هي لا تعطي الإلهام لكتب دون اخرى، بل تتبيّن إصبع الله فتعلن على المؤمنين قدسية الكتب المقدسة بدون خطأ، لأنّ المسيح الذي فيها وعدها بأنّه لن تقوى عليها ابواب الجحيم (مت 18:16) ولا سُبُل الكذب والخطأ والضلال.

ب- العهد القديم كتاب الله عند اليهود
إنّه وإن كان الآباء المسيحيون لا يعرفون إلاّ مجموعة كتب مقدّسة واحدة، إلا أنّنا نقسمها قسمين بسبب المسائل التي سنطرحها. فالقسم الأوّل، وهو العهد القديم، قد أخذته الكنيسة من الجماعة اليهودية في نسخته اليونانية المسماة سبعينية، والقسم الثاني بدأت بكتابته بعد موت المسيح وأنهته مع آخر رسول من الرسل هو القدّيس يوحنا.
اعتبر اليهود كتب العهد القديم كتبًا مقدّسة. فأسفار الشريعة الخمسة هي كلام الله لموسى، والكتاب يقول إنّ "موسى كتب جميع أقوال الرب " (خر 24: 4)، وإنّه كتب ما كتب بناء على طلب الرب. فبعد الحرب مع بني عماليق، قال الرب لموسى: "اكتب هذا لتحفظه ذكرًا، واقرأه على مسامع يشوع " (خر 17: 14). وقبل الوصول إلى أرض الميعاد، "كتب موسى مسيرتهم مرحلة مرحلة بعد خروجهم كما أمره الرب " (عد 2:33).
وعندما اكتشف الكاهن حلقيا في بيت الرب "كتاب الشريعة" الذي هو كتاب القوانين التي فرضها الله على شعبه، قرأ أمام الملك يوشيا (640- 609) وكل سكّان أورشليم كلام كتاب الشريعة ذاك (2 مل 23: 2). ومنذ ذلك الوقت أخذ الكتّاب يستندون إلى نصوص كتاب الشريعة. فيروي سفر الملوك الأوَّل (2: 1- 3) كيف أنّ داود طلب إلى ابنه سليمان أن يسير في طرق الرب ويحفظ فرائضه ووصاياه وأحكامه كما هو مكتوب في شريعة موسى (تث 29: 8). ويذكّر سفر الملوك الثاني (14: 6) بأنّ سفر شريعة موسى يمنع قتل الآباء من أجل البنين، والبنين من أجل الآباء (تث 16:24).
وفي زمن الجلاء، وبعد أن هُدم الهيكل وزالت الملكية، أخذ نفوذ الشريعة وتأثيرها يزدادان، فكان المنفيون يجتمعون حول الكهنة يستمعون اليهم يقرأون عليهم فصولاً من أسفار موسى. وبعد الرجوع من المنفى ستقرّ الجماعة اليهودية بالشريعة دستورها المقدّس، كل من لا يعمل بها يقضى عليه بالموت أو بالنفي أو بالحبس (عز 26:7).
وابتداء من القرن الخامس، كانت شريعة موسى تقرأ في مجامع فلسطين والشتات، وكان الكتبة يدرسونها ويشرحونها، والمؤمنون الأتقياء يحفظونها ويردّدونها. ولمّا انفصل السامريون عن الجماعة اليهودية (سنة 408 ق. م.) حملوا معهم كتب موسى دستورًا مقدّسًا دون غيره من الكتب.
ولكن اليهود كان لهم مع التوراة كتب الأنبياء. فإرميا كتب ما كتب المرّة تِلوَ المرّة بناء على طلب الرب (2:36، 28، 32)، وكذلك فعل حزقيال وأشعيا ( 8:30) ؛ أمّا المزامير فقد اعتاد المؤمنون تلاوتها في اجتماعاتهم خلال المنفى ثمّ في الهيكل وفي المجامع، فصارت كتاب صلاة شعب الله ؛ أمّا سائر الكتب الحكمية فقد أخذت مكانتها في الحفلات الدينية فكان المؤمنون يقرأون نشيد الأناشيد في عيد الفصح، وسفر راعوت في عيد العنصرة، ومراثي إرميا في ذكرى خراب أورشليم (586)، وسفر الجامعة في عيد المظال، وسفر أستير في عيد خاص يُحتفل به في 14 و 15 آذار.
ثمّ نقرأ في سفر المكّابيين الثاني (13:2) رسالة تقول إنّ نحميا أنشأ مكتبة جمع فيها أخبار الملوك (ما نسميه الكتب التاريخية) والأنبياء وكتابات داود (أي المزامير). كما نقرأ في مقدمة سفر يشوع بن سيراخ (كتب حول سنة 180 ق. م.) تقسيم العهد القديم ثلاثة أقسام: الشريعة أي كتب موسى الخمسة، والأنبياء، أي ما نسميه الكتب التاريخية (الأنبياء الأوّلون) والكتب النبوية (أي الأنبياء اللاحقون)، وسائر الكتب أي المزامير وبقيّة الكتب الحكمية. وسيذكر سفر يشوع بن سيراخ، في سياق كلامه، يشوع بن نون (46: 1 ) والقضاة (46: 13) وصموئيل (46: 16) والملوك (47 :1) وأشعيا النبي (48: 25) وارميا (8:49) وحزقيال (49: 10) وسائر الأنبياء الاثني عشر (49: 12، نسميهم الأنبياء الصغار لأنّ ما كتبوه كان قليلاً). ولم ينسَ أن يذكر سفر الأمثال (16:47) وأيوب (49: 9 في النص العبري) ونحميا (49: 15).
ونرى كل جماعة يهودية تهتم بأن يكون لها أسفار الشريعة الخمسة وسائر الكتب التي تُقرأ في اورشليم. فالرسالة إلى أرستيس (القرن الثاني ق. م.) التي تسمي الأسفار المقدسة الكتابَ (بيبلوس في اليونانية) والتي تتحدّث عن ترجمة النصوص العبرية إلى اليونانية، تذكر كيف أنّ رئيس كهنة اورشليم، اليعازر، أرسل إلى الاسكندرية نسخة كاملة عن الكتب المقدّسة.
أمّا يوسيفوس المؤرّخ فقد كتب بحثًا "ضدّ أبيون " (سنة 97- 98 ب. م.) يقول فيه: لا تجد عندنا عددًا غير محدود من الكتب (كما عند اليونان) بل اثنين وعشرين كتابًا فقط (بعدد الحروف الأبجدية) تحتوي أخبار كل زمان... أوّلاً كُتب موسى وعددها خمسة... ثمّ الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى... والكتب الأربعة الأخيرة تحتوي أناشيد الله وفرائض أدبية للناس... إنّ الاحداث تبيّن بأي احترام نقرب من كتبنا الخاصة... فهي كتب يحرّم علينا أن نمسّها بسبب طابعها المقدّس كما يقول سفر عزرا الرابع (23:14- 47) الذي كتب في القرن الأوّل ب. م.
قيل: الجماعات تعيش ثمّ تفكّر بطريقة عيشها. والجماعات الدينية لا تسعى إلى تحديد إيمانها أو إلى إقرار كتبها المقدّسة إلاّ إذا داهمها خطر. فالجماعة اليهودية لم تشعر في البدء بالحاجة إلى تحديد لائحة الكتب المقدّسة التي تعتبر قاعدة إيمانها. ولكن عندما هُدم الهيكل مرة أولى، تعلّق الشعب بالتوراة كعلامة حضور الله بينه. وعندما هدم الهيكل مرّة ثانية وتشتّت الشعب اليهودي أحسّ المؤمنون بالحاجة الى إعلان لائحة بكتبهم المقدّسة كما بدأوا بتدوين التقاليد الشفهية كالتلمود والتراجيم لئلاّ تضيع.
والكنيسة التي تعدّ نفسها شعب الله الجديد، قد تسلّمت من شعب الله القديم الكتب المقدسة على أن الله قد أوحاها، فصارت الكتب القانونية عند الشعب اليهودي كتبًا قانونية عند الشعب المسيحي.

ج- العهد القديم كتاب الله عند المسيحيين
إنّ القانون المسيحي للعهد القديم يحتوي كل الكتب المقدّسة كما نقرأها في الترجمة اليونانية، وهذا يعني أنّ الكنيسة تضيف إلى الكتب القانونية الأولى (أي تلك المكتوبة بالعبرانية والآرامية والتي أقرّت في مجمع "يمنية") الكتب القانونية الثانية، فتعتبر أنّ الإلهام يشمل أسفار طوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ وباروك وسفرَيْ المكّابيين، عدا بعض فصول من أستير ودانيال كتبت باللغة اليونانية. ويجدر القول إنّ الكنائس البروتستانتية تعتبر الكتب القانونية الثانية كتبًا منحولة تهدف إلى تغذية التقوى المسيحية دون أن يشملها الإلهام كالكتب القانونية الأولى.
كرّس المسيح والرسل من بعده سلطة كتب العهد القديم، ورجعوا إليها مرارًا معتبرينها كلام الله. فيسوع يوبّخ الفريسيين لأنّهم "ينقضون كلام الله بسنّة من عندهم " (مر 13:7)، والقدّيس بولس يعدّ العهد القديم "كلام الله الذي اؤتمن عليه اليهود" (روم 2:3).
ولقد لجأ المسيح ورسله مرارًا إلى شهادات من العهد القديم في بشارتهم وفي كتاباتهم، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأنّ العهد الجديد قد اتخذ العهد القديم على أنّه كلام الله وأساس إيمان.
فالعهد الجديد يذكر تقريبًا جميع الكتب القانونية الأولى وهو يورد آيات من سفر التكوين وسفر الخروج وسفر اللاويين والعدد... كما أنّه يذكر نصوصًا من الكتب القانونية الثانية فيورد أو يلمح إلى آيات مأخوذة من طوبيا ويهوديت وسفر الحكمة وابن سيراخ والمكّابيين الثاني. ومجمل القول أنّنا نجد ما يقارب ثلاثماية وخمسين استشهادًا من العهد القديم في العهد الجديد، أخذ أكثرها عن النص اليوناني السبعيني وليس عن النص العبراني الماسوري. كما أنّه عندما يرد أحد النصوص في الأناجيل تسبقه عادة العبارة التالية: "لتتم الآية"، "ليتم الكتاب " (مت 1: 22 ؛ لو 22: 37؛ 24: 44؛ يو 12: 38 ؛ 13: 18...). وهذه العبارة ترد سبعًا وثمانين مرة لتبيّن العلاقة بين العهد القديم والعهد الجديد، ولتدل على أنّ ما وعد به العهد القديم، قد تحقّق في العهد الجديد بشخص يسوع المسيح الذي هو نقطة الوصل بين العهدين.
نورد نصيّن من العهد الجديد. الأوّل من رسالة القديس بولس الثانية إلى تلميذه تيموثاوس (14:3- 17): "فاثبتْ أنت على ما تعلمته وكنت منه على يقين. فأنت تعرف عمّن أخذته، وتعلم الكتب المقدّسة منذ نعومة أظفارك، فهي قادرة على أن تزوّدك بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص في الإيمان بالمسيح يسوع. فالكتاب كلّه من وحي الله يفيد في التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البر، ليكون رجل الله كاملاً معدًّا لكل عمل صالح ". والنص الثاني من رسالة القديس بطرس الثانية (1: 19- 21): "فازداد كلام الأنبياء ثباتًا عندنا، وانكم لتَحسنون عملاً إذا نظرتم إليه كأنّه مصباح يضيء في مكان مظلم، حتّى يطلع النهار ويشرق كوكب الصبح في قلوبكم. واعلموا قبل كل شيء أنّه ما من نبوءة في الكتاب تقبل تفسيرًا يأتي به أحد من عنده، إذ لم تأت نبوءة قط بإرادة بشر، ولكن الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلّموا من قِبَل الله ".
من هذين النصين نستنتج أنّ كل الكتاب من وحي الله، وأنّ الكتب المقدّسة التي تعلّمها تيموثاوس على يد أُمّه اليهودية (أع 16: 1) تعني أوّلاً كتب العهد القديم، وهي تهدي إلى الخلاص في الإيمان بيسوع المسيح. فالنبوءات كالشرائع لم تأتِ بإرادة بشر، ولكن الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلّموا من قِبَل الله.
فكلام الله وصلَنا عن طريق الآباء والانبياء كما وصلنا عن طريق المسيح، وهو كلمة الله ذاتها نقرأها في العهدين القديم والجديد. يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين (1: 2): إنّ الله، بعدما كلّم آباءنا قديمًا مرات كثيرة بلسان الأنبياء كلامًا مختلف الوسائل، كلّمنا في هذه الايام، وهي آخر الأيّام، بلسان الابن الذي جعله وارثًا لكل شيء وبه أنشأ العالمين.
اعتاد آباء الكنيسة أن يوردوا الآيات من العهد الجديد والقديم على السواء، ليبرهنوا عن عقائد الإيمان، كما أنّهم أخذوا يشرحون للمؤمنين على السواء كتب العهد القديم والعهد الجديد، لأنّهم اعتبروا أنّ ما كتب قبل المسيح هو أيضاً كلام الله وقد كُتب بوحي الروح القدس. لا شك في أن كل ما كُتب قبل المسيح يجد كماله في المسيح، ولكنّه يبقى كلام الله.
فيوستينوس (+ حول 165) في نقاشه مع تريفون اليهودي يرجع إلى كتب العهد القديم ليبشّره بالمسيح على مثال الشماس فيلبس الذي انطلق من سفر أشعيا (53: 7- 8) ليحدّث وزير ملكة الحبشة عن يسوع (أع 8: 34). وايريناوس اسقف ليون (+ حول 202) يدحض مزاعم المبدعين مستندًا إلى كتب العهد القديم والجديد. وحتى المبدع أريوس ينطق من كتب العهد القديم (أم 23:8) ليُنكر أُلوهية الابن.
أمّا الآباء الذين شرحوا الكتاب المقدّس فهم أكثر من أن يُحصوا. فمن اوريجانس (+ 254) وصلتنا شروح سفر التكوين والخروج والعدد واللاويين ونشيد الأناشيد...؛ ومن أفرام السرياني (+ 373) وصلنا شرح سفر التكوين؛ ومن أغوسطينس (+ 430) شرح المزامير، ومن يوحنّا الذهبي الفم (+ 407) شرح سفر التكوين وغيره من الأسفار. لقد اعتبرت الكنيسة بلسان الآباء أنّ كتب العهد القديم هي كتب مقدّسة لأنّها تحتوي كلام الله. ولم تهتمّ بالدفاع عن هذه الحقيقة وبتحديد الكتب القانونية. ولكن لمّا قام المبدعون أمثال مرقيون فأنكروا قدسية العهد القديم وميّزوا بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد، أعلنت الكنيسة أن الله هو واضع العهد القديم والعهد الجديد وعدّدت أسماء أسفار الكتاب المقدّس دون أن تفصل بين ما كُتب قبل المسيح وما كُتب بعده، لأنّ الكتاب كلّه هو من وحي الله وهو يهدي إلى الخلاص في الإيمان بيسوع المسيح.

د- العهد القديم وديعة في يد الكنيسة
ونودّ أن نتوقّف عند تساؤل عملي يطرحه الكثيرون اليوم: لماذا لا يزال المسيحيون يقرأون العهد العتيق؟ فليس هو إلاّ قصّة شعب من الشعوب. لماذا لا نقرأ قصص المصريين والبابليين وأهالي أوغاريت؟ ثمّ إنّ ما نقرأه في هذه الكتب التي تعتبرها الكنيسة مقدسة لا "يشرّف " قارئيه، إذ فيه من الكذب والاحتيال ونداء إلى القتل والاحتلال والتشريد ما لا نزال نرى صداه حتى اليوم. وأخيرًا لماذا لا تكتفي الكنيسة بقراءة العهد الجديد؟ فعندما يجيء الكامل يزول الناقص (1 كور 13: 10). أمّا وقد جاء المسيح مكمّل الشريعة القديمة فما حاجتنا بعد إلى شريعة قديمة لا تصلح لأبناء الله.
إنّ الكنيسة ترى أنّ كل ما ورد في الكتاب المقدّس بعهدَيه القديم والجديد هو كلام الله. فكما كلّم الله آباءنا بلسان الأنبياء كلّمنا نحن بلسان ابنه. هي كلمة الله ذاتها تأتي إلى العالم بطريقة تدريجية، تتكيف بحسب استعدادات قلب العالم لتقبّلها. هي كلمة الله تدخل تاريخ الكون فتنطق بالإنسان من عالم الخطيئة والبغض والقتل والحرب إلى عالم النعمة والمحبة والتفاهم والسلام. وهذا ما يصوّره لنا العهد القديم، من آدم الذي يثور على ربّه إلى قايين الذي يقتل أخاه، إلى لامك الذي لا يعرف لشريعة الثأر والانتقام حدودًا، إلى منطق الإفناء والتهجير والتدمير... هذه القصة ليست قصة شعب وحسب بل هي قصة كل الشعوب، قصة كل البشرية، وقد لخّصها القدّيس بولس في رسالته إلى الرومانيين (5: 12- 17): "فكما أنّ الخطيئة دخلت العالم على يد إنسان واحد، وبالخطيئة دخل الموت، فكذلك سرى الموت إلى جميع الناس لأنّهم جميعًا خطئوا... فإذا كانت جماعة كثيرة قد ماتت بزلّة إنسان واحد، فكم بالأولى تفيض على جماعة كثيرة نعمة الله الموهوبة بإنسان واحد، ألا وهو يسوع المسيح... فماذا كان الموت قد ساد بزلّة إنسان واحد، فكم بالأولى تفيض على الناس نعمة الله بيسوع المسيح ".
إذا كان العهد الجديد هو عهد البر والعهد الجديد هو عهد الخطيئة، فكيف نعرف أنّنا تبرّرنا إن لم نعرف أنّنا خطئنا؟ والقديس يوحنا يقول لنا في رسالته الأولى (8:1- 9): "إذا زعمنا أننا بلا خطيئة خدعنا أنفسنا ولم نكن على الحق. وإذا اعترفنا بخطايانا فإنّه أمين عادل يغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كل إثم ". نحن نتوق إلى العهد الجديد، إلى عهد البر والقداسة بيسوع المسيح، ولكنّ الواقع اليومي يدلّنا على أننا ما نزال خطأة نعيش بالكذب والغضب والخبث والشتيمة (كو 3: 8) مملوئين بأنواع الإثم والطمع والشر والحسد والتقتيل والخصام والمكر والفساد (روم 1: 29).
قصّة العهد القديم ليست قصّة سياسية تروي لنا التطور الحربي والسياسي والاجتماعي لشعب من الشعوب، بل قصّة دينية، قصّة محاولة الله لجمع البشرية كلّها في عيلة تعيش حوله في المحبّة. وهكذا عندما نقرأ قصة شعب الله نستطيع أن نقرأ قصّة كل شعب وقصّة كل البشرية لأنّ مخطط الله ما يزال يهدف إلى أن يجمع في المسيح كل شيء مما في السماوات وعلى الأرض (أف 1: 10).
والكنيسة التي تتقبّل هذه الكتب على أنّها كلام الله، لا يجوز لها أن تحتفظ منها بالبعض وتحذف البعض الآخر. فلقد قال المسيح: قبل أن تزول السماء والأرض لن تزول ياء أو نقطة من الشريعة حتى يتم كل شيء (مت 18:5). الكنيسة وكيلة على وديعة كلمة الله كل ما يطلب من الوكيل هو أن يكون أمينًا. لا شك في أنّ الكنيسة تعرف أن كلام الله يكمل في العهد الجديد، ولكنّها تنطلق من العهد القديم لأنّه تكلّم عن المسيح وترى في كل كلمات الكتاب صورة عن وجه المسيح.
فنحن قارئي العهد القديم نعلم أنّ كلام الله نزل على شعب اختاره، بالرغم من أنّه لم يكن أفضل الشعوب، ليحمل رسالة دينية هي تعليم عبادة الله الواحد والابتعاد بالناس عن الشرك وعبادة الأصنام وتعليم الناس حياة الأخوّة والمحبّة. فوضع حدًّا للثأر (السن بالسن والعين بالعين) منتظرًا أن يعلّمهم تجاوز المعصية (أم 19: 11) ورفض الجور والظلم وطلب الاهتمام بالغريب والفقير واليتيم والأرملة. في العهد القديم نقرأ ملخّص الشريعة وتعاليم الأنبياء: أحبب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل عقلك (تث 6: 5)، وأحبب قريبك حبّك لنفسك (لا 18:19).
ونعلم أيضاً أنّ شعب إسرائيل كما نعرفه اليوم لا يرتبط إلاّ باللحم والدم بشعب الله في العهد القديم. فمواعيد الله قد انتقلت إلى أبناء إبراهيم المؤمنين الذين وُلدوا لا من مشيئة لحم ودم بل من الله بالإيمان (يو 1 :13). كان دورهم أن يهيّئوا مجيء المسيح كلمة الله، ولكنّه جاء إلى خاصته وخاصته لم تعرفه (يو 1 : 11)، ولو عرفوه لما صلبوه هو رب المجد (1 كور 8:2). قتلوا الرب يسوع والأنبياء واضطهدوا الرسل (1 تس 2: 15) ليمنعوهم من تبشير سائر الأمم بما فيه خلاصهم. لذلك رذلهم الله وأخذ ملكوته منهم وسلّمه إلى شعب يعطي ثمرًا (مت 43:21). ولكن الارتباط الخارجي بديانة العهد الجديد لا يعني المؤمن من المقاومة حتى بذل الدم في مصارعة الخطيئة (عب 3:12)، لأنّ الذين ذاقوا الهبة السماوية وصاروا مشاركين في الروح القدس ثم سقطوا، يستحيل تجديدهم وإعادتهم إلى التوبة لأنهم يصلبون ابن الله ثانية لخسارتهم ويعرّضونه العار (عب 6: 4- 6). فالله قادر أن يصنع من الحجارة ابناء لإبراهيم، كل شجرة لا تعطي ثمرًا جيدًا تُقطع وتُرمى في النار (مت 9:3-10).
فالمؤمنون ليسوا أبناء هذا الشعب أو ذاك، ولا أبناء هذا البلد أو ذاك، ولا أبناء هذه القبيلة او تلك. ففي المسيح يسوع لا فرق بين يهودي وغير يهودي، بين عبد وحر، بين رجل وامرأة، فالكل واحد في المسيح. فإذا كنّا للمسيح فنحن إذًا نسل إبراهيم (غل 3: 28- 29)، لأنّ الله يبرّرنا. إنّنا نؤمن بيسوع المسيح (غل 2: 16) وهكذا ننال بالإيمان الروح الموعود (غل 14:3).
فإن كنّا نحن المؤمنين أبناء الله، فنحن مسؤولون عن كلامه الذي استودعه الكنيسة التي هي جسده. فالعهد القديم كالعهد الجديد وديعة في يد الكنيسة وينبوع تستقي منه لتعرف أكثر يسوع الذي انبأ به العهد القديم وتحدّث عنه العهد الجديد.


هـ- الكتب القانونية في العهد الجديد
كما أنّ شعب موسى عاش أجيالاً عديدة من كلام الله، يقرأه ويتأمّل فيه ويفسّره، قبل أن يحسّ بالحاجة إلى تحديد الكتب القانونية، كذلك عاش شعب المسيح من كتب العهد الجديد قبل أن يحسّ بالحاجة إلى تحديد الكتب التي تعدّ قانونية لأنّها من وحى الله وكُتبت بإلهام الروح القدس.
تُعلن الكنيسة أنّ عدد أسفار العهد الجديد سبعة وعشرون سفرًا: الأناجيل الأربعة، أعمال الرسل، رسائل القدّيس بولس، رسائل القدّيسين بطرس ويوحنا ويعقوب ويهوذا، وسفر الرؤيا. كيف انتهت الكنيسة إلى هذا العدد؟
نقول أوّلاً إنّ للكنيسة وحدها الحق والسلطة لتحكم إذا كان هذا الكتاب أو ذاك ملهَمًا أم لا. وبالتالي فالكتب التي قبلتها الكنيسة في قانونها هي وحدها إلهية مقدّسة وملهمة. ولقد قال القدّيس أغوسطينس إنّه يقبل الأناجيل من يد الكنيسة.
ونقول ثانيًا إنّ هناك مقاييس تثبت إلهام هذا الكتاب دون ذاك. فالكتب المقدّسة تُقرأ في الجماعة الليتورجية، ويجب أن يتفق تعليمها وتعليم الرسل، كما يجب أن يرجع أصلها إلى الرسل. ولكنّ هذه المقاييس تبقى غير كافية، والكلمة الفصل تبقى للكنيسة التي تسير على أنوار الروح القدس.
ونودّ أن نتوقف عند بعض المحطات التي أوصلتنا إلى تحديد قانون كتب العهد الجديد. كُتبت الأناجيل إلى كنائس محلية، ولكنّها ما عتّمت أن انتشرت في الكنائس المسيحية. فنرى إنجيل يوحنا الذي كتب في آسية الصغرى (تركيا اليوم) منتشرًا في كنيسة مصر وقد عُثر على جزء صغير منه مخطوطٍ على ورق البردي سنة 120. كما ان الأسقف بابياس (+125) عرف إنجيل متّى ومرقس ويوحنا. أمّا يوستينوس فيحدّثنا عن الأناجيل الأربعة، وقد جمعها طاطيانس السوريّ في إنجيل موحّد أسماه الدياتسارون، بين سنة 160 وسنة 170.
أمّا رسائل القدّيس بولس فقد أخذ المؤمنون يقرأونها باكرًا على غرار الأناجيل وسائر كتب العهد القديم (1 تس 27:5؛ كو 16:4). يكفينا أن نذكر رسالة بطرس الثانية (16:3) التي تقابل بين رسائل القديس بولس وسائر الكتب المقدّسة. أمّا آباء القرنين الأوّل والثاني فهم يوردون الاستشهادات العديدة من الأناجيل ورسائل القدّيس بولس، في رسالة برنابا وأغناطيوس الأنطاكي وبوليكربوس...
ولكن، أمام الخطر المحدق بتعليم المسيح، سيدافع الآباء عن عقيدة الكنيسة المتعلّقة بالكتب القانونية. وهذا الخطر جاء من مرقيون ذلك الفيلسوف الذي أنكر الطابع الإلهي على كتب العهد القديم، كما أنّه لم يحتفظ من العهد الجديد إلاّ بإنجيل القدّيس لوقا وببعض رسائل القدّيس بولس. فذكّره إيريناوس وترتليانس بالتقليد الذي تمارسه الكنيسة. وجاء الخطر أيضاً من مونتانوس وتبّاعه الذين أقحموا في العهد الجديد كتبًا تروي الوحي الذي جاءهم من الله، ناسين أنّ الوحي انتهى بموت آخر رسول من رسل المسيح. والخطر الثالث جاء من جماعات يهودية وغنوصية وغيرها كتبت أناجيل ورسائل ورؤى ابتداء من القرن الأوّل المسيحي. وهذا ما حدا الكنيسة على أن تحدد عدد الكتب المقدّسة التي تدخل في قانون العهد الجديد.
أمّا اللائحة الأولى فنقرأها في مخطوطة اكتشفها عالم في رومة سنة 1740 فعرفت باسمه، بقانون موراتوري. يحتوي هذا القانون على لائحة كتب العهد الجديد مع استبعاد بعض الكتب المنحولة التي اعتادت بعض الجماعات المسيحية أن تذكرها مع الكتب القانونية. ثمّ عبد لائحة عند إكلمنضوس الإسكندراني وأوريجانس، وأوسابيوس القيصري وإيرونيموس... ففي كنائس رومة كما في كنائس الإسكندرية وانطاكية، عرفت المسيحية لائحة قانون العهد الجديد وتراث كتبه في احتفالاتها الليتورجية وفسّرها الآباء للمؤمنين.
أمّا النصوص الكنسية الرؤية فنقرأها في سينودس هيبونة (393) وقرطاجة (397 و 418) في أفريقيا، وفي مجمع القسطنطينية الثالث (680- 681، المسمّى ان ترولو أو في القاعة الملكية في الشرق). ويمكننا أن نعدّ رسالة البابا اينوشنسيوس الاول (405) إلى أسقف تولوز في فرنسا بمثابة وثيقة رؤية تعدّد كتب قانون العهد الجديد وتستبعد كل ما عداها. يقول: "اليك ملحقًا يدلّك على لائحة الكتب القانونية"، وبعد أن يوردها يتابع: "أما الكتب الباقية المنسوبة إلى يعقوب الصغير وبطرس وتوما وأندراوس فهي مرفوضة ومحرّمة". ويقول البابا جلاسيوس (492- 496): "إنّ هذه الكتب (المنحولة) وما شابها قد علّمها ودوّخها الهراطقة والمنشقّون وتبّاعهم. فنحن نرفض هذه الكتب ونستبعدها في كل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الرسولية ونحرّمها مع كاتبيها". وعندما تعلن الكنيسة لائحة الكتب المقدّسة في مجمع فلورنسا (1442) والمجمع التريدنتيني (8 نيسان 1546) في إيطاليا، فهي تكتفي بأن تردّد اللائحة الرسمية مشدّدة على أنّ الله هو واضع العهد القديم والعهد الجديد، وأنّ الكتّاب الذين كتبوا إنّما فعلوا بإلهام الروح القدس. فمن لا يقبل هذا التعليم فليكن محرومًا.

و- الأناجيل المنحولة
إنّ الكنيسة التي حدّدت لائحة كتب العهد الجديد استبعدت كتبًا عديدة كإنجيل العبرانيين، وقد وصلنا منه بعض شذرات، وإنجيل الأبيونيين وإنجيل المصريين، وكلاهما من القرن الثاني. ونذكر أيضاً إنجيل بطرس وبرتلماوس وتوما ويعقوب...
وكذلك القول عن أعمال يوحنا وبطرس وبولس وتوما وهي كتب تودّ أن تجاري أعمال الرسل وفيها من الأخبار ما يذكّرنا بالقصَص الخيالي أكثر منه بالكتاب الديني. إنّها لا تصلح لأن تكون قاعدة الحياة وأساس قانون الايمان والبرهان عن العقيدة. ولقد وصلنا أيضاً رسالة ثالثة من القدّيس بولس إلى الكورنثيين، ورسالة إلى أهل اللاذقية، ومراسلات بين القدّيس بولس وسينيكا الفيلسوف الروماني، ورؤيا القدّيس بطرس والقدّيس بولس على غرار رؤيا القديس يوحنا. كل هذه الكتب المنحولة كان لها تأثير كبير على المحيط الشعبي الذي ظهرت وانتشرت فيه. ولكنّ الكنيسة بالسلطان المعطى لها من الله، استبعدت هذه الكتب من قانون العهد الجديد واعتبرتها مجرّد كتب تقوية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى رأت فيها تعاليم الهراطقة والمبدعين الذين ينكرون بعضًا من حقائق الايمان. ونذكر هنا بعضًا من الأناجيل المنحولة لنعطي القارئ فكرة سريعة عنها:
إنجيل الأبيونيين، أو إنجيل الرسل الاثني عشر، أخذه مسيحيو فلسطين المنشقّون عن الأناجيل الأربعة بعد أن حرّفوا نصوصها، فأنكروا لاهوت المسيح ولم يذكروا الحبل البتولي...
إنجيل يعقوب يتكلّم عن ميلاد مريم وطفولتها وعن ميلاد يسوع. يذكر كيف أنّ الله بشّر بها والديها الشيخين، وأنّها كُرست للرب بعمر الثلاث سنوات قبل أن يكل أمرَها رئيسُ الكهنة إلى رجل أرمل ليعتني بها ويحفظ بكارتها...
إنجيل توما هو قصّة تقوية من القرن الخامس. يُعالج طفولة يسوع ويذكر بعض العجائب الصبيانية التي يجترحها يسوع في صباه.
ونعطي كذلك بعض الأمثلة السريعة المأخوذة من هذه الأناجيل المنحولة لنرى كم هي بعيدة عن عمق الأناجيل القانونية. ففي الإنجيل المنسوب إلى متّى (القرن السادس) نرى العيلة المقدّسة ذاهبة إلى مصر ترافقها الحيوانات المفترسة لتحميها من كل خطر، كما نرى النخلة تحني أغصانها لتطعم العذراء وتفجّر الماء من جذورها لتسقي يوسف. تُرى إلى يتألّم يوسف ومريم مثل جميع الناس الذين هجروا أرضهم وبيتهم؟
والإنجيل العربي المكتوب في القرن السابع يذكر أنّ يسوع كان يصنع من التراب حيوانات وعصافير ثمّ يأمرها أن تسير أو تطير بعد أن يكون قد أطعمها وسقاها. فدهش رفاقه وأخبروا أهلهم، فنعوهم من مصاحبة هذا الساحر. ويذكر أيضاً أنّ يسوع كان سائرًا على الطريق مع القدّيس يوسف، فصدمه أحد الأولاد وأوقعه أرضًا. فقال له يسوع: "كما أوقعتني ستقع ولا تقوم". وفي الحال وقع الولد ومات. نترك للقارئ ان يحكم على هذه الأخبار وأمثالها!
أمّا الأعاجيب التي يذكرها إنجيل الطفولة الأرمني (القرن السادس) فهي لا تقلّ "صبيانية" عن التي ذكرناها. أوَ ننسى أنّ يسوع رفض أن يجترح العجائب إرضاء "لحشرية" هيرودس ( لو 23: 8) أو ليظهر براعته أمام الشعب، فيجعل من الحجر خبزًا، أو ينزل من على جناح الهيكل كما في مظّلة (مت 4: 1- 11)؟
مثل هذه الكتب لا تغذّي ايمان المؤمنين بل تُدغدغ مخيلتهم وتصوّراتهم وتجعلهم ينسون أنّ المسيح كان إنسانًا كجميع الناس فتعلّم القراءة والكتابة وجابه الصعوبات والألم والموت. أمّا إذا كانت هذه الكتب من وحي الهراطقة فهي تنكر أن يكون المسيح إلهًا أخلى ذاته وأخذ صورة العبد فصار شبيهًا لنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. فهذه العقيدة الأساسية عند المسيحيين، أنّ المسيح كان إلهًا وإنسانًا بكل ما في هذه الكلمات من معنى، نقرأها في الأناجيل الأربعة كما تقرّبها الكنيسة، ولسنا بحاجة إلى أن تُفرض علينا أناجيل أخرى كُتبت في القرن الثالث عشر أو السادس عشر فجاءت محشوّة بالمغالطات والاكاذيب. فالكنيسة متيقّنة من أنّ الروح القدس حاضر فيها يدلّها على كلام الله ويعطيها فهمه فتوصله إلى المؤمنين وإلى كل البشر لا شك أنّ الكتب المقدّسة قديمة العهد، ولكنّ كلمة الله التي تحملها هذه الكتب هي معاصرة لكلّ واحد منا. والكتاب ما يزال يعلن: اليوم ان انتم سمعتم صوته (مز 7:94؛ عب 7:3)... فاليوم نحن نسمع كلام الله وكأنه يوجَّه إلينا للمرة الأولى.
عندما يجتمع المؤمنون في صلاة الليتورجيا، يستمعون إلى كلام الله تتلوه الكنيسة بطريقة علنية واحتفالية، فتجعل الحاضرين يشعرون شعورًا عميقًا بأن الله كلّمهم اليوم فسمعوا صوته من خلال أنبيائه في العهد القديم ومن خلال ابنه في تمام الزمان. هذا الكلام تقرأه الكنيسة في الكتب القانونية أكانت من العهد القديم أم العهد الجديد، فتغذي المؤمنين بكلام الله، آملةً أن تغذيها بسرّ القربان المقدس، بكلمة الله، بيسوع المسيح الذي تجسّد من أجلنا.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM