الفصل التاسع تيطس وواجب التعليم في الكنيسة

الفصل التاسع
تيطس وواجب التعليم في الكنيسة
3: 9- 15

عرف تيطس الحقائق الجميلة والسامية التي يجب أن يعلّمها للمؤمنين. هي حقائق مفيدة لأنها ينبوع خلاص. وحين يصل إلى هذا المستوى، يتجنّب المشاركة في مجادلات سخيفة يهتمّ لها أعضاء الكنيسة. كما يتجنّب كل علاقة مع هؤلاء المجادلين. وبما أنّ موقفه الصامت غير كاف، فهو يوبّخهم وإن لم ينتظر الكثير من توبيخه لهم. فهذه الانحرافات التعليميّة ترتبط بفساد أخلاقي، والراعي لا يمكن أن يسكت تجاه التعاليم والمعلّمين. فالمعلّمون لن يختبئوا وراء نواياهم السىّئة معتبرين أن أحدًا لم ينبهّهم. والمؤمنون يستنيرون حول الضلال الذي يبلبل تفكيرهم ويُفسد حياتهم. ذاك يكون موقف تيطس، وذاك يكون موقف الرعاة في الكنيسة، حيث لا يخافون ولا يساومون، بل يقدّمون كلمة الحقّ باستقامة.

1- من تيموتاوس إلى تيطس
ما نلاحظه في الارشاد إلى تيموتاوس وتيطس، هو دعوة إلى الوداعة واللطف في عمل الرعاية. هنا تُذكر أهواء الشباب التي يهرب منها التلميذ، ولائحة من الفضائل يجب اتّباعها. وبما أن الجدال والقتال يشكّلان الحلبة التي يقف عندها الخصم، فالجواب يكون تعليم المؤمنين في مناخ من الوداعة. بين اهتداء يأتي من الله، وفخاخ يضعها إبليس، يعرف المؤمن ماذا يختار.
أهواء الشباب تمنع الراعي من أيّة خطوة تهدّد سلطته. كما تطلب منه تجنّب التعصّب والتسرّع والعجرفة في ما تعيشه الجماعة من حوار. ومحلّ ذلك، هي التقوى التي تُشرف على صبر في التعامل مع الآخرين، وعلى ثبات في العمل الرسوليّ.
انتهى الارشاد في 1تم 4: 6- 16 وفي 6: 11- 16 مع إعلان سوتيريولوجيّ ولاهوتيّ نقل تيموتاوس من الجدال إلى التعليم بوداعة. فالله السيّد المبارك وحده، هو ملك الملوك وربّ الأرباب، وهو الذي يعرف أن ينتصر على الخصم فيعيده إلى وعيه وينجّيه من فخاخ إبليس. ومعرفة الحقيقة شرط لاهوتيّ للوصول إلى الخلاص. هذا هو الاهتداء بحسب العالم اليهوديّ. وهناك موازاة بين "الحقيقة" و"الايمان". فإن تمسّكنا بالحقيقة أو بالايمان (أو ملنا عن الحقيقة أو الايمان)، فالكائن المسيحيّ يتأثّر إيجابًا أو سلبًا. هنا تصبح الخدمة أكثر من ارشاد يحثّ فيه الرسول تلميذه. فنحن أمام خبرة معاشة. وتيموتاوس يُدعى إلى الأمانة لماضيه الخاصّ. هو لم يتبع بولس في تعليمه وحسب، بل تألّم معه. فقد كان لتيموتاوس حصّته من الآلام التي دُعي إلى مواجهتها بدون خوف.
هذا بالنسبة إلى تيموتاوس. وماذا بالنسبة إلى تيطس؟ فما يقال له من تعليم يندرج في تحريض يتوجّه إلى مختلف الفئات في الجماعة. كان ارشاد في 3: 1- 8 انتهى: قول صادق. هذا القول يستحقّ أن نصدّقه ونثق به. ويطلب بولس: أريد (بولوماي). هو الرسول يطلب من تلميذه. يستطيع أن يوصيه، بل يأمره. "كل هذا" مطلوب منه (آ 8). وهكذا، يسير المؤمنون في طريق الأعمال الصالحة. وهذا ما يفيد البشر لأنه جميل. ويتجنّبون مع راعيهم المجادلات السخيفة. ونلاحظ مرّة أخرى جدلية "المؤمنين" و"جميع البشر" كما في 1تم4: 10. ما يربط بين الاثنين هو الاعمال الصالحة (2تم 3: 17). فالأعمال الصالحة التي يعملها المؤمنون مفيدة للناس. وهكذا يتداخل اللاهوت حول الخلاص مع الممارسة اليوميّة على مستوى الفائدة (1تم 4: 8: فائدة التقوى؛ 2تم 3: 16: فائدة الكتب المقدّسة). وهكذا نعود إلى سياق تدفع فيه السوتيريولوجيا المؤمن إلى الأعمال الصالحة (2: 14؛ 3: 1). هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يصل بنا هذا التعليم إلى تحريض شخصيّ جدًا يتوجّه إلى تيطس (3: 14) قبل التحية الأخيرة: "يجب على جماعتنا أن يتعلّموا حسن القيام بالأعمال الصالحة ليسدّوا الحاجات الضروريّة، فلا تكون حياتهم عقيمة". والعبارة الأخيرة من الحكم على الهراطقة في 1: 16 تُثبت هذه النظرة عن طريق النفي: "يدّعون أنهم يعرفون الله، ولكنهم ينكرونه في أعمالهم... عاجزون عن كل عمل صالح". فاللاهوت الخلقيّ هو تعليم، وهو يدلّ في الخارج على ما يفعله الخلاص في قلوب المؤمنين.
ما قيل لتيموتاوس وما قيل لتيطس، مادة تعاد كتابتها حسب قياس محدّد على خلفيّة مشتركة. فالحضّ للتلميذ يختلف عمّا في الفلسفة الشعبيّة. فهو لا يرسم مسيرة فرديّة من فضائل أدبيّة أو مزايا فلسفيّة. بل نحن أمام توصيات توجَّه إلى مسؤول في الجماعة، يقيم في موضع محدّد مع الجماعة كمؤسَّسة. فسلطته التي تنبع من الرسول، تُقابل الجماعة التي يقيم فيها: موهبة نالها بوضع يد الشيوخ (1تم 4: 14). اعتراف أمام شهود عديدين (1تم 6: 13). البيت الذي يعمل فيه (2تم 2: 19- 21). التقليد البولسي الذي يؤسّس تعليمه (2تم 3: 10- 17). كلام توجّه إلى بولس في دوره كـ "خادم المسيح يسوع" (1تم 4: 6)، "رجل الله" (1تم 6: 11؛ 2تم 3: 17)، "عبد الربّ" (2تم 2: 24). وهذا التعليم من أجل الجماعة، عليه أن يتوافق والتعليمات التي أعطيت له: من أجل الاخوة (1تم 4: 6). من أجل المؤمنين (1تم 4: 10، 12). من أجل الذين يسمعونه (1تم 4: 16). من أجل الذين يدعون الرب بقلب نقي (2تم 2: 23). من أجل الذين يريدون أن يحيوا في التقوى (2تم 3: 12). وبالنسبة إلى تيطس: من أجل الذين جعلوا إيمانهم بالله (تي 3: 8). من أجل جماعتنا، من أجل الذين لنا (تي 3: 14).
هذه الجماعة التي أرسل إليها التلميذُ ليست منغلقة على ذاتها، بل منفتحة. والرسول يعمل باسم "مخلّص جميع الناس" (1تم 6: 13). وتَقدّمُه يجب أن يكون ظاهرًا للجميع (1تم 4: 15). لهذا يكون لطيفًا مع الجميع (تي 3: 2؛ 2تم 2: 24). وما يعيشه هو قدوة لجميع الذين يريدون أن يحيوا في التقوى (2تم 3: 12). وما يقوله يجب أن يكون مفيدًا للناس (تي 3: 8). هكذا يعظّم الجميعُ تعاليم مخلّصنا (تي 2: 11).
لماذا يسهر الراعي على نفسه ويثبت في هذا السهر؟ لأنه حين يخلّص نفسه يخلّص جميع الذين يسمعون له (1تم 4: 16). وكيف يصل إلى الحياة الأبديّة؟ حين يحفظ الوصيّة منزّهًا عن العيب واللوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح (1تم 6: 12، 14). ولماذا يكون لطيفًا مع الجميع؟ لأن الله يهب الاهتداء حتّى للخصوم (2تم 2: 24ي). لماذا ندرس الكتب المقدّسة؟ "لأنها تقدر أن تزوّد بالحكمة التي تهدي إلى الخلاص في الايمان بيسوع المسيح" (2تم 3: 15). وجاءت تي 3: 8- 9 تُنهي الأقوال السوتيريولوجيّة المركزيّة في تي 2: 11- 3- 7. فكما أن الكتب المقدّسة مفيدة من أجل عمل الخادم، كذلك الأعمال الصالحة: هي حسنة ومفيدة للناس (تي 3: 8)

2- دراسة النصّ
إن الحقائق العقائديّة التي ذكرها بولس في آ 4- 7 تشكّل جوهر انجيله بالذات. فلا يسعنا أن نخفّفها أو نخاف حين نقدّمها. فلا مساومة في ما يتعلّق بالتبرير والتعليم عن الخلاص. ذاك كان موقف بولس في غلاطية (غل 1: 7- 9؛ 2: 11- 21؛ 3: 1- 5؛ 5: 1- 6). ومثله يفعل تيطس في كريت. لا يقبل أي نقاش حول المبادئ الأساسيّة. بل يعلنها بقوّة. والمؤمنون يهتمّون بأن يكونوا الأوّلين في ممارسة الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الايمان. والايمان أبعد ما يكون عن تعلّق عقليّ بحقائق نظريّة بحتة. إنه يتضمّن تبديل حياة (غل 5: 6: الايمان العامل بالمحبّة). وعطيّة الخلاص التي نالها المسيحي (آ 5) هي بالنسبة إليه ينبوع متطلّبات لا يمكن التهرّب منها. فمن ليس مع المسيح كان ضده. ومن لم يجمع مع المسيح، بدا وكأنه يفرّق.

أ- تحليل النصّ
أولاً: آ 9- 11
في آ 9- 11 نتوقّف عند التعليم الصحيح والتعليم الكاذب. ويُشرف على هذه الآيات آ 8ب: أريد (بولوماي). رج 1تم 2: 8؛ 5: 14؛ 6: 9. يرد الفعل 33 مرة في سائر العهد الجديد (3 مرات ترتبط بالرسول: 2كور 1: 15، 17؛ فل 1: 12). "أن تكون حازمًا". أن تلحّ. "ديابابايوماي". رج 1تم 1: 7. "المؤمنون بالله". وضعوا إيمانهم بالله. رج روم 4: 3؛ غل 3: 6. "مفيد". رج 1تم 4: 8؛ 2تم 3: 16. يقابلها "أنوفاليس"، غير مفيد. رج آ 9؛ عب 7: 18.
"أما المجادلة" (زيتيسيس). رج 2تم 2: 23. يرد الاسم في 1تم 6: 4. رج يو 3: 25؛ أع 25: 20. "موروس"، سخيف. عشر مرات في العهد الجديد. رج 1كور 1: 25، 27؛ 3: 18؛ 4: 10... الانساب. رج 1تم 1: 4. "نوميكوس"، ناموسي، ما يتعلّق بالشريعة رج آ 13. ترد الصفة 7 مرات في العهد الجديد، منها ست مرات في لو. وكلها تتحدّث عن معلّم الشريعة. مت 22: 35. "ماتايوس"، غير نافع. يرد خمس مرات في العهد الجديد. 1كور 3: 20 (أفكار باطلة لدى حكماء هذا العالم)؛ 15: 17 حول إيمان باطل بالمسيح يقول إنه ما قام.
"صاحب البدع"، الهرطوقيّ. من اختار حقيقة على حساب حقيقة أخرى. "تنذره مرّة أو مرتّين". ذاك هو منطق انجيل متّى: إذا خطئ أخوك فعاتبه (مت 18: 15ي). "فأنت تعرف". (آ 11). رج 1تم 1: 9؛ 2تم 2: 23. "إكسترافاين". ضلّ. لا يرد إلاّ هنا في العهد الجديد. "هامرتاناين"، خطىء. هناك خطيئة الشيوخ (1تم 5: 20). يرد الفعل 51 مرّة في العهد الجديد (15 مرّة في بولس، خصوصًا في روم، 1كور).
ثانيًا: أوامر ونصائح (آ 12- 14)
"بمباين"، أرسل. لا ترد إلاّ هنا في "الرعائيّة". 78 مرة في سائر أسفار العهد الجديد (15 مرة في سائر الرسائل البولسيّة). أرتيماس. هو تصغير "ارتميدوروس"، هديّة ارتميس (من أصل وثنيّ. إذن، لا يرد في البيبليا). تيخيكس. رج 2تم 4: 12. في أع 20: 4 هو اسم يُعطى لشخص من آسية أي من أفسس. في كو 4: 7؛ أف 6: 21 تيخيكس هو أخ محبوب. هو من أصل وثنيّ. يرتبط اسمه بالاهة الحظّ (تيخي). "إلتاين"، جاء. 636 مرّة في العهد الجديد. يُذكر 8 مرات في 1تم، 2تم، في الكلام عن رواح بولس وجماعته ومجيئهم (1تم 3: 14؛ 4: 13؛ 2تم 4: 19، 13، 21). وهناك ناحية لاهوتيّة حين الكلام عن التجسّد (1تم 1: 15) والمجيء إلى ملء معرفة الحق (1تم 2: 4؛ 2تم 3: 7). نيكو بوليس. لا ترد إلاّ هنا في البيبليا. مدينة النصر. بُنيت لذكرى انتصار اوكتافيوس على أنطونيوس في أكسيوم (اليونان، إبيرة) سنة 31 ق م. "كريناين"، نوى، حكم، قرّر. رج 2تم 4: 1 عن الدينونة. يرد الفعل 113 مرة في العهد الجديد (39 في الرسائل البولسيّة، منها 35 في روم، 1كور). المعنى الذي نقرأه في تي، نجده في روم 14: 13ب؛ 1كور 2: 2؛ 7: 37؛ 2كور 2: 1 (مع إلتاين). في لو وأع: 28 مرة. في أع 27: 1: "لما تقرّر أن علينا أن نُبحر إلى إيطالية". "أقضي الشتاء" باراخايماساي". رج 1كور 16: 6. كانت الملاحة تتوقّف بين 10 تشرين و10 آذار (فصل مقفل بسبب عواصف البحر المتوسط). "هناك" إكاي. لا يرد إلاّ هنا في "الرعائيّة". ولكنه يرد 105 مرات في العهد الجديد.
في آ 13، "سبودايوس"، باهتمام، بعجلة. رج 2تم 1: 17؛ فل 2: 28 حيث يهتمّ بولس بارسال ابفرودتيس. "بروبمباين" رافق. يرد 8 مرات في العهد الجديد. رج روم 15: 24؛ 1كور 16: 6. استعمل لوقا الفعل ليدل على الطريق التي فيها أرسل بولسُ وبرنابا، من قبل مسيحيّي أنطاكية، إلى مجمع أورشليم (أع 15: 3) أو تلك التي أخذها بولس حين صعد إلى السفينة متوجّهًا إلى أورشليم فرافقه شيوخ أفسس (أع 20: 38) أو مسيحيّو صور (أع 21: 5). زيناس. اسم وثني. تصغير "زينودورس" أو عطيّة زوش. أبلوس: أبلودورس: عطيّة أبلون. نلاحظ أن هذين اليهوديّين حملا اسمين وثنيين.
"وجماعتنا" (آ 14). هيماتاروي. الذين لنا، الذين منا. ترد اللفظة ثماني مرات في العهد الجديد بما فيه 2تم 4: 15 (شعبنا). "تعلّم" مانتانو. يرد 24 مرّة في العهد الجديد (6 مرات في 1تم، 2تم: 1تم 2: 11؛ 5: 4، 13؛ 2تم 3: 7، 14؛ 9 مرات في سائر الرسائل البولسيّة). "الحاجة". خرايا. يرد اللفظ حوالي 50 مرة في العهد الجديد (13 مرة عند بولس على مستوى حاجات الجسد من طعام وشراب ولباس). "ضروري" أنانكايوس. ما هو ملحّ ولا يستطيع الانتظار. يرد هنا فقط في "الرعائيّة". ويرد 7 مرات في العهد الجديد (4 عند بولس، 2 في أع). "أكاربوس"، عقيم. بلا ثمر. يرد هنا فقط في "الرعائيّة"، ست مرات في العهد الجديد (2 في بولس: 1كور 14: 14 والتكلّم بألسنة؛ أف 5: 11 وأعمال الظلمة العقيمة). نجده في السبعينية ثلاث مرات: إر 2: 6 (أرض لا ماء فيها ولا ثمر)؛ حك 15: 4 (عقم الاصنام)؛ 4مك 6: 7 (لا تندم أم السبعة لأنها صارت بلا ثمر بعد أن مات أولادها).
ثالثًا: سلامات (آ 15)
بعد السلامات (آ 15أ)، تأتي الصلاة الأخيرة: لتكن النعمة معكم جميعًا. "معي". رج 2تم 4: 11؛ أع 20: 34. لا نجد "سين إموي". رج 1كور 16: 4؛ 2كور 9: 4؛ غل 1: 2؛ 2: 3؛ فل 4: 21 في نهاية الرسائل. رج 1كور 15: 10 (نعمة الله التي هي معي)؛ فل 2: 22 (خدم البشارة معي). "سلّم" أسبازستاي. رج 2تم 4: 19، 21. يرد الفعل 55 مرة في العهد الجديد، في الرسائل (36 مرة في بولس، منها 21 مرة في روم 16. لا يرد في 2تس ولا في غل ولا في أف). ترافق السلامات القبلة المقدّسة. رج روم 16: 16؛ 1كور 16: 20؛ 2كور 13: 12؛ 1تس 5: 26. "أحبّ"، فيلاين. 21 مرّة في العهد الجديد (13 مرة في يو). »النعمة«، خاريس. رج 1: 4. هناك مخطوطات قالت: نعمة الله أو نعمة الرب، من أجل الاستعمال الليتورجي وأضافت: "آمين".
في النهاية، نجد معلومات عديدة. "إلى تيطس" في مخطوطات كثيرة. وأضافت أخرى: دُوّنت في نيكوبوليس ومن هناك أرسلت. أو في مكدونية. في مخطوط واحد: في كريت. وقالت عدد من النسخات: كان تيطس أول أسقف في كنيسة كريت. قالت القبطية البحيريّة: أرسلت الرسالة بيد ارتيماس (3: 12). والسريانية البسيطة: حملها زيناس وأبلوس (3: 13).

ب- تفسير النصّ
أولاً: واجبات تيطس (آ 9- 11)
أجمل الكاتبُ نشاط المعلّمين الكذبة، على المستوى العقليّ والأدبيّ، في أربعة موضوعات: مجادلات وأنساب (1تم 1: 4). خلافات (آريس) تميّز معلّمين يتزاحمون (1تم 6: 4؛ فل 1: 15). مناقشات (ماخي) حول الشريعة الموسويّة. رج 1: 14؛ 1تم 1: 7- 10. رج "أماخوس" (1تم 3: 2): لا يخاصم، لا يناقش. كلها توصف بأنها سخيفة (موروس). فما الفائدة من حوار يتوقّف عند مثل هذه السخافات. وما النفع من هذا الأنزلاق في الباطل، في الفراغ.
والمسؤول عن كل هذا هو "هايريتيكوس" (مراحدة بيبليّة). يعود إلى فعل "هايرايو" الذي يدلّ في العهد الجديد على الصادوقيين (أع 5: 17)، الفريسيين (أع 15: 5؛ 26: 5). في 1كور 11: 19؛ غل 5: 20 يرتبط بعالم التحزّبات والخصومات والحسد. رج 2بط 2: 1 حيث الكلام عن مذهب (شيعة، بدعة) مهلك يغذّيه معلّمون كذبة.
الأمر خطير. لهذا، يجب على تيطس أن يتدخّل، يُنذر، يوبّخ (نوتاسيا، نوتاتاين). لا نجد هذين اللفظين إلاّ في الرسائل البولسيّة.
كان الرسول واقعيًا: مثل هؤلاء الناس لا فائدة من الحوار معهم. هم ضالّون ويضلّون مهما كانت المحاولات. هم مرضى استُعصي مرضهم. ابتعدوا عن التعليم الصحيح، فلا يستطيعون العودة إلى حالتهم العاديّة التي كانت لهم حين نالوا العماد. لا يحكم بولس على مثل هؤلاء، بل يتركهم يحكمون على نفوسهم (أوتوكاتاكريتوس، مراحدة بيبليّة). رج لو 19: 22؛ يو 3: 18؛ 8: 9- 11.
ثانيًا: الخاتمة (آ 12- 15)
نجد هنا كلامًا شخصيًا (آ 12- 13)، تحريضًا أخيرًا (آ 14)، التحيّات (آ 15).
تردّد بولس: من يختار لكي يرسله إلى كريت ليحلّ محلّ تيطس؟ وهكذا يتحدّد موعد مجيء تيطس إلى بولس. ارتيماس (عطيّة ارتميس). لا يُذكر إلاّ هنا في العهد الجديد. هناك تقليد يجعله واحدًا من السبعين تلميذًا (أو 72: لو 10: 1ي)، وأول أسقف في لسترة (أع 14: 6ي). تيخيكس. تلميذ معروف برفقته لبولس.
زيناس وابلوس. حملا الرسالة على ما يبدو، كما قال تيودورس، أسقف المصيصة. اعتبر الذهبيّ الفم أن زيناس كان يهوديًا اهتدى إلى الايمان فاحتفظ باسمه: "نوميكوس" معلّم الشريعة. وهناك من اعتبره وثنيًا، ورجل قانون. هناك تقليد يجعل من زيناس أسقف "ديوسبوليس" (مدينة في تراقية، تركيا)، ومؤلّف "أعمال تيطس: (منحولة). أما أبلوس فهو المذكور في أع 18: 24؛ 19: 1؛ 1كور 1: 12؛ 3: 4، 6، 22؛ 4: 6؛ 16: 12 (خطيب لامع من الاسكندريّة وعالم بالكتب المقدّسة). فاذا كان زيناس وثنيًا وأبلوس يهوديًا، استطاعا أن يتوجّها إلى الفئتين اللتين تؤّلفان الكنيسة. هما لا يطيلان الإقامة في الجزيرة. وتيطس سيهيّئ لهما الضروريّ لمتابعةالسفر. "بروبمباين". أرسله إلى الأمم. جعله ينطلق. رافقه بعد أن يكون أمّن له اللازم. فالجماعة تؤمّن الحاجات الماديّة للمرسلين، ووسائل النقل، وشخصًا يدّلهم على الطريق، وهي ترافقهم بصلواتها وأدعيتها.
مثل هذا الواجبات لا يستطيع تيطس وحده أن يقوم بها. فالجماعة تكون معه (آ 14)، وواجباته هي واجباتها. الذين هم منا (هيماتاروي) تجاه الذي من الخارج (1تم 3: 7؛ 1تس 4: 12) سواء كانوا وثنيين أم يهودًا (تي 1: 10). يتعلّمون (مانتاناين، 1كو 4: 6) مثل تيطس. يمارسون (1تم 2: 11؛ 5: 4؛ عب 5: 8). يقومون بالأعمال الصالحة ويُحسنون القيام بها. هذا بشكل عام على مستوى ممارسة الفضائل. وبشكل خاص على مستوى الاهتمام بضيوف الكنيسة (آ 13): تأمين الحاجات (خرايا) الضرورية (أنانكايا).
ويرد في آ 15 أكثر من سلام حسب الأسلوب الرسائليّ. الأول لا يذكر اسم الشخص، ولا يشير إلى "الاخوة" (1كور 16: 19- 20؛ 2تم 4: 20) ولا إلى "القديسين" (2كور 13: 11). فهو قصير جدًا. يكتفي بالقول: الذين معي (مات إمو). الذين يحيطون بي الآن. أما الذين يعيشون معي بشكل دائم فالعبارة اليونانية هي "سين إموي". رج غل 1: 2؛ فل 4: 22. في الرسائل الدنيويّة، يُطلب من حامل الرسالة أن يسلّم على جميع الاصدقاء. ويضيف بولس: في الايمان. المسيحيون الذين يقيمون في كريت. لهم سلام خاص. وقد ظلوا على الأمانة. قالت كو 4: 18؛ 1تم 6: 21؛ 2تم 4: 22: "النعمة معكم". أما هنا فنقرأ: "النعمة معكم جميعًا" كما في 2تس 3: 18؛ رج عب 13: 25. هذا يعني تزامن تي مع 2تس. لا شكّ في أن الرسالة جاءت إلى تيطس. ولكنها ليست رسالة خاصّة، بل موجّهة إلى الجماعة، والجماعة كلها تسمعها.

3- قراءة إجماليّة
على تيطس أن يهرب (أن يتجنّب) المجادلات السخيفة والنقاشات الفارغة، التي لا تفيد ولا تنفع. فكم نحن بعيدون عن عرض حول مخطّط الخلاص كما أعدّه الله منذ الأزل. هناك نقاشات ترتبط بالعهد القديم: الانساب، فتاوى حول الشريعة. هذا ما يجعل الخلاف مستشريًا في الجماعات.
وعلى تيطس أن يقطع كل صلة بالهرطوقيّ، بصاحب مدرسة وفكر يختار ما يشاء من عناصر الايمان ويترك الأخرى. يختلق ديانة على قياسه، ويكوّن حزبًا أو شيعة تنغلق على ذاتها. هو لا يقبل بالتعليم عن الخلاص كما قدّمه بولس. يجادل، وفي النهاية يسجن نفسه داخل حكمه الشخصيّ الذي يعتبره قاعدة الايمان.
كيف يتصرّف تيطس مع مثل هذه الانسان؟ حسب مت 18: 15- 17. تربية تدريجيّة: ينوَّر، ويُجعل أمام مسؤوليته حين يقسم الجماعة. إن عاند في ضلاله، نُبّه مرّة أخرى بشكل ملحّ مع بعض التهديد. فان رفض، جعله تيطس خارج الجماعة. في أي حال، هو نفسه ترك الطريق، طريق الايمان المسيحيّ الذي تعيشه الكنيسة. حرم نفسه قبل أن تحرمه الكنيسة، فصار بالنسبة إليها كالوثنيّ والعشّار.
وتنتهي الرسالة بتوصيات عمليّة. ذُكرت أسماء وأماكن. وذُكرت تفاصيل ترتبط بفصل الشتاء الذي صار قريبًا. سيأتي إليه تيطس، ويحلّ محلّه في كريت ارتيماس، أول أسقف في لسترة. أما زيناس وابلوس فقد حملا الرسالة. هما لن يطيلا الاقامة في كريت، ولهذا يحتاجان إلى الضروريّ لمواصلة السفر. والسلام الأخير: اخوتنا في الايمان، والذين ظلّوا على الأمانة مهما انتشرت التعاليم الضالّة في الجزيرة.
خاتمة
قدّمت الرسالة إلى تيطس أكثر من تعليم عقائديّ، كإسناد لحياة أخلاقيّة تكون نورًا للذين في خارج الكنيسة. فلا يبقى على تيطس سوى التمسّك بهذه التعاليم التي ترتبط بسرّ الخلاص، ولا سيّما بما فعله يسوع من أجلنا لكي يفتدينا من كل شرّ ويطهّرنا ويجعلنا له شعبًا خاصًا. كما يتمسّك بتلك التي تنطلق من المعموديّة التي بها اغتسلنا فوُلدنا ولادة ثانية، وبدأنا حياة جديدة يُنعشها الروح القدس. هكذا يكون المسحيون في كريت أبناء الايمان. وهكذا يكون تيطس، لأنه مؤمن بين المؤمنين. ولكن بما أنه مسؤول، فواجباته في الجماعة تتوسّع على مستوى العلاقات مع أصحاب الجدالات السخيفة، على مستوى الردّ على معلّمي الضلال، على مستوى تنظيم الأمور اليوميّة، على مستوى الاهتمام بالمرسلين وتأمين الضروري لهم، كما فعل غايس، تلميذ يوحنا الحبيب (3يو 5- 8). ويصل سلام المسيح من بولس إلى تيطس، ويحمله تيطس إلى جميع العائشين في المحبّة والايمان. وهكذا تكون النعمة معهم جميعًا. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM