الفصل السادس :فئات المسيحيين المختلفة

الفصل السادس
فئات المسيحيين المختلفة
2: 1- 10

بعد أن نظّم تيطس الكنائس ونبّه إلى وجود المعلّمين الكذبة، وجب عليه بتعليمه وحياته أن يرفع مستوى الحياة الأخلاقيّة في العائلات المسيحيّة التي بلبلها المعلّمون الضالّون. هذا التعليم ليس بجديد، بعد أن شدّد بولس على أهميّة الحياة العائليّة في المسيحيّة. غير أنه يشدّد هنا بشكل خاص، وبالنظر إلى الفساد المنتشر، على واجب كل واحد بأن يحيا حياة تليق بالايمان، بأن ينفصل عن العادات الوثنيّة، وأن يكون مثالاً في عيشه للفضيلة. فالانسان، سواء كان صغيرًا أم كبيرًا، رجلاً أم امرأة، غنيًا أم فقيرًا، عليه أن يمارس الفضائل التي تقابل حالته. ولكن تبقى المزيّة الأساسيّة التعقّل، الوقار، الرصانة. فالحياة المسيحيّة لا تقوم في تنظيرات من عالم الخيال، بل في ممارسة عمليّة يحدّدها التعليم الصحيح، وتتعارض مع ما لا يليق بالمسيحيّ أن يفعله. ولا يكتفي بولس أن يحثّ المؤمنين على الخير، بل يبرّر دومًا ما يفرضه، بأن تُنزع من الوثنيين كل مناسبة افتراء على الكنيسة. هذا يعني أن الكنيسة كانت في قفص الاتهام، وأنها تلاقي المضايقات إن لم يكن الاضطهادات على ما نقرأ في 1بط. كما يعني أنها صارت مؤسَّسة ذات وجه منظور، مع تراتبيّة في الخدم. فوجب على المسيحيين أن يكونوا نور العالم.

1- الجماعة المسيحية أمام العالم
هذا التحريض (2: 1- 10) الذي يندرج في قلب تي، يتنظّم في متتاليتين متشابهتين حيث يتوالى الارشاد والموضوع السوتيريولوجي (2: 1- 10، 11- 14؛ 3: 1- 2، 3- 7). ونحن نقرأ فيه تعليمات تتوجّه إلى مختلف الفئات في الجماعة. أما 2: 1 (أما أنت) فتدلّ على تعارض مع التوسّع السابق (1: 10- 16) حيث تقف خدمة تيطس في وجه الهرطقة، وحيث يتوضّح التصرّفُ المطلوب من مختلف المجموعات في الكنيسة. توجّه التحريض توجهًا مباشرًا إلى تيطس، إلى متسلّم الرسالة. بدأ في صيغة الأمر (فتكلّم)، وتواصل في آ 6- 7 (وعظ) في صيغة الأمر. وانتهى كل هذا في آ 15، في صيغة الأمر (تكلّم وعظ، ووبّخ). والتعليم الصحيح في قلب هذا التعليم هو أيضًا تحريض لتيطس يشبه ما في 1تم (4: 6- 16؛ 6: 11- 14)، 2تم (2: 22- 26). إذن، جاء الكلام إلى تيطس إطارًا لتعليمات توجّهت إلى الجماعة. والعبارة في 2: 15 (هكذا يجب أن تتكلّم) تعود إلى ما في 2: 1 (أما أنت فتكلّم)، فتختم المتتالية وتدلّ على وحدتها (1تم 4: 6ي؛ 2: تم 2: 22ي؛ 3: 10ي).
في 2: 2- 10 نجد تكرار البنية الغراماطيقيّة خمس مرّات: مصدر بشكل أمر، تتبعه أربع جمل مع "هينا" (لكي، آ 4، 5، 8، 10) فتعطي الإرشاد أساسه وتنظّم المتتالية. وهكذا جاء الكلام إلى المؤمنين بشكل غير مباشر، فما توجّه إلى مختلف الفئات في الكنيسة، بل إلى المسؤول عن هذه الفئات. أما التحريض المباشر الوحيد فهو الذي يتوجّه إلى تيطس في آ 7 (كن أنت نفسك قدوة لهم). وما يتوجّه إلى الناس غيرُ مباشر على صعيدين: تيطس يعلّم العجائز ساعة العجائز يعلّمن الشابات محبّة أزواجهنّ (آ 3-4).
نحن هنا أمام "الشرعة البيتيّة". فيها تعليمات تتوجّه إلى ثلاث مجموعات: الرجال والنساء. والاولاد والوالدون. والأسياد والعبيد. فيجب أن تكون العلاقات صحيحة داخل كل مجموعة. على الأصغر أن يخضع للأكبر. رج أف 5: 21- 6: 9؛ كو 3: 18- 4: 1؛ 1بط 2: 13-3: 7. وهناك شرعة ثانية نجدها في الأدب المسيحيّ الأول: تتوسّع لا في العلاقات البيتيّة وحسب، بل تصل إلى العلاقات داخل الكنيسة. من أين جاءت هاتان الشرعتان؟ من العالم اليهودي ومن العالم اليونانيّ.
ولكن اختلفت تي 2: 1- 10 عن الشرعة الأولى. فهي لم تتوقّف عند المجموعات الثلاث التي أشرنا إليها، بل تصل إلى العمر، والجنس، وفي الأخير إلى العبيد. جاء الارشاد إلى الرجال كرجال، وما من كلام عن علاقتهم مع أشخاص آخرين. وجاءت التحريضات إلى النساء العجائز والشابات، وإلى العبيد، مع إسناد، كما مع تعبير عن علاقات مع مجموعات أخرى. وهكذا نكون لا على مستوى البيت فحسب، بل على مستوى الجماعة، حيث تبدو النساء العجائز مسؤولات عن النساء الشابات اللواتي يحببن أزواجهنّ وأولادهنّ ويخضعن لرجالهن. كما نلاحظ أن لا كلام يتوجّه إلى أسياد هؤلاء العبيد. فالمهمّ الشهادة التي تؤدّيها الجماعة في المحيط الذي تعيش فيه. وهكذا ننتقل من الشرعة البيتيّة إلى الشرعة الكنائسيّة. المهم لا علاقة بين رجل وامرأة، بين سيّد وعبد، بل علاقة بين الكنيسة والعالم الوثنيّ الذي يجب أن تكون له نورًا.

2- دراسة النصّ
بعد أن نظّم تيطس الكنائس المحلّية، وكوّن سورًا بوجه الهرطقة، وجب عليه أن يقدّم قواعد خلقيّة عمليّة إلى مختلف الأعضاء في الكنيسة. في الحياة الاجتماعيّة، يكون جميع المسيحيين خاضعين للسلطات، صالحين مع القريب، حسب النعمة العمادية التي هي موهبة من رحمة الله، وحسب التعليم الأساسيّ في المسيحيّة.

أ- تحليل النصّ
أولاً: 2: 1- 2
أما أنت (سي دي). هكذا يبدأ عرض جديد في الرسائل الرعائيّة. رج 1تم 6: 11؛ 2تم 3: 10، 14؛ 4: 5 "كلّم" (لالاين). رج آ 1: 9 (الكلام الصادق). رج 2: 15. ويُستعمل فعل تكلّم عن الأرامل (1تم 5: 3- 16): التكلّم بما لا يليق (آ 13).
"براسبيتاس"، شيخ. "براسبيتيس" عجوز. رج زكريا (لو 1: 18)، بولس (فلم 9). رج 4 مك 16: 14 "نيفاليوس" يقظ. معتدل، فطن. رج 1تم 3: 2، 11 في الكلام عن الأسقف وعن الشمّاس. لا نجد اللفظ في اليونانيّة البيبليّة. وهناك صفات أخرى: وقور،رصين. ويكون إيمانه قويًا، سليمًا. نجد هنا "بستيس" (الايمان) "إلبيس) (الرجاء)، "هيبوموني" (الصبر). رج 1تس 1: 3؛ 2تم 3: 10. تُذكر "المحبّة" هنا فقط في تي (ولكن هناك اختلافة في آ 10)، ولكنها تُذكر تسع مرات في 1تم و2تم كاسم (1تم 1: 7) وفعل (2تم 4: 8- 10) وصفة (1تم 6: 2؛ 2تم 1: 2). ونجد الصبر في 1تم 6: 11؛ 2تم 3: 10، في لائحة المزايا. ويرد اللفظ 13 مرة في سائر الرسائل البولسيّة، بينها ست مرات في روم.
ثانيًا: آ 3
"العجائز". رج آ 2. "هوساوتوس" (كذلك) تربط ما قيل عن الرجال وما قيل عن النساء. رج آ 6؛ 1تم 2: 9؛ 3: 8، 11. "لا... لا...". رج 1تم 1: 3- 4؛ 6: 17؛ 2تم 1: 8. "ديابولوس": نمّام. رج 2مك 14: 27؛ 3مك 6: 7. مدمنات. أي عبدات لخمرة كثيرة. رج 1تم 3: 8 بالنسبة إلى الشمامسة. رج 1تم 5: 23 مع نصيحة بأخذ الخمر. "دولون" استُعبد. لا يرد إلاّ هنا في الرعائيّة (رج دولاواين في 3: 3)، ولكنه يرد خمس مرات في سائر الرسائل البولسيّة. في العهد الجديد، تصوّر 2بط المستعبدين للفساد الخلقيّ. أع 7: 6 تورد تك 15: 13 حسب السبعينية (في المعنى الاجتماعي، بنو اسرائىل الذين يخدمون المصريين كعبيد. رج أم 27: 8، السبعينيّة)؛ حك 19: 4؛ 1مك 8: 11. ونجد المعنى الأدبي فقط في 4مك 3: 2؛ 13: 2. "كالوديدسكالوس"، معلّم الخير، يعلّم ما هو خير. أو يعلّم ما هو قويم.
ثالثًا: آ 4- 5
"الشابات" (نايا). لا نجد هذا المعنى في موضع آخر من العهد الجديد. بل في 2مك 5:13؛ 6: 24، 28، 31. في العهد الجديد "نايوس" جديد، يدلّ عادة على الأشياء. مثل الخمر. ولكن أدخله بولس في الخطبة اللاهوتيّة. 1كور 5: 7 (عجينًا جديدًا)؛ كو 3: 10؛ رج عب 12: 24 (وسيط العهد الجديد). نقرأ الفعل "سوفرونيزو"، علّم. نجد صفتين مع "فيلو" (أحبّ: فيلاندروس: محبّة لزوجها. فيلوتكنوس: محبّة لأولادها. هي صفات بيتيّة تشعّ في الخارج فتشهد للاسم المسيحيّ.
"سوفرون" متعقّل، رزين. "هاغنوس". عفيف. رج 1تم 5: 22. ثم 6 مرّات في العهد الجديد، في الرسائل فقط. أما الاسم فيرد في 1تم 4: 12؛ 5: 2. رج 4مك 18: 7- 8. يستعمل فيلون هذا اللفظ عن النساء والرجال. "أويكورغوس". يعمل في البيت. هناك مخطوطات بيزنطيّة تقرأ: "أويكوروس": يعمل في البيت. "أغاتاس"، صالحات. هي الصفة السابعة من أجل سبع صفات تدلّ على المرأة الشابة (البيت، الزواج). هيبوتاساين (أطاع) رج 2: 9 (عن العبيد)؛ 3: 1 (خضوع للحكام). وهناك طاعة (هيبوتاغي) المرأة والاولاد في 1تم 2: 11؛ 3: 4. يرد الفعل أيضًا 20 مرّة في الرسائل البولسيّة، وهو خاص بانجيل لوقا. كما يُستعمل 30 مرّة في السبعينيّة (مز، 2 مك) خلال الحقبة الهلنستيّة. "لوغوس"، كلام.
الشعبية والسريانية وغيرهما تضيف: ديدسكاليا: التعليم. "بلاسفاماين"، جدّف، استهان. رج 3: 2؛ 1تم 1: 20؛ 6: 1. ترد الصفة (مجدّف) في 1تم 1: 13؛ 2تم 3: 2. والموصوف (التجديف، الشتيمة) في 1تم 6: 4. يُستعمل الفعل ثلاث مرّات في روم 2: 24 (أش 52: 5)؛ 3: 8؛ 14: 16؛ رج 1كور 10: 30. يرد الفعل 8 مرات في السبعينية في معرض التجديف على الله.
رابعًا: آ 6- 7
"عظ، شجّع" باراكاليو. رج 1: 9. "نايوتاروس"، الشاب. "في كل شيء". رج آ 7. "باراخاين". أعطى، قدّم. "تيبوس"، مثال. قدوة. رج 1تم 4: 12. يرد اللفظ ست مرّات في سائر الرسائل البولسيّة. رج 1كور 10: 11؛ في روم 6: 17، مثال التعليم. رج 1بط 5: 13. في نصوص العهد الجديد، يدلّ على الأشياء. رسالة (أع 23: 25؛ 3مك 3: 30). الأصنام (أع 7: 43؛ عا 5: 26). خيمة الله في البريّة (أع 7: 44؛ عب 8: 5؛ خر 25: 40). ديدسكاليا: التعليم. "أفتوريا"، اللافساد. أي اللافساد في التعليم. تعليم منزّه عن الخطأ. التعليم الصحيح. "سامنوتيس"، كرامة، وقار. رج 1تم 2: 2؛ 3: 4. نحن قريبون من التقوى.
خامسًا: آ 8-10
"كلامك". رج 1: 3. "هيغييس". صحيح. رج 1: 9؛ في أع 4: 10 (عشر مرات في الأناجيل) يتحدّث عن صحّة الجسد. وتسع مرات في السبعينيّة. "أكاتاغنوستون". لا يهاجَم، لأن لا سوء فيه. "إنانتيوس"، الخصم، من يقف أمام، في وجه. يُستعمل اللفظ عن الريح (مر 6: 48 = مت 14: 24؛ أع 27: 4. رج 1تس 2: 15. "فاولوس"، خاطئ. سيّئ. لا يكون لهم من أساس سيّئ لكي يهاجمونا. "لاغاين"، قال. "إنتراباين". خزي. لا يرد إلاّ هنا في الرعائيّة. يرد ثماني مرات في العهد الجديد، منها 1كور 4: 4؛ 2تس 3: 14.
"دولوس". عبد. رج 1: 1؛ خضع. "هيبوتاساين". رج آ5. في كل شيء. رج 2: 10؛ 1تم 3: 11؛ 2تم 2: 7؛ 4: 5. "دسبوتيس" (سيّد). في الجمع، في الشرعة البيتيّة (1تم 6: 1- 2؛ 1بط 2: 18). المفرد في 2تم 2: 21 يدلّ على الإله، وهذا ما نجده في الصلوات اليهوديّة والمسيحيّة. لو 2: 29؛ أع 4: 24. رج رؤ 6: 10 (عن الله)؛ 2بط 2: 1؛ يهو 4 (عن المسيح). "اوارستوس" مرضيّ. هنا فقط في الرعائيّة. يُرضون أسيادهم. نجد اللفظ 8 مرات في العهد الجديد، منها 7 مرات في الرسائل البولسيّة. نرضي الله أو المسيح. "أنتيلاغاين". خالف. رج 1: 9.
"نوسفيزاستاي" اختلس، سلب، سرق، مال بالمال. لا يرد إلاّ هنا وفي أع 5: 2، 3 في كلام عن حنانيا وسفيرة اللذين اختلسا مالاً مكرّسًا للرب. "برهن" إندايكنيماي (14 مرّة في السبعينية. رج أم 12: 17؛ 4 مك 17: 12). نجد هنا "بستيس"، إيمان؛ "كوسماين"، رتب، زيّن. يصوّر هذا الفعل وظيفة الفضائل النسائيّة في عبادة الجماعة المسيحية في 1تم 2: 9. يرد هذا الفعل ثماني مرات في العهد الجديد، ولا يرد مرّة واحدة في الرسائل البولسية. رج لو 11: 25 = مت 12: 44 (مثل البيت الذي يأتي إليه الروح النجس)؛ 21: 5 (حجارة الهيكل) رج رؤ 21: 19؛ مت 23: 29؛ 25: 7 (العذارى العشر) في 1بط 3: 5؛ ورؤ 21: 2، نحن أمام زينة النساء.
2- تفسير النصّ
نقرأ هنا واجبات مختلف الفئات في الجماعة. هذا لا يعني أن هناك تعليمًا خلقيًا يتوجّه إلى العجائز وآخر إلى النساء الشابات. فليس هناك سوى انجيل واحد يعيشه كل منّا حسب وضعه وحاله وظروفه.
أولاً: الكبار (آ 1-2)
"أما أنت". رج 1تم 6: 11. تجاه تعليم لا يليق (1: 11) بالمؤمنين، تجاه الكلام الفارغ وخرافات الهراطقة اليهوديّة (2تم 3: 10؛ 4: 5). هم يعلّمون. أما تيطس فلا يتبلبل بهذه التعاليم الضالّة (تيودوريتس). بل تكون على شفتيه الأقوال التي تليق بالراعي الحقيقي، التي تليق (براباين) بالتعليم الصحيح (1: 9؛ 1تم 1: 10). وستأتي نصائح وارشادات خاصّة (لالاين، تكلّم). لسنا أمام خرافات وفرائض جانبيّة، بل أمام الفضائل المسيحيّة الضروريّة التي تليق بكل عمر وكل حالة.
"الكبار: (براسبيتيس). كبار السنّ، لا الشيوخ كوظيفة في الكنيسة. رج لو 1: 18؛ فلم 9. يكونون معتدلين (نيفاليوس، 1تم 3: 2، 11) تجاه شراهة أهل كريت (1: 2) والعادات اليونانيّة والرومانيّة (السكر وعدم تماسك النفس على مستوى حاجات الجسد). ثم، هناك صحّة العقل والتوازن الخلقيّ، المرتبطان بالفضائل الالهيّة. ساعة تضعف قوى الشيخ، يقوى يقينُه الايمانيّ الذي لا يتأثّر بالخرافات، "بالتعاليم الغريبة المتنوّعة" (عب 13: 9). وماذا يدلّ على الصحّة في المحبّة؟ رفض للشر، تعلّق بالخير (روم 12: 9- 10). أمانة لوصايا الربّ (يو 14: 15، 21؛ 15: 10)، وتصرّفات نجد تفصيلاً عنها في 1كور 13: 4- 7. أما الصبر (هيبوموني) فيرادف الرجاء (1تم 6: 11؛ 2تم 3: 10): احتمال، ثبات، مثابرة. هي فضيلة خاصّة بالشيوخ: يستمرّون دون ملل ولا كلل. يثبتون حتى النهاية بعد أن صاروا قريبين من الهدف (مت 24: 13).
ثانيًا: العجائز والشابات (آ 3- 5)
بعد الرجال الكبار في السن، نصل إلى النساء الكبيرات في السن، العجائز (براسبيتيس، مراحدة بيبلية). هنّ يمارسنّ الفضائل التي يمارسها الشيوخ (هوساوتوس، كذلك)، ويمارسنها كنساء لا كرجال. رج 1تم 3: 11 والكلام عن الشمّاسات. فالوقار عند الشيوخ تقابله الرزانة التي تفرض الاحترام. "كاتاستيما" طريقة التصرف، الوقفة (مراحدة بيبليّة). نحن أمام تصرّف يليق بالقديسين. والفطنة (سوفرون) عند الرجال، تقابل عند النساء السيطرة على اللسان. كان يقال عن العجائز اليونانيات: فضوليات، ثرثارات، لا عمل لهنّ سوى النقد. لا يتوقّفن عن الكلام. هنا تأتي النميمة والافتراء... ومع الكسل يأتي شرب الخمر. صارت النساء عبدات للخمر. أما عملهنّ الحقيقي، فهداية "الشابات" إلى الخير، على مثال لوئيس، جدّة تيموتاوس (2تم 1: 5؛ 3: 14- 15).
هناك تربية تحتاجها النساء الشابات (آ 4)، ويأخذنها ممّن يكبرنهن سنًا، من العجائز. نجد ثلاثة أفعال متقاربة: بايداواين: ربّى. نوتاتاين: عقّل. سوفروتيزاين: فطّن. علّم التربية والتعقّل والفطنة. تبتعد الشابات عن كل إفراط في الكلام، في التصرّف. يتعلّمن التوقّف عند الامور ويمتنعن عن التسرّع. ففي كريت حيث يبلبل المعلّمون البيوت (1: 11)، وفي أفسس حيث يتسلّلون ويطغون النساء، دورُ النساء الكبيرات الفاضلات كبيرٌ جدًا. يعلّمن الشابات: المحبّة، الاحترام، الطاعة، بذل الذات، محبّة الزوج (فيلندورس)، محبّة الأولاد (فيلوتكنوس).
وما تتعلّمه المرأة الشابّة في الدرجة الأولى (آ 5) هو الفطنة، الرزانة، الاحتشام، التعقّل (سوفرون). يذكر اكسينوفون كلام امرأة لزوجها: "ما علّمتْني أمي هو أن أكون حكيمة". ثم العفة والبراءة (هاغنوس، 1تم 2: 15؛ 5: 2) التي تتضمّن الاستقامة والصدق وكمال السلوك (1تم 5: 22؛ 2كور 6: 6؛ 1بط 3: 2). فكما تُطلب الطهارة الطقسيّة والخلقيّة من الداخلين إلى المعبد، كذلك يُطلب أن تكون النساء تقيّات، "قديسات". عاملات في داخل البيت (اويكورغوس) ومساعدات في العمل. وجاءت نهاية آ 5 كردّ على بعض تحرّر في مجتمع مسيحيّ فهم مساواة المرأة: لا رجل ولا امرأة (غل 3: 8). وما يُطلب من الرجل يُطلب من المرأة، والعكس بالعكس (1كور 7: 1ي). لم يستطع تلاميذ بولس أن يسيروا معه في طريق الحريّة المسيحيّة حتى النهاية، هذا مع العلم أن مثل هذه الحريّة لا يمكن إلاّ أن ترافقها المسؤوليّة (احترام للآخر ولا سيّما في ضعفه، 1كور 9: 22ي). أما الهدف الذي جعلته تي، فنزْعُ كل مناسبة لانتقاد كلام الله (2تم 2: 9)، أي التعليم الأخلاقيّ المسيحيّ، في فم الوثنيين. كان الشعب الأول مسؤولين عن كرامة اسم الله (أش 52: 5)، بحيث لا يجدّف أحد عليه (روم 2: 24). كذلك تشهد نساء كريت المعمّدات، للجميع بحياة توافق التعليم المسيحي، فيتعجّب الوثنيون ويدهشون. وقد تقودهم دهشتهم إلى الايمان المسيحي. وهنا نقول: كما أراد يعقوب أن يراعي اليهود الذين يعيش المسيحيون بينهم (أع 15: 13- 21)، كذلك أراد بولس (أو تلاميذه) أن يراعوا الوثنيين الذين لم يتعوّدوا على مثل هذه الحريّة التي ستصبح عند انسان لم يتبرّر، تحرّرًا من كل قيد وفلتانًا.
ثالثًا: الشبّان (آ 6-8)
مع الشبّان، لا يكتفي بولس بأن يتكلّم (لالاين)، بل يحثّهم، يشجّعهم، يعظهم (باراكالاين). يطلب منهم فضيلة الشيوخ: التعقّل (سوفروناين). رج روم 12: 3. هناك السيطرة على الذات والاتّزان الأدبي. هذا ما يقتنيه الشبّان تدريجيًا. ويكونون كذلك "في كل شيء"، سواء في الكلام، أو في المعاطاة مع الآخرين، أو في التصرّف الشخصي.
ما احتاج بولس أن يفصِّل المزايا المطلوبة من الشبّان. فمثال الشيوخ أكثر تعبيرًا من الكلام. وتيطس سيكون قدوة، كما كان تيموتاوس قدوة للذين في أفسس (1تم 4: 12). هكذا يكون كل مسؤول في الجماعة: ينظر إليه الناس فيتعلّمون الحياة السليمة، والتعليم الصحيح. رج 1تم 2: 2؛ 3: 8؛ 2كور 4: 3. فالمنادي باسم الله، لا يكون فقط بليغًا ببلاغة البشر. معلّمه هو المسيح، وإطار تعليمه تدبير الخلاص (1كور 2: 2).
حين يقدَّم كلام الله بدقة واعتدال، فهو يحتفظ بصحّته وفاعليّته (1كور 1: 7؛ 2كور 1: 18). هو تعليم صحيح (يتمتّع بالصحّة، هيغييس)، لأنه تعليم المخلّص، ولأنه يُعطى على ضوء الايمان. لهذا، لا يمكن أن يناله نقد، ولا يعترضه اعتراض (2كور 13: 8). "أكاتاغنوستوس" (مرّة واحدة في العهد الجديد). لفظ قانوني: لا نعرف شيئًا ضدّ. يدلّ على براءة متّهم في المحكمة (2مك 4: 47). هذا يعني أن المحاكمة تتوقّف، وتظهر براءةُ من لا لوم عليه. وهنا، يُنزع كل سلاح من الخصم (من كان تجاه، ضد، الوثنيّون). إذن، يتراجع المنتقدون، وهم الهراطقة، ويهربون (إنتراباين). رج عد 12: 14؛ مز 35: 26؛ 2تس 3: 14؛ 1كور 4: 14. أجبروا على الصمت حين رأوا حياة تيطس والمؤمنين، فما وجدوا عيبًا (فاولوس) يهاجمونه (يع 3: 61).
رابعًا: العبيد (آ 9-10)
وجاءت القواعد الاخلاقيّة الموجّهة إلى العبيد (كما في 1تم 6: 1) في المرحلة الأخيرة. فشدّدت على الطاعة الطوعيّة (أف 6: 5؛ كو 3: 22) وعلى أمانة تامّة لأسيادهم. "في كل شيء". هكذا يطيعونهم في كل المجالات. وهناك من يقول: يرضونهم في كل شيء. الطاعة ليست خضوعًا ولا خنوعًا، هي وقفة الانسان في موضعه (1كور 14: 34) في المحبّة والتواضع واحترام من هو أرفع منه، بل احترام الآخرين واعتبارهم أفضل منه (فل 2: 3). فالكون كله، الذي يسوسه الله، يخضع لسلطة المسيح (1كور 15: 27- 28؛ أف 1: 22؛ عب 2: 5، 8) والله (يع 4: 7؛ عب 12: 9). وكل انسان، ولا سيّما المسيحيين (3: 1؛ 1بط 2: 13)، يخضع للسلطات المقامة (روم 13: 52): المرأة لزوجها (أف 5: 22، 24؛ كو 3: 18؛ تي 2: 15؛ 1بط 3: 1، 5)، والعبد لسيّده (1بط 2: 18)، والمؤمن للمسؤول عن الجماعة (1بط 5: 5؛ 1كور 16: 16). في جميع الحالات، نعرف موقعنا تجاه اخوتنا (أف 5: 21؛ 1بط 2: 13). هذا لا يعني الذلّ، بل الدخول في نظام هو من عمل عناية الله: نحن نخضع "في الربّ".
حسب قول عن هلاّل (أبوت 2: 8): عبيد كثيرون، سارقون كثيرون. وقيل في التلمود (فصح 113 ب) بلسان كنعان الذي أعطى نسله خمس نصائح: أحبّوا بعضكم بعضًا. أحبّوا السرقة. أحبّوا الفجور. أبغضوا سادتكم. ولا تقولوا الحقيقة يومًا. أما العبد المسيحيّ فيتميّز بصدقه، ويقاوم تجربة السرقة (نوميزوماي). ويتميّز بأمانته (بستيس) التي هي المزيّة الأولى لدى الوكيل (مت 25: 21) ولدى العبد. هكذا يكون المؤمن ملح الأرض ونور العالم. وهكذا تتعظَّم في كل وقت تعاليمُ الله مخلّصنا.

3- قراءة إجماليّة
يتجنّب بولس تعليم المعلّمين الكذبة، الذي لا يعرف الصحة، بل يحمل المرض لهم ولسامعيهم (1: 13- 15). ويتعلّق بالتعليم الصحيح، الذي يوافق كرازة الرسل (1تم 1: 10).
ويهتمّ تيطس أول ما يهتمّ بالشيوخ، بكبار السن (1تم 5: 1). أما المزايا المطلوبة منهم فهي ست، وهي تتوزّع في مجموعتين. الثلاث الأولى تبدو سهلة الممارسة للشيخ: الاعتدال، الكرامة (الوقار)، الرصانة. فالأهواء لم تعد لديه عنيفة كما عند الشباب. هو سيّد نفسه، لأن الخبرة علّمته الامتناع عن حماس لا يُعرف عقباه. ولكن قد تنقص الشيخ المحبة والايمان والصبر. فالخبرة لها حسناتها. ولكنها قد تولّد الشك في الآخرين. فالذي سمع الآراء الكثيرة، لا يستعدّ أن يصدّق كل ما يُسمع، أن يؤمن بكل ما يقال له. ثم إن الشيخ لا عمل له، فينغلق على ذاته، ويتوقّف عند إنشغالاته الشخصيّة، فتبرد المحبّة عنده، وتحلّ محلّها الأنانيّة. قد يُعذر على موقفه، ولكن الأنانيّة تبقى الأنانيّة. وأخيرًا، كثرةُ المحن والأمراض تجعل الشيخ قصير النفسَ، تجعله يفقد صبره بعد أن بدأت قواه تخدعه. لهذا طلب بولس من كبار السنّ أن يتحلّوا بالايمان والمحبّة والصبر.
ودُعيت النساء الكبيرات السن (= العجائز) أن يتصرّفن كالقديسات، كاللواتي يتكرّسن لخدمة الله. فالمرأة المسيحيّة انضمّت بالمعموديّة إلى الشعب الجديد، والأمّة المقدّسة (1بط 2: 9). إلى جسد أعضاؤه "قديسون". وهي تعبّر عن هذا التكريس وهذا التقديس في حياتها، في تصرّفها، في لبسها وهندامها، في مشيتها ووقفتها. ويُطلب منها الابتعاد عن النميمة، عن شرب الخمر. وتكون حاملة النصيحة لأختها التي هي أصغر منها، فتهديها إلى الخير.
والتلميح إلى مسؤوليّات العجائز تجاه النساء الشابات، حدا بالرسول إلى التكلّم عن صفات الشابات: محبّة الزوج، ومحبّة الأولاد. هنا تبدأ المرأة الفاضلة حياتها. وتتحلّى بالفطنة والعفّة، وتعتني العناية الحسنة ببيتها. إن سارت النساء في كريت حسب المثال الذي يقدّمه بولس، لن يجدّف على كلمة الله، ولن يقول أحد كلمة ضد التعليم المسيحي، ضد المسيح، ضدّ الله. إذن، الأسر المسيحيّة مسؤولة عن نظرة الوثنيين إلى التعليم الانجيليّ.
ويدعو تيطس الشبّان إلى التعقّل والرزانة. يدعوهم بكلامه. ويدعوهم بمثلَه. إن بولس مقتنع أن عليه أن يكون قدوة للآخرين (1كور 11: 1؛ فل 3: 17؛ 2تس 3: 19). وهو يطلب الشيء عينه من معاونيه (1تم 4: 2؛ رج 1بط 5: 3). هكذا يعطي التعليمُ ثماره. فالمعلّم لا يتكلّم لكي يرضي البشر، ولا ليغتني على حساب سامعيه، ولا ليرضي هوى من الأهواء. فكلامه ينطبع بالجدية والوقار اللذين يليقان بالمنادي بالسرّ المسيحيّ. فالكلام هو أولاً وأخيرًا في خدمة الحقيقة. والحقيقة التي يعلنها ويشهد لها هي موت المسيح وقيامته.
وبعد أن يتكلّم الرسول عن طريقة التعليم (كيف تُنقل الكلمة وتُشرح، روم 12: 7؛ 1تم 4: 13؛ 2تم 3: 16)، ينتقل إلى مضمون التعليم (أف 4: 14؛ 1تم 1: 10؛ 6: 1؛ 2تم 4: 3؛ تي 1: 9؛ 2: 1؛ 2: 10). فلا يكفي أن يكون الواعظ متجرّدًا من كل نيّة مشبوهة، ولا يكفي أن يقدِّم كلامه بالجديّة المطلوبة. بل يجب أن يكون التعليم الذي يقدّمه موافقًا للتعليم الصحيح (2: 1). لا يكون كلامه عرضة للنقد والهجوم. عندئذ يخزى الخصم. في 1تم 5: 14، تحدّث بولس عن خصم سيّئ النيّة، معادٍ للايمان، ومستعدّ للتهجّم على الكنيسة. هم الوثنيون، واليهود، وأعضاء الجماعة المسيحيّة الذين لامستهم دعاوة الضلال (1: 9؛ 2: 15؛ 2تم 2: 25). ومن خلال هؤلاء المهاجمين نجد الشيطان الذي يقود البشر في أعمال الظلمة، وذلك كما كان يحرّك التنّين وحش البحر ووحش البحر، أي السلطة السياسيّة والسلطة الفكريّة، في سفر الرؤيا.
في آ 7- 8، كانت معترضة قدّمت نصائح لتيطس، فقطعت سياق النصائح الذي بدأ مع الشيوخ والعجائز، وتواصل مع الشابات والشبّان. هنا نعود إلى الموضوع فنقرأ نصائح للعبيد (آ 9). هم يخضعون سواء كان السيّد اهتدى إلى الايمان أم لا. فإن كان السيّد وثنيًا، تأثّر بعبده. ومن يدري؟ فقد يقوده عبده إلى الايمان. وذكر بولس بعض الصفات المطلوبة من العبيد: لا يخالفون، لا يختلسون. هذا على المستوى السلبي. وعلى المستوى الايجابي. الخضوع، إرضاء السيّد، أمانة تامّة. أجل، المسيحيّ مسؤول عن الانجيل، مهما كان عمره ووضعه وظروف حياته. جعله المسيح نورًا، فليكن كذلك. والرب يهتمّ بأن يجعله على المنارة ليستنير الجميع بنوره.

خاتمة
جاءت هذه القطعة نصائحَ موجّهة إلى الفئات المختلفة في الجماعة: إلى الشيوخ والعجائز، إلى الشابّات والشبّان، وأخيرًا إلى العبيد. لم يشدّد النصّ على الواجبات المتبادلة بين الرجال والنساء، بين السادة والعبيد. ولم يذكر العلاقة بين الاولاد والوالدين، بل بيّن مسؤوليّة الجماعة ككلّ تجاه الوثنيين، ومسؤوليّة الفئة تجاه الفئة الأخرى. هناك مسؤوليّة الكبار تجاه الصغار. ومسؤوليّة العجائز تجاه الشابات. وأخيرًا مسؤوليّة الجميع في عالم وثني معاد، وفي عالم يهودي يصارع المسيحيَّة، وأمام هراطقة يستغلّون الدين من أجل مكسب خسيس. فإذا عاشت الجماعة بحسب هذه النصائح، لا يستهين أحد بكلام الله، وبالتعليم الذي تُعلّمه الكنيسة. وإن كان هناك من يهاجم، يخزى ويرجع إلى الوراء. وفي النهاية، يعظّم جميعُ الناس تعاليم الله مخلّصنا على ما قيل في مت 5: 16: يرون أعمالكم الحسنة ويمجّدون أباكم الذي في السماوات.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM