الفصل الثالث العنوان والتحيّة

الفصل الثالث
العنوان والتحيّة
1: 1- 4

العنوان في تي طويل، وقد جاء في لهجة احتفاليّة، فبدا قريبًا ممّا في غل 1: 1- 5 وروم 1: 1- 7. ونحن ندهش حين نرى بولس يطالب بألقابه ويلحّ عليها في رسالة يرسلها إلى أحد معاونيه. لهذا رأى عدد من الشرّاح أن هذه الرسالة هي من تدوين أحد تلاميذ بولس، لا بولس نفسه. وما أسند قولهم هو العمق اللاهوتيّ حول الرسالة في التدبير الخلاصيّ. نجد هنا في هذه الفاتحة، الطابع الشخصيّ: أب يكتب إلى ابنه. والطابع الرسميّ: توصيات رسول تشدّد على واجبات الراعي والمؤمنين، وعلى طبيعة التعليم الذي يجب أن يُنقل في الكنيسة. ليس هذا بتعليم جديد لا أساس له، بل تعليم يتجذّر في الماضي ويتوجّه نحو المستقبل، فيحدّثنا عن الحياة الالهيّة في حياة الجماعة.

1- الرسالة والمرسل
تبدأ الرسالة بالتحيّة، والتحيّة تقدّم لنا المرسل والمرسَل إليه. المرسل، الذي أرسل الرسالة هو بولس. ولقبه: رسول المسيح (1تم، 2تم، تي). ولكن تي أضافت: "عبد (دولوس) الله. وكان توسّع. بأي سلطة يكتب بولس؟ حسب "أمر" (إبيتاغي) الله كما تقول تي 1: 3، و1تم. أما في 2تم فنجد "مشيئة" الله. رج 1كور 1: 2؛ 2كور 1: 1؛ أف 1: 1؛ كو 1: 1. دعت 1تم 1: 1 المسيح "رجاءنا"، فأوجزت اعتراف إيمان نجده في تي 2: 11- 14؛ 3: 4- 7. وتحدّثت 2تم 1: 1 عن "وعد الحياة الذي في المسيح يسوع". أما تي 1: 2 فتوقّفت عند "رجاء الحياة الأبديّة التي وُعدنا بها". نلاحظ هنا أن الرسائل الرعائيّة الثلاث استعارت بشكل لافت أقوالاً حول طبيعة الرسالة وأصلها، كما في سائر الرسائل البولسيّة.
وننتقل إلى الذي تسلّم الرسالة: تيطس، تيموتاوس. هو ابن حقيقيّ (غنيسيوس)، شرعيّ في تي، 1تم. وابن "حبيب" في 2تم. ما الذي جعل تيطس الابن الشرعيّ، الابن الحقيقيّ؟ "إيمان مشترك "بين الأب وابنه، بين المعلّم وتلميذه، حسب تي 1: 4. وحسب 1تم: الايمان. أما 2تم فتحدّثت عن "وعد الحياة".
وجاءت التحيّة التي تحمل النعمة والخلاص: نعمة (خاريس)، سلام (إيريني). وأضافت 1تم، 2تم: الرحمة (رج غل 6: 16: السلام والرحمة. يبدو أن النعمة تقابل الرحمة في الرسائل الرعائيّة). من أين تأتي هذه العطايا؟ "من الله الآب ويسوع المسيح"، كما تقول الرسائل الرعائيّة الثلاث. "من مخلّصنا" (سوتير) كما تضيف تي. من "ربنا" كما يقول 1تم، 2تم.
إن لفظتيّ "شرعيّ" (حقيقيّ) و"أمر" نجدهما في رسائل تعليميّة تتركزّ على المهمة التي انتُدب إليها شخص من الأشخاص (تي، 1تم). أما لفظة "حبيب" (2تم) فتتوافق مع عناصر الوصيّة التي يتركها انسان عند ساعة موته. "المشيئة" (2تم) تعيدنا إلى الأصل الدينيّ، أما "الأمر" فيتوجّه نحو عمل ملموس. إن كنا نجد عددًا من العناصر في المقولات السوتيريولوجيّة، في 1تم، 2تم، فالمقالة السوتيريولوجيّة في تي تظهر منذ البداية فتكون صدى لمقالتين تتحدّثان عن الخلاص، في قلب الرسالة (2: 11- 14؛ 3: 3- 7).
وإذا توقّفنا عند بنية تي 1: 1- 4، نلاحظ أن اسم الله (تيوس) يرد خمس مرات. في آ ،2 هو فاعل العبارة السوتيريولوجيّة: الله الذي وعد، أظهر كلمته. في آ 1، تأتي اللفظة في صيغة المضاف إليه: بولس »عبد الله«. المؤمنون هم »مختارو (إكلكتون) الله«. في آ ،3 الله هو في أصل الأمر (إبيتاغي) الذي تلقّاه بولس. وفي آ ،4 الله هو في أصل خيرات البركة: نعمة وسلام من قبل الله.
يُذكر »يسوع المسيح« في آ ،1 و »المسيح يسوع« في آ ،4 فنكون أمام تضمين. وترد الأداة »كاتا« (حسب) أربع مرات. في آ 1: حسب الايمان. حسب التقوى. في آ ،3 حسب الأمر. وفي آ ،4 حسب الايمان المشترك. يُذكر الايمان (بستيس) في آ 1 وآ ،4 فيشكّل أيضًا تضمينًا.
ونتوقّف عند الذي أرسل الرسالة. هو يرتبط بالله وبالمسيح (روم 1:1-6؛ غل 1:1-،2 مع تشديد على المسيح القائم من الموت) كينبوع دعوة بولس. بولس هو »عبد« الربّ الذي تجب له الطاعة. والله هو الذي أقام المسيح من بين الأموات. قالت 1تم، 2تم: »بولس رسول المسيح«. أما تي فقابلت بين »رسول يسوع المسيح« و »عبد الله« (استعمل لوقا لفظ »عبد« فدلّ على قربه من الرسائل الرعائيّة، أع 4:29؛ 6:3). لا نجد هذين اللقبين معًا إلاّ في يع 1:1. فكأننا أمام إجمالة تضمّ 1تم 2:7 و2تم 1:11 حيث بولس هو »المنادي والرسول والمعلّم«. ثم نتساءل عن علاقة الرسول بالله. أما نحن أمام تشديد على »اليتولوجيا« (النظرة إلى الله) على حساب »الكرستولوجيا« (النظرة إلى المسيح)؟ فالمسيح هو الذي يمثّل الخيرات الخلاصيّة. هو »رجاؤنا« (1تم 1:1). هو »وعد الحياة« (2تم 1:1). هو »رجاء الحياة الأبديّة« (تي 1:2). التقى به بولس، فكان اللقاء حاسمًا بالنسبة إلى الرسالة ومكوّنًا للرسول. وما نلاحظه هو غياب الرجوع إلى المسيح القائم من الموت (1تم 1:12-17).
ذُكر اسم الرسول في الرسائل الرعائيّة، كما في سائر الرسائل البولسيّة، لا ردًا على الذين يرتابون بشرعيّة دعوة بولس أو يزاحمونه، بل سعيًا لاعطاء التعليمات والارشادات والنصائح قوّة وسلطة. نشير هنا إلى أن لفظ »رسول« سيحلّ محلّه أدوار ووظائف في الجماعة التي صارت مؤسّسة لها هيكليّتها المحدّدة.
وماذا عن التعليم الذي يقدّمه الرسول؟ ما الذي يتوخّاه من رسالته؟ »الايمان«، »معرفة الحقّ الموافقة للتقوى«، »رجاء الحياة الأبديّة«. نحن هنا أمام نظرة إجماليّة. فهذه التعابير المأخوذة من كرازة الكنيسة والحاضرة في »التحيّة«، تبدو بشكل مواضيع في تعليم كنسيّ يُقرّ به المؤمنون. هو التعليم القويم الذي يأخذ به بولس. والعبارات الثلاث تدلّ، في زمن الرسائل الرعائيّة، أن عبارة واحدة لا تكفي لتعبِّر عن مجمل حدث الخلاص وتقبّله. لا بدّ من تحديد اتّجاهات تركّزت عند بولس في لفظ واحد: الايمان، البرّ، الخطيئة.
ويُذكر »إيمان المختارين«. هذا لا يعني أن بولس يأتي بالمختارين إلى الايمان، بل أنه يتوافق مع هذا الايمان. فإيمان المسيحيين اليوم (2تم 2:،10 يوم دوّنت الرسالة) يجب أن يكون إيمان الأصول البولسيّة. وعبارة »معرفة الحق« لا ترد مرارًا في العهد الجديد (1تم 2:4؛ 2تم 2:25؛ 3:7؛ رج 1تم 4:3؛ عب 10:26). فالحقيقة ليست فقط مضمونًا عقليًا نعرفه، بل أيضًا متطلّبات أخلاقيّة نتمّمها. فموضوع معرفة الحق مشترك بين اليهوديّة والمسيحيّة الأولى في طريقة طرح مسألة الاهتداء إلى الله (فيلون، ابراهيم 7؛ الفضائل 180؛ سي 36:14؛ يه 5:8؛ حك 2:27؛ غل 4:8-9؛ كو 1:6؛ 3:10؛ يو 4:42؛ 1يو 5:20). فإن كان الوثنيون يتركون أصنامهم ويتحوّلون إلى الاله الواحد الحقيقيّ، عندئذ يخلصون من يوم الدينونة (1تس 1:9-10: اهتديتم إلى الله وتركتم الأوثان لتعبدوا الله الحيّ الحق). مثلُ هذه الرسمة نجدها في كرازة موجّهة إلى الوثنيين وإلى اليهود (أع 4:12؛ 10:42؛ 16:31؛ 17:30-31. »معرفة الحقّ« هي ردّ على المعرفة الغنوصيّة التي هي معرفة كاذبة).
استعملت الرسائل الرعائيّة أكثر من مرة لفظ »أوسابايا«: احترام الاله الذي يكفل نظام الكون، ويتيح للبشر أن يعيشوا معًا دون أن يتناحروا. فعبر الاستعمالات المختلفة، دلّت »التقوى« على أسلوب حياة يتوافق مع »التعليم الصحيح« وعلى ممارسة يمكن أن نقوم بها (1تم 4:7). هذا ما تُثبته العبارة »معرفة الحقّ بحسب التقوى« التي تقابلها عبارة »التعليم حسب التقوى« (1تم 6:3) وتعارضها عبارة »التعليم الآخر«.
وتشير الحياة الأبديّة في فاتحة الرسائل الرعائيّة الثلاث، إلى الخلاص في نهاية الأزمنة، كما تكوّن الوعي للزمن الحاضر. الحياة الأبديّة، في الترجوم والأدب الرابيني، تقابل الحياة الحاضرة، الحياة العابرة. رج دا 12:2 (جزاء الأبرار)؛ 1تم 1:16؛ 4:8؛ 6:،12 19؛ 2تم 1:1-10؛ تي 2:13؛ 3:7. استعادت 1تم، 2تم، في ما بعد، المواضيع اللاهوتيّة التي قرأناها في المقدّمة (1تم 1:16: من أجل الحياة الأبديّة؛ 2:تم 1:1: حسب وعد الحياة التي في المسيح يسوع؛ 2تم 1:10: أنار الحياة والخلود. نحن هنا أمام استباق للمستقبل الاسكاتولوجي مع »ذلك اليوم« في 2تم 1:،12 18). أما تي، فتوسّعت في التحيّة (1:1-4) توسّعًا لاهوتيًا قبل العودة إلى جسم الرسالة. في 2تم 1:،1 أعلن »وعد الحياة«. في 1:،1 »الحياة« التي جعلها المسيح تشعّ حسب المقولة السوتيريولوجيّة المركزيّة (2تم 1:10). أما في تي »فرجاء الحياة الأبديّة« يعود إلى القلب اللاهوتيّ في الرسالة: »لنعيش، لنحيا« (2:12-13). »رجاء الحياة الأبديّة« (3:7).

2 - دراسة النصّ
بدت مقدّمة تي واسعة، وحملت غنى لاهوتيًا كبيرًا. لا شك في أن روم 1:1-7 جاءت واسعة أيضًا. ولكن بولس دوّن رسالة طويلة إلى كنيسة في عاصمة الامبراطوريّة، إلى كنيسة لم يؤسّسها فوجب عليه أن يربح ودّها. أما تي فهي موجّهة إلى شخص ارتبط ببولس، وشاركه في العمل الرسوليّ. ولكن يجب أن لا ننسى أن الرسائل الرعائيّة تتعدّى الفرد لكي تصل إلى الجماعة. كما نتذكّر أن تي هي رسالة دُوّنت في نهاية القرن الأول المسيحيّ، فسعت إلى تقديم نظرة بولسيّة إلى الخلاص، استقتها من رسائل بولس الأولى.

أ - تحليل النصّ
أولاً: أ 1
»بولس« يرد الاسم 158 مرة في العهد الجديد (128 في أع). مرّة واحدة لا يدلّ على بولس الرسول (أع 13:7: سرجيوس بولس، حاكم جزيرة قبرص). كل رسالة بولسيّة تستعمل الاسم أقلّه مرّة واحدة. والمرّة الوحيدة التي فيها يُذكر الاسم خارج أع ورسائل بولس هو 2بط 3:15. لا نجد الاسم في السبعينية. »عبد الله«. نجد لفظ »عبد« (دولوس) 124 مرّة في العهد الجديد. منها 30 في الرسائل البولسيّة. رج تي 2:9؛ 1تم 6:1؛ 2تم 2:24. »تيوس« هو الله (1300 مرة في العهد الجديد). مع التعريف، يعني عادة: الله الآب. نجد »تيوس« 548 في الرسائل البولسيّة، منها 48 في الرسائل الرعائيّة (13 في تي، 22 في 1تم، 13 في 2تم). إن عبارة »عبد الله« تُستعمل هنا وفي يع 1:1 لتدلّ على شخص الكاتب. دلّت على المسيحيين بشكل عام في 1بط 2:16؛ رؤ 7:،7 وعلى موسى في رؤ 15:3.
»رسول« (أبوستولوس). 70 مرّة في العهد الجديد، 34 مرّة في الرسائل البولسيّة. رج 1تم 1:1؛ 2:7؛ 2تم 1:،1 11. في السبعينيّة أحيّا هو »أبوستولوس« (1مل 14:9)، لأنه أرسل (ش ل ي ح) إلى امرأة يربعام. »يسوع المسيح« (32 مرّة في »الرعائيّة«). في 1تم 5:11: المسيح. أما اسم يسوع فلا يرد أبدًا وحده في الرسائل الرعائيّة.
»حسب« (كاتا). ترد 471 في العهد الجديد. حسب، ترد ست مرات في تي 1:1-9 ثم في 3:،5 7. ثم 13 مرّة في 1تم-2تم. »مختاري الله«: »المختار« يرد هنا وفي 1تم 5:21؛ 2تم 2:10. وفي العهد الجديد: 22 مرّة. ترد اللفظة في السبعينيّة مئة مرّة ونيّف، ولكننا لا نجد »مختار الربّ« سوى مرّة واحدة (2 صم 21:،6 عن شاول).
ثانيًا: آ 2
»حسب الرجاء«. نجدها في بولس فقط، في روم 4:18؛ 5:2؛ 8:20؛ 1كور 9:10 (مرتين) وفي أع 26:6. في السبعينيّة، قرابة عشر مرات. »إلبيس« (الرجاء) يرد 53 مرّة في العهد الجديد (لا نجد اللفظ لا في الأناجيل ولا في سفر الرؤيا). 36 مرّة في الرسائل البولسيّة. رج تي 1:2؛ 2:13؛ 3:7؛ 1تم 1:1. »وعد« (إبانغالستاي): 15 مرّة في العهد الجديد. منها 12 مرّة في كلامنا عن الله: روم 4:21؛ غل 3:19؛ أع 7:5. قد يعدُ البشر، ولكن مواعيدهم ناقصة أو باطلة. رج 1تم 6:21. »الصادق« (أبسوديس، لا يكذب). لا نجد اللفظ إلا هنا في العهد الجديد. رج حك 7:17. »منذ الأزل«. حرفيًا: قبل الدهور الأزليّة. رج 1تم 1:9؛ روم 16:25. »خرونوس«، الزمن: 54 مرّة في العهد الجديد.
ثالثًا: آ 3
»أظهر«، »فانارون«. رج 1تم 3:16. يرد 59 مرّة في العهد الجديد، وبشكل خاص في الرسائل البولسيّة. »كلمة« (لوغوس). ترد 30 مرّة في الرعائيّة، منها خمس مرات في صيغة الجمع. 1تم 4:6؛ 6:3؛ 2تم 1:13؛ 4:15. ونقرأ »بستوس« (صادق) مع الكلمة في 3:8. و »كلمة الله« في 2:5؛ 1تم 4:5؛ 2تم 2:9 (مع التعريف: كلمة الله الآب). في 2:8؛ 1تم 4:12؛ 5:،17 تدلّ الكلمة على نشاط انسان يشارك بولس في الرسالة. وعبارة »كلمة الحق« (أليتايا) تعني التعليم الذي من عند الله، الذي لا يكذب. هذا ما يقابل »كلامهم« أي كلام المعلّمين الكذبة الذين يُفرغون القيامة (وبالتالي الحياة الأبديّة) من مضمونها. تيموتاوس هو المنادي بالكلمة، أما تيطس فبالكرازة (كيريغما) وإعلان الكلمة للامؤمنين. »بأمر« (إبيتاغي). بدأت هذه اللفظة تظهر في بداية القرن الثاني ق م، للكلام عن أمر ملكيّ (عز 1:16؛ حك 14:17؛ 18:15؛ 19:6؛ دا 3:16: 3مك 7:20). ترد في العهد الجديد سبع مرات وكلها في الرسائل البولسيّة.
رابعًا: آ 4
تيطس. اسم لاتيني يعني يمامة أو حمامة بريّة. يرد أيضًا في 2تم 4:10. ويُذكر إسم تيطس في غل (2:،1 3) و 2كور (2:13؛ 7:،6 ،13 14؛ 8:،6 ،16 23). الابن »الحقيقي« (غنيسيوس). رج 1تم 1:2. ولا ترد العبارة بعد ذلك في العهد الجديد ولا في السبعينيّة. أما »غنيسيوس« وحدها فترد فقط في الرسائل البولسيّة (في العهد الجديد). رج فل 4:3؛ 2كور 8:8؛ رج سي 7:18. »تكنون«، الابن. هكذا يسمّي الأكبرُ من هو أصغر منه. نجده مرارًا في السبعينيّة، وفي صيغة المفرد في سي بشكل خاص. في الرعائيّة، يعطى ، في صيغة المفرد، لتيطس وتيموتاوس فقط: 1تم 1:،2 18؛ 2تم 1:2؛ 2:1؛ رج 1كور 4:17؛ فل 2:22. أما صيغة الجمع فترد (ما عدا 1تم 3:12) مع فعل »إخاين«. تي 1:6؛ 1تم 3:4؛ 5:4: له أولاد. »المشترك« (كويني). لا يرد إلاّ هنا. في الرعائيّة يرد الفعل في 1تم 5:،12 والاسم في 1تم 6:22. رج روم 14:14.
»النعمة والسلام«. نجد هذا في السينائي والافرامي والبازي. ويضيف الاسكندراني »الرحمة« (إلايوس). خارج الرعائيّة، تبدأ الرسائل البولسيّة مع »النعمة معكم والسلام« (رج 1بط 1:2؛ 2بط 1:2؛ رؤ 1:4)، والمخاطب الجمع يقابله المتكلّم الجمع (الله أبينا). ترد لفظة »نعمة« (خاريس) 155 مرّة في العهد الجديد، 13 مرّة في الرعائيّة، 87 مرّة في سائر الرسائل البولسيّة. النعمة تبدأ »الرعائيّة« الثلاث (1تم 1:2؛ 2تم 1:2) وتنهي كل واحدة (تي 3:15؛ 1تم 6:21؛ 2تم 4:4؛ 22). ونجد »إيريني« (السلام) في بداية البركة، في 1تم 1:2؛ 2تم 1:2. ونقرأ »السلام« أيضًا في 2تم 2:،22 في لائحة الفضائل. ويبقى حضور اللفظ 87 مرّة في العهد الجديد، منها 39 في سائر الرسائل البولسيّة. من الله الآب (باتير). رج 1تم 1:2؛ 2تم 1:1: في بداية البركة. ثم نقرأ فقط »باتير« في 1تم 5:1 بمعنى الأب البشريّ. إن عبارة »من الله أبينا« تفتتح الرسائل البولسيّة (تنهي أف 6:23) ولا نجدها في موضع آخر من العهد الجديد. أما العبارة القريبة منها فهي 2يو 3: »نعمة، رحمة، سلام من الله الآب«. في آ ،3 الله هو المخلّص. وهنا يقال عن الابن الذي لا يُسمّى بهذا الاسم في »الرعائيّة«، كما لا يُسمّى »الرب« في تي.

ب - تعبير النصّ
أولاً: من بولس عبد الله (آ 1)
إن عبارات »عبد المسيح« »الله والمسيح«، »عبد ورسول المسيح« نجدها في يهو 1؛ يع 1:1؛ 2بط 1:1. استعمل بولس العبارة الأولى في روم 1:1. ولكنها المرّة الأولى يسمّي نفسه »عبد الله« ليدلّ على ارتباطه التام بالله والخدمة الفعليّة لسيّده الوحيد. حسب الاستعمال، عبد الله هو انسان يجعله الله خاصته (حج 2:23؛ زربابل). يكون تامًا و مستقيمًا (أي 1:8؛ 2:3؛ 42:8). لا يعود مُلك نفسه (1بط 2:6؛ رؤ 22:،3 6). وهو بشكل خاص، ممثّل الله، الذي يتكلّم ويعمل باسمه. يغمره الله بنعمه فيصبح وسيط العهد. ذاك كان وضعُ موسى (يش 1:7؛ نح 1:7-8... رؤ 15:3) وداود (1مل 8:26؛ 11:13) والأنبياء (عا 3:17؛ إر 7:25). نقرأ في 2مك 1:2: »ابراهيم واسحاق ويعقوب عبيده الأمناء« (رج مز 105:26). إذن هي عبارة تكريس دينيّة تشبه »رجل الله« (1تم 6:11). وهي لقب شرف للذي يمارس وظيفة في خدمة الله (مز 134:1؛ أع 16:17) وشعبه (لو 1:38).
بولس هو ممثّل الله في تدبير الكنيسة أو راعي القطيع (حز 34:23). وهو أيضًا رسول يسوع المسيح: أرسله الربّ وأعطاه سلطانه، فتكلّم باسمه، وما علّم سوى ما قاله له الربّ أن يعلّم حسب إيمانه. أي طُبع بايمانه الذي هو معيار الرسول الحقيقيّ. هو يتوافق مع الايمان الذي هو المجال الذي فيه تتمّ رسالته. بولس هو رسول من أجل خدمة إيمان المختارين: يحرّكهم، يدفعهم، يعلّمهم، يشجّعهم. توضَّح الايمانُ »بستيس« بالمعرفة (إبيغنوسيس)، فتحدّث عن أناس اختارهم الله كسامعين لكلمته وناعمين بخلاصه (2تم 2:10؛ رج روم 8:33). يبدو أن لفظة »مختارين« (إكلكتون) هي تسمية مميّزة لأعضاء الجماعة المسيحيّة في آسية الصغرى (أف 1:4؛ كو 3:12؛ 1بط 1:2؛ رج يو 15:16). لهذا جاءت نهاية هذه الآية فتصوّرت هذا الايمان كما يُعاش في الكنيسة: هو نتيجة نقل تقليد الرسل وتعليمهم. هو معرفة دقيقة وصحيحة للحقّ، معرفة 1تم 3:15-16 المعترف بها في العماد (1بط 1:22). وإقرار بالمسيح الربّ، حامل الوحي والخلاص (1تم 2:4-5؛ عب 10:26؛ رج 2تم 2:25؛ 3:7). هذا يعني الخضوع الأدبيّ (يع 1:22-23)، وأسلوب حياة خاصة »يوافق التقوى«. في هذا قالت أف 4:15: نعيش الحقّ بمحبّة. كما أن المعرفة تعارض معارف الهراطقة الضالّة، كذلك ترفض »التقوى« (اوسابايا) تنظيراتهم التي لا تعرف الأمانة للتقليد (1تم 6:3). فمهمّة مرسل المسيح هي في الوقت عينه مهمة المعلّم ومهمّة المربيّ (2تم 3:15-17). وتعليمه هو تعليم حقيقة دينيّة (1تم 6:20). إذن تعليمه آت من الله لكي يوجّه الانسان إلى الله.
ثانيًا: على رجاء الحياة (آ 2)
»على رجاء« (1تم 4:10؛ روم 4:18؛ 8:20...). ترتبط إما بالتقوى، وإما بالحقّ، وإما بالايمان والمعرفة، وإما بالرسول. ولكن بناء الجملة مع »كاتا« (حسب)، يدعونا لأن نرى توضيحًا للرسالة لدى مختاري الله. وموضوعها هو إبلاغهم إلى الحياة الأبديّة (3:7؛ 1تم 1:16؛ 6:،12 19؛ رج أع 13:48). رسالة من جهة، تعلّق الايمان من جهة ثانية، وهكذا يحقّق الله ما وعد به (إبانغالو). رج روم 4:21؛ 1تم 4:8؛ 2تم 1:1. منذ الأزل، وعد الله بأن يشركنا في حياته. والتزام الله الشخصيّ هو أساس أكيد لرجائنا، لأنه يُلزم صدق الله الذي لا يمكن أن يكذب (أبسوديس) أو يتراجع. إذن، بدت الحياة الأبديّة للمختارين أمرًا لا شكّ فيه. وهكذا رفع بولس الرسالة، فجعلها في إطار تدبير الخلاص كما رسمه الله منذ الأزل، قبل خلق العالم.
ثالثًا: أظهر كلمته (آ 3)
والبرهان بأن مواعيد الله ليست باطلة، هو أنه أظهر (فانارون، 1تم 3:16؛ روم 16:26) كلمته (أع 4:4) التي تلفّظ بها ابنه. أظهر الانجيل (يو 1:،14 18؛ عب 1:2؛ 2:3-4) الذي هو تحقيق الخلاص. وتحديدُ الزمن أمر معروف في الرجاء الاسكاتولوجيّ (مر 1:15؛ أع 1:7). فهو يرافق يقين قرار ناشط لا يتبدّل، تجاه إنباءات لا تعرف متى تتمّ: فالاله المخلّص يكشف عن نفسه في ساعة يحدّدها هو (1تم 2:16؛ 6:17)، فتوافق زمنَ الاستعدادات الطويل (روم 5:6؛ غل 4:4؛ أف 1:10). حُدّد الزمن. وحُدّدت الطريقة أيضًا: بإعلان إلى العالم، بكلمة اؤتمن عليها مناد لكي ينشرها في كل مكان (كيريغما، 1تم 2:7؛ 3:16؛ 2تم 1:11؛ 4:،2 17؛ كو 1:25-28). ولكي يكون هذا المنادي جديرًا بالثقة، عليه أن يرتدي السلطة الالهيّة وينال تعيينًا رسميًا (بستوتيناي، 1تم 1:11-13)، يؤتمن. فالرسل ممثّلو الله الذي لا يكذب (2كور 1:17-22) وحاملو كلمته الخلاصيّة. وما فعله بولس لم يكن بمبادرة شخصيّة، بل بأمر من الله (1تم 1:1: إبيتاغي). نال هذا الأمر من الله المخلّص الذي يختار خدّامه ليحقّق مخطّطه الخلاصيّ في وقت محدّد. وهكذا جعل بولس نفسه مع جميع المختارين (1تم 1:15-16) في قلب خلاص الله المجانيّ.
رابعًا: إلى تيطس ابني (آ 4)
سُمّي تيطس كما سُمّي تيموتاوس: الابن الحقيقيّ. ولده الرسولُ. هذا قد يعني أنه اهتدى على يد بولس (1كور 4:15؛ رج أع 11:17). وكيف تمّت هذه العلاقة بين الأب وابنه؟ حسب الايمان (بستيس) المشترك. إيمان بولس وإيمان تيطس. إيمان بولس وإيمان الجماعة (أع 2:44؛ 4:32)، نقرأ يهو 3: »الايمان الذين تسلّمه القديسون مرّة واحدة، كاملاً«. إذن، نحن أمام الايمان الذي يُعلنه جميع المسيحيين (2بط 1:1)، ايمان هو قاعدة الحقّ، كما قال الذهبيّ الفم. لم يذكر النصّ »الرحمة« (إلايوس) كما فعل في 1تم و2تم، فاكتفى بالكلام عن عبارة »الله المخلّص« وعمّا حقّقه »المسيحُ المخلّص«.

3 - قراءة إجماليّة
كان وضع كنيسة كريت دقيقًا جدًا. فالجماعات المسيحيّة ما زالت فتيّة، وهي لم تتنظّم بعد (آ 5). هي في مرحلة البدايات حيث تؤخذ الاتجاهات الأساسيّة من أجل المستقبل. لهذا حدّد بولس، منذ البداية، وبدون لبس، الطبيعة الدقيقة لمهمّته الرسوليّة: مهمّة شريفة لأنها كلها خدمة. فالرسول خادم (عبد = دولوس) أرسله سيّده، ومنحه ثقته، فجعله يتصرّف في الطاعة لما تسلّمه من أوامر.
بولس عبد، خادم، مكرّس كل التكريس لله. ليست مهمّته محدّدة في الزمن. فقد وهب نفسه بكليّتها لله حتى اعماق حياته ووجوده. تكرّس بولسُ بكليّته لله، فأرسله يسوع المسيح. وكان هذا الارسال جوهريًا جدًا، بحيث سمّى نفسه »الرسول« (أبوستولوس).
تقدّم آ 1-3 المعنى العميق للمهمّة الرسوليّة، فتقدّم شرحًا للفظ »رسول«. ينظر الكاتب أولاً إلى الرسالة في علاقتها بالايمان. فالسبب الأول لدعوة الرسول هو أن يدعو الناس إلى الايمان، ويساعد المؤمنين للتقدّم في إيمانهم. هنا نتذكّر روم 1:5: »نلت النعمة لأكون رسولاً من أجل اسمه، فأدعو جميع الأمم إلى طاعة الايمان« (أو الايمان والطاعة). وفي روم 10:14-،15 أوضح الرسول ضرورة إرسال مرسلين لكي يبلغ البشرُ إلى الايمان: »كيف يدعونه وما آمنوا به؟ وكيف يؤمنون وما سمعوا به؟ بل كيف يسمعون به وما بشّرهم أحد؟ وكيف يبشّرهم من لم يُرسل إليهم«. والمسيح نفسه قدّم الغاية من الارسال: أن تؤمن كل خليقة بكرازة الانجيل (مر 16:15-16). فإن كان بولس قد أرسل لكي يدعو الناس إلى الايمان، فعليه أن يسهر لكي يتثبّت هذا الايمان وينمو (1تس 2:13؛ 3:1-10). والايمان المذكور هنا ليس قاعدة الايمان، بل تعلّق الناس بتعليم الانجيل.
والذين يبلغون إلى الايمان هم مختارو الله. اصطفاهم لا بالنظر إلى استحقاقاتهم، بل بنعمة مجانيّة من لدنه (يو 6:44؛ 15:16؛ أع 13:48؛ روم 8:28-130. نجد موضوع الاختيار في قلب تاريخ بني اسرائيل (تث 4:37؛ 7:6-7؛ 10:15؛ 14:2). ويهدف الاختيار إلى تكوين شعب مقدّس. مكرّس حصرًا لله (خر 19:4-6). هذا شرف كبير، وهو في الوقت عينه مسؤوليّة ثقيلة سيتهرّب منها بنو اسرائيل مرارًا في تاريخهم. ورغم خيانات الشعب، ظلّ الله أمينًا لمواعيده.
أرسل بولسُ من أجل المختارين. وأرسل أيضًا من أجل انتشار معرفة الحقّ. في 2تم 2:،25 الاهتداء إلى المسيح (وبالتالي ولادة الايمان) يقود إلى معرفة الحقّ. وفي 2كور 2:14؛ 4:2-،4 معرفة الحقّ هي اكتشاف سرّ المسيح، في الايمان. حين يصير الانسان بالايمان، انسانًا جديدًا، يتجدّد دومًا من أجل المعرفة (كو 3:10). نحن لا نصل في خطوة واحدة إلى »كل الغنى الناتج عن الفهم التام الذي به ندرك سرّ الله، أي المسيح الذي فيه تكمن جميع كنوز الحكمة والمعرفة« (كو 2:،2 3). وقال بولس هنا، كما قال في 1تم 6:3: كل معرفة لا تقود حكمًا إلى الخلاص، بل فقط تلك التي توافق التقوى، تلك التي تنبع من حياة دينيّة.
وإذ يفكّر بولس في معنى المهمّة الرسوليّة، يضمّ الرجاء الاسكاتولوجيّ إلى الايمان. وهو في أف 1:15-،18 ذكر الايمان (آ 15) والمعرفة (آ 17)، والرجاء الذي ينبع من نداء الله »لكي تعرفوا إلى أي رجاء دعاكم، وأي كنوز مجد جعلها لكم ميراثًا مع القديسين«. فالايمان بالانجيل يدعو المؤمن لكي ينتظر من السماء الابن الذي أقامه الله من بين الأموات (1تس 1:9-10). وهذا الابن هو للمسيحيّ »رجاء المجد« (كو 1:27). فالمؤمن الذي تبرّر بالنعمة، ما زال ينتظر الميراث السماويّ. هو يعرف أنه خُلّص في الرجاء (روم 8:24). لهذا كان هدف المهمّة الرسوليّة فتح قلوب المؤمنين على هذا الرجاء العظيم. فهي في خدمة الايمان وخدمة الرجاء ومعرفة الحقّ.
بين »الأزمنة الأزليّة« التي فيها أعطي الوعد، في الماضي، وبين »الحياة الأبديّة« التي تنتظر المؤمنين في المستقبل، نجد زمنًا محددًا، هو زمن ظهور كلمة الله. وهذه الكلمة تظهر بالكرازة، باعلان الانجيل، بوحي السرّ »الذي بقي مكتومًا مدى الأزل وظهر الآن« (روم 16:25-26) بفضل كرازة الرسل في العالم كله (1كور 2:7-9؛ أف 3:3-12؛ كو 1:26-28).
وموضوع التعليم والمناداة (كيريغما) هو إعلان احتفاليّ للخلاص الذي يقدَّم، في يسوع المسيح، لجميع البشر، ولا سيّما للوثنيّين. وظهرت في الكرازة السمات التالية: يسوع أقيم ربًا بقيامته. والرسل هم شهود لهذه القيامة. بالايمان بالمسيح ينال المؤمن التبرير وغفران الخطايا. وبما أن الكرازة هي نداء إلى الايمان، فهي تتوجّه إلى اللامؤمنين. أما الفقاهة (التعليم المسيحيّ) فتتوجّه إلى المؤمنين.

خاتمة
ذاك هو مطلع الرسالة إلى تيطس. بولس أرسلها، كما يقول النصّ، وتيطس هو الذي تسلّمها. نال بولس لقبين متقابلين: عبد الله ورسول المسيح. وما تحدّد الناسُ الذين تتحدّث عنهم الرسالة. هم الذين اختارهم الله ودعاهم إلى الايمان. إذن، نحن أيضًا نستطيع أن نقرأ هذه الكلمة فنجد فيها ينبوع حياة. ذُكر الايمان الذي هو ارتباط بالله وتعلّق به لدى من سمع البشارة. وذُكر الرجاء في إطار وعد الله الذي لا يمكنه أن يتراجع عمّا وعد به. ووعدُه تحقّق في تجسّد الابن. وأعلن بواسطة الرسل. وهكذا تكون الكنيسة عائشة في إيمان بدأ مع الرسل، مع الذين عاينوا الربّ، وامتدّ إلى الجيل الثاني والجيل الثالث، حيث كُتبت تي. بل هو يمتدّ إلينا نحن الذين آمنا بالانجيل وتقبّلنا التقليد الآتي من الرسل. لهذا تكون لنا الحياة الأبديّة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM